تقارير تكشف موقفاً خليجياً متشدداً: لا إعمار في غزة دون نزع سلاح حماس
رسائل خليجية حاسمة لواشنطن: لا دعم لإعمار غزة مع بقاء سلاح حماس
غضب خليجي من التساهل الأمريكي مع حماس: الإعمار مشروط بنزع السلاح
السعودية والإمارات تحذران: إعمار غزة مرهون بتجريد حماس من السلاح
غاب كل من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ورئيس دولة الإمارات محمد بن زايد عن قمة شرم الشيخ التي جمعت الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والمصري عبد الفتاح السيسي، إلى جانب عدد من القادة، للاحتفال بما سُمي بـ”اتفاق وقف إطلاق النار في غزة”، وهو المشهد الذي قرأته وسائل إعلام أجنبية وعبرية كمشهد دبلوماسي حمل دلالات سياسية عميقة، كاشفة عن نظرة دول الخليج لهذه الصفقة وخشيتها من عدم تطبيق بند “نزع سلاح حماس”.
فقط كشف تقرير نشره موقع “إسرائيل هيوم” العبري، مشيرة إلى أن رسائل خليجية واضحة للبيت الأبيض قالت فيها أن دول الخليج هذه لن تستمر في العملية ما دامت حماس تحتفظ بأسلحتها وسلطتها في القطاع.
وفي هذا السياق، تبيّن أن الموقف السعودي سوف يستخدم ورقة الإعمار في محاولات فرض واقع جديد على قطاع غوة، حيث نقلت الصحيفة عن مسؤولين أن “السعودية ستخفض مستوى مشاركتها في تنفيذ الخطة، بل ومن غير المرجح أن تحضر مؤتمر إعادة الإعمار المزمع عقده في مصر الشهر المقبل، ما لم يكن هناك استجابة أمريكية حاسمة وتغيير في نهج الوسطاء لفرض شروط الخطة على حماس”.
وبالمثل، أكدت الإمارات العربية المتحدة أنها “ستواصل جهود الإغاثة وإعادة الإعمار فقط في الأجزاء الجنوبية من القطاع التي تسيطر عليها إسرائيل عسكرياً، لكنها لن تشارك في إعادة بناء المناطق الأخرى ما لم يتم وضع إطار عمل لنزع سلاح حماس والسيطرة المدنية والأمنية الكاملة من قبل القوات الدولية، وفقاً لما نصت عليه خطة ترامب”.
وفي سياق متصل، اعتبر موقع “ميدل ايست آي” البريطاني أن الغياب الخليجي عن قمة القاهرة لم يكن تفصيلاً بروتوكولياً، بل رسالة سياسية واضحة مفادها، كما نقلت مصادر سعودية وإماراتية ومصرية للموقع، أن “دول الخليج الثرية لن تسمح لمصر بخطف الأضواء أو جني الثناء على حسابها”.
القمة التي انعقدت في المنتجع المصري المطل على البحر الأحمر، جاءت في نظر البعض تكريساً للدور الذي أرادته واشنطن للقاهرة كوسيط أساسي في ترتيبات ما بعد الحرب في غزة، لكن الدور المصري كان مثيراً للجدل منذ البداية. فبينما استخدم كيان الاحتلال معبر رفح كورقة ضغط وأغلقت حدوده لأشهر، ساهم الموقف المصري في خنق غزة بدل تخفيف معاناتها، حيث بقيت السلطات المصرية متفرجة أمام المجاعة والحصار، بل وشنت حملة قمع داخلية ضد أي تعبير شعبي عن التضامن مع الفلسطينيين.
وفي الوقت الذي كانت فيه الأنظمة العربية تغلف مواقفها بخطاب “الوساطة والتهدئة”، كانت الشعوب تشاهد الإبادة الجماعية تتواصل في غزة. ومع تفاقم الغضب الشعبي، وجدت أنظمة الخليج نفسها تحاول الموازنة بين تطبيعها العملي مع الاحتلال الإسرائيلي وبين الخشية من تصاعد النقمة الداخلية ضد هذا الانحياز الصارخ.
وبحسب ما أورده موقع “ميدل إيست آي”، فإن “السعودية” والإمارات، بوصفهما الدولتين الأكثر ثراءً في المنطقة، تتجهان لتحمل العبء المالي الأكبر من مشاريع “الإغاثة وإعادة الإعمار”، ما يمنحهما نفوذاً سياسياً كبيراً في رسم مستقبل القطاع. ولهذا السبب، أرادتا أن تُظهرا أنهما صاحبتا القرار، لا مجرد ممولتين لمشروع تتصدر فيه مصر المشهد.
وأكد دبلوماسي مصري مقرب من الرئاسة للموقع أن إرسال بن سلمان وبن زايد وزراء بدلاً من الحضور شخصياً إلى القمة “أظهر ترددهما في منح القاهرة أي مكانة إضافية”. وأضاف المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أن “مصر قضت أسابيع تحت الأضواء الدولية بسبب وساطتها، وهو ما أثار استياءً في الرياض وأبوظبي اللتين تعتبران نفسيهما صاحبتَي النفوذ الأكبر لدى واشنطن”.
التقرير أشار إلى أن هذا التنافس ليس جديداً، بل يعكس خللاً متجذراً في علاقات القوى الإقليمية. فمصر التي كانت يوماً ما مركز القرار العربي، تراجع دورها بشدة خلال العقود الأخيرة، في مقابل صعود ثروة ونفوذ الأنظمة الخليجية التي باتت تتحكم في شرايين الاقتصاد المصري عبر القروض والمنح.
ومنذ انقلاب عبد الفتاح السيسي عام 2013، أصبحت القاهرة مدينة سياسياً واقتصادياً للرياض وأبوظبي، اللتين وفرتا له دعماً حاسماً مكّنه من تثبيت حكمه رغم الانهيار الاقتصادي والتراجع الشعبي. لذلك، لم تعد مصر في نظر حكومات الخليج سوى “شريك صغير” في معادلة تقودها العواصم الثرية وفق أولوياتها الخاصة.
لكن وراء مظاهر التنافس السياسي تكمن – كما نقل “ميدل إيست آي” – فجوة أيديولوجية أعمق. فالسعودية والإمارات تنظران إلى حركة المقاومة الفلسطينية (حماس) باعتبارها امتداداً لتيار الإسلام السياسي الذي يشكل كابوساً لكلا النظامين. بالنسبة لمحمد بن سلمان، تمثل حماس نموذجاً شعبياً دينياً يكتسب شرعيته من المقاومة، وهو نقيض مباشر لمشروعه القائم على “الانفتاح الليبرالي” الموجّه من الأعلى وإسكات الأصوات المعارضة.
ونقل الموقع عن مصدر سعودي مقرب من القصر الملكي قوله إن “المملكة تخشى من أن تلقى قصة حماس صدى لدى السعوديين الذين يتساءلون بالفعل عن الاتجاه الليبرالي الجديد في البلاد”.
وأضاف المصدر أن كلًّا من الرياض وأبوظبي كانتا “محبطتين” من نتائج المفاوضات، لأن وقف إطلاق النار لم يحقق مطلبهما الأساسي وهو “تفكيك حماس بالكامل”. فبالنسبة لهما، أي وجود متبقٍ للحركة، حتى لو لم تعد تحكم غزة، يشكل “قنبلة موقوتة”.
أما الإمارات، فقد واصلت قيادة حملتها الإقليمية ضد الإسلام السياسي بكل أشكاله، من جماعة الإخوان إلى حماس، معتبرة أن بقاء الأخيرة “سابقة خطيرة تهدد سلطة الدولة والأنظمة الملكية”. ونقل الموقع عن مصدر إماراتي مقرب من العائلات الحاكمة قوله إن “البلدين الخليجيين يعارضان أي هدنة تسمح لحماس بالبقاء”.
ويضيف تقرير “ميدل إيست آي” أن هذا الصراع على النفوذ بين القاهرة والعاصمتين الخليجيتين ليس سوى فصل جديد من منافسة ممتدة، إذ يسعى محمد بن سلمان لتقديم نفسه كـ”زعيم عربي جديد” و”صانع سلام إقليمي”، لكن بروز الدور المصري خلال المفاوضات الأخيرة حول غزة أزعجه بشدة، لأن الأضواء تحولت نحو القاهرة بينما كان هو يطمح لتصدر المشهد.
وأشار مصدر سعودي للموقع إلى أن بن سلمان رأى في نجاح مصر الدبلوماسي “إحراجاً شخصياً”، خاصة وأنه يحاول منذ سنوات بناء صورة الزعيم المتحكم في ملفات المنطقة من اليمن إلى السودان وفلسطين.
في المقابل، تدرك القاهرة أن غياب القادة الخليجيين عن القمة لم يكن مجرد صدفة، بل رسالة اعتراض واضحة على طريقة إدارتها للملف الفلسطيني. ونقل دبلوماسي مصري للموقع قوله إن “عدم حضورهم يبعث برسالة قوية بأن الرياض وأبوظبي غير راضيتين عن مقاربة مصر لقضية غزة”.
وأضاف أن الغياب الخليجي جاء في وقت تشهد فيه العلاقات الاقتصادية بين الطرفين توتراً غير معلن، مع تصاعد المنافسة بين السعودية والإمارات نفسها على النفوذ الإقليمي والاستثمارات الكبرى.
وفي حين حضر القادة الأتراك والفرنسيون والبريطانيون إلى شرم الشيخ، كان التمثيل العربي باهتاً ومحدوداً. أرسلت عُمان وسوريا ولبنان وفوداً دون قادتها، فيما خلا الصف العربي من حضور القادة الخليجيين البارزين.
وعلّق خبير أمني في الشرق الأوسط للموقع قائلاً إن “القمة كانت بياناً دبلوماسياً بحد ذاتها”، إذ كشفت مدى تفتت العالم العربي، المنقسم بين الشك في الخطة الأمريكية والخوف من التطبيع العلني مع إسرائيل دون تحقيق العدالة للفلسطينيين، ومحاولة احتواء الغضب الشعبي دون خسارة الرضا الغربي.
وختم محلل مقيم في القاهرة حديثه لـ”ميدل إيست آي” قائلاً إن “القمة كان يُفترض أن تبرز عودة مصر إلى موقع القيادة العربية، لكن المقاعد الشاغرة لقادة الخليج روت قصة أخرى: قصة كبرياء، وسياسات متصارعة، وتنافس لم ينتهِ بعد”.
هكذا، يعكس المشهد الذي رصدته “ميدل إيست آي” ليس فقط تآكل الوحدة العربية، بل أيضاً عمق الانقسامات التي تفتك بمعسكر التطبيع، حيث تتصارع الأنظمة الخليجية على الأدوار والمكاسب بينما يظل الشعب الفلسطيني وحده يدفع ثمن هذه الصفقات والخيانات المتكررة.
مرآة الجزيرة