صنعاء: التمديد استمرار للحصار… وواشنطن ولندن تدفعان نحو عسكرة البحر الأحمر

البحر الأحمر مسرح صراع: توتر متصاعد ومحاولات غربية لإعادة التموضع العسكري

اليمن بين صراع النفوذ الدولي ومعركة الإسناد لغزة

الحقيقة ـ جميل الحاج

مثّل تجديد مجلس الأمن الدولي للعقوبات المفروضة على اليمن لمدة عام إضافي حلقة جديدة في سلسلة القرارات الأممية المثيرة للجدل، والتي تُقرأ في صنعاء على أنها استمرار لـ«الحصار الجماعي» المفروض منذ عام 2015.

وقد أثار القرار ردود فعل واسعة، خصوصاً ـ في صنعاء التي اعتبرته استمراراً لـ”الحصار الجماعي” المفروض منذ 2015، فيما ترى واشنطن ولندن أنه ضرورة لحماية خطوط الملاحة الدولية وردع الأنشطة المهدّدة للأمن الإقليمي.. بينما يهدف في الأساس إلى عسكرة البحر الأحمر ومواصلة الحصار على الشعب اليمني.

يأتي القرار في ظل تصاعد التوترات في البحر الأحمر، بعد حظر القوات المسلحة اليمنية الملاحة العدو الإسرائيلي وكل السفن المتوجهة إلى مواني فلسطين المحتلة في ظل معركة الإسناد اليمني لغزة.. وسعي الأمريكي والبريطاني للتواجد العسكري في البحر الأحمر لتأمين ملاحة العدو الصهيوني في المستقبل، إضافة إلى تزايد حدة الاستقطاب السياسي بين القوى الدولية حول مستقبل اليمن ودور الأمم المتحدة.

مضمون قرار مجلس الأمن رقم 2760 (2025)

عقد مجلس الأمن جلسته رقم 9835 في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، واتخذ خلالها قراراً يقضي بـ:

تمديد نظام العقوبات لمدة عام إضافي على الأفراد والكيانات المرتبطة بالصراع اليمني.

تعزيز ولاية فريق الخبراء الأممي وتوسيع نطاق تحقيقاته لتشمل شبكات تهريب الأسلحة والمكونات العسكرية المرتبطة بالعمليات الميدانية.

ويأتي هذا التمديد في سياق إقليمي معقّد يتسم بتطورات عسكرية وأمنية متسارعة، واتساع دائرة الاهتمام الدولي بمنطقة البحر الأحمر.

خلفيات سياسية وأممية مثيرة للجدل

يعتبر القرار انعكاساً لتوجهات القوى الكبرى خصوصاً الولايات المتحدة وبريطانيا ورغبتها في الإبقاء على نظام العقوبات كوسيلة ضغط سياسية، وتشير التحليلات إلى ما يلي:

القرار يُقرأ ضمن إعادة ترتيب النفوذ الدولي في البحر الأحمر وخليج عدن، مع اهتمام غربي متزايد بإعادة تثبيت القدرات العسكرية في الممرات الحيوية.

تبدو صنعاء غير راضية عن أداء المؤسسات الأممية، خصوصاً بعد إعلانها القبض على “شبكات تجسس إسرائيلية” قالت إنها كانت تعمل تحت غطاء أممي، ما زاد من حالة انعدام الثقة.

ربط المبعوث الأممي بين مسار الأزمة اليمنية والتطورات في غزة أثار انتقادات صنعاء، التي اعتبرت ذلك انحيازاً لرؤية غربية لا تتسق مع المتطلبات الوطنية.

ردود صنعاء على القرار

ولم يمرّ القرار دون ردود من صنعاء، التي اتهمت مجلس الأمن بالانحياز الكامل للولايات المتحدة وبريطانيا، فقد وصف السفير اليمني في وزارة الخارجية، عبدالله صبري، أي إجراءات تشديد بأنها “عقاب جماعي يتنافى مع كل القوانين الدولية”، مؤكداً أن الشعب اليمني “لن يقبل بقرارات تُستخدم كسيف مسلط على رقابه”.

وزارة الخارجية في صنعاء ربطت القرار بالأجندة الأمريكية، ووصفت القرار 2801 بأنه يستند إلى “ادعاءات أطراف شاركت في العدوان”.

أما عضو المكتب السياسي لأنصار الله، محمد الفرح، فقد أشار إلى أن صنعاء “سترد بالمثل على أي جهة تحاول المساس بسيادتها”، وأن العقوبات ليست سوى “أداة غربية لخدمة الأهداف الإسرائيلية”.

من جهته دعا علي الديلمي عضو المكتب السياسي روسيا والصين لاتخاذ مواقف أقوى، محذراً من “قرصنة أمريكية” في البحر الأحمر.

إلى ذلك اعتبر مجلس النواب أن القرار استمرارٌ لـ”سياسة الكيل بمكيالين”، محذراً من تداعيات أي خطوات عدوانية جديدة على اليمن.

ردود صنعاء لم تقتصر على الجانب السياسي، بل شملت البعد الأمني أيضًا.. إذ ألمحت قياداتها إلى أن التحركات الدولية الأخيرة تأتي بعد القبض على “شبكات تجسس إسرائيلية كانت تعمل تحت غطاء أممي”، وتزامن القرار مع هذه القضية ليس صدفة، بل جزء من “مشهد أممي منحاز” يعيد إنتاج الأزمة بدلاً من الدفع نحو السلام.

وخلف هذا الهدوء الظاهري، يتفق الخبراء على وجود صراع أعمق تدور رحاه خارج حدود اليمن، فالبحر الأحمر بات اليوم أحد أبرز مسارح التنافس بين القوى الكبرى، إذ تسعى الولايات المتحدة وبريطانيا إلى تثبيت نفوذ عسكري طويل الأمد في الممر الملاحي الأكثر حساسية في العالم، بينما تصعد الصين وروسيا كقوتين قادرتين على تعطيل المشاريع الغربية داخل مجلس الأمن.

الأمم المتحدة بين الاتهامات ومحاولة الحفاظ على الحياد

ويرى مراقبون في صنعاء أن مجلس الأمن أصبح منصة لشرعنه التدخلات الخارجية، فيما ترى الأمم المتحدة أن العقوبات ضرورية لضبط التهديدات المرتبطة بالصراع.. وتبقى الفجوة كبيرة بين رؤية الأمم المتحدة لصون السلم الدولي، ورؤية صنعاء التي تعتبر العقوبات جزءاً من استمرار الأزمة لا معالجتها.

يرتبط القرار بشكل وثيق بالمعادلات الاستراتيجية في البحر الأحمر، حيث:

ـ يُعد البحر الأحمر وخليج عدن من أهم طرق التجارة البحرية عالمياً.

ـ تسعى الولايات المتحدة وبريطانيا إلى تعزيز وجودهما العسكري في ظل تنامي دور الصين والقوى الإقليمية.

ـ المقترحات البريطانية لتوسيع عمليات التفتيش البحري تثير مخاوف من “وصاية بحرية” قد تؤثر على سيادة الدول المشاطئة.

وبذلك يُنظر إلى الأزمة اليمنية كجزء من إعادة تشكيل النفوذ في هذه المنطقة الاستراتيجية.

وتعكس خطوة تمديد العقوبات صراع الإرادات بين القوى الكبرى، وتؤشر إلى استمرار استخدام الملف اليمني كأداة في التنافس الدولي.

في المقابل، تؤكد صنعاء أنها ستتخذ إجراءات مضادة إذا اعتبرت القرار غطاءً لأي تدخل عسكري أو حصار إضافي.

قد يعجبك ايضا