العدوان الإسرائيلي على دمشق استباحة للدول العربية والإسلامية

مرتضى الحمران

لم تعد الغارات الإسرائيلية على العاصمة السورية دمشق ومحيطها أمرًا مفاجئًا في المشهد الإقليمي، لكن وتيرتها وحدّتها المتزايدة في الأشهر الأخيرة تثير تساؤلات جوهرية حول الأهداف الحقيقية للعدو الإسرائيلي، لا سيّما في ظل غياب الوجود الإيراني وتراجع الحضور العسكري لمحور المقاومة داخل العمق السوري وقرب النظام السوري من التطبيع مع الصهاينة.

لطالما روّج الاحتلال الصهيوني بأن ضرباته الجوية تستهدف “التموضع الإيراني في سوريا”، وزعم أن طهران تستخدم الأراضي السورية لتخزين السلاح أو تهريب التقنيات إلى حزب الله في لبنان. غير أن هذه السردية فقدت وجاهتها منذ مطلع عام 2024، حيث تشير المعطيات إلى انعدام أي أنشطة إيرانية عسكرية على الأرض السورية.

وفي ظل هذا الغياب، تبرز تساؤلات ملحّة: لماذا يستمر الاحتلال الصهيوني في قصف مواقع قرب دمشق؟ ولماذا الآن؟ وما الرسائل السياسية والأمنية الكامنة وراء هذه الغارات؟

من الواضح أن العدوان لم يعد مرتبطًا بإيران، بل بات انعكاسًا لاستراتيجية أوسع يتبناها الاحتلال الصهيوني، تقوم على “استباحة الدول العربية والإسلامية”، آمنة من الرد والمحاسبة. فالاحتلال لا يسمح بأي إعادة تموضع للجيش السوري، خصوصًا في مواقع الدفاع الجوي أو المخازن اللوجستية، حتى لو لم تشكل تهديدًا مباشرًا.

اللافت أن بعض الغارات الأخيرة استهدفت مواقع عسكرية سورية خالصة، لا علاقة لها لا بحزب الله ولا بالحرس الثوري الإيراني، وهو ما يكشف نوايا إسرائيل الحقيقية: إبقاء سوريا ضعيفة، مجردة من قدراتها الدفاعية، غير قادرة على ترميم جيشها أو فرض سيادتها على أراضيها.

ومن الخطأ الادعاء بأن الاحتلال الإسرائيلي قلق من الحراك الدرزي في الجنوب السوري. فالاحتلال الصهيوني ، تاريخيًا، تعامل مع الطائفة الدرزية كعنصر محايد أو حتى حليف ضمني، وتزعم أنها معنية بحمايتهم من أي صدام مع الدولة السورية الحالية. ومع تصاعد التحركات والاشتباكات الشعبية في محافظة السويداء، يبدو أن الغارات الجوية الأخيرة تحمل في طياتها رسائل تحذير للنظام السوري، للحد من تحركاته في الجنوب، ومنع أي تصعيد قد يدفعه إلى استخدام القوة ضد العدو الصهيوني.

ومنذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على غزة في أكتوبر 2023، بات واضحًا أن الاحتلال الإسرائيلي يعتمد استراتيجية توسيع الردع على جبهات متعددة. فالقصف المتكرر لسوريا، وكذلك لبنان، يعكس رغبة الاحتلال في توجيه رسائل استباقية بأن عدوانه على الجنوب الفلسطيني لن يربك جبهاته الأخرى، وأنه قادر على الضرب في أي وقت، وفي أي مكان.

 

لكن هذه السياسة تعكس، في حقيقتها، ارتباكًا استراتيجيًا ومحاولة لتعويض الإخفاق العسكري والسياسي في غزة، عبر تصدير القوة جوًا في مسارح أخرى.

إن استمرار الصمت العربي والإسلامي إزاء هذه الانتهاكات، والسكوت عن إذلال عاصمة عربية بقصف شبه يومي، يعزز شعور الاحتلال بالتفوق، ويدفعه نحو مزيد من العدوان والابتزاز السياسي والعسكري, وهذا يستدعي موقفًا جادًا من السلطات السورية وإسنادًا من الدول العربية والإسلامية..

قد يعجبك ايضا