التاريخ الأمريكي الأسود

مصطفى الحمران

لطالما قدّمت الولايات المتحدة الأمريكية نفسها بوصفها منارة للديمقراطية، وحاميةً لحقوق الإنسان، وراعيةً للحرية، إلا أن الواقع التاريخي يكشف عن وجه آخر قاتم، مليء بالدماء والانتهاكات. فمن الإبادة الجماعية، إلى العبودية، فالتدخلات العسكرية والاقتصادية، وصولاً إلى استخدام السلاح النووي ضد مدن مدنية، تشكّل هذه الوقائع ما يُعرف بـ”التاريخ الأسود لأمريكا”، والذي يكشف جوهر السياسات الأمريكية بعيدًا عن شعاراتها المجمّلة.

أولًا :إبادة السكان الأصليين
قبل أن تصبح أمريكا “أرض الأحلام”، كانت موطنًا لملايين السكان الأصليين من قبائل متعددة .لكن المستوطنين الأوروبيين، ثم الحكومة الأمريكية لاحقًا، شنّوا ضدهم حملات إبادة جماعية، ترافقت مع التهجير القسري والحروب الجرثومية ونشر الأوبئة, ومن أبشع الأمثلة على ذلك ما يُعرف بـ”درب الدموع”، حيث هُجّرت قبائل بأكملها من أراضيها تحت ظروف مهينة وقاتلة، في سبيل إقامة مستوطنات بيضاء جديدة.

ثانيًا: العبودية والعنصرية المؤسسية
نُقل ملايين الأفارقة قسرًا إلى أمريكا ليُستعبدوا في المزارع والمصانع. ورغم إلغاء العبودية رسميًا عام1865، استمر التمييز العنصري بأشكال أخرى، مثل قوانين “جيم كرو”، التي فرضت نظام فصل عنصري حتى منتصف القرن العشرين .وما زالت آثار هذا الإرث قائمة إلى اليوم في التمييز في فرص التعليم والعمل والسكن، وفي العنف الممنهج من قِبل الشرطة ضد الأمريكيين من أصل إفريقي.

ثالثًا: التدخلات والانقلابات الخارجية
منذ منتصف القرن العشرين، أصبحت أمريكا اللاعب الأساسي في تغيير أنظمة الحكم في دول عدة، ليس حمايةً للديمقراطية، بل لحماية مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية:
– إيران (1953) :إسقاط حكومة مصدق المنتخبة ديمقراطيًا لدعمه تأميم النفط.
– تشيل (1973) : دعم انقلاب بينوشيه ضد الرئيس الاشتراكي سلفادور أليندي.
– أمريكا الوسطى وأفريقيا :دعم ميليشيات وانقلابات، ونشر الفوضى.
– الشرق الأوس:  غزو العراق، واحتلال أفغانستان، ودعم جماعات مسلحة في سوريا وليبيا.

رابعًا :الحروب والدمار
خاضت أمريكا حروبًا خارج حدودها تحت ذرائع متعددة، لكنها غالبًا ما خلّفت ملايين الضحايا ودمارًا شاملاً:
– فيتنام: قُتل فيها أكثر من مليون فيتنامي، وارتُكبت مجازر بشعة كـ”ماي لاي”.
– العراق: غزو عام 2003 استند إلى تبريرات كاذبة حول أسلحة دمار شامل، وأسفر عن دمار البنية التحتية، ومئات الآلاف من القتلى.
– أفغانستان :حرب استمرت 20 عامًا، انتهت بعودة طالبان، بعد أن غرقت البلاد في الفوضى.
– غزة وفلسطين:  دعم أمريكي) بالمال والسلاح والتغطية السياسية)  غير مشروط لإسرائيل رغم الجرائم الموثقة بحق المدنيين.

خامسًا: الهيمنة الاقتصادية والعقوبات الجماعية

تستخدم أمريكا مؤسسات مالية دولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لفرض سياسات تقشف مدمّرة على دول الجنوب، ما يؤدي إلى انهيار الخدمات وزيادة معدلات الفقر. كما تفرض عقوبات اقتصادية على دول بأكملها مثل: كوبا، إيران، فنزويلا.. ما يتسبب في معاناة إنسانية شديدة، دون أن تحقق تلك العقوبات أهدافها السياسية.

سادسًا: جريمة هيروشيما وناجازاكي

في أغسطس 1945، أسقطت الولايات المتحدة قنبلتين نوويتين على مدينتي هيروشيما وناجازاكي في اليابان، متسببة في مقتل أكثر من 210,000 مدني خلال شهور، وخلّفت آثارًا إشعاعية كارثية استمرت لعقود.
هذه الجريمة تُعد الوحيدة في التاريخ التي استُخدم فيها السلاح النووي ضد البشر، ولم يكن الهدف الحاسم عسكريًا فقط، بل كان استعراضًا وحشيًا للقوة أمام العالم .الأسوأ من ذلك أن اليابان كانت على وشك الاستسلام أصلًا، ما يجعل من التفجيرين رسالة إرهاب نووي عالمي، لا مجرد إجراء لإنهاء الحرب.

خاتمة

من إبادة السكان الأصليين، إلى جرائم الحرب في آسيا والشرق الأوسط، إلى دعم الانقلابات والدكتاتوريات، يتكوّن التاريخ الأسود لأمريكا من فصول من المعاناة والدم.

فهم هذا التاريخ ضرورة أخلاقية وسياسية، لفهم العالم كما هو، ولإدراك أن الشعارات اللامعة لا تمحو الجرائم المرتكبة باسم “الحرية والديمقراطية”

.إن التذكير بهذا التاريخ ليس تحاملًا، بل وفاءٌ للحقيقة، ولضحايا الإمبراطورية التي لطالما لبست قناعًا إنسانيًا، فيما كانت أنيابها مزروعة في لحم الشعوب.

قد يعجبك ايضا