اليمن يودع الشهيد الغماري على درب الفتح الموعود والجهاد المقدس

في صباحٍ امتزج فيه الحزن والفخر، غصّت ساحات ميدان السبعين وجامع الشعب بالآلاف من اليمنيين الذين توافدوا منذ أولى ساعات الفجر البارد لتشييع الفريق الركن محمد عبد الكريم الغماري، القائد الجهادي الذي نذر حياته ومماته لله، ولذود عن المستضعفين في الأمة والدفاع عن فلسطين، فكان خير مستثمر على دروب الشهادة الموصلة للعزة والتمكين والجنة، والحياة الأبدية بجوار النبيين والشهداء والصالحين، وأن يكون رفيق أولئك.

كانت الصور المرفوعة والرايات القرآنية اليوم تتمايل مع أصوات وهتافات الحشود، وكأن السماء نفسها تشارك في وداع بطل صنعته السماء بعناية الثقافة القرآنية وجوهر الرسالة الخاتمة، على نهج آل البيت عليهم السلام في الخروج على الظالمين والطواغيت في كل زمان ومكان.

كل شارع وكل ممر في صنعاء المؤدي إلى ميدان السبعين يعج بالوجوه المتيقظة، ورجال الأمن، ومن كبار السن إلى الصغار، ومن زعماء القبائل إلى علماء الدين، ومن العسكريين إلى المواطنين العاديين، جميعهم متحدون في رسالة وفاء لا تضاهى، وترسم لوحة جديدة مشرقة لتاريخ يكتبه العظماء بدمائهم وتضحياتهم وصدقهم ووفائهم لله ولرسوله وللذين آمنوا.

وسط الميدان، عكس المشهد مراسيم روحية وجهادية متكاملة؛ فرق التشييع واللجان التنظيمية شكلت صفوفًا متراصة بعناية، والتوجيه المعنوي مستمر على أيدي الضباط المتطوعين، فيما تتردد في الميدان هتافات العهد على مواصلة الطريق الذي رسمه الشهيد الغماري.

المشاهد تنطق بالوفاء: صور الشهيد مرفوعة على الأكتاف، والدموع تتساقط على وجوه الحاضرين، والهمس بالدعاء يتناثر بين الصفوف، والمديح وترديد أناشيد الوداع الأخير “لا إله إلا الله، لا يدوم إلا الله، لا إله إلا الله الشهيد حبيب الله، لا إله إلا الله محمد رسول الله، لا إله إلا الله علياً ولي الله، لا إله إلا الله فاطمة أمة الله، لا إله إلا الله القرآن كتاب الله، لا إله إلا الله، الحسنين صفوة الله…” وهكذا.

 

شدّد المشاركون على أن غياب القائد الغماري جسديًا لن يثنِ عزيمة القوات المسلحة اليمنية والشعب اليمني المجاهد العظيم، ولن يغيّر الموقف الوطني، وأن إرثه العسكري والتكتيكي سيستمر عبر تلاميذه وزملائه في قيادة المعركة.

ووصف الحاضرون الشهيد بأنه مهندس المعركة وحجر الزاوية في بناء الجيش اليمني الحديث، حيث جمع بين الاحتراف العسكري والبصيرة الاستراتيجية والبعد الإنساني الذي أكسبه احترام اليمنيين جميعًا، حتى من لم يلتقوه شخصيًا.

وألقى مفتي الديار اليمنية، السيد العلامة شمس الدين شرف الدين، كلمة أكّد فيها أن التعاون مع أعداء الأمة ردّة عن الإسلام وخيانة وطنية، داعيًا إلى التبليغ عن كل متعاون مع العدو. كما شدد على أن الشهادة في سبيل الله نور دائم للأحياء وباب للرحمة والمغفرة، مؤكدًا أن دماء الشهداء نبراس يضيء طريق الأمة في مواجهة الظلم والطغيان.

وأوضح قادة سياسيون وعسكريون أن القدرة التكتيكية التي أظهرها الشهيد الغماري ورفاقه في المعارك البحرية والبرية والجوية أضرت بموازين القوى لدى الأعداء، وأجبرت القوى الكبرى على إعادة حساباتها الاستراتيجية، مؤكدين أن اليمن قادر على مواجهة أي اعتداء بفضل التخطيط الاستراتيجي والقيادة الجماعية التي رسخها الشهيد.

كان التشييع الجماهيري الحاشد الغفير تجسيدًا حقيقيًا للوحدة الوطنية، إذ تجمع العلماء والزعماء السياسيون والقبليون والعسكريون والمواطنون العاديون من مختلف المحافظات والمناطق اليمنية، في مشهد روحاني ووجداني يماثل مشاهد تشييع الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي – رضوان الله عليه – والشهيد الرئيس الصماد – رحمة الله عليه -. إنه مشهد وحد القلوب والأفئدة من فلسطين وغزة إلى اليمن، ومن لبنان والعراق وإيران إلى مختلف البدان الحرة.

الجماهير حملت صور الشهيد ورايات المشروع القرآني، مرددة العهد على مواصلة المسيرة التي سطرها في حياتها القائد الغماري.

وخرجت الحشود في الميدان حاملة رسائل الوفاء بالدماء الزكية، مؤكدين أن دماء الشهداء لن تضيع، وأن إرثهم العسكري والروحي سيظل نبراسًا للأحياء في مسيرة الدفاع عن الوطن والأمة والفلسطينيين.

 

هذا اليوم لم يكن وداعًا لشخص فحسب، بل تجسيدًا لمفهوم الشهادة والجهاد في وجدان الشعب اليمني كله، على دروب معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس، إنه قطرات من بحر الشهادة الزكية في سبيل الله والتجارة الرابحة لشعب اليمني مع ملك السماوات والأرض، أنه يوم يقربنا ليوم النصر المحتوم والغلبة والتمكين.

الغماري ورفاقه الشهداء القادة والأفراد في محور المقاومة يشيعون اليوم مهراً يسيراً  لعزة الأمة ومجدها وضبط بوصلتها باتجاه المعركة المقدسة، تحرير فلسطين والمنطقة من الهيمنة الصهيوأمريكي.

 

قد يعجبك ايضا