الشهداء رموز الحق وتيجان المجد .. ذكرى الشهيد.. الأهمية والدلالات

 

 

 

الشهداء رموز الحق وتيجان المجد ..ذكرى الشهيد.. الأهمية والدلالات

مناسبة ذكرى الشهيد هي من أهم المناسبات التي يجب الاهتمام بها لأَنَّها من المحطات المهمة التي نتزوّدُ منها العزم، وقوة الإرادَة، والاستعداد العالي للتضحية، ونستذكر فيها قداسةَ القضية التي ضحّى في إطارها هؤلاءِ الشهداءُ.

كما أنَّ لها أهميّةً كبيرةً في ما يتعلق باستذكارهم، والاستفادة من سيرهم، وجهادهم، وتضحياتهم، وأخبارهم التي هي كلها دورسٌ مهمة ومفيدة.

ثم أَيْـضاً هذه المناسبة تلفتِ الانتباه بشكلٍ أكثرَ إلى المسؤولية التي تقعُ على عاتق الجميع المجتمع والدولة، تجاه أسر الشهداء، وَأَيْـضاً ترسيخ مفهوم الشهادة في سبيل الله وفق التقديم القرآني المبارك.

نحن أَيْـضاً بحسبِ الظروف التي تعيشها أمتُنا بشكلٍ عام، والظروف التي يعيشها شعبنا -أيضاً- على وجه الخصوص، نرى الحاجةَ الملحة لمناسبةٍ كهذه فيما تقدمه لنا أَيْـضاً على مستوى إبراز المظلومية، وإظهار حجم ومستوى هذه المظلومية من جانب، وإبراز وإظهار مستوى الصمود، والثبات، وقوة الإرادَة، والاستعداد العالي للتضحية، وما يشهد على الإباء والعزة والثبات.

كما أنها ذكرى للعز والإباء، ذكرى للثبات والشموخ، ذكرى لكلِّ قيَم الحقِّ والخير والعدالة، ذكرى تُحيي فينا من جديد رُوحَ المسؤولية، وتزيدُنا من جديد عزماً إلى عزمنا وثباتاً في مواقفنا، وصُمُوداً في مواجَهة التحديات والأخطار.

وهي ذكرى نستذكرُ فيها ثقافةَ الشَّهَادَة، ونستذكرُ الشُّهَـدَاءَ بما قدَّموه لنا من دُرُوس وعِبَر، ونستذكر إسهاماتِهم العظيمة والمجيدة والخالدة، ونستذكر واقعَنا وما نتحمله من مسؤوليات تجاه هذا الواقع.

إننا حينما نُحيي الذكرى السنويةَ للشَّهيْـد فإنما لنحيي فينا نحن روح الشَّهَادَة؛ ولنرسِّخ في واقعنا مبدأَ الشَّهَادَة في سبيل الله تعالى، في سبيل الحق، في إقامة العدل، في مواجَهة الظلم والطغيان والإجرام، وخُصُوصاً ونحن في هذه المرحلة وفي هذا العصر نواجهُ كشعوب مستضعَفة تحديات كبيرة، نواجه قوى الطغيان العالمية، وقوى الاستكبار، وقوى الإجرام، بأياديها الإجرامية في داخل مناطقنا وشعوبنا، وكذلك بمكرها الكبير وطغيانها وإجرامها الهائل.

الشهادة في سبيل الله تضحية مثمرة تصنع النصر وتحرر الأمة من سيطرة الطاغوت ولذلك فإن أمةً تعشَقُ الشَّهَادَةَ في سبيل الله تعالى ستظلُّ الأُمَّـةَ الصامدة، وَالثابتة، وَالقوية، التي لا تهزّها ولا تحنيها العواصفُ الجسَامُ، ولا الأحداث الكبار، ستبقى هي الأُمَّـةَ التي لا تكبَّلُ بقُيُود وأغلال الخَوف والمذلة والمسكنة، ولا تستعبَدُ بالترهيب، ولا تستضام، ولا يُهيمَنُ عليها بالسطوة والجبروت والبطش من الطغاة والظالمين والمجرمين.

ولهذا فإن من المهم جداً الاهتمام بهذه المناسبة التي تحيي فينا العزةَ والإباء في زمن نحن أحوجُ ما يكون فيه إلى أن نرسِّخ في أنفسنا العزة، وأن نحيي في وجداننا الإباء، في زمنٍ سعَت قوى الطغيان بكل إمكانياتها وبكل الوسائل والأساليب بالبطش والجبروت، بالغزو الثقافي والفكري، بالنشاط الإعلامي المضلل، إلى أن ترسِّخ في نفوس الشعوب كُـلّ الشعوب ثقافةَ الهزيمة وروح اليأس والاستكانة وكذلك حالة الإذلال والقبول بالهوان لأنها ترى في ذلك السبيلَ الميسرَ للهيمنة على المستضعفين والتحكم بشؤونهم وبمصائرهم.

ولذلك نحنُ اليوم بثقافتنا القُـرْآنية كشُعُوب مستضعفة مسلمة نُحيي في أنفسنا كُـلَّ عوامل الثبات، وكلَّ عوامل الصمود، وكل العوامل التي تمدنا بالأمل في مواجَهة اليأس، وبالقوة في مواجهة الضعف، وبالعزة في مواجهة المذلة؛ لنكونَ فعلاً بمستوى مواجهة التحديات، ولنكون بالاستعانة بالله تعالى والاعتماد عليه والتوكل عليه واكتشاف كُـلّ عناصر القوة التي نختزنها فيما وهبنا الله كشعوب مستضعفة من إمكانات ومقدرات نفسية ومعنوية ومادية وثقافية وفكرية، نستفيد منها، فتكون فعلاً نِعمَ عوامل القوة والثبات والصمود.

اليومَ حينما نستذكرُ شُهَـدَاءَنا الأبرارَ، فإننا نستذكرُ منهم الدروسَ والعظةَ والعبرةَ، نستذكرُ منهم المجدَ، ونستذكرُ منهم الصمودَ، ونستذكرُ منهم الإباء.

فشهداؤنا لم يكونوا مجرَّدَ ضحايا فقط، بل كانوا رجال مشروع، وأصحاب فكر، وحاملين لقضية، فهم شُهَـدَاء القضية العادلة والموقف المشروع والهدف المقدَّس، وهم شُهَـدَاء الأُمَّـة كُـلّ الأُمَّـة؛ لأنهم حملوا في ثقافتهم وفي وجدانهم وفي فكرهم وفي مشاعرهم وفي مبادئهم وفي حركتهم، حملوا هَمَّ الأُمَّـة كُـلّ الأُمَّـة، وقضايا الأُمَّـة كُـلّ الأُمَّـة، وحملوا أَيْضاً روحَ الموقف والمسؤولية للصمود والثبات في وجه أعداء الأُمَّـة كُـلها  كما حملوا في قلوبهم هَمَّ الأُمَّـة في قضيتها الكُبرى «فلسطين»، والعداء لعدو الأُمَّـة اللدود، والخطير «إسرائيل».

كما حملوا هَمَّ الأُمَّـة في مقارعة ومناهضة هيمنة قوى الاستكبار، وعلى رأسها أمريكا، وكذلك في مواجهة الاختلالات التي صنعها العدو في داخل الأُمَّـة، من خلال أياديه الإجرامية والظالمة والمستبدة والعابثة، التي أسهمت من داخل الأُمَّـة في ضربها وخلخلتها وإضعافها وتدجينها لصالح أعداء الله وأعدائها.

فعلى كلٍّ، كانت هذه الذكرى وستظلُّ محطة سنوية معطاءة بالدروس الملهمة والعظيمة والمهمة، محطة سنوية نأخذ منها ونتزود منها دَائما الدروس الكبيرة التي نحتاج إليها في ميدان الصراع، وفي مواجَهَة التحديات، ومقارَعة الظالمين والعابثين والمستكبرين.

الشهداء ومنطلقاتهم

عندما نتحدث عن شهدائنا الأبرار كيف كانت انطلاقتهم مع الله نتحدث عن أساس موقفهم وما يمتاز به من عدالة القضية ومشروعية الموقف، وقداسة النية والمقصد، والهدف، وعظمة القيم والأخلاق، وسلامة واستقامة الممارسات والسلوك.

فالشهداء الأبرار تحركوا في سبيل الله لهم قضية عادلة لم يخرجوا باغين ولا ظالمين ولا متجبرين ولا متكبرين، لأنهم ينتمون إلى المشروع القرآني العظيم، الذي أمر بمواجهة البغي، والظلم، والعدوان، هم في مواجهة من باعوا أنفسهم للشيطان الأكبر، أمريكا وإسرائيل.

فعدالة قضيتهم تضفي على شهادتهم قداسة واضحة ومهمة، فشهداؤنا لم يكونوا يوماً من الأيام في موقف بغي، ولا استكباراً ولا صداً عن سبيل الله، ولا طمعا في الفيد والسلب والنهب، والمال السعودي والأمريكي، هؤلاء شهداء مقدسون، صدوا عن أمتهم عن المستضعفين من ورائهم العدوان والبطش والظلم والتجبر الذي يمارسه الظالمون والمعتدون.

فهؤلاء الشهداء العظماء تحركوا بشرعية قرآنية وفق قوله سبحانه وتعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} لهم هذه الشرعية ولن ننتظر من أحد من المجرمين والمتحذلقين أن يمنحنا شرعية، فشرعيتنا مستمدة من الله العظيم، من توجيهاته وأوامره الحكيمة والمقدسة والعادلة.

فهم تحركوا على أساس قول الله سبحانه وتعالى: {وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ} من يتخذون قرارات بالحرب والعدوان, من يحركون الجيوش والمؤسسات الحكومية لتعتدي على الشعب، لتعتدي على المؤمنين إلى قراهم إلى مناطقهم إلى بلدانهم، لا لذنب ولا بحق سوى أن هؤلاء ينتمون إلى مشروع قرآني وينطلقون في مواقف قرآنية في موقفهم من البغاة والطغاة والمعتدين وفي مقدمتهم أئمة الكفر أمريكا وإسرائيل.

إذا فسلامة المنطلقات المتجذرة في عدالة القضية وقداسة النية والمقصد، هي الركيزة الأساسية للثبات والصمود في وجه أي معتدٍ مهما كانت قوته وجبروته وهي التي على أساسها يكون جهاد الإنسان سليما وصحيحا كما أنها شرط أساسي في صحة الجهاد ونيل الشهادة بمفهومها الصحيح

فشهداؤنا الأبرار كانوا يحملون  روحية الإباء والعزة والغيرة على الحق والأمة المظلومة والجريحة، والشهداء تحركوا بالقيم الإيمانية خاضعين لله، مطيعين له متمسكين به سبحانه، وهم في إطار العمل الجهادي يتحركون بإيمان، وصلاح، واستقامة، وطهارة، وعفة فالمجاهد يتحرك في سبيل الله سبحانه وتعالى صابراً ثابتاً يؤدي مهامه الجهادية بشكل سليم وصحيح، وهؤلاء الشهداء الأبرار والأخيار عندما تحركوا في سبيل الله سبحانه وتعالى من هذا المنطلق بتلك النوايا والمقاصد العظيمة والأهداف المقدسة بأخلاقهم بإيمانهم باستقامتهم، بأخلاق الإسلام، وأخلاق القرآن تركوا لنا إرثاً مهماً، تمثل في القضية العادلة والموقف الحق ومواجهة المعتدين الضالين الظالمين وهذه مسؤولية تبقى علينا جميعاً أن نواصل الخُطى وأن نواصل المشوار لكي تتحقق هذه الأهداف السامية والعظيمة.

الشهداء عظماء أمتنا وتاج رؤسنا

أيها الشهداء أنتم رمز الحق وأيقونته وأنتم أساس المجد وتيجانه تتوزعون بين الروضات فتنبت في الزمن عظمتكم كأنها الثمر الحلو الناضج على شجره، ويوحي لون دمائكم القانية إلى النفوس ما يوحيه لون الربيع الأخضر في الصحراء القاحلة إلا أنه أفوح عطرا وأعبق شذى، ويرى العالم في مواقفكم مثلما يرى المجدب في أرض الربيع المخضرة، نضارة وطهارة، غير أنه يتولد من مواقفكم المعاني والدروس لا النبات والشجر، فيحس الجميع بعظيم قدركم ورفيع منزلتكم ويرون فيكم المثل الأعلى الذي يحتذى به.

أيها الشهداء إن ذكراكم لتحرك في النفوس المؤمنة سر قوة الكمال الإيماني فتفهم منكم معاني التوفيق الإلهي؛ حتى أن المؤمن يرى بعين البصر والبصيرة كيف يسمو الإيمان بالروح الآدمية من طباعها الحيوانية إلى مصافّ الأرواح الملائكية فلا تقدس في حياتها إلا العمل الصالح ولا تحتقر في وجودها إلا الذنوب والمعاصي ولا تتحاشى في قرارتها إلا الشيطان وعمله وحزبه فَيُرى في المستكبر الضعف وإن ملك القوة، وَيُرى في الظالم الجبروت وإن لم يملك إلا أهلهم وَيُرى في العبودية لغير الله الحقارة وإن كانت للصالحين من عباده.

أيها الشهداء إن ذكراكم لتحرك في الضمير الآدمي نوعين من العظمة: عظمة الثقة بالله، وعظمة المدرسة التي أنتم أساتذتها وروادها تقدمون فيها ألوانا من الدروس لا لونا واحدا وبين هذين النوعين من العظمة تنبت الحياة الكريمة حقيقة ثابتة لا حلماً في الخيال؛ فيرى العالم عظمة الثقافة الجهادية في طبيعة الصراع مع أعداء الله وفوائد ذلك الصراع وحتميته كما يتيقنون أن مصداقية الإيمان بالله هي استشعار المسؤولية الدينية تجاه المستضعفين من عباده والتي يرفع الله بها عبده مقاما عظيما فيحبهم ومتى أحب الله عبده فأجلّ ما يسدي إليه من نعمه أن يتخذه شهيدا فتغمر الفرحة قلبه بذلك الفوز حتى أنه ليصيح فرحا في لحظة الفراق “فزت ورب الكعبة” لأنها منهجية يفوز من سار عليها.

أيها الشهداء العظماء إنه ليخيل إلى محبيكم في ذكراكم أنهم يلبسون ثيابًا من الدماء لا من القماش؛ وينتظمون أشلاء من اللحم والعظام لا أجساما طرية ندية فهم لفرط شوقهم إلى الشهادة لا يرون في لغوب المعاناة إلا حلاوة الفوز ولا يجدون في تقلب الأحداث وتصعيدها إلا دروسا عظمية من وفائكم وصدقكم مع الله فيتخذونكم -يا أولياء الله- قدوة وأسوة حتى تكونوا لهم سندا بعد رحيلكم كما كنتم لهم قادة قبله، فتراهم لا يتبرمون أبدا مما لاقوه من جفاء الأعداء وخذلان الأصدقاء لأنكم أيقظتم فيهم مشاعر العظمة وحفزتم لديهم كوامن الطاقات وعززتم عندهم خفايا المؤهلات فازدادوا إيمانا فوق إيمانهم وتقوى وأملا وبشرى بماهم فيه من نعمة الهدى فسروا بذلك ، “وما حقيقة السرور إلا تنبه معاني التقوى في القلب لا الرفل في زينة العيش تحت ظلال السقوف” .

أيها الشهداء العظماء إن شمس ذكراكم لتشرق على الأرض الموبوءة بمعاصي الظالمين فتشرق معها آمال المستضعفين في الخلاص من ليل الاستبداد وتتعزز في نفوسهم الثقة بالله قاهر المستكبرين ومبير الظالمين الذي بيده وحده نصرهم وعزتهم وينبثق معها في ضمائرهم نور الحرية والاعتزاز فيشعر الموظف والتاجر والعامل والمعلم والتلميذ والرجل والمرأة والطفل والشيخ المسن بعظيم ما هم فيه من أمان وطمأنينة فيذكرونكم بجميل الذكر ويترحمون على أرواحكم الطاهرة مقرين بعظيم إحسانكم إليهم وجزيل عطائكم لهم، فلولا تضحياتكم لما كان شيء مما هم فيه من الأمن والأمان والدعة والسعادة والعزة والكرامة، لولا تضحياتكم لما سعد الموظف بوظيفته ولا التاجر بتجارته ولما استفاد التلميذ علما والمعلم أجرا والمرأة كرامة وصونا والطفل لعبا وشدواً، والشعب استقرارا واسترخاء فشمس ذكراكم المتجددة تثبت أن الجديد في الحياة هو الجديد في كيفية شعور النفس بها، لا في كيفيتها هي وفيما تلقي من سحرها على النفوس، لا فيما تظهر فيه من زينتها فتعيش النفوس المؤمنة نقية مبتسمة كأنها قناديل متلألئة وللسرور طريقة في إبهاج النفس الشاعرة، كطريقة القمر المنير في تبديد ظلمة الليل البهيم.

أيها الشهداء الأجلاء إن لعظمة ذكراكم شجونا تبعث في النفوس حماسا ومعنوية عالية فيشدو الكل بعظيم مواقفكم وآثار تضحياتكم وجميل صبركم وتحملكم وقوة ثباتكم واستبسالكم فيتمنى الجميع مماثلتكم في التوفيق الإلهي حتى أن النفوس لتغبط فيكم الإباء والعزة الكرامة والشجاعة وكمال الإيمان وقوة التقوى، وهل مثل شجون الأهل والأصدقاء من شجون تشيع في النفوس حنينا إليكم وشوقا إلى لقائكم في اليوم الموعود وأنتم بحضرة الملأ الأعلى تنظرون هلع الناس وخوفهم الشديد من هول الحساب آمنين مطمئنين يوم الفزع الأكبر فرحين بما أكرمكم الله به من الشهادة تشخب جروحكم مسكا وتشع نفوسكم فرحا بما قدمتموه من صالح الأعمال في حياتكم الدنيا فيزيدكم الله تشريفا  بتشفيعكم في صالح الأهل والولد ليرفعهم سبحانه قدرا ومنزلة إكراما لكم. 

أيها الشهداء الكرماء، لقد ملأتم قلوبكم بحب الله فأحبكم الله وزادكم الله هدى ونورا وحكمة وبصائر ففاضت جوانحكم حلما وعلما وتجسدت في مواقفكم قيم الإيمان وأخلاقه ثباتا راسخا وبأسا شديدا على أعداء الله، فرُغتم على أصنام الكفر والجور ضربا باليمين حتى خروا على وجوههم من هول ضرباتكم وبأسها وجثوا على ركبهم ذلا وهوانا وهم صاغرون، لم يخِفكم وعيدهم ولم تغرِكم نقودهم فلا مناصب الدنيا ولا كنوزها بالذي يقربكم زلفىً من الظالمين فكنتم جيشا لجبا في وجوههم تسارعون عليهم لا فيهم وتحسونهم بإذن الله دون أن تحسبوا لهم حساباً، ومع ذلك تجيشون بالحب والحنان على المستضعفين كالسفينة العظيمة تغرق نفسها لتحمي غيرها تمخر عباب المحيط الشاسع غير آبهة بأمواجه المتلاطمة وكثافته المهولة فقد بينتم بمواقفكم حقارة الإنسان وعظمته في آن واحد أما حقارته فبإعراضه عن ذكر ربه  واتباعه هوى نفسه وأما عظمته فإعراضه عن شهواته ورغباته واتباعه لهدى الله فتبين للناس كيف يكون عظيما في هذه، وحقيرا في تلك.

أيها الشهداء الأبطال لا شيء أعظم من الشهادة كرامة ولا من الشهيد إنسانية فظاهره لا يختلف عن باطنه حتى لكأنه الشمس في نورها والنبع في طهارته فتشعر وكأن الناس جميعًا خرجوا من الكرة الأرضية بضحالتها بينما جاء الشهداء من الملكوت الأعلى بسموه قال تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } (آل عمران170,169).

فيا عظماء أمتنا و يا تاج رؤوسنا، يا سحر الخوف من الله و كرامة تقواه، أنتم بحق أهل الفضائل والمكارم وأنتم بحق أصحاب المعروف والإحسان من عرفكم كيف لا يعرف يقدركم وأنتم ترجفون الأرض تحت عروش الظالمين فتنهال عليهم خزيا وعارا، من عرف مواقفكم كيف لا يثني عليكم وأنتم  تصرخون في وجوه المستكبرين فترعدون فرائصهم وتطيرون قلوبهم إلى الحناجر خوفا وهلعا، ولقد رأيتكم رأي العين بين سموين: سمو القول عن كل بذيء، وسمو الفعل عن كل دنيء متحركين بعدالتين: عدالة قضيتكم، وصوابية موقفكم موقنين بوعدين: وعد الله لأوليائه، ووعيده على أعدائه، رامِين ببصركم ناحيتين:  أقصى القوم، وإحدى الحسنيين، حتى جعلتم أعداء الله يفكرون بحلوم الأطفال لا عقول الرجال غير مدركين-قبّحهم الله-أن حقيقة نسيان الله ليس عمل العقل والفِكر، ولكنه عمل الغفلة والجرأة على الله والتعدي على عباده، والأمن من عقوبته ومؤاخذته.

ألا ما أشبه الإنسان في حياته بالسفينة في البحر إن ارتفعت فوق حدها مادت، أو انخفضت دون مستواها غرقت، وليس بفعلها وحدها بل بتأثرها بما حولها ولن تستطيع هذه السفينة أن تملك من قانون ما حولها شيئًا، ولكن قانونها هو الثبات، والتوازن، والاهتداء إلى قصدها، فلا يَعْتبَنَّ الإنسان على الدنيا وأحكامها، ولكن ليجتهد أن يحكم نفسه ويسوسها وفق منهج الله حتى يحقق لنفسه النجاة والسعادة في الدنيا والآخرة أسوة بالشهداء العظماء.

فسلام الله عليكم أيها الشهداء الأبطال مادام الليل والنهار، لكم منا كل الإجلال والتقدير والاحترام والعهد والوعد أن نسير على دربكم حتى نلحق بكم شهداء أو نموت في سبيل الله كرماء.

قد يعجبك ايضا