التلقي الفوضوي.. وتأثيره على وعي الأمة ودينها

الحقيقة – رياض راصع

في عصرنا الحالي، حيث ينتشر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية بشكل واسع، أصبح العالم أمام تدفق هائل ومتواصل للمعلومات، ما جعل عملية التلقي أكثر تعقيداً وتشتتاً من أي وقت مضى.

هذا التدفق المستمر يؤدي أحيانا إلى التلقي الفوضوي، حيث يستقبل الإنسان الأفكار والآراء بشكل عشوائي، دون تمييز بين الصحيح والخطأ، أو بين ما يتوافق مع الدين وما يخالفه.

ويعد هذا التلقي الفوضوي خطرا كبيرا على عقائد الإنسان ومعتقداته، فقد يحيد به عن الطريق المستقيم ويجعله ضحية للانحراف الفكري، ويبعده عن الهداية التي رسمها الله لعباده في كتابه.

مفهوم التلقي الفوضوي وخطره

التلقي الفوضوي هو الأسلوب الذي ينتشر اليوم بسبب كثرة وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام المرئي، وينشأ من خلال استقبال الإنسان لكم هائل من المعلومات والأفكار المنسوبة إلى الدين، والتي قد تكون مغلوطة أو مشوهة. هذا النوع من التلقي يكرّس مفاهيم خاطئة قد تؤدي إلى نشر العقائد والمفاهيم الباطلة، ما يشكل خطرا على استقامة الإنسان وسلامة دينه ومعتقده، إذ يجعل الفرد عرضة للانحراف عن الطريق المستقيم.

لذلك يجب على الإنسان أن يكون حريصا على ما يتلقاه حتى لا ينحرف عن الطريق الذي رسمه الله لعباده بما يحقق له الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة.

وقد أكد السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي في محاضرته الرمضانية الخامسة 1446هـ على “أن المشكلة الخطيرة جداً على الكثير من المسلمين هي: التلقي الفوضوي والعشوائي من القنوات الفضائية، من الإنترنت ، وأن الذي يجب الحذر منه والذي يمثل الخطر الكبير في عصر الإنترنت، في عصر القنوات الفضائية ، هو التلقي الفوضوي؛ لأنه يصل بالناس إلى مستوى الانحراف الكبير في عقائدهم الدينية، وفي معتقداتهم ومفاهيمهم التي يحسبونها على أنها من الدين الإلهي.

وأشار أيضا السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي في كلمته في الذكرى السنوية للشهيد القائد 1444هـ إلى أن ” الفوضى في التلقي تجعل الكثير من أبناء أمتنا ضحية للأعداء، لأنهم يتلقون الكثير من العقائد والمفاهيم الخاطئة”.

حيث يصبح الإنسان عرضة لتلقي أفكار مشوهة ومفاهيم منحرفة عبر مختلف الوسائل الإعلامية تؤثر عليه وتبعده عن هويته وقيمه. كما أن الفوضى في التلقي لا تؤثر في الفرد فقط، بل تمتد لتضعف وعي الأمة بأكملها، لأنها تفتح الباب أمام الأعداء لبث العقائد الباطلة والرؤى المغلوطة التي تستهدف إضعاف الإيمان وتشويه الوعي الثقافي والديني. وعندما يغيب الوعي في التلقي، يصبح الكثير من أبناء الأمة ضحية سهلة للأعداء، فيتبنون ما يخالف دينهم دون إدراك.

القرآن.. درع الأمة في مواجهة الاختراق الفكري والثقافي

يمثل القرآن الكريم المرجعية العليا التي توجّه عملية التلقي وتحفظها من الانحراف، فهو يضع للإنسان ميزانا واضحا يميز به الحق من الباطل، والصواب من الزيف. وعندما يلتزم المسلم بمنهج القرآن في التثبت، والتدبر، والتحقيق في كل ما يسمع أو يقرأ، يصبح محصنا من التأثيرات الفكرية التي تستهدف هدم قيم الأمة وإضعاف وعيها. فالاختراق الفكري لا يحدث إلا عندما يغيب الميزان القرآني ويترك الناس مصادر الهداية، فيصبحون عرضة للمفاهيم الدخيلة التي تشوه عقيدتهم. لذلك جاء التأكيد على أن القرآن ليس كتابا للعبادة فحسب، بل هو سياج يحفظ العقل من الضلال، ويحمي الأمة من الفساد الذي ينشأ حين تستقبل الأفكار بلا وعي ولا بصيرة.

ولفت أيضا السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي في كلمته في الذكرى السنوية للشهيد القائد 1444هـ إلى دور القرآن في حماية وعي الأمة في قوله ” القرآن يضبط حالة التلقي ويمثل تحصينا فكريا وثقافيا من الاختراق الذي يسبب فساد الامة.”

فالقرآن الكريم هو ما يحمي الأمة من هجمات الأعداء التي تستهدف دينها ووعيها ومعتقداتها حيث يعتبر السياج الحصين الذي يحمي الأمة من هجمات الأعداء الفكرية والإعلامية والثقافية، فهو يرسّخ في النفوس الثوابت الإيمانية، ويعزز قيم البصيرة والعقل الواعي، ويمنح المؤمن القدرة على فهم الواقع وتمييز الحق من الباطل. وبالارتباط بالقرآن، تبقى الأمة صامدة أمام محاولات التشويه والتضليل، محافظةً على هويتها الأصيلة ورسالتها التي تقوم على الهداية والعدل والنور.
وأن الإنسان بدون هداية الله يضلّ مهما بلغ من العلم والفكر، لأن العقل وحده لا يهتدي إلى الحق دون نور الوحي. فالهداية الإلهية هي التي تمنح الإنسان بصيرة تقيه الضياع.

وقد أكد السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي في محاضرته الرمضانية السابعة 1446هـ على هذه القضية حين قال ” قال تعالى {قَالَ لَئِـنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ} بدون هداية الله، الإنسان سيضل، سيضل مهما كانت عبقريته، مهما كان مستواه الفكري والثقافي، مهما كان نضوجه الفكري والثقافي.لابدَّ من الهداية الإلهية، أن يكون الإنسان مرتبطاً بالله في الاهتداء بهديه، والالتجاء إليه في نفس الوقت، وطلب الهداية، علَّمنا الله أن نلتجأ اليه دائماً في صلاتنا في كل صلاة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}، ورسم لنا طريق الهداية، كيف هي سنته في هداية عباده.”

فالقرآن الكريم هو أرقى مصدر للوعي، فهو يمكّن الإنسان من مواجهة الأعداء عبر معركة البصيرة التي تعد أولى متطلبات الدفاع عن الأمة وهويتها. كما أنه يمثل صلة مباشرة بالله تعالى وحبلاً متيناً، فعندما يتمسك الإنسان بالقرآن يحظى بـ تأييد الله وبركاته في كل أمره. ويقف القرآن بنا على أساس من المبادئ والثوابت ليحفظنا من التفريط أو الانحراف، كما يمنحنا الرؤية المتكاملة والصحيحة تجاه مختلف مجالات الحياة، لنكون مستعدين للتصدي لأي هجمة من الأعداء.

إفساد الأخلاق كأحد أخطر الأساليب لإخضاع الشعوب

إفساد الأخلاق أحد أخطر الأساليب لإخضاع الشعوب والسيطرة عليها. فالأعداء يدركون أن قوة الأمة وتماسكها يبدأ من قيمها ومبادئها، ولذلك يسعون إلى تفكيك المنظومة الأخلاقية وتشويه الفطرة السوية، ونشر السلوكيات المنحرفة والنماذج الفاسدة، بما يصرف الناس عن قضاياهم المصيرية ويضعف الروابط الاجتماعية والدينية. وعندما تنهار الأخلاق، يفقد المجتمع مناعته الداخلية، وتضعف مقاومته أمام أي هجمة للأعداء، ويصبح الأفراد أكثر انقيادًا وتأثرًا بالأفكار الهدّامة والمنحرفة، منشغلين بالشهوات والانحرافات، ما يهيئ الأرضية ليفرض الأعداء هيمنتهم.

وقد أشار السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي في المحاضرة الثانية بذكرى الهجرة النبوية 1440هـ إلى أن “أهمية الجانب الأخلاقي تأتي أيضًا من اهتمام الأعداء بإفساد أخلاق المجتمعات بهدف السيطرة عليها، مؤكداً أن إفساد الأخلاق يعد من أهم وسائل أمريكا والصهيونية العالمية للسيطرة على الشعوب”.

وخلال مؤتمر علماء اليمن السنوي 2022م، أكد السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي على أهمية التصدي لمساعي الأعداء الرامية إلى إفساد المجتمع والشباب، مشددًا على ضرورة تعزيز الوعي الديني والأخلاقي لحماية الأمة من محاولات الانحراف.

لذلك يجب علينا مواجهة محاولات الإعداء وهجماتهم الرهيبة التي تهدف إلى إفساد الناس ؛ فالهجوم الأخلاقي والفكري الذي تتعرض له الأمة اليوم لا يقل خطورة عن الحروب العسكرية، بل يعد تمهيداً لها.

يعمل الأعداء على إفساد القلوب والعقول، وإضعاف الإيمان والضمير، ليصبح الإنسان فارغاً من القيم التي تحصّنه وتمنحه الوعي والبصيرة. ومن هنا، فإن تزكية النفوس والارتقاء بها تمثل الدرع الواقية أمام هذا الإفساد الممنهج، فهي التي تحفظ للإنسان فطرته، وتعيد له التوازن والاستقامة، وتجعله ثابتًا في مواجهة الانحرافات والمغريات التي يسعى الأعداء من خلالها إلى إسقاط الأمة من الداخل.

وفي كلمته بمناسبة الذكرى الثانية لطوفان الأقصى في 9 أكتوبر 2025م، حذّر السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي من أن إفساد شباب وشابات الأمة وتفريغهم من المحتوى الإنساني والأخلاقي والقيمي والديني سيصل إلى تطويعهم لليهود، مشيرًا إلى أن الشباب ثروة كبيرة ومهمة وعظيمة، غير أن بعض الدول فتحت المجال لإفسادهم وإيصالهم إلى وضعية دنيئة وهابطة ومنحطة، مؤكدًا أن إفساد شباب الأمة لا يزال مسارًا دائمًا، وسيحاول الأعداء العمل عليه بكثافة.
كما لفت السيد القائد إلى أن في ذروة الإجرام الصهيوني المستهدف للشعب الفلسطيني، كان المشهد في بلاد الحرمين في ذروة الحفلات الراقصة الماجنة في صورة مخزية للغاية، مؤكدًا أن هذه الصورة يريدها الأعداء أن تعم في واقع أمتنا، وأن تتزامن مع كل نكبة ومأساة تصيبها.

خاتمة

إن التلقي الفوضوي، وإفساد الوعي، واستهداف الأخلاق، هي أدوات يعتمد عليها الأعداء في حربهم على الأمة. ومع هذا الخطر المتصاعد، يبقى القرآن الكريم هو الحصن المنيع، والميزان الذي يميز به الإنسان الحق من الباطل، وهو السياج الذي يحفظ الوعي ويثبت القيم ويحمي العقيدة من الانحراف. كما أن التمسك بالهداية الإلهية، وتحصين النفس بالأخلاق الإيمانية، وتعزيز الوعي في التلقي، تمثل جميعها الركائز الأساسية لبناء مجتمع قوي، قادر على مواجهة التحديات، وحماية هويته وثوابته أمام حملات التضليل والإفساد.

قد يعجبك ايضا