الخيانة.. طريقُ السقوط إلى الهاوية

شاهر أحمد عمير

الخيانة ليست فعلًا عابرًا أَو زلّة لحظة، بل هي ثمرة مرة لانحراف طويل عن طريق الحق؛ ونتيجةَ تراكمٍ للذنوب والمعاصي حتى يطبع الله على القلوب فتغدو لا تبصر النور ولا تهتدي إلى الصواب، قال تعالى: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ [الصف: 5].

من أعرض عن الله وتجاهل نصح الناصحين، وانساق خلف شهواته ومطامعه، كان سقوطه في مستنقع الخيانة أمرًا حتميًّا؛ فالخائن لا يولد في لحظة، بل يُصنع عبر مراحل من الغفلة والانحراف.

لقد شاهدنا كيف ينهار بعض الناس رغم النصح والتحذير، وكيف تلطَّخت أيديهم بدماء المسلمين من نساء وأطفال، وكيف طعنوا من يدافع عن مظلومية أهل غزة ويجاهد دفاعًا عن الأُمَّــة.

هؤلاء لم يُجبروا على الخيانة، ولم يكونوا ضحايا تضليل كما يزعم البعض، بل اختاروا طريقها بوعي وإصرار بعدما امتلأت قلوبهم خبثًا وقست حتى أفلحت الضمير.

ومن يقف في صف العدوّ الصهيوني والأمريكي والسعوديّ ويعمل ضد أبناء أمته لا يمكن أن يُعدّ مغررًا به؛ فقد انتهت مرحلة الجهل، وبرزت الحقائق لكل ذي بصر.

الخيانة اليوم قرار متعمد وموقف مفضوح ضد قضايا الأُمَّــة وعدالتها.

قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [يونس: 81].

خيانةٌ تمزق الأُمَّــة من داخلها وتخدم أعداءها بوعي وخداع وتآمر منظم — وهذه أخطر أنواع الإفساد.

الاعترافات الأخيرة التي بثّتها الأجهزة الأمنية اليمنية كشفت حجم الاختراق الذي حاول الأعداء زرعه في جسد الوطن عبر شبكات تجسس اضطُرمت جهود رجال الأمن لكشفها.

كانت المشاهد صادمة ومؤلمة؛ إذ رأينا كيف يصبح إنسان مستعدًا لبيع وطنه وإيمانه مقابل وعود زائفة بتحسين وضعه المعيشي.

اتصال واحد قد يكفي لاستقطابه:

«هل تريد تحسين وضعك؟» فيجيب: «تمام».

«هل ستعمل معنا؟» فيقول: «تمام».

«هل مستعد للسفر؟» يردّ: «تمام».

سذاجة الإجَابَة وسرعة الانقياد تكشف انهيار القيم وغياب الوعي، وتؤكّـد أن الانحراف القلبي أخطر من أي ضعف مادي؛ فمن فقد خشية الله يصبح سهل المنال بأرخص الأثمان.

كما أظهرت التحقيقات الوسائل التقنية المتطورة التي يستخدمها العدو: كاميرات خفية، أجهزة تجسس صغيرة، أدوات سحب بيانات تتنقل في الشوارع، أجهزة تعقب تُلصق بالمركبات، وكاميرات تمويهية تُزرع في الأحجار والجدران.

هذه الأدوات تدلّ على أن المعركة لم تعد عسكرية فحسب، بل أصبحت استخبارية وأمنية على أعلى مستوى، وأن العدوّ يسعى لاختراق كُـلّ زاوية.

ومع ضخامة التحدي، يجب الاعتراف بما حقّقته الأجهزة الأمنية اليمنية من إنجاز في إفشال هذه المخطّطات؛ فهذا نصر يدل على يقظة وكفاءة وإخلاص.

ومع ذلك لا يعني كشف الخلايا احتواء الخطر نهائيًّا، بل يبقى المطلوب استمرار الجهود ومضاعفة الرقابة، لأن الأعداء لا يملّون من محاولاتهم الخبيثة.

هنا تبرز أهميّة وعي المجتمع وتعاونه مع الأجهزة الأمنية، فالأمن مسؤولية الجميع، والتهاون مع الخيانة جريمة في حق الوطن والأمة.

قال تعالى: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إلى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾ [هود: 113].

الخيانة ليست موقفًا سياسيًّا يمكن تبريره، كما يحاول البعض؛ بل هي انحراف في العقيدة وسقوط في الأخلاق.

العدوّ معروف بعداوته، والخائن هو الطعنة من الداخل التي تعطي للعدو ما عجز عن نيله في ساحات القتال.

هؤلاء لا يستحقون عفوًا ولا تسامحًا، لأنهم تولّوا خدمة مشروعٍ يهدف إلى تفتيت الأُمَّــة وتمرير مصالح الأعداء.

الأُمَّــة التي تتسامح مع الخونة تفقد مناعتها، والأمة التي تحاسبهم تدافع عن وجودها وكرامتها.

أكبر خسارة قد تُصاب بها النفس ليست خسارة المال أَو المنصب، بل خسارة القيم والإيمان.

وما أعظمها حين يتحول المرء من مدافع عن الحق إلى أدَاة في يد الباطل، ومن ابنٍ لوطنه إلى خنجرٍ في خاصرته.

من باع دينه وضميره فقد كتب نهايته بيده؛ قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ﴾ [محمد: 25].

ولعل أعظم عزاء أن وعد الله بالحق قائم: مكر الخائنين زائل كما قال تعالى: ﴿وَمَكْرُ أُولئك هُوَ يَبُورُ﴾ [فاطر: 10].

لا مجال اليوم للمجاملة مع الخونة ولا لتبرير جرائمهم؛ فخطرهم أشد من خطر العدوّ نفسه.

واجبنا أن نكشفهم على حقيقتهم، ونعري مشاريعهم التدميرية التي تخدم الصهيونية وأمريكا وحلفاءهما، وأن نُعلّق دائمًا على أن وعى الشعوب هو السلاح الأقوى والحصن الذي يصد الاختراق والتضليل.

الذين خانوا وطنهم ودينهم لن يجدوا مأوى ولا كرامة؛ لأن الخيانة لا تورث إلا الذل والعار.

لقد سقط القناع وبان الصادق من الكاذب، والمخلص من الخائن.

اليوم لا مكان في صفوف الأُمَّــة إلا لمن يقف في وجه العدوّ بثبات وإيمان؛ لا لمن يتحالف معه أَو يروّج لمشاريعه.

ومن باع نفسه للعدو فقد خسر دنياه وآخرته، وكانت خيانته طريقًا إلى هاويةٍ لا رجعة منها.

قد يعجبك ايضا