من ثورةٍ محلية إلى قضية أمة كيف حمل 21 سبتمبر اليمن إلى فلسطين؟

عيسى السياني

في 21 سبتمبر لم يكن اليمن أمام تبديل وجوه في السلطة، بل أمام كسر لهيمنة امتدت لعقود انها لحظة فارقة تحولت فيها شوارع صنعاء ومحافظات اليمن إلى مشهد شعب يستعيد قراره من قبضة الخارج. لم تكن تلك ثورة في حدود الجغرافيا اليمنية بل إعلانا عن ميلاد مسار جديد . واليوم، بعد سنوات من ذلك التحول، تتجاوز الثورة أسوار الداخل لتضع نفسها في قلب قضايا الأمة وعلى رأسها فلسطين .

لكن، هل كانت الثورة مجرد حدث داخلي. لا ففي زمن استكانت فيه العواصم تحت أقدام البيت الأبيض، قررت صنعاء أن تقول القرار لنا فـ السفير الأميركي لم يعد الحاكم، والحكومة لم تعد في السفارات. فالثورة أعادت للشعب حقه في أن يكون سيد نفسه.. ومن قلب هذا الصخب، تولد الأسئلة: كيف تحوّلت الفوضى الأمنية إلى انضباط؟ وكيف انتقلت أجهزة مترهلة إلى أن تضبط 97% من الجريمة؟ـ؟ وكيف غدت مراكز الشرطة، التي كانت أوكاراً للنهب مؤسسات تخدم الناس..

إنها إحدى مفارقات الثورة أن تمسك بزمام الفوضى، وتحوّلها إلى نظام، في بلد كان الانفلات عنوانه الأبرز.

أما على مستوى السلاح، فالقصة أكثر درامية لقد دخلت اليمن الثورة عارية من قوتها العسكرية، بعدما جردت من دفاعاتها بيد النظام السابق ورعاته الدوليين

فكان الهدف الاستراتيجي أن تبقى البلاد بلا أنياب لكن الثورة اختارت غير ذلك و من نقطة الصفر بدأت إعادة التصنيع، من البندقية الخفيفة حتى الصاروخ الباليستي والطائرة المسيّرة… إلى أن صارت صنعاء واحدة من أربع عواصم تمتلك تقنية الصواريخ الفرط صوتية نعم إنه مشهد لم يتوقعه أحد، ولا حتى واشنطن نفسها…

وهنا يظهر التناقض الأوضح

في المناطق التي تحررت من الوصاية، تبدو السلطة قرارا وطنيا مستقلا، والمؤسسات الأمنية أكثر تماسكا، والقرار السياسي أكثر جرأة في مواجهة الخارج..

وفي الوقت الذي أعادت فيه ثورة 21 سبتمبر لليمن قراره المستقل، وسيادته في مواجهة أمريكا و”إسرائيل”، تكشف عدن – تحت سلطة الانتقالي وأبوظبي – وجهًا آخر للاحتلال؛ وفودٌ إسرائيلية تُستقبل علنًا،

أيُّ مفارقةٍ هذه؟ في صنعاء تُرفع رايات فلسطين ويُعلَن العداء لـ”إسرائيل”، وفي عدن يُستقبل وفدٌ صهيوني بابتساماتٍ رسمية!

ولقاءات مع قيادات سياسية وعسكرية تُسوّق على أنها “إنجاز” ففي صنعاء، تُرفع رايات فلسطين، وفي عدن تُرفع أعلام التحالف ويفتح أبوابه للتطبيع من بوابة الوصاية . في الشمال يُصنّع اليمني صواريخه الباليستية، وفي الجنوب تُكدّس القواعد العسكرية الأجنبية .

هذه ليست مشاهد متفرقة، بل مفارقات صارخة بين مشروع ثورةٍ تقول إنها تسعى للاستقلال، ومشروع تحالفٍ جاء بشعار “إعادة الشرعية” فإذا به يغرق المناطق التي يسيطر عليها في فراغٍ سياسي وأمني مفتعل فالثورة التي رفعت شعار الاستقلال، وجدت نفسها، بعد أعوام، في قلب فلسطين حيث لم يعد الدعم لغزة شعاراً عاطفياً، بل حشوداً مليونية تملأ الساحات أسبوعاً بعد أسبوع، في مشهد استنهاضي قلّ نظيره في المنطقة.

اليمن الذي كان يوصف بالهامشي، يقدم نفسه اليوم كصوت صاخب في معركة الأمة، ويعلن انحيازه المطلق إلى فلسطين… إلى غزة التي تواجه في نهاية عامها الثاني ابشع المجازر واشد الحصار من العدوا الصهيوني الجبان…

تقول الثورة إنها لم تأتِ للسلطة ولا للمناصب، وإن قائدها عبد الملك الحوثي لم يبع ولم يشتر ولم تغره الكراسي ولا الأموال لكنها بالمقابل قدمت لليمنيين شيئاآخر ولم يعودوا تحت وصاية أحد، وأن بلدهم،رغم الحرب والحصار، أصبح يملك قراره

لكن…

هل يكفي ذلك ليُكتب لهذه الثورة أن تبقى؟؟

هل يكفي أن تصنع صواريخ وتملأ الساحات لتنتصر في معركة الفتح الموعود معركة التحرك بالقران امام واقع امه تركت السيف وحملت الاوراق وصافحت اليد التى تصنع المكيدة وتحمل العداء والبغض لها..

الإجابة اليوم ليست نهائية فالثورة ما زالت تختبر نفسها في كل يوم بين مشروع وطني يقول إنه يعيد القرار لليمن، ومشاريع إقليمية تُقسّم الأرض والنفوذ بين شعب يرى في الاستقلال ضمانة للكرامة، وآخر يعيش في مناطق لم تتحرر بعد من ثقل الاحتلال الخليجي المهرول في عجلة التطبيع المحتل سياسيا و ثقافيا ودينيا..

في النهاية، يظل السؤال مفتوحا للجميع.

هل كانت 21 سبتمبر مجرد هبّة، أم منعطفاً غيّر وجه اليمن وأعاد رسم خريطته في وجدان الأمة. اليقين الوحيد أن الثورة كسرت صمت اليمن، وربطت صوته بصوت فلسطين. وما بين صخب المسيرات في صنعاء وصمت القواعد العسكرية في عدن، ولدت حكاية لم تُكتب نهايتها بعد…..

قد يعجبك ايضا