“إسرائيل” والمعضلة اليمنية: لا يمكن التعويل على ترامب
كما هو حال المستوى السياسي، تفاجأ المستوى الإعلامي في “إسرائيل” من إعلان ترامب وقف العدوان على اليمن، ما شكل، بحسب معلقين، ضربة قاسية لـ”إسرائيل”، لأن ترامب قال خلاله ضمناً، إن “إسرائيل” وحدها في مواجهة اليمنيين.
“المفاجأة” و”الدهشة” اللتان أصيب بهما المسؤولون الإسرائيليون، بعد إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، التوصل إلى اتفاق لوقف تبادل الهجمات مع حركة أنصار الله اليمنية، عُبر عنها بصمت شبه تام من قبلهم، حيث غابت التعليقات والردود على كلام ترامب. وفي مقابل ذلك، رفعوا لهجة التهديدات ضد حركة أنصار الله، وضموا إليها إيران، وحملوها مسؤولية الهجمات التي تستهدف “إسرائيل” انطلاقا من اليمن. كما ضمنوا تهديداتهم تلميحا إلى خيبة أملهم من الإدارة الأميركية، بتشديدهم على أن “إسرائيل” ستدافع عن نفسها، سواء ساعدها الأميركيون، أم لم يفعلوا.
وكما هو حال المستوى السياسي، تفاجأ المستوى الإعلامي في “إسرائيل” من إعلان ترامب، الذي شكل، بحسب معلقين، ضربة قاسية لـ”إسرائيل”، لأن ترامب قال خلاله ضمنا، إن “إسرائيل” لوحدها في مواجهة اليمنيين، إذ يوجد مصالح أميركية، ويوجد مصالح إسرائيلية، وليسا دائما متطابقتين. كما دل هذا الإعلان، وفقا لمعلقين أيضا، على أن ادعاءات نتنياهو بوجود تنسيق كامل مع ترامب، منفصلة عن الواقع، الأمر الذي يبرر لـ”إسرائيل” القلق والخشية من أن يتصرف ترامب معها في الموضوع الإيراني كما فعل مع اليمني، بحيث يوقّع على اتفاق سيء لـ”إسرائيل” مع إيران، ولن يكون أمام نتنياهو إلا القبول به “بصرير الأسنان”، أو المخاطرة بالدخول إلى احتكاكٍ مرتفع مع ترامب، ومهاجمة إيران.
وتزامن التصعيد الكلامي الإسرائيلي مع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن بلاده ستوقف الغارات في اليمن، وذلك بعد أن أبلغت صنعاء واشنطن أنها لا تريد القتال بعد الآن، بحسب ترامب. الأمر الذي فاجأ الإسرائيليين، و”أثار دهشة الحكومة الإسرائيلية، (وفقا لتقارير)، إذ لم يكن أحد في المؤسسة الإسرائيلية على علم بخطوة ترامب، لا رئيس الحكومة، ولا مستشاروه، ولا وزارة الأمن، ولا وزارة الخارجية، ولا أجهزة الاستخبارات، ولا السفارة الإسرائيلية في واشنطن”.
وبحسب ما نقلت تقارير اسرائيلية عن مصادر مطّلعة، إعلان ترامب جاء بعد “موجة من النشاط الدبلوماسي في الأيام الأخيرة بين الولايات المتحدة وسلطنة عُمان والحوثيين… (أدت) إلى التفاهم بين الولايات المتحدة الأميركية والحوثيين على عدم مهاجمة بعضهما البعض، بهدف تعزيز زخم محادثات الاتفاق النووي الإيراني”.
وفيما التزم معظم المسؤولين الإسرائيليين الصمت حيال تصريحات ترامب، قال وزير الخارجية جدعون ساعر، اليوم، ردا على سؤال حول ذلك: “لم نتلقَ إخطارًا مسبقًا، هذا ما يمكن قوله”، وأضاف بأن “الناس ينطلقون من فرضية أن الولايات المتحدة الأميركية تعمل عندنا، وأنه يجب أن تأخذ الموافقة (على خطواتها) منا… لا أنصح بأن نفكر أن دولة “إسرائيل” تدير العالم أو تدير واشنطن. لدينا حليف قوي جدًا، يمنحنا دعمًا سياسيًا هائلًا، لكنه لا يعمل عندنا… هذه إدارة ودية جدًا، (لكن) هل نتفق في كل الأمور؟ كلا”.
ونُقل أيضا عن مسؤول كبير في وزارة الأمن الإسرائيلية، قوله: “لقد فاجأنا ترامب بكل بساطة”، فيما أقر مصدر في مكتب نتنياهو بأنهم في “إسرائيل” لم يكونوا يعرفون مسبقا عن ذلك، بل سمعوا عن ذلك “عبر التلفاز”. وفي تعليق لافت على كلام ترامب، أعربمسؤولون إسرائيليون عن قلقهم من أن يتصرف ترامب مع الإيرانيين كما فعل مع الحوثيين وقالوا: “ترامب تخلى عنا، وإذا كان هذا ما يحدث مع الحوثيين، فما الذي سيحدث مع إيران؟”.
وأشارت تقارير إسرائيلية إلى أن المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية تواجه صعوبة في تحليل التطورات في ظل سلوك ترامب غير المتوقع، وأضافتبأنه جرى بعد إعلان ترامب “تقدير وضع دراماتيكي في المؤسسة الأمنية والعسكرية، حيث اجتمع القادة في محاولة منهم لفهم الصورة الحالية، وسط تقدير بأن كل ما يتعلق بالحوثيين مقابل “إسرائيل” لا يزال مفتوحا وقائما، وهم سيحاولون مهاجمة “إسرائيل” مجددا، وهذا ما حصل فعلا، وفقا لتقارير إسرائيلية، إذ “مع انتهاء جلسة تقدير الوضع، أطلق الحوثيون طائرة من دون طيار وفي وقت لاحق أطلقوا صاروخا”. الأمر الذي دفع بالمؤسسة الامنية والعسكرية إلى التقدير بحذر أن الحوثيين من الممكن جدا أن يحاولوا مهاجمة البنية التحتية في “إسرائيل”، لا سيما الكهرباء، التي على ما يبدو ستكون الهدف المفضل منهم حاليا.
التعليقات الإعلامية
تفاجأ المستوى الإعلامي في “إسرائيل”، كما هو الحال لدى المستوى السياسي، بإعلان ترامب، الذي سبقته الكثير من التحليلات والتعليقات في “إسرائيل”، من قبل المستوى الإعلامي عن التنسيق والتناغم بين “إسرائيل” والولايات المتحدة الأميركية، حول اليمن، والهجمات التي يشنها ضدها الطرفان. ولفت معلقون إلى أنه لم يكن لدى الحكومة الإسرائيلية وقت طويل للتفاخر بعد الهجومين الكبيرين في اليمن، فصور الحريق الكبير في صنعاء التي أثارت “نشوة خفيفة” في بعض قنوات التلفزة الإسرائيليةـ لم تصمد لوقتٍ طويل في العناوين، إذ بددها إعلان ترامب المدوي المتعلق بإيقاف الهجمات الأميركية ضد الحوثيين، والذي شكل ضربة قاسية لـ”إسرائيل”، فترامب قال ضمنا من خلال قراره هذا ما معناه: “طالما أنكم تهاجمون إسرائيل، بالتوفيق، هذا غير متعلق بي، وأنا غير مشارك به”. وحذر معلقون إسرائيليون من أن خطوة ترامب هذه، تثبت للجميع في الشرق الأوسط، أنه بنظر ترامب يوجد مصالح أميركية، ويوجد مصالح إسرائيلية، و(قد لا تكونان متطابقتان). ولفت معلقون بأن “إعلان ترامب هو رسالة قوية إلى المنطقة بأكملها: أدخلوا (هاجموا) إسرائيل، واتركونا وشأننا”، وأضافوا أن “ترامب عندما يقول أميركا أولاً، فهو يقصد أميركا أولاً، فمدلول سياساته هو أن الجميع يأتون بعد ذلك، ومنهم إسرائيل، ومن لم يفهم هذا، ويفضل العيش في الوهم، سيدفع الثمن”.
وأشار معلقون إلى أن إعلان ترامب أظهر أن ادعاءات نتنياهو بأنه على تنسيق كامل مع ترامب، منفصلة عن الواقع، فما حصل يشير إلى وجود مشاكل خطيرة للغاية في التنسيق والثقة بين حكومة نتنياهو وإدارة ترامب، ويثبت صعوبة اعتماد “إسرائيل” على دعمه لها، الذي بدا أنه مائع جدا ويعتمد على ما هو مناسب له فقط.
وحذر معلقون إسرائيليون من أن يتصرف ترامب في الموضوع الإيراني كما فعل مع اليمنيين، ورأوا أن مايجب أن يثير قلق نتنياهو أكثر هو الاحتمال المتزايد بأن يوقّع ترامب على اتفاق جديد مع إيران قريبًا، لن يكون عمليا مختلفًا كثيرا عن اتفاق إدارة أوباما في سنة 2015. وأشار معلقون إلى أنه في حال حصول هذا الأمر، “سيكون على نتنياهو قبول الاتفاق بصرير أسنان”، أما إذا اختار تنفيذ عملية ضد المواقع النووية الإيرانية، فعله أن يُدرك أن لذلك خطر مزدوج: ستجد إسرائيل صعوبة في تعطيل المواقع، التي ينتشر بعضها تحت الأرض، من دون مساعدة أمريكية؛ وخطوة كهذه ستقود إلى احتكاكٍ مرتفع بين حكومة نتنياهو وإدارة ترامب.
- المصدر: الميادين نت