إيران تتحكم بمجرى المعركة والكيان إلى زوال
بشير ربيع الصانع
ما نشاهده اليوم ليس إلا فصلًا من فصول التحوّل الحاسم في موازين القوى. إيران، التي واجهت ضربات مباغتة في بداية المشهد، لم تترنّح، بل امتصّتها بحنكة وهدوء، ثم أعادت تموضعها، واستلمت زمام المبادرة، وأصبحت تتحكم بمجرى المعركة بثقة القويّ الذي أعدّ لكل شيء عدّته، ولم يدع مجالًا للمفاجآت.
ضرباتُها الصاروخية، التي تتساقط بدقّة مدهشة، ليست فقط سريعة أَو دقيقة، بل مدمّـرة بشكلٍ يُفقد العدوّ توازنه وقدرته على المواجهة. لقد تجاوزت مرحلة الرد، إلى مرحلة الفرض والهيمنة والتأثير العميق على مسار المعركة.
بل وأكثر من ذلك، فقد باتت إيران تُخاطب العدوّ بلغته، وتعامله بمنطقه، وتستخدم الأدوات ذاتها التي كان يتفرّد بها لعقود. فعندما يصدر الكيان أوامر إخلاء لمنطقة في طهران، لا تردّ إيران ببيان شجب، بل تصدر في اللحظة نفسها أوامر مماثلة بإخلاء مناطق في قلب تل أبيب. إنه الردع بعينه، بل ردعٌ متقن لا يعرف التراجع ولا المساومة؛ لأَنَّ العدوّ لا يفهم إلا منطق القوة، ولا تردعه المجاملات أَو الدعوات، بل تُسكِته الضربات وتُلجمه المعادلة الصُّلبة.
الكيان الصهيوني، في المقابل، يعيش حالة من العجز المكشوف. لم يعد قادرًا على التعامل مع وابل الصواريخ التي تنهال عليه، ولا الحدّ منها، ولا حتى التخفيف من آثارها. بل إن دفاعاته الجوية، التي طالما تغنّى بها، تحوّلت إلى عبء ثقيل عليه، حَيثُ بات بعضها يتساقط على رؤوس المستوطنين بدلًا من التصدي للخطر. في مشهد يُجسد الذعر والعجز في أوضح صوره، ويكشف زيف ما كانوا يروّجون له من قدرةٍ عسكريةٍ خارقة.
ما نراه من ارتباك داخلي، ونزوح جماعي من تل أبيب عبر القوارب إلى قبرص، هو أقوى الشواهد على أن تقديرات “نتنياهو” كانت أوهامًا، وأن ملامح الهزيمة قد ارتسمت قبل أن تبدأ المعركة الحقيقية، التي تؤكّـد إيران أنها ما زالت في بدايتها.
لقد أخطأ قادة الكيان في قراءة المشهد، وظنّوا أنهم يملكون زمام الردع، فإذا بهم في موقع المنكفئين، المذعورين، المتخبطين، يستنجدون بحليفهم الأمريكي لإنقاذهم من المصير المحتوم. وها هو الرئيس الأمريكي يخرج مهدّدا إيران، لا لينهي المعركة، بل ليُسعف كيانًا يتهاوى تحت الضربات، ويتوسّل الدعم في لحظة الانكشاف الأكبر.
لكن أي تدخلٍ أمريكي، ولو كان كَبيرًا، لن يغيّر من النتيجة شيئًا. المعركة محسومة من قبل الله؛ لأَنَّ هذا الكيان تمادى في الطغيان، وأفسد في الأرض، وتجبّر فوق ما تطيق الأرض من ظلم.
إيران لم تدخل هذه المعركة من باب الانفعال أَو التسرع، بل جاءت إليها بثقة عقودٍ طويلة من التحضير. أربعة عقود من التهيئة، والتصنيع، والتربية، والتخطيط، والوعي العميق بمنطق السنن الإلهية، وبطبيعة المواجهة مع قوى الباطل. تقودها قيادة قرآنية لا تُخدع بالمظاهر، وتعرف كيف تفكّك عقيدة أهل الكتاب، وكيف تتعامل مع مكرهم، وكيف تحوّل كُـلّ تهديد إلى فرصة.
ما نراه اليوم هو انعكاس طبيعي لصبرٍ طويل، ووضوح في الرؤية، وثقة مطلقة بأن المعركة وإن طالت، فهي بإذن الله إلى نصرٍ عزيز.؛ لأَنَّ الحق لا يُهزم، والباطل مهما امتلك من قوة، فهو هشّ، إذَا ما واجهه من عرف الله وسننه، واستعدّ بما أمر، وتحَرّك بعين الوعي وسلاح العدل.
واللهُ غالبٌ عَلَى أمرهِ ولكِنَّ أكثر الناسِ لا يعلمُونَ.