من اليمن يشرق النور
بشير ربيع الصانع
لم تكن الأُمَّــة في يومٍ من الأيّام أحوجَ إلى البصيرة كما هي اليوم، حتى كادت العقول تذهل من حجم ما يجري في العالم. ويقف الإنسان المؤمن متسائلًا في حيرةٍ صادقة: من هو القائد الذي يمكن أن ينهض بهذه الأُمَّــة من كبوتها الطويلة ويقودها إلى برِّ الأمان؟ ومن هو الرجل الذي يحمل مشروعًا قرآنيًا لا يستمد قوته من الشرق ولا من الغرب، بل من نور الله وهَدْيِه وعدله؟
نبحث في الإعلام والصحف والفضائيات عن هذا القائد، فلا نجد إلا أصواتا متفرقة، وشعاراتٍ خاوية، ووجوهًا تلبس أثواب القيادة زورًا. حتى إذَا مددنا البصر إلى اليمن، البلد الذي أرادوا له أن يُسحق تحت الركام، وجدنا الحقيقة تتجلى كفجرٍ صادق، لا لبس فيه ولا غموض: إن القائد القرآني الذي طال انتظاره قد تجسّد في الرجل اليمني، في السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي يحفظه الله، الذي أودع الله فيه سرًا من أسراره، وأهّله لحمل أمانة عظيمة، في مرحلةٍ من أخطر مراحل تاريخ الأُمَّــة.
من يتأمل الأحداث في اليمن منذ اللحظة الأولى للعدوان السعوديّ الأمريكي، يدرك أن هذا القائد لم يكن يتحَرّك بدافعٍ انفعالي أَو ردة فعل، بل كان ينظر بعين البصيرة، ويتحَرّك على أَسَاس من الحكمة والتخطيط، ويتعامل مع كُـلّ خطوة من خطوات المعركة بعقلٍ راجح، ووعيٍ عميق. فبينما انهالت على اليمن طائرات تحالف العدوان وقنابله، وبينما أراد المعتدون أن يركعوا هذا الشعب ويكسروا إرادته، كان السيد القائد يتابع كُـلّ صغيرة وكبيرة، يوجّه ويخطط ويصبر، حتى جعل هذا التحالف الكبير بعدده وعدّته يجرّ أذيال الخيبة، ويقف حائرًا أمام صمودٍ أُسطوري لم يكن يتوقعه.
لقد كان العدوان على اليمن عدوانًا شاملًا، لم يترك بابًا من أبواب الحياة إلا طرقه بالدمار والخراب، ومع ذلك لم تهتز إرادَة هذا القائد، ولم تضعف عزيمته، بل كان يدير المواجهة بحكمةٍ لا نظير لها، وبثقةٍ بالله تتجاوز كُـلّ الحسابات المادية. فحين أدرك المعتدون أن نصرهم أصبح مستحيلًا، وأن كُـلّ ما بنوّه من آمالٍ قد انهار أمام صمود المجاهدين، اضطروا إلى طلب الهدنة، من باب العجز واليأس.
ثم جاءت لحظة فارقة في تاريخ الأُمَّــة، حين اندلعت معركة طوفان الأقصى في فلسطين، لتعود الأُمَّــة إلى اختبارها الحقيقي: من يقف مع القضية؟ ومن يتهرب منها؟ وهنا تجلى الموقف القرآني في أروع صوره، حين أعلن السيد القائد، من قلب صنعاء الجريحة، الإسناد الكامل لإخوانه في غزة، رغم ما أصاب اليمن من جراح وآلام. إنها لحظة تستوقف كُـلّ ذي بصيرة: ما الذي يدفع رجلًا محاصرًا، بلدًا يئن تحت الحصار والعدوان، إلى أن يفتح جبهةً جديدة مع قوى الطاغوت؟ الجواب واضح لمن تدبر بنور القرآن: إنه الإيمان، إنه الوعي، إنه الإحساس بالمسؤولية أمام الله، وليس أمام المصالح أَو الحسابات السياسية الضيقة.
لم ينظر السيد القائد إلى عدد العدوّ ولا إلى ترسانته العسكرية الهائلة، بل نظر إلى عدالة القضية وحقها، فكان يقينه بالله هو سلاحه الأقوى. وهنا تتجلى سنّة الله في عباده: حين يتوكل العبد على ربه، ويمضي في سبيله بثباتٍ وإخلاص، يجعل الله له من أمره رشدًا، ويقذف الرعب في قلوب أعدائه. وهذا ما حدث فعلًا، فقد أصبحت ضربات اليمن تهزّ قلاع الطغيان، وتغرق سفنه، وتربك خطط العدوّ، وتزرع الخوف في صدور قادته، حتى اعترفوا بألسنتهم بما يعانونه من ألمٍ وهلعٍ جراء تلك الضربات، رغم بساطة الإمْكَانيات المادية التي يمتلكها اليمنيون.
ومن ينظر بعين القرآن إلى مسيرة هذا القائد، يرى بوضوح أن الله سبحانه وتعالى يهيئه ويعدّه ويمدّه، ويفتح له القلوب، ويجعله موضع محبةٍ وثقةٍ في قلوب المؤمنين، لسرٍ لا يعلمه إلا هو جل شأنه. فقد مرّت الأُمَّــة بمحطاتٍ قاسية، واستُشهد كثير من قادة محور المقاومة في مختلف الساحات، وبقي السيد القائد يواصل المسيرة، يقود المعركة بثباتٍ نادر، وصبرٍ عظيم، وإيمانٍ لا يتزعزع. وكأن في بقائه وصموده سرًّا إلهيًا، وحكمةً ربانيةً، تدل على أن الله أراد به أمرًا عظيمًا، وأنه ماضٍ في طريق النصر الموعود.
المعركة لم تنته بعد، والعدوّ لا يزال يحشد ويخطط، لكن معادلة القوة تغيّرت، لأن في هذه الأُمَّــة من يعيد توجيه بوصلتها إلى قبلة الوعي القرآني. لم يعد الصراع اليوم بين دولٍ وجيوشٍ، بل بين منهجين: منهج الهيمنة والاستكبار، ومنهج القرآن والعدل. والسيد القائد يمثل هذا المنهج القرآني الخالص، الذي يسعى لإقامة القسط، ويربي الأُمَّــة على مكارم الأخلاق، ويزرع في وجدانها روح العزة والإباء، ويحرّرها من هيمنة قوى الاستكبار.
وهنا ينبغي للأُمَّـة أن تفيق من غفلتها، وأن تفهم الأحداث وفق السنن الإلهية، لا وفق المقاييس المادية التي خدعتها طويلًا. فالله سبحانه إذَا أراد أن ينصر عبده، هيأ له الأسباب، ومدّه من عنده، كما قال تعالى:{وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}.
وقد وضع الله سره في هذا القائد اليمني ليقود الأُمَّــة نحو الفتح والنصر الموعود، ليكون كما قال تعالى: {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرض كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شيئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولئك هُمُ الْفَاسِقُونَ}.
فيا أُمَّـة الإسلام، إن الرجل الذي كنتم تنتظرونه طيلة القرون الماضية، ذاك الذي تتمنونه قائدًا نبيلًا يحمل همّ الأُمَّــة ويقودها إلى عزتها، قد ظهر اليوم بينكم، يقود المعركة بكل وعيٍ وإيمانٍ وصبرٍ وثقةٍ بالله. فتعالوا إلى راية النور، راية القرآن، راية الكرامة، تعالوا لتركبوا سفينة النجاة، فإنها تسير نحو شاطئ النصر، ومن تخلف عنها فلن يجد إلا الغرق في بحر الهلاك والتيه والضياع والخسران.
إنها دعوة من واقعٍ يشهد، وتاريخٍ يُكتب بدماء الشهداء، بأن القيادة القرآنية اليوم تتجسد في هذا القائد اليمني الذي أثبت للعالم أن الإيمان يصنع المعجزات، وأن من كان الله معه لا يُغلب، وأن النصر وعدٌ إلهيٌّ صادق، لا يخلف الله وعده أبدًا.