أهل اليمن درع ورمح الإسلام .. هكذا يرسمون نهاية الأحادية
كلما تأملت مشاهد اليمن العظيم، ارتجت في خاطري ذكريات العظمة والإيمان، *فتذكرت يعسوب الدين، أمير المؤمنين الامام علي بن أبي طالب (صلوات الله وسلامه عليه)، وهو يخاطب أهل همدان قائلاً:*
*يا معشر همدان، أنتم درعي ورمحي*
تصريحات لافتة نقلتها صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية عن مسؤولين كبار وصفوا اليمنيين بأنهم *”الأكثر جرأة في المنطقة”،* مع اعترافهم بأن ردعهم يكاد يكون مستحيلاً وأن *المواجهة المفتوحة معهم “ليست في صالح ~إسرائيل~”*
تحولات عميقة تبرز في البيئة الاستراتيجية الإقليمية التي لم تعد تخضع للمعادلات التقليدية التي فرضتها ~إسرائيل~ لعقود.
التصريحات هذه *ليست مجرد اعتراف عابر بالعجز التكتيكي أمام اليمن، بل تعكس إدراكاً متصاعداً داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بأن حقبة الهيمنة الأحادية قد ولى زمنها،* وأن قوى المقاومة في المنطقة قد طورت قدرات نوعية قلبت موازين الردع رأساً على عقب.
اليمن الذي ظل لسنوات يصور في الإعلام الغربي كدولة تعاني من اضطرابات داخلية وتراجع اقتصادي، يظهر اليوم كفاعل استراتيجي قادر ليس على تحدي القوى الإقليمية والدولية بل وحسب على فرض معادلته الخاصة التي ترتكز على الصمود والتطوير العسكري والمرونة اللوجستية
اليمن يتجلى اليوم في قدرته على إعادة تشغيل البنية التحتية الحيوية في العاصمة صنعاء بسرعة قياسية بعد كل قصف إسرائيلي.. *قدرة لم تكن متوقعة من قوة تعتبر نفسها “الأكثر تقدمًا في المنطقة”*
الاعتراف الإسرائيلي لم يأت من فراغ، بل هو نتاج تراكم قدرات اليمن العسكرية والفنية التي تجلت في عملياتها المستهدفة للسفن في البحرين الأحمر والعربي، والتي لم تكن مجرد عمليات رمزية بل ضربات استراتيجية هزت الأمن البحري الإسرائيلي والدولي وأجبرت شركات الشحن العالمية على إعادة حساباتها، مما شكل ضغطاً اقتصادياً كبيراً على ~إسرائيل~ التي تعتمد على الممرات البحرية في تجارتها مع آسيا وأوروبا.
عمليات اليمن البطولية لم تكن لتحقق هذا التأثير لولا القوة الايمانية العالية والدقة في التخطيط والتنفيذ والتطوير المستمر للأسلحة، بما في ذلك الصواريخ البعيدة المدى والطائرات بدون طيار التي تمكنت من اختراق الدفاعات الإسرائيلية المتطورة مراراً وتكراراً.
اليمن بات يمثل نموذجاً فريداً للمقاومة التي تعتمد على الحد الأدنى من الموارد لتحقيق أقصى تأثير استراتيجي، فبدلاً من الدخول في مواجهة مباشرة تقليدية، والتي كانت ستعطي ~إسرائيل~ التفوق بفضل تفوقها الجوي والتقني.. اختار اليمن استراتيجية غير متماثلة تركز على الأهداف البحرية والاقتصادية التي تسبب أضراراً كبيرة بتمويل أقل ومخاطر بشرية أقل.
استراتيجية اليمن الذكية هذه جعلت الرد الإسرائيلي التقليدي غير مجد، فكيف يمكن لدولة أن ترد على عمليات تستهدف سفناً تجارية في مياه دولية دون المخاطرة بعلاقاتها الدولية وتصويرها كمعتدية على حرية الملاحة.
الأبعاد النفسية لهذه التصريحات لا تقل أهمية عن الأبعاد العسكرية، *فوصف اليمنيين بأنهم “الأكثر جرأة” ليس مجرد تعبير عاطفي، بل هو انعكاس لصدمة ثقافية تعيشها المؤسسة الأمنية الإسرائيلية* التي اعتادت على خصوم يمكن توقع تحركاتهم وتحليلها عبر الوسائل التقليدية مثل الضغوط الاقتصادية أو التهديدات الدبلوماسية أو العمليات المستهدف.
أبناء همدان كسروا بقوة ايمانهم وقدراتهم العسكرية هذه القواعد بلعبتهم وفق منطق مختلف لا يعير اهتماماً للضغوط الدولية ولا للتوازنات الإقليمية، بل يركز على تحقيق أهدافه بغض النظر عن التكلفة.
تصريحات العدو الصهيوني تعكس فشله في الحرب الاستخباراتية ايضا، فبعد أكثر من عام من المحاولات لاختراق المشهد الاستخباري اليمني، وفق “جيروزاليم بوست”، حيث لم تنجح استخبارات العدو إنشاء شبكة فعالة داخل اليمن يمكنها تقديم معلومات دقيقة أو التأثير في القرارات، وهو فشل يعكس متانة البنية الأمنية اليمنية ووعي المجتمع بمخاطر الاختراق، بالإضافة إلى تعقيد البيئة اليمنية التي يصعب على الخارج فهمها أو اختراقها، ناهيك عن كشف صنعاء للعملاء بسرعة فائقة.
الفشل الاستخباري هذا يجبر ~إسرائيل~ على التعامل مع اليمن ككيان لا يمكن التنبؤ بردوده، مما يزيد من حالة التخبط في صنع القرار.
تصريحات العدو الصهيوني ليست مجرد اعتراف بالهزيمة التكتيكية أمام اليمن، بل هي إشارة على تحول أكبر في موازين القوى الإقليمية.. ولم تعد تل أبيب قادرة على فرض إرادتها بواسطة القوة الخشنة فقط، بل أصبحت مضطرة للتعامل مع فاعلين جدد يمتلكون إرادة صلبة وقدرات متطورة واستراتيجيات مبتكرة.
اليمن، من خلال ايمانه وصموده وتطوره العسكري، لم يثبت فقط قدرته على الدفاع عن نفسه، بل ساهم في إعادة تعريف معادلة القوة في المنطقة لصالح شعوبها وقضاياها العادلة، مما يفتح الباب أمام نظام إقليمي جديد متعدد الأقطاب لا مكان فيه للهيمنة والاحتلال