حتى لا ننسى: هذه إنجازات وانتصارات المقاومة الإسلامية في لبنان في معركة طوفان الأقصى

في خضم الأحداث المتسارعة التي أعقبت عملية “طوفان الأقصى” البطولية في 7 أكتوبر 2023، وتحولها إلى معركة وجودية متعددة الجبهات، كان للمقاومة الإسلامية في لبنان حضورٌ وازن ودورٌ محوريٌ لا يمكن تجاهله. لقد مثّلت الجبهة الشمالية إسناداً حيوياً للمقاومة الفلسطينية في غزة، وساهمت بشكل كبير في استنزاف العدو الصهيوني وإرباك حساباته العسكرية والسياسية.
هذا التقرير، الذي نقدمه تحت عنوان “حتى لا ننسى: هذه إنجازات وانتصارات المقاومة الإسلامية في معركة طوفان الأقصى”، ليس مجرد سردٍ للأحداث، بل هو توثيقٌ للأفعال، ورصدٌ دقيقٌ للفاعلية الميدانية والاستراتيجية التي فرضتها المقاومة. يهدف هذا العمل إلى تذكير الأجيال بحجم التضحيات وعمق التأثير الذي أحدثته هذه الجبهة في مسار المعركة الشاملة. سنستعرض فيه الإنجازات العسكرية النوعية، والنجاحات الاستراتيجية التي أرغمت العدو على طلب وقف إطلاق النار ، مؤكدين على أن الذاكرة الجمعية يجب أن تحتفظ بهذه الانتصارات كشاهدٍ على صمود الأمة وقدرتها على المواجهة.

“طوفان الأقصى”، المعركة  التي بدأتها المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر 2023، منعطفاً تاريخياً في الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي. وفي سياق الرد الإقليمي المتكامل، برز الدور الكبير لحزب الله في لبنان كـ “جبهة إسناد” حيوية ومؤثرة. لم يكتفِ الحزب بالمراقبة، بل دخل المعركة مباشرة عبر فتح جبهة قتال نشطة ومستمرة على طول الحدود الجنوبية للبنان مع شمال الأراضي المحتلة.
كان الهدف الاستراتيجي الأسمى لهذا التدخل هو تخفيف الضغط العسكري الهائل عن قطاع غزة، واستنزاف القوات الإسرائيلية وإرباك قيادتها عبر إجبارها على خوض حرب على جبهتين في آنٍ واحد. لقد نجح حزب الله في تحقيق إنجازات ميدانية نوعية، شملت تكبيد الجيش الإسرائيلي خسائر فادحة في العتاد والأرواح، واستخدام ترسانة متقدمة من الأسلحة الموجّهة والطائرات المسيّرة، وإسقاط طيران العدو الاستخباري.
يتناول هذا التقرير بعض من التحليلات لكيفية ترجمة حزب الله لهذه الاستراتيجية إلى واقع عملي، مسلطاً الضوء على الفاعلية العسكرية التي أدت إلى تهجير  المستوطنين من شمال إسرائيل، وترسيخ معادلة ردع جديدة، وتأكيد دوره كشريك أساسي ومحوري في “محور المقاومة” في هذه المعركة الفاصلة.

البداية

أعلن  القائد العام لكتائب الشهيد عزالدين القسام محمد الضيف في كلمته المسجلة بعد هجمات السابع من أكتوبر:

“ يا إخواننا في المقاومة الإسلامية،
في لبنان وإيران واليمن والعراق وسورية،
هذا هو اليوم الذي تلتحم فيه مقاومتكم مع أهلكم في فلسطين، ليفهم هذا المحتل الرعديد أنه قد انتهى الزمن الذي يعربد فيه، ويغتال العلماء والقادة. قد انتهى زمن نهب ثرواتكم. قد انتهى القصف شبه اليومي في سورية والعراق. قد انتهى زمن مَن راهنوا على تقسيم الأمة، وبعثرة قوتها في صراعات داخلية. وآن الأوان أن تتّحد كل القوى العربية والإسلامية لكنس هذا الاحتلال عن مقدساتنا وأرضنا.
وفي الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وبعد يوم واحد فقط من اندلاع عملية “طوفان الأقصى”، أعلن حزب الله انخراطه في المواجهة لإسناد غزة عبر الجبهة الجنوبية للبنان مع فلسطين المحتلة. لم يكن القرار حينها عاطفياً أو انفعالياً، بل جاء وفق مقاربة واضحة بأن المقاومة الإسلامية ستكون في موقعها الصحيح تاريخياً، وأخلاقياً، ودينياً، ووطنيا. بهذا التحديد، وضع الحزب معادلة غير مسبوقة في تاريخ الصراع مع العدو الإسرائيلي، إذ رسم حدود الدور بدقة، ومنع خلال عام كامل انزلاق المنطقة إلى حرب كبرى.

في خطابه الأول بعد انطلاق عملية “طوفان الأقصى” المجيدة؛ قال الأمين العام لحزب الله السيد الشهيد القائد حسن نصر الله: “كانت لها نتائج إستراتيجية ستترك آثارها على حاضر هذا الكيان ومستقبله، وأحدثت زلزالًا أمنيًا وعسكريًا ونفسيًا ومعنويًا في الكيان الإسرائيلي”. لقد شكّل دخول حزب الله مبكرًا في هذه المعركة، في يومها الثاني في 8/أكتوبر 2024، الحدث الأهم والأبرز في سياقها، والعامل الأكثر تأثيرًا في مجرياتها الميدانية والعسكرية والسياسية “التكتيكية والاستراتيجية”

عمليات المقاومة الإسلامية في معركة طوفان الأقصى على مدار 366 يومًا

في الــ 27 من سبتمبر 2024م أصدرت غرفة المقاومة الإسلامية في لبنان بياناً كشفت فيه عدد العمليّات منذ انطلاقها في 08-10-2023 بلغ أكثر من 4637 عمليّة عسكريّة (مُعلن عنها) خلال 417 يومًا بمعدل 11 عمليّة يوميًا.

وقالت غرفة عمليّات المُقاومة الإسلاميّة في البيان رقم 4638: “دعمًا للشعب الفلسطيني الصامد، وإسنادًا لمُقاومته الباسلة والشريفة، ودفاعًا عن شعبنا اللبناني الصامد، أكملت المُقاومة الإسلاميّة طريقها ملبيةً أمر أمينها العام وشهيدها الأسمى سماحة السيد حسن نصر الله قدس سره الشريف، وحامل الراية من بعده، سماحة الأمين العام الشيخ نعيم قاسم حفظه الله، واستمرّت على عهدها وجهادها على مدى أكثر من 13 شهرًا”.
وأكَّدت أنَّ المقاومة “تمكنت من تحقيق النصر على العدو الواهم الذي لم يستطع النيل من عزيمتها ولا من كسر إرادتها، وكانت الكلمة للميدان الذي استطاع برجاله المُجاهدين الأطهار، المُتوكلين على الله تعالى من إسقاط أهدافه، وهزيمة جيشه، وسطروا بدمائهم ملاحم الصمود والثبات في معركتَي طوفان الأقصى وأولي البأس”.
ولفتت إلى أنّها شنت 1666 عمليّة عسكريّة متنوعة منذ بدء العدوان الإسرائيلي على لبنان وانطلاق عمليّات أولي البأس في 17-09-2024، وبمعدل 23 عمليّة يوميّا. استهدفت هذه العمليات مواقع وثكنات وقواعد جيش العدو الإسرائيلي، والمدن والمستوطنات الإسرائيلية بدءاً من الحدود اللبنانيّة الفلسطينيّة حتى ما بعد مدينة تل أبيب، كما تضمنت التصدي البطولي للتوغلات البريّة لقوات العدو داخل الأراضي اللبنانيّة”.
وأضاف البيان: “في إطار عمليّات “أولي البأس” نفذت المُقاومة الإسلاميّة 105 عمليّات عسكريّة، ضمن سلسلة عمليّات خيبر النوعيّة، استهدفت من خلالها عشرات القواعد العسكريّة والأمنيّة الإستراتيجيّة والحساسة، والتي جرى استهدافها للمرّة الأولى في تاريخ الكيان، باستعمال الصواريخ النوعيّة البالستيّة والدقيقة، والمُسيّرات الانقضاضيّة النوعيّة التي وصلت حتى ما بعد تل أبيب، بعمق 150 كلم داخل الأراضي الفلسطينيّة المُحتلّة”.
هذا، وأعلنت غرفة عمليات المقاومة عن “الحصيلة التراكميّة للخسائر التي تكبدها جيش العدو الإسرائيلي منذ إعلانه عن بدء التقدم البرّي داخل الأراضي اللبنانيّة في 01-10-2024 وحتى تاريخ إصدار هذا البيان:
– مقتل أكثر من 130 جندياً وضابطاً وأكثر من 1250 جريحاً.
– تدمير 59 دبابة ميركافا، و11 جرّافة عسكريّة، وآليّتي هامر، ومُدرّعتين، وناقلتي جند.
– إسقاط 6 مُسيّرات من طراز “هرمز 450″، ومُسيّرَتين من طراز “هرمز 900″، ومُحلّقة “كوادكوبتر”.
مع الإشارة إلى أنّ هذه الحصيلة لا تتضمّن خسائر العدوّ الإسرائيلي في القواعد والمواقع والثكنات العسكريّة والمُستوطنات والمُدن المُحتلّة”.
وأكَّدت في بيانها أنَّه “طوال العمليّة البريّة لجيش العدو الإسرائيلي داخل الأراضي اللبنانية، ومنذ 01-10-2024، وبفعل ثبات مجاهدينا في الميدان، لم تفلح محاولات القوات المعادية المتوغلة في الاحتلال والتثبيت في أي بلدة من بلدات النسق الأول من الجبهة – علمًا أن هذه البلدات كانت تتعرض للاعتداءات منذ بدء “طوفان الأقصى”- كما لم تفلح في إقامة منطقة عسكريّة وأمنية عازلة كما كان يأمل العدو، وكذلك لم تتمكن من إحباط إطلاق الصواريخ والمُسيّرات على الداخل المُحتل؛ وحتى اليوم الأخير من العدوان، واصل مجاهدونا استهداف عمق العدو من داخل البلدات الحدوديّة”.
وأشارت إلى أنَّ “المرحلة الثانية من العمليّة البريّة لم تكن إلا إعلانًا سياسيًا وإعلاميًا، إذ لم يتمكن العدو من التقدم إلى بلدات النسق الثاني من الجبهة، وتلقى خسائر كبيرة في الخيام التي انسحب منها ثلاث مرّات، وعيناثا، طلوسة، وبنت جبيل والقوزح. فيما كانت محاولة التقدم الوحيدة إلى بلدات البيّاضة وشمع في القطاع الغربي، والتي أصبحت مقبرة لدبابات وجنود نخبة جيش العدو الذين انسحبوا منها تحت ضربات المجاهدين”.
وأوضحت أنَّ “خطط المُقاومة الدفاعيّة مبنيّة على نظام الدفاع البُقَعي، ولقد أعدّت المُقاومة أكثر من 300 خط دفاع جنوبي نهر الليطاني، كانت كل بقعة فيها على أعلى مستوى من الجاهزية من حيث العديد والعتاد والإمكانات، وما حصل في البيّاضة والخيام خير دليل”.
وشدَّدت غرفة عمليّات المُقاومة الإسلامية على أن مجاهديها ومن مُختلف الاختصاصات العسكريّة سيبقون على أتم الجهوزيّة للتعامل مع أطماع العدو الإسرائيلي واعتداءاته، وأن أعينهم ستبقى تتابع تحركات وانسحابات قوّات العدو إلى ما خلف الحدود، وأيديهم ستبقى على الزناد، دفاعاً عن سيادة لبنان وفي سبيل رفعة وكرامة شعبه.
هذا، وتوجّهت إلى الأهالي الشرفاء بالقول: “يا أكرم الناس وأطهر الناس وأشرف الناس، يا شعبنا العزيز والأبي، يا أبناء وطننا الأحرار، يا من حطّمتم بصمودكم الأسطوري وتضحياتكم التي لم تقف عند حدّ أوهامَ العدو، فكان النصر من الله تعالى حليف القضيّة الحقّة التي احتضنتموها وحملتموها عائدين إلى قراكم وبيوتكم بشموخ وعنفوان؛ تجوبون بالنصر أرجاء الدنيا، وتحملون الراية الشامخة والراسخة في الميدان والوجدان، والتي ستبقى عصيّة على القهر والعدوان”.
وأكَّدت أن “المُقاومة الإسلاميّة التي قدّمت في سبيل الله والدفاع عن أرضها وشعبها، وعلى طريق نصرة المظلومين في فلسطين، خيرة قادتها ومجاهديها، تتوجه اليوم إليكم، وإلى كل الأحرار في العالم، وللمجاهدين في الساحات، بتحيّة السلاح والجهاد والشهادة والنصر”.
وختمت غرفة عمليات المقاومة معاهدةً “باسم مجاهديها وفرسانها كل الدماء الزاكية، والأرواح الطاهرة، بأن تكمل طريق المُقاومة بعزيمة أكبر، وبأن تستمر في الوقوف إلى جانب المظلومين والمستضعفين والمجاهدين في فلسطين بعاصمتها القدس الشريف التي ستبقى عنواناً وطريقاً للأجيال الحالمة بالحرية والتحرير”.

المقاومة الإسلامية في لبنان في بيانها رقم 4638 : حققنا النصر على العدو الواهم ونتابع انسحاباته وعلى أتم الجهوزيّة للتعامل مع اعتداءاته

 

 

عند الحديث عن الدور البطولي والتاريخي الذي أداه حزب الله – وما يزال- في معركة “طوفان الأقصى” ؛ لا بد لنا من دراسة ذلك وفقًا لمراحل المعركة وتطوراتها أولًا، وإلقاء الضوء على نتائجه على الأصعدة الميدانية والسياسية والعسكرية والأمنية كافة، وانعكاسات كل ذلك على معادلات الصراع الإقليمية والعالمية.

المراحل العسكرية للمقاومة الإسلامية:

بدأ حزب الله المرحلة الأولى، في اليوم التالي لـــ”طوفان الأقصى” مباشرة، معلنًا تدشين ما اصطلح عليه لاحقًا “جبهات الإسناد” دعمًا للمقاومة الفلسطينية في غزة خصوصًا. وشملت هذه المرحلة استهداف مرابض ونقاط تجمع والمواقع العسكرية وأبراج المراقبة الخاصة بجيش الاحتلال “الإسرائيلي” على طول الشريط الحدودي بين لبنان وفلسطين المحتلة، وبعمق لا يتجاوز 5 كلم. وتزامنت هذه المرحلة مع المرحلة الأولى من العدوان الذي بدأه جيش العدو في شمال قطاع غزة بالتوازي، واقتصر حزب الله على استخدام الأسلحة القصيرة المدى، وخاصة القذائف المضادة للدروع.

في المرحلة الثانية؛ انتقل حزب الله إلى توسيع دائرة عملياته تزامنًا مع انتقال العدوان “الإسرائيلي” على قطاع غزة في مخيماته، شمالاً ووسطًا وإبادة جماعية وتدميرًا ممنهجًا مع طرح مخطط التهجير، فشملت عمليات الحزب الجليل الأعلى بأكمله وصولًا إلى الجليل الغربي. وبدأ خلالها الحزب باستخدام صواريخ تقليدية متوسطة المدى مثل “بركان وفلق” ذات القدرة التدميرية الأكبر والمدى الأطول، مستهدفًا مقرات الفرق والكتائب العسكرية ومقرات القيادة في شمال الجليل، وأدخل سلاح المسيّرات في المعركة، وتميزت هذه المرحلة باستهداف قاعدة “ميرون” الجوية الاستخباراتية في جبل الجرمق.

في المرحلة الثالثة؛ أدخل الحزب سلاح المسيّرات الانقضاضية إلى جانب صواريخ “بركان وفلق”، ووسّع عملياته لتشمل الجليل الأوسط امتدادًا من طبريا وصفد وصولًا إلى الجليل الغربي. كما بدأ باستهداف مواقع العدو في الجولان السوري المحتل. وتزامنت هذه المرحلة مع مجازر العدو وحرب الإبادة التي يمارسها في وسط قطاع غزة، وصولًا إلى جنوبه وتهجير سكان الشمال والوسط نحو الجنوب، والتهديد باجتياح مدينة رفح التي تحولت إلى ملجأ للنازحين والمهجرين من وسط القطاع وشماله.

المرحلة الرابعة؛ بدأها الحزب بعد اغتيال العدو “الإسرائيلي” للقاىد الجهادي فؤاد شكر، ودشنها بعملية نوعية استهدفت قاعدة “جليلوت” الجوية الاستخباراتية، والتي تضم مقرات لـ”الموساد” و”الوحدة 8200″، واستخدم الحزب سلاح المسيّرات التي وصلت إلى أهدفها في وسط الكيان بعد إغراق “القبة الحديدية” بعشرات صواريخ الكاتيوشا. كما شملت هذه المرحلة توسيعًا للاستهدافات لتصل إلى عمق 70 كلم مستهدفة قواعد ومقرات ومواقع الاحتلال في الجليل الأسفل، ولامست وسط الكيان بما في ذلك صفد وعكا وحيفا، وتزامنت مع حصار مطبق على مدينة رفح وقطاع غزة وارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين ليصل إلى 40000 شهيد، معظمهم من النساء والأطفال. كما تزامنت مع إطلاق حملة تهديدات من الكيان وحليفه الأمريكي للبنان، وقيام العدو بتحشيد قواته على الحدود مع لبنان، ونقل جزء من فرقه وألويته من غزة، وهروب ما يقارب 300 ألف مستوطن من مستعمرات الشمال إلى الوسط نتيجة عمليات حزب الله مع استحالة إعادتهم.

المرحلة الخامسة؛ لعلها المرحلة الأكثر خطورة في سير المعركة، وبدأت بعد أن لجأ الكيان “الإسرائيلي”، بدعم وتخطيط مع الجانب الأميركي، إلى عمليات الاغتيال الغادرة، والتي بدأها باغتيال الشهيد القائد فؤاد شكر تبعها مجزرة “البيجرات” الإرهابية وتفجير أجهزة الاتصال اللاسلكية مستهدفًا قتل 5000 لبناني، وضرب منظومة قيادة حزب الله باستهداف أكبر عدد من قادته، وكذلك اغتيال القائد الجهادي إبراهيم عقيل وكوكبة من رفاقه، وردّ حزب الله في حينها على هذه العملية باستهدافه قاعدة “رامات دافيد” الجوية مستخدمًا صواريخ “فادي1″ و”فادي2” للمرة الأولى، مكثّفًا من عمليات الاستهداف لمواقع العدو في الوسط والشمال، فتميزت هذه المرحلة بأنها كانت البداية الفعلية للحرب المباشرة بين الكيان “الإسرائيلي” ولبنان.

المرحلة السادسة؛ دخل الصراع مرحلة جديدة ومصيرية بعد أن ارتكب الكيان “الإسرائيلي” جريمة اغتيال القائد الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله، في الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت، بعد إمطارها بعشرات الأطنان من القنابل الموجهة وقنابل الأعماق التي زودته بها واشنطن؛ ظنًا منه أن هذا الاغتيال وما تبعه من جرائم وحشية ومستمرة بحق لبنان سيؤدي إلى انهيار الحزب واستسلامه، ليتفاجأ العدو سريعًا بأنه فشل في استهداف منظومة التحكم والسيطرة في الحزب. فقد انتقل إلى مرحلة جديدة من الثأر والانتقام والحساب المفتوح مع الكيان “الإسرائيلي”، والتي شملت حتى الآن استخدام صواريخ “فادي ٣” و”فادي ٤” و”فتاح”، تحت مسمى “عمليات خيبر”، بينما يسطر مجاهدوه عمليات بطولية على الحدود بوجه جيش العدو الذي يحاول عبثًا تحقيق اختراق حدودي، بالتوازي مع إغراق الحزب لكامل مناطق الشمال والوسط بالقذائف والصواريخ والمسيّرات. وآخر عملياته كان استهداف مدينة حيفا للمرة الأولى بالصواريخ؛ فيما يبدو وكأنه تفعيل لمعادلة جديدة بعد صبر استراتيجي على العدو استمر لمدة عام كامل، بعد أن كثّف من جرائمه الوحشية في استهداف المدنيين في بيروت والبقاع والجنوب وبعلبك. ويمكن القول عن هذه المرحلة بأنها مرحلة الحرب المفتوحة التي سقطت فيها كل قواعد الاشتباك، وانتقلت المعركة إلى حرب وجودية لا تراجع فيها .

نتائج عمليات حزب الله :

ممّا لا شك فيه أن لدور حزب الله، في كل مرحلة من مراحل المعركة، نتائج التكتيكية الخاصة بكل مرحلة، وتجتمع تلك النتائج معًا لتحقيق أهداف استراتيجية في إطار الصراع المستمر والوجودي مع الكيان الإسرائيلي، والذي لا يمكن بأي حال فصله عن الصراع العالمي المستجد على أساس أن هذه المعركة تجري في الجغرافيا الأهم عالميًا.
يمكن لنا إجمال تلك النتائج بالآتي:
أولًا: في الجانب الإنساني؛ نجح حزب الله عبر حصر استهدافاته طوال عام بالمواقع العسكرية “الإسرائيلية” في مقابل جرائم العدو بحق المدنيين بتظهير الوجه الإجرامي للكيان وحليفه الأميركي، وتثبيت ذلك في وجدان وذاكرة شعوب المنطقة والعالم.

ثانيًا؛ نجح حزب الله في تفعيل معادلة وحدة الساحات وجبهات الإسناد، وربط وقف إطلاق النار على كامل الجبهات بوقف العدوان على غزة، وتثبيت ذلك معادلةً دائمة.

ثالثًا؛ كان لحزب الله الدور الرئيس في صمود المقاومة الفلسطينية في غزة ميدانيًا من خلال تخفيف الضغط عنها عبر الجبهة الشمالية ومنع إسقاطها، وسياسيًا من خلال دعمها لتحسين موقفها التفاوضي .

رابعًا؛ كان لحزب الله الدور الرئيس في إحباط مؤامرة تهجير الفلسطينيين في غزة عبر مقابلتها بتهجير المستوطنين من مستعمرات الشمال وحتى الوسط. كما كان له الدور الحاسم في منع اجتياح رفح، في ظل خوف “إسراىيل” من اجتياح قوة الرضوان لشمال فلسطيني المحتلة.

خامسًا؛ نجح حزب الله في إعادة الصراع الوجودي مع الكيان الإسرائيلي إلى الوجدان العربي والإسلامي، بعد سنوات من محاولات دمج “إسرائيل” في المنطقة عبر اتفاقيات السلام المذلة.

سادسًا؛ نجح حزب الله في إحباط المناورات والمخططات الأمريكية- “الإسرائيلية” التي كان يحملها الدبلوماسيون الأميركيون في كل جولة لها إلى المنطقة، وعلى رأسهم وزير الخارجية “بلينكن”، والتي كانت تهدف جميعها إلى تمرير ما عجزت عنه “إسرائيل” في الميدان.

سابعًا؛ كان لحزب الله الدور الرئيس في الحفاظ على نتائج عملية “طوفان الأقصى”، وخاصة ما يتعلق منها بالمعادلات الجيوسياسية الجديدة في الإقليم، وما يتعلق منها بإعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة.

ثامنًا؛ تمكّن حزب الله من فرض قواعد اشتباك عسكرية جديدة مع الكيان “الإسرائيلي” جوهرها ترابط الجبهات .

تاسعًا؛ أسهم حزب الله في تحقيق معادلة توازن ردعي منذ دخوله في المعركة في مقابل التحشيد العسكري الأمريكي المتنوع والكبير لدعم ونجدة للكيان “الإسرائيلي” .

عاشرًا؛ على الرغم من فارق القدرات العسكرية و والتكنولوجية والدعم الهائل المقدم للكيان الإسرائيلي من الولايات المتحدة و الغرب الجماعي ، فقد نجح حزب الله من خلال عملياته النوعية و بسالة مجاهديه من تظهير هشاشة الكيان داخلياً و عسكرياً وحتى اقتصادياً ووجودياً ، وأنه بات اليوم أقرب للزوال من أي يوم مضى منذ نشأته .

الحادي عشر ؛ شكّل حزب الله العامل الأهم والأبرز في رسم وتثبيت الدور والموقع “الجيوسياسي” لجبهة المقاومة في المنطقة والعالم .

الثاني عشر؛ بتغطيته لشرق المتوسط الذي يقع ضمن نطاق نفوذه وصولًا إلى قبرص، ومن خلال قدراته العسكرية التي أظهرها، فإن حزب الله بات يشكّل لاعبًا رئيسًا في معادلات ممرات الطاقة والتجارة البحرية العالمية الأهم في العالم، والتي تسعى واشنطن لحصرها بالكيان “الإسرائيلي”.

الثالث عشر؛ بصمود حزب الله وقوته التي أظهرها؛ فقد شكّل السد المنيع وخط الدفاع الأول عن المنطقة وعن جبهة المقاومة في مواجهة “إسرائيل” والوجود الأميركي في غرب آسيا، والمخططات والمشاريع “الجيوسياسية” و”الجيواقتصادية” والطاقوية التي تحاول واشنطن والعرب الجماعي تمريرها للسيطرة والنفوذ على المنطقة والعالم.

إلى جانب ما ذكر؛ لا بد لنا من إلقاء الضوء على الجانب العسكري والميداني الذي كان الأساس لكل ذلك حيث تشير الإحصائيات إلى أن حزب الله نفذ آلاف العمليات العسكرية ضد الكيان “الإسرائيلي” طوال العام المنصرم. نتج عنها مقتل وإصابة آلاف الجنود والضباط الصهاينة، بالإضافة إلى تدمير مئات الآليات عسكرية والدشم والوحدات الإستيطانية، ومئات التجهيزات الفنية، والمئات من مواقع تموضع الأفراد، إلى جانب عشرات مراكز القيادة وعشرات منصات “القبة الحديدية” ومرابض المدفعية.. بالإضافة لذلك؛ استهدف الحزب قواعد جوية ومراكز استخبارية ..، علمًا أن هذه الإحصائية لا تشمل العمليات التي قام بها المجاهدون، في الأيام الأخيرة، على الحدود واشتبكوا فيها مباشرة مع جنود الاحتلال ومن مسافة صفر.

في الختام؛ ليس غريبًا على حزب الله أن يقدم التضحيات الكبيرة على طريق القدس، وليس غريبًا أن تشمل تضحياته القادة والمجاهدين على الأرض والبيئة الحاضنة للحزب، وهو الذي بذل الدماء الطاهرة طوال ما يزيد عن 30 عامًا على طريق القدس في الوقت الذي كان فيه الكثيرون قد فتحوا دكاكين على تلك الطريق ..

لقد شكّل استشهاد الأمين العام لحزب الله سماحة السيد الشهيد حسن نصرالله -رضوان الله عليه- قمة تلك التضحية وبذل الدماء، وهو الذي عشق القدس وسار على طريقها وفيًا صابرًا محتسبًا قائدًا لا يشق له غبار حتى ارتبط اسمه باسمها، وحق له أن يدعى شهيد القدس، وهو كما وصفه الإمام القائد السيد علي الخامنئي “درة لبنان الساطعة والناطق باسم شعوب المنطقة وشهيد القدس” ..

لا ريب أن تلك الدماء الزكية الطاهرة ستثمر نصرًا حتمًا ، ولا ريب أن هذا النصر الذي بات قريبًا سيحمل اسم السيد الشهيد حسن نصرالله وشهداء حزب الله ، كيف لا؟ وهو الذي قالها يقينًا “سننتصر قطعًا” ..

قد يعجبك ايضا