موارد حركة النفاق وقواها المستخدمة لتنفيذ الأجندة الإسرائيلية-الصهيونية
صادق البهكلي
المقدمة
إن حركة النفاق هذه تتجلى بوضوح في مواقف بعض الأنظمة العربية والنخب الحاكمة التي تتخذ من الخطاب الديني والقومي ستاراً، بينما تمارس في الواقع خيانة صريحة لشعوبها ولقضايا الأمة المصيرية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
يهدف هذا التقرير إلى تسليط الضوء على ظاهرة النفاق في العالم العربي المعاصر من خلال: الموارد والقوى المستخدمة لتنفيذ الأجندة الإسرائيلية-الصهيونية.
يعتمد هذا التقرير على مجموعة من المصادر الموثوقة، بما في ذلك خطابات السيد عبد الملك الحوثي التي تقدم رؤية تحليلية عميقة لهذه الظاهرة، بالإضافة إلى دراسات أكاديمية وتقارير إعلامية متخصصة. إن فهم هذه الظاهرة بشكل دقيق وشامل يشكل خطوة أساسية نحو بناء وعي جماعي قادر على مواجهتها والتصدي لها، وهو ما يسعى إليه هذا العمل عبر سلسلة من التقارير التي تتناول مختلف أبعاد هذه الحركة الخطيرة.
________________________________________
الموارد والقوى المستخدمة لتنفيذ الأجندة الإسرائيلية-الصهيونية
ترسانة الخيانة: كيف تُسخّر موارد الأمة لخدمة عدوها
إن تنفيذ الأجندة الإسرائيلية-الصهيونية في المنطقة العربية لا يعتمد فقط على القوة العسكرية والاقتصادية للكيان الصهيوني نفسه، بل يعتمد بشكل أساسي على تسخير موارد وقوى الأمة العربية والإسلامية نفسها لخدمة هذه الأجندة. وهنا تكمن المفارقة المأساوية: أن تُستخدم ثروات الأمة وجيوشها ومواردها البشرية والاقتصادية والإعلامية، ليس لحماية شعوبها والدفاع عن قضاياها، بل لتحقيق أهداف عدوها اللدود، هذا التسخير يتم عبر عدة مستويات: اقتصادية، وعسكرية، وأمنية، وأيديولوجية، وإعلامية، في منظومة متكاملة من الخيانة والتواطؤ.
على المستوى الاقتصادي، تقدم الأنظمة المطبعة دعماً مالياً ضخماً للكيان الصهيوني بطرق مباشرة وغير مباشرة، فقد كشفت بعض التقارير والتحليلات أن أنظمة التطبيع الخليجية، بقيادة السعودية والإمارات، تدفع مبالغ مالية هائلة (تصل إلى تريليونات الدولارات) تصب في نهاية المطاف لصالح الاقتصاد الأمريكي-الإسرائيلي، عبر صفقات أسلحة ضخمة، واستثمارات مشبوهة، ومشاريع مشتركة، هذا الدعم الاقتصادي يهدف إلى تعزيز قدرة إسرائيل على مواصلة عدوانها وتوسعها وقد كشف شهيد الإسلام والإنسانية السيد حسن نصر الله (رضوان الله عليه) قبل استشهاده في مقابلة تلفزيونية بأن النظام السعودي دفع مليارات الدولارات مقابل لأمريكا مقابل تصفيته.
كما أن فتح خطوط الإمداد البرية والبحرية للكيان الإسرائيلي يمثل دعماً اقتصادياً استراتيجياً. فقد اتُّهمت دول التطبيع بفتح كافة الحدود مع العدو الإسرائيلي، وتشكيل خطوط إمداد برية وبحرية لنقل المواد الغذائية والتجارية إلى الأراضي المحتلة لمساعدة الكيان على تجاوز أي حصار اقتصادي قد فرضه اليمن عليه؛ هذا الدعم اللوجستي يضمن استمرار الاقتصاد الإسرائيلي في العمل حتى في أوقات الأزمات والحروب.
وتشير الدراسات إلى أن استخدام ”البترودولار“ السعودي لشراء سندات حكومية أمريكية، والتي بدورها تُستخدم لتمويل مشاريع بنية تحتية لقواعد عسكرية أمريكية في شبه الجزيرة العربية تحت إشراف وزارة الخزانة الأمريكية، يمثل جزءاً من استراتيجية أوسع لبناء الإمبراطورية الأمريكية-الصهيونية في المنطقة، فهذه الأموال العربية، بدلاً من أن تُستخدم لتنمية شعوبها وتحريرها، تُستخدم لتمويل المشروع الإمبريالي الذي يستهدفها.
أما على المستوى العسكري والأمني، فإن الدعم الذي تقدمه الأنظمة المطبعة للكيان الصهيوني يأخذ أشكالاً متعددة وخطيرة. فقد قدمت دول عربية دعماً عسكرياً مباشراً لإسرائيل، بما في ذلك اعتراض ضربات محتملة موجهة إليه من قوى المقاومة. تُتهم هذه الأنظمة بتشكيل “خط دفاعي جوي قوي” وتفعيل منظومات الرصد والدفاع الجوي للدفاع عن الكيان الصهيوني ضد الصواريخ والطائرات المسيرة القادمة من اليمن أو إيران أو العراق أو لبنان.
كما تُتهم هذه الدول بفتح مجالها الجوي أمام سلاح الجو الإسرائيلي والأمريكي والأوروبي لاستهداف مواقع في اليمن وجنوب لبنان وسوريا والعراق، بحجة ”الدفاع عن أمن إسرائيل“ وهذا التعاون العسكري المباشر يجعل من هذه الأنظمة شريكاً فعلياً في العدوان الإسرائيلي على شعوب المنطقة.
ويصف السيد القائد في خطابه بمناسبة يوم القدس العالمي (الخميس 23-9-1439هـ/ 7-يونيو-2018م) طبيعة هذا التحالف:
“النظام السعودي النموذج الأبرز لامتداد حركة النفاق. إن ما يقوم به اليوم النظام السعودي بشكلٍ مباشر وعبر أدواته في العالم الإسْلَامي، في مناطقَ متعددةٍ من العالم الإسْلَامي، ما هو إلا امتدادٌ في مضمونه وممارساته وشكله وأصله وفصله وفرعه للحركة النفاقية في عصر الإسْلَام كله، في تاريخ الأُمَّة الإسْلَامية بكلها، ولكنه اليوم بإمكانات أكثر، وبقدرات أكثر، وبثروةٍ أكثر، يمتلك اليوم القنوات الفضائية، يمتلك اليوم الأسلحة الحديثة، ولكن شكله المنكر واضحٌ جدًّا، على مستوى العالم الإسْلَامي بكله”.
إن هذا التوصيف الدقيق يكشف عن أن حركة النفاق المعاصرة، والتي يمثلها النظام السعودي وأمثاله، ليست ظاهرة جديدة، بل هي امتداد تاريخي لحركة النفاق التي واجهها الإسلام منذ نشأته، لكن بإمكانات أكبر وأدوات أكثر تطوراً، فهذه الأنظمة تمتلك اليوم ثروات نفطية هائلة، وأسلحة حديثة، ووسائل إعلام متطورة، مما يجعلها أكثر خطورة وقدرة على إلحاق الضرر بالأمة.
على المستوى الأيديولوجي والسياسي، تلعب الأنظمة المطبعة دوراً خطيراً في خدمة الأجندة الصهيونية، فهي تُتهم بإشعال نيران الفتنة الطائفية وتحريك التكفيريين داخل الأمة، بتحريض أمريكي وصهيوني مباشر. وتخوض بعض هذه الأنظمة، خاصة السعودية وحلفاؤها، معارك ضد أحرار الأمة وقوى المقاومة (مثل الحرب على اليمن) نيابة عن أمريكا وإسرائيل.
ويشير السيد عبد الملك في خطابه بمناسبة ذكرى جمعة رجب (الجمعة 7-7-1442هـ / 19-فبراير-2021م) إلى هذا الدور:
“حركة النفاق.. امتداد لقوى الاستكبار. حركة النفاق في هذه الأمة هي التي يستفيد منها اليوم الطاغوت والاستكبار، ليجعل منها أداةً تعمل لصالحه، لتنفيذ الكثير من أجندته ومؤامراته في داخل هذه الأمة، وما تفعله، وما تعمله، وما تتحرك فيه، ولو اختلفت العناوين وتعددت، إنما هو- في نهاية المطاف- يمثِّل أجندة حقيقية ومؤامرات مؤكَّدة لخدمة قوى الطاغوت والاستكبار. فالعدوان على اليمن، والقمع للشعب البحريني، والمشاكل في بقية المنطقة، ما حدث في سوريا، وما حدث في العراق، وما تستهدف به دول المنطقة بكلها، بكل المستويات والأشكال، وتحت كل العناوين، من قوى معينة محسوبة على هذه الأمة، من أنظمة تقدِّم نفسها على أنها جزء من هذه الأمة، بل تحاول أن تقود هذه الأمة، وأن تستحوذ على القرار في داخل هذه الأمة، إنما هو يمثِّل امتدادًا لأجندة ومشاريع قوى الطاغوت والاستكبار، إنما يخدم أمريكا وإسرائيل، ويصب في مصلحة أمريكا وإسرائيل. وارتباط النظام السعودي والنظام الإماراتي بأمريكا اليوم، وعلاقتهما بإسرائيل، بات يتجه ويصب في هذا الاتجاه، بات جزءًا من العملية الاستهدافية لهذه الأمة، بات جزءًا من المعركة التي تستهدف هذه الأمة، بات جزءًا رئيسيًا من هذا النشاط الذي يهدف إلى تطويع هذه الأمة، وإخضاعها بالكامل لصالح أمريكا وإسرائيل، لصالح الطاغوت والاستكبار الذي يعمل على طمس هويتنا، وإلى استعبادنا، وإلى استغلالنا، وإلى السيطرة التامة علينا، والاستحواذ الكامل علينا؛ لنكون عبيدًا وخولًا، ولتكون أموالنا وثرواتنا ومقدراتنا وأوطاننا ثروةً وغنيمة لذلك العدو”.
هذا التحليل الشامل يكشف عن أن كل ما يحدث في المنطقة من حروب وفتن ومشاكل، تحت مختلف العناوين، هو في حقيقته جزء من أجندة واحدة متكاملة تهدف إلى إخضاع الأمة بالكامل للهيمنة الأمريكية-الإسرائيلية. وأن الأنظمة المنافقة هي الأداة الرئيسية لتنفيذ هذه الأجندة من داخل الأمة نفسها.
أما فيما يتعلق بالقوة الأيديولوجية للمشروع الصهيوني نفسه، فهي تستند إلى عقيدة دينية متطرفة تستمد من النصوص التوراتية المحرّفة مبرراً لاحتلال فلسطين والهيمنة على المنطقة. هذه الأيديولوجية الصهيونية تزعم أن اليهود هم ”شعب الله المختار“، وأن لهم حقاً إلهياً في ”أرض الميعاد“، وأن من حقهم استخدام القوة لفرض هذا الحق. هذه الأيديولوجية توفر التبرير الديني والأخلاقي للعدوان المستمر وللجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيوني.
ويسعى العدو الإسرائيلي إلى تحقيق أهداف الاستراتيجية من خلال عدة وسائل:
أولاً، الحفاظ على تفوق عسكري نوعي (Qualitative Military Edge) من خلال صفقات أسلحة متطورة مع الولايات المتحدة.
ثانياً، تحويل الأراضي المحتلة إلى مختبر للصناعات العسكرية الغربية، حيث يتم اختبار الأسلحة والتقنيات الأمنية على الفلسطينيين قبل تصديرها عالمياً.
ثالثاً، السعي للسيطرة على الموارد الطبيعية والطاقة في المنطقة (مثل مياه نهر الأردن، وثروات البحر الميت، والنفط والغاز العربي). رابعاً، بناء اقتصاد قوي يجعل الكيان مركزاً إقليمياً للصناعة والتمويل والخدمات، والتغلغل اقتصادياً في اقتصادات الدول العربية المحيطة.
و يمكن القول إن تنفيذ الأجندة الإسرائيلية-الصهيونية في المنطقة يعتمد بشكل أساسي على تسخير موارد الأمة العربية والإسلامية نفسها لخدمة هذه الأجندة.
هذا التسخير يتم عبر الأنظمة المطبعة التي تقدم دعماً اقتصادياً وعسكرياً وأمنياً وسياسياً وإعلامياً للكيان الصهيوني، مما يجعلها شريكاً فعلياً في جرائمه ومشاريعه التوسعية.
إن مواجهة هذا المشروع تتطلب وعياً عميقاً بآلياته وأدواته، وتحريراً حقيقياً لموارد الأمة من قبضة الخونة والمتواطئين.