عابد حمزة: من تراب فوط إلى ذرى الشهادة

عبد الرحمن الحمران

وُلد الشهيد عابد عبدالله حمزة عام 1977م في منطقة فوط بمديرية ساقين بمحافظة صعدة، ونشأ يتيم الأب، فاضطر منذ سنواته الأولى لتحمّل مسؤوليات أكبر من سنّه؛ جامعًا بين رعاية أسرته والعمل في إصلاح الأرض، مع حرصٍ شديد على متابعة تعليمه, حيث درس الابتدائية في مدرسة السلام، والثانوية في مدرسة التقوى، ثم التحق بجامعة صنعاء، لتبدأ ملامح شخصيته الواعية بالتشكل على نحو أوضح.

تأثر عابد مبكرًا بالمشروع القرآني الذي دعا إليه الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي – رضوان الله عليه – وكان من أبرز أبناء المنطقة الذين حملوا هذا الوعي بصدق وإخلاص, وقف في مواجهة محاولات الاختراق الفكري والمذهبي، وساهم في نشر الثقافة القرآنية بين الشباب، حتى أصبح واحدًا من الأصوات المؤثرة في محيطه الاجتماعي.

بعد الحروب الأولى على صعدة، انخرط عابد في العمل الجهادي والإعلامي معًا, متنقّلًا بين جبهات المواجهة مجاهدًا ثابتًا، يسطر ملاحم الشجاعة والصبر، وكاتبًا بارعًا حيث برز قلمه الحصيف وصوته الصادق.

التحق بموقع “أنصار الله” وصحيفة “الحقيقة”، وتدرّج في مهامه حتى أصبح مديرًا للتحرير، ثم رئيسًا لتحرير الصحيفة، إضافة إلى عضويته في اتحاد الإعلاميين اليمنيين ومؤسسة الشهيد زيد علي مصلح والهيئة الإعلامية لأنصار الله.

وإلى جانب عمله الصحفي اليومي، كان عابد من أكثر الإعلاميين حضورًا في الجبهات؛ حيث نفّذ عشرات الاستطلاعات الميدانية من الخطوط الأمامية في الجوف، جيزان، الساحل الغربي، الخوخة، المخا، ذوباب، كهبوب وغيرها. كان ينقل للقراء واقع المجاهدين ومعنوياتهم، مستخدمًا سلاحين لا يفارقان يده: الكلاشنكوف، وكاميرا “الحقيقة”.

تميّز بأسلوب كتابي رشيق، قادر على ربط الأحداث وتحليلها وفق رؤية قرآنية واضحة، وكثيرًا ما كان يرفد منشوراته بلمحات ساخرة وأمثال شعبية تزيدها تأثيرًا.

عرفه زملاؤه بسماحته، وتهذيبه، وطيب معاشرته، وكان ملتزمًا بالبرنامج اليومي لرجال الله: قيام الليل، قراءة القرآن، ومتابعة المستجدات بكل جدية, وعلى الرغم من فقده العديد من أقاربه “شهداء” خلال سنوات العدوان – منهم أخواله وشقيقه وأبناء عمومته – بقي ثابتًا، مؤمنًا بأن طريقه هو طريق الحق.

وفي إحدى معارك الساحل الغربي، ارتقى الشهيد عابد حمزة، بعد مسيرة حافلة بالصدق والإخلاص، جامعًا بين شرف الجهاد وهمّة الكلمة, رحل الجسد، وبقي أثره شاهدًا على إعلاميٍّ جسور، ومجاهدٍ صادق، كتب سيرته بمداد القلم… ثم ختمها بدم الشهادة.

قد يعجبك ايضا