ثروة عفاش وعائلته .. ثلاثون عامًا من النهب في ميزان الخيانة الوطنية
خاص الحقيقة ـ جميل الحاج
في ميزان الشرف الوطني، لا جريمة تفوق الخيانة، ولا خطر يوازي خطر من يطعن وطنه من الداخل.. ونهب مقدرات الشعب، وتسخبرها له ولعائلته وهذا ما جسّدته عائلة الخائن الهالك علي عبدالله صالح (عفاش)، التي حكمت اليمن بالحديد والنار منذ 1978م حتى 2011م، وهي فترة كان من الممكن أن تشهد فيها البلاد نهضة تنموية واقتصادية تضعها في مصاف الدول الخليجية الغنية بالنفط، إلا أن الواقع كان مغايرًا تمامًا، فقد تحولت ثروات الشعب اليمني إلى أرصدة خاصة لعلي عبدالله صالح عفاش وأسرته وحاشيته، ورهنت قراره الوطني، وفتحت أبوابه أمام الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية.
ثلاث عقود من النهب والفساد
منذ اليوم الأول لتوليه السلطة، لم يعمل عفاش على بناء دولة مؤسسات أو اقتصاد مستقل، بل أتقن سياسة “الرقص على رؤوس الثعابين”، مستخدمًا المال العام لشراء الولاءات، وتغذية الانقسامات، وإدارة الصراعات الداخلية.
ومن بين الفساد والنهب سنذكر بعض منها فقد احتفت30 مليار دولار من عائدات النفط بين عامي 1990 و2011 وفق تقارير دولية.. إلى جانب 60% من الإيرادات العامة خلال سنوات حكمه لم تدخل الموازنة الرسمية، بل ذهبت إلى جيوب العائلة والمقربين، في ظل وجود 65% من الشعب اليمني عايش تحت خط الفقر مع نهاية حكمه، رغم تدفق المليارات من النفط والمعونات الدولية.
ومن ضمن ما نهبه عفاش أكثر من 50 مليارات دولار أموال نقدية وعقارية مودعة في الإمارات والسعودية ومصر وأوروبا، بحسب تقارير مجموعة الخبراء الأممية 2015م.
إمبراطورية عائلة
حكم الهالك عفاش البلاد لأكثر من ثلاثة عقود مستنداً على دعم شبكة واسعة من المنتفعين، منهم من قام ببنائهم من الصفر، ومنهم من فتح سوق اليمن على مصراعيه لخدمتهم وفق نسبة من الأرباح يحصل عليها “صالح” أو أحد أفراد عائلته.
وتحولت عائلة عفاش إلى “مافيا مالية” تسيطر على مفاصل الدولة، فنجله الأكبر أحمد علي استحوذ على ما يزيد عن 3 مليارات دولار من عائدات بيع النفط وصفقات السلاح، وعقارات في دبي والقاهرة وباريس، إلى ذلك راكم يحيى محمد عبدالله صالح استثمارات عبر شركات مقاولات ونقل واتصالات في لبنان والإمارات، أما عمار محمد عبدالله صالح فقد استخدم موقعه في جهاز الأمن القومي لتسهيل صفقات غامضة في الاتجار بالسلاح والمشتقات النفطية.
اليمن بين الفقر والوصاية الدولية
وخلال حكم الهالك عفاش تراجعت مساهمة الزراعة في الناتج المحلي من 25% في الثمانينيات إلى أقل من 7% عام 2010، بعد تدمير الزراعة الوطنية.
وكذلك انهيار الخدمات الأساسية والذي أدى الفساد إلى انهيار شبه كامل في قطاعات الصحة والتعليم والمياه والصرف الصحي، مما حرم ملايين اليمنيين من أبسط حقوقهم .
وتدهور البنية التحتية من الطرق، والمستشفيات، والمدارس، وشبكات الكهرباء والمياه، كلها عانت من الإهمال والتدهور بسبب عدم تخصيص الأموال اللازمة لصيانتها وتطويرها، أو بسبب اختلاس الأموال المخصصة.
إلى ذلك تم إعاقة النمو الاقتصادي نتيجة الفساد المستشري أدى إلى طرد الاستثمارات، وتدهور بيئة الأعمال، مما أعاق أي محاولات لتحقيق نمو اقتصادي مستدام يمكن أن يرفع من مستوى معيشة المواطنين [5].
وزيادة الفقر والبطالة في ظل استنزاف الثروات وتدهور الاقتصاد، ارتفعت معدلات الفقر والبطالة بشكل كبير، مما دفع بالمزيد من اليمنيين إلى دائرة الفاقة .
تحالف الفساد مع الخارج
لم يكن عفاش مجرد فاسد داخلي، بل حوّل اليمن إلى ساحة نفوذ للأمريكيين والإسرائيليين، فقد وقّع اتفاقيات سرية للتعاون الأمني مع واشنطن وتل أبيب في مجال مكافحة ما يُسمى (الإرهاب)، فتحولت إلى غطاء للتدخل والسيطرة.
ارتبط عفاش بالولايات المتحدة الأمريكية بعلاقة تبعية كاملة، خصوصًا بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، حيث قدّم نفسه لواشنطن كـ”شريك لا غنى عنه” في ما سُمّي بالحرب على (الإرهاب)، الخائن عفاش فتح الأجواء اليمنية للطائرات الأمريكية بدون طيار، وسمح بإنشاء قواعد سرية لوكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، وأمدّها بمعلومات استخباراتية عن خصومه، كما منح شركات أمريكية وإسرائيلية احتكار توريد القمح والمشتقات النفطية والاتصالات. ليضمن بقاءه في السلطة بدعم أمريكي.
الإرث الأسود
رحل حكم الهالك عفاش تاركاً خلفة إرثًا ثقيلاً من الفساد وسوء الإدارة، أثر بشكل عميق على جميع جوانب الحياة في اليمن، لقد تحولت ثروات البلاد، التي كان من الممكن أن تضع اليمن في مصاف الدول المتقدمة، إلى أرصدة شخصية لعائلة صالح وحاشيته، مما أدى إلى إعاقة ممنهجة للتنمية وتدهور غير مسبوق في الخدمات الأساسية والبنية التحتية.
إرث حكم الهالك عفاش الأسود لا يزال حاضرًا: ثروة منهوبة، مؤسسات منهارة، وشعب حُرم من ثرواته لثلاثة عقود. واليوم، يحاول بقايا نظامه “العفافيش” إعادة إنتاج الخيانة نفسها لصالح قوى العدوان وخصوصا العدو الإسرائيلي، كما فعل زعيمهم بالأمس، غير مدركين أن الشعب اليمني الذي واجه العدوان لن يسمح بعودة حقبة النهب والتبعية.