شهيد الأمة والقضية… اليمن يودّع الفريق الغماري بطل غزة وصانع الانتصارات

ودّعت اليمن عظيمًا من عظمائها، وبطلًا أرخص روحه لله ولغزة بعد مسيرة جهادٍ ابتدأها طفلًا بهتاف الحق وصرخة “الموت لأمريكا والموت لـ “إسرائيل”” في الجامع الكبير بصنعاء.

إنه الشهيد المقدام، رئيس هيئة الأركان العامة، الفريق الركن محمد عبد الكريم الغماري.

وفي صباحٍ اليوم الاثنين امتزج فيه الحزن والفخر، غصّت ساحات ميدان السبعين وجامع الشعب بالآلاف من اليمنيين الذين توافدوا منذ أولى ساعات الفجر البارد لتشييع الفريق الركن محمد عبد الكريم الغماري، القائد الجهادي الذي نذر حياته ومماته لله، ولذود عن المستضعفين في الأمة والدفاع عن فلسطين، فكان خير مستثمر على دروب الشهادة الموصلة للعزة والتمكين والجنة، والحياة الأبدية بجوار النبيين والشهداء والصالحين، وأن يكون رفيق أولئك.

كانت الصور المرفوعة والرايات القرآنية اليوم تتمايل مع أصوات وهتافات الحشود، وكأن السماء نفسها تشارك في وداع بطل صنعته السماء بعناية الثقافة القرآنية وجوهر الرسالة الخاتمة، على نهج آل البيت عليهم السلام في الخروج على الظالمين والطواغيت في كل زمان ومكان.

من السجن إلى ميادين الجهاد

كانت أول مواجهةٍ له عام 2004م، حين اعتقله النظام العميل في صنعاء بتهمة رفع شعار: “الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لـ “إسرائيل”، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام”. واستمر في السجون ثلاث سنوات، ما بين الحرب الأولى على صعدة عام 2004م والحرب الثالثة عام 2007م، وخلالها واجه صنوف التعذيب ومرارة السجن والأسر.

وبعد تحرّره من السجن، خاض الشهيد الغماري معارك وقاد جبهات وصنع فتوحات حتى تطهّرت صعدة من نظام العمالة وجماعات التكفير.

كانت أول مواجهةٍ له عام 2004م، حين اعتقله النظام العميل في صنعاء بتهمة رفع شعار: “الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لـ “إسرائيل”، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام”. واستمر في السجون ثلاث سنوات، ما بين الحرب الأولى على صعدة عام 2004م والحرب الثالثة عام 2007م، وخلالها واجه صنوف التعذيب ومرارة السجن والأسر.

وبعد تحرّره من السجن، خاض الشهيد الغماري معارك وقاد جبهات وصنع فتوحات حتى تطهّرت صعدة من نظام العمالة وجماعات التكفير.

وتدرّج الغماري في مواقع القيادة حتى تولّى رئاسة هيئة الأركان العامة عام 2016، فكان منذ ذلك الحين العقل العسكري الأبرز في إدارة المعارك، وصاحب رؤيةٍ استراتيجيةٍ رسّخت قواعد الردع، وأعادت للجيش اليمني توازنه بعد سنوات الحرب الطويلة.

اتصف بشخصيةٍ صلبةٍ متواضعةٍ، وكان قريباً من الجنود والمقاتلين، يشاركهم الميدان، ويواسي الجرحى، ويشرف بنفسه على الخطط والتدريبات، مؤمناً بأن القيادة الحقيقية تُصاغ بالقدوة لا بالأوامر.

رائد التصنيع العسكري وقائد الجبهات

كان الشهيد الغماري من أبرز مؤسّسي التصنيع العسكري، وأسس مسارات التطوير للإنتاج الحربي.

تولّى قيادة الجبهات الحدودية في بدايات العدوان السعودي الأمريكي على اليمن، ثم عُيّن رئيسًا لهيئة الأركان العامة عام 2016م.

قاد عمليات التحرير في عددٍ من المناطق المحتلّة، وترأّس عمليات هجومية واسعة خلال فترة العدوان السعودي الأمريكي.

ثم تولّى قيادة عمليات الإسناد العسكرية اليمنية لطوفان الأقصى ومراحل التصعيد في معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس، ليختم مسيرة بطولاته وجهاده وفدائه بالشهادة على طريق القدس.

اليمن يشارك محور المقاومة في الجهاد

ومع اندلاع معركة “طوفان الأقصى” في أكتوبر 2023، لم يتردد الغماري لحظة في إعلان أن اليمن لن يقف متفرجاً على المجازر في غزة، بل سيكون جزءاً من معركة الأمة الكبرى.

ومنذ ذلك الحين، قاد الغماري ما عُرف باسم “معركة الإسناد لغزة”، التي فتحت جبهة البحر الأحمر وباب المندب نصرةً لفلسطين، مؤكداً أن “من لا يقف اليوم مع غزة، فلن يجد غداً مكاناً مع الأحرار”.

وتحولت تصريحاته إلى منهجٍ عملٍ وطنيٍ وإقليمي، إذ أعاد صياغة مفهوم التضامن العسكري مع القضية الفلسطينية، لا كشعارٍ سياسي، بل كواقعٍ عملياتي تجسّد في ردع العدو ومنعه من الإحساس بالأمان في محيطه البحري والجوي.

وكان الغماري يرى في صمود غزة مرآةً لصمود صنعاء، وفي المقاومة الفلسطينية امتداداً طبيعياً للمشروع التحرري العربي والإسلامي. واعتبر أن «القدس هي قبلة البنادق»، وأن الطريق إليها يمرّ عبر كل جبهةٍ ترفض الهيمنة والاستكبار.

وخلال التشييع الرسمي والشعبي، أكد مفتي الديار اليمنية العلامة شمس الدين شرف الدين أن استشهاد رئيس هيئة الأركان العامة الفريق الركن محمد عبدالكريم الغماري مع ثلة من المجاهدين لن يثنينا عن مواصلة دربنا في نصرة المظلومين والمستضعفين من عباد الله، والجهاد في سبيله، حتى نلقى الله وهو راضٍ عنا.

اليمن على العهد… والقدس أغلى

من دماء المواطنين تحت ركام المنازل إلى دماء أبطال الجيش في البحرية والجوية والصاروخية، إلى حكومة الشهداء رئيسًا ووزراء، ولن يكون ختامها رئيس هيئة الأركان، فاليمن على العهد لن تبدّل، والقدس والأقصى أغلى.

لقد جسّد الغماري معنى “العالم المقاوم” الذي يجمع بين العلم العسكري والإيمان القوي، وكان يؤمن بأن تحرير فلسطين ليس حلماً بعيداً، بل مساراً تصنعه دماء الرجال وصدق الموقف.

إن سيرة هذا القائد الشهيد ستظل تروى للأجيال القادمة مثالاً على أن اليمنيّ  مهما كانت معاناته لا ينسى القدس، وأن من يواجه الظلم في بلده، لا يتردد في مواجهة الظلم في أي مكانٍ على وجه الأرض.

وهكذا، يمضي اللواء الركن محمد عبدالكريم الغماري إلى عليائه، كما أراد دائمًا: شهيدًا لا يساوم، مرفوع الرأس، تاركًا وصيته الخالدة بأن “من أحبّ القدس، وجب عليه أن يقاتل من أجلها”.

قد يعجبك ايضا