ثورة البصيرة والجهاد.. بين طغيان الأمويين وطغاة اليوم

إعداد: صادق البهكلي

الحقيقة: خاص

مقدمة:

في ظل واقعٍ عربي وإسلامي تهيمن عليه سياسات التبعية، ويتسيد فيه الطغيان بمسميات مختلفة، تعود إلينا ذكرى استشهاد الإمام زيد بن علي عليه السلام، لا كحدثٍ مرّ عليه الزمن، بل كحالة ثورية حيّة تُعيد تعريف الموقف الصحيح في مواجهة الظلم والانحراف. لم يكن الإمام زيد مجرد فقيه من أهل البيت، بل كان رمزًا متكاملًا للقيادة الواعية، الثائرة، والمستنيرة بنور القرآن، الرافضة للذل، والمجاهرة بالحق مهما كانت التبعات. وفي زمن يكثر فيه المتخاذلون ويُشرعن فيه الظلم تحت عناوين زائفة من المصالح والسياسة، تبرز ذكرى استشهاده كصيحة ضمير، وصيحة إيمان، تذكّر الأمة بأن الحق لا يُستجدى، وإنما يُنتزع بوعيٍ وبصيرةٍ وجهاد.

الإمام زيد، حليف القرآن، وحفيد الحسين، وسليل بيت النبوة، لم يخرج طمعًا في سلطة أو مجد، بل نهض بدافع من القرآن الذي لم يسمح له بالصمت، كما قال: «والله ما يدعني كتاب الله أن أسكت». هذه العبارة وحدها تُلخص فلسفة زيد في الثورة، حيث يتحول النص القرآني إلى دافع عملي للتحرك، لا مجرد تلاوة محفوظة. فما يميز ذكرى زيد أنها لا تُستحضر فقط بالبكاء والرثاء، بل بالوقوف الجاد مع مبادئه، والنظر بعين فاحصة إلى واقعنا الإسلامي الذي يرزح اليوم تحت أشكالٍ متعددة من الطغيان المعاصر، من الاحتلال الصهيوني، إلى التغوّل الأمريكي، إلى الأنظمة التابعة التي تقتل شعوبها جوعًا وحصارًا.

ومن هنا، فإن الحديث عن الإمام زيد ليس سردًا لسيرة بطلٍ من الماضي، بل هو تذكير بأن مشروع التغيير، وإن خذله الناس، لا يموت، وأن طريق الحرية لا يزال يستمد نوره من دماء أولئك الذين قالوا «لا» في زمن سادت فيه «نَعَم» المُذلة.

الظروف السياسية والاجتماعية: تربةٌ خصبةٌ للظلم                                                                                                                                 

لقد ورث الإمام زيد بن علي عليه السلام واقعًا مشوهًا، كانت فيه الخلافة قد تحولت إلى إمبراطورية أموية لا تعترف بالشرعية الإسلامية إلا بالقدر الذي يخدم سلطانها، ولا تقيم وزنًا لقيم القرآن إلا إذا دعمت هيمنة بني أمية على الأمة، لم يكن الانحراف محصورًا في الجانب السياسي فقط، بل تجاوزه ليصبح فسادًا دينيًا، وثقافيًا، وأخلاقيًا شاملًا، فمن حيث العقيدة، تم تحريف مفاهيم الإسلام الجوهرية، وجرى توظيف علماء السوء لخدمة السلطان، وتبرير بطشه، وتأصيل الاستسلام له تحت غطاء “الجبر” و”القدر”، حتى أصبح الطاغية يُقدَّس، ويُروَّج له بأنه ظلّ الله في الأرض.

أما من حيث الحريات والكرامة الإنسانية، فقد كان بطش بني أمية فاق كل تصور، قتلٌ على الشبهة، تعذيبٌ مروّع، سملُ أعين، وبتر أطراف، وإعدامات جماعية، لم يسلم منهم لا العلماء، ولا القرّاء، ولا الزهاد، ولا عامة الناس، كانت الأمة تعيش حالة من الرعب الجماعي، وتحولت الشام والكوفة ومكة والمدينة إلى مسارح للبطش باسم الدولة والدين، أُهدرت كرامة الإنسان، وعُطلت الشورى، واحتُكر المال، واستُعبد الناس بالجزية والفيء الذي أصبح غنيمةً للطبقة الحاكمة.

 

لقد وصلت ممارسات طغيان بني أمية إلى درجةٍ رهيبةٍ من انتهاك الحرمات، والتعدي على المقدسات، والاستباحة للأمة.

لم يرعوا أي حرمةٍ من الحرمات، ولم يعطوا أي شيءٍ من مقدسات المسلمين، ومن المبادئ الإسلامية أي قيمة أبدًا.

تجلى هذا الانتهاك في صورٍ عدة، كان من أبرزها:

  • الإساءة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

لقد وصلت وقاحتهم إلى درجة التغاضي عن سبّ الرسول في مجالسهم الرسمية، التي كان يحضرها جلساء من اليهود والكافرين، وكانوا يسمعون السب ويتضاحكون ويغضون الطرف.

كانوا يطلبون من بعض الشعراء أن ينشدوا لهم الشعر الجاهلي الذي كان فيه هجاء للرسول صلى الله عليه وآله وسلم وإساءة إليه. إضافة إلى ذلك، كان هناك تشويه متعمد للرسول من خلال الافتراءات والمرويات المكذوبة التي تتضمن التنقيص من رشده، وحكمته، وأخلاقه وقيمه، والإساءة إليه بأشكال كثيرة، هذا كله كان لصالح رفع مكانة الملوك الجبابرة من طغاة بني أمية، ووصل الحال إلى المجاهرة بتكذيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كما قال أحد ملوك بني أمية:

“تَلَعَّبَ بِالبَرِيَّةِ هَاشِمِيٌّ

بِلا وَحيٍ أتاهُ وَلا كِتابِ”.

  • انتهاك حرمة القرآن الكريم:

بذل بنو أمية جهدًا كبيرًا لإبعاد الأمة عن الاتباع العملي للقرآن، وحرصوا على أن تكون طبيعة العلاقة بالقرآن الكريم في مستوى التلاوة فقط. كما عملوا على تحريف المعاني والمفاهيم القرآنية عبر علماء السوء، وحرموا الأمة من الاستفادة من كتاب الله الذي هو النور ومنبع الهداية. بل وصل الحال بأحد ملوكهم، وهو الوليد، أن قام بالاعتداء على المصحف الشريف، ورميه بالسهام وتمزيقه، بعد أن غضب من آيات تتوعّد الجبابرة.

  • انتهاك حرمة الكعبة المشرفة والمدينتين المقدستين:

انتهك بنو أمية حرمة الكعبة المشرفة في حربين متتاليتين، وتعمدوا رميها بالمنجنيق لإحراقها وهدمها. كما استباحوا مكة المكرمة باقتحامها عسكريًا وقتل الناس فيها حتى في المسجد الحرام. ولم تسلم المدينة المنورة أيضًا من استباحتهم، حيث ارتكبوا فيها القتل الذريع للناس، واستباحوا مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقتلوا الناس حتى على قبر الرسول.

  • استباحة الأمة بالقتل والتعذيب ونهب المال العام:

لم تكن دماء الصالحين وأخيار الأمة وعلمائها الربانيين محترمة عندهم، بل كانوا يعتبرونهم مهدري الدم لأنهم لا يقفون معهم. قتلوا الآلاف من الصالحين ومئات الآلاف من أبناء الأمة، حتى من عامة الناس، لأتفه الأسباب وأحيانًا بدون سبب، وبشكل مروّع ووحشي. كما مارسوا جرائم التعذيب الشنيعة، مثل سمل العيون وقطع الأيدي والأرجل، وهي جرائم تتنافى مع قيم الإسلام والفطرة الإنسانية. بالإضافة إلى ذلك، استأثروا بالفيء ونهبوا المال العام، ووزعوه فيما بينهم بالملايين، وحرموا المجتمع الإسلامي الذي انتشر فيه البؤس والفقر. وعبر هذا النهب، قاموا بشراء الذمم وكسب الأنصار ليمكنوهم من السيطرة على الأمة وظلمها وتعذيبها.

لقد أسس بنو أمية مدرسة للطغيان، ورثها عنهم الطغاة من أبناء الأمة فيما بعد.

في هذه الأجواء، أصبح الصمت جريمة بحق الدين، والسكوت خيانة للرسالة، لقد كانت الأمة في أمسّ الحاجة لمن يرفع الصوت بالحق، ويعيدها إلى قيم الإسلام الأول، والإمام زيد لم يكن مجرد ثائر، بل كان صاحب رؤية إنقاذية للأمة من الاستعباد الروحي والمادي، أدرك أن التغاضي عن ذلك الظلم ليس حيادًا، بل اصطفافًا مع الطغيان، وأن مقاومة الاستبداد ليست خيارًا نخبويًا، بل فريضة دينية لا يسع أحد التهرب منها.

الأهداف الفكرية والدينية لثورة الإمام زيد (ع)                                                                                                                                         

تتميّز ثورة الإمام زيد بأنها لم تنطلق من طموح سياسي، ولا من نزعة شخصية، بل كانت ثورة فكرية قبل أن تكون عسكرية. لقد كانت تحركًا واعيًا، متسلحًا بالبصيرة والعقيدة، نابعًا من قراءة دقيقة للواقع، ومن فهم عميق للقرآن الكريم، ومن إحساس عالي بالمسؤولية تجاه أمة محمد صلى الله عليه وآله.

كان الإمام زيد يرى أن الانحراف الذي أصاب الحكم الأموي ليس فقط فسادًا سياسيًا، بل هو انقلاب على جوهر الإسلام، وتحريف متعمد لمبادئ العدل، والكرامة، والحقوق.

وسعى بكل جد وبكل الوسائل لإعادة الأمة إلى طريق الهداية، وتحرير الدين من قبضة السلطان، فثورته كانت دفاعًا عن هوية الإسلام، وإنقاذًا لجوهر الرسالة من التشويه.

تحرك الإمام زيد أيضًا بدافع الغيرة على أمة جده صلى الله عليه وآله وقد عبّر عن هذه الغيرة بكلماتٍ خالدة:

 

 

  • “واللهِ مَا يَدَعُنِي كِتَابُ اللّهِ أنْ أسكُت، كيفَ أسكُت وقد خُولِفَ كِتَابُ اللهِ، وَتُحُوكِمَ إلَى الجِبتِ وَالطَّاغُوت”. هذه الكلمات توضح أن خروجه كان التزامًا قرآنيًا، وليس خيارًا سياسيًا عابرًا.
  • “لَوَدِدتُ أنَّ يَدِي مُلصَقَةٌ بِالثُّرَيَّا ثُمَّ أَقَعُ إلَى الأرضِ، أو حَيثُ أقَعُ، فَأتَقَطَّعَ قِطعَةً قِطعَة، وَأنَّ اللّهَ يُصلِحُ بِذَلِكَ أَمرَ أُمَّةِ مُحَمَّد”. هذا التعبير يظهر مدى اهتمامه وتضحيته من أجل إصلاح أمر الأمة.
  • “أَعِينُونَا عَلَى مَن أَخرَبَ أَمَانَتَنَا، وَاسْتَعبَدَ أُمَّتَنَا، وَعَطَّلَ كِتَابَنَا”. هذه الكلمات تلخص الأهداف الرئيسية لثورته: إنقاذ الأمة من الفساد، والاستعباد، وتعطيل كتاب الله.

لقد سعى الإمام زيد إلى إعادة الأمة إلى المسار الصحيح، الذي انحرف بها عنه طغاة بني أمية. وكان يعلم أن السكوت والجمود لا يمكن أن يغيرا واقع الأمة.

 

 

 

خطابه في الأمة: البصيرة ثم الجهاد                                                                                 

تميز خطاب الإمام زيد عليه السلام في الأمة بتركيزه على عنوانين مهمين جدًا: البصيرة والجهاد. فقد كان ينادي: “عِبَادَ اللّهِ البَصِيرَةَ البَصِيرَة، ثُمَّ الجِهَاد”. وهذا ما تحتاجه الأمة في مواجهة الطغاة والطغيان.

  • البصيرة: تعني الوعي، والهداية، والفهم الصحيح للواقع، والأعداء، والمسؤولية، والموقف، وكيفية التعامل مع الأعداء. البصيرة في الدين والفهم الصحيح لمبادئه وقيمه. والقرآن الكريم هو المصدر الأساسي للبصيرة، فهو نور.
  • الجهاد: يعني الوعي بالمسؤولية في التحرك في سبيل الله، بفهم صحيح لهذه الفريضة المقدسة العظيمة. كان الإمام زيد على استعداد تام للتضحية في سبيل الله، فقد باع نفسه لله، وكان يرى أنه لا مجال إلا التحرك، وأن التقصير عواقبه خطيرة جدًا، تؤدي إلى هلاك الأمة وتمكين الطغاة.

لقد كسر الإمام زيد حاجز الذل والخوف، وأعطى للحق دفعًا، وللإسلام المحمدي الأصيل استمرارية.

الإمام زيد (عليه السلام)  ثباتٌ رغم الخذلان                                                                   

على الرغم من التخاذل الكبير الذي عاناه الإمام زيد من الكثير من الناس، حتى من أولئك الذين استعدوا لنصرته، فقد ظل ثابتًا على موقفه. عندما خذله أهل الكوفة، قال مخاطبًا أحد أصحابه: “أَتَرَى أَهْلَ الكُوفَةِ قَد فَعَلُوهَا حُسَينِيَّة”، أي خذلوه كما خذلوا جده الحسين عليه السلام.

ولكن هذا الخذلان لم يثنِ الإمام عن عزمه، فقد قال كلمته الشهيرة والعظيمة: “لَو لَم يَخرُجْ مَعِي إلَّا ابْنِي يَحيَى لَقَاتَلتُهُم”. هذه الكلمات تبرز مستوى عزيمته ويقينه وإرادته في أداء الواجب، وقول كلمة الحق. لقد خرج دون أي تردد، وباستعداد كامل للتضحية.

استشهد الإمام زيد عليه السلام، ولكن نهضته لم تنتهِ باستشهاده. فمن بعده كانت نهضة ابنه يحيى بن زيد عليهما السلام. وكانت النتيجة في نهاية المطاف هي الثورة العارمة التي أطاحت ببني أمية وسيطرتهم على الأمة الإسلامية، وحررت الأمة منهم.

مكانة الإمام زيد في الوجدان الإسلامي والثوري: قدوةٌ وإلهام                                                                                                                 

يُجمع المسلمون على أن الإمام زيد بن علي عليه السلام هو رمزٌ عظيمٌ من رموز الإسلام. مكانته ومقامه عالٍ في أوساط الأمة جمعاء، باختلاف أطيافها، لكونه من سلالة بيت النبوة. لقد كان في مستوى عالٍ من الإيمان، والوعي، والرشد، والهداية، ولقب بـ “حليف القرآن”.

إن كونه قائدًا لنهضة بهذه الأهمية، بما يمتلكه من مؤهلات وما يحمله من قيم ومبادئ، يجعله في موقع القدوة والهداية. تستلهم الأمة من نهضته الدروس والعبر، كما أن لنهضته تأثيرًا كبيرًا وممتدًا في أوساط الأمة جيلًا بعد جيل.

استلهام ثورته اليوم: مواجهة طغيان العصر                                                                           

إن أهم الدروس المستفادة من نهضة الإمام زيد عليه السلام هي إدراك مسؤوليتنا في مواجهة طغاة العصر. فهذه المواجهة ضرورةٌ دينية ترتبط بالتزامنا الإيماني، وضرورةٌ واقعية لدفع الشر عن أنفسنا ومجتمعنا وأمتنا، ولإنقاذها من الاستعباد.

إن حالة الطغيان في عصرنا هي حاضرة في كل تلك العناوين والممارسات التي شهدها زمن الإمام زيد، بل بمستوى أكبر بحسب الإمكانات. هذه الحالة تستهدف الأمة الإسلامية في دينها ودنياها، بل والمجتمع البشري بشكل عام، ويتحرك في مقدمتها وعلى رأسها الأمريكي والإسرائيلي واللوبي اليهودي الصهيوني، ومن يقف في صفهم.

نلمس اليوم مظاهر هذا الطغيان في:

  • الإساءة المباشرة والمتكررة للقرآن الكريم، وللإسلام، ونشر صورة سلبية عنهما، والتحريض ضد المسلمين ورموز الإسلام ومقدساته.
  • النفوذ الكبير للوبي اليهودي الصهيوني في أوروبا والغرب، الذي يجعل من هذه المجتمعات ميدانًا لترسيخ العداء الشديد ضد الإسلام، ونبيه، وقرآنه، والمسلمين بشكل عام.
  • الانقلاب التام على المبادئ الإلهية في المجتمعات الغربية، حيث فتحوا المجال للإساءة إلى الله سبحانه وتعالى، وإلى رسله وأنبيائه قاطبة، وإلى كتبه. الغريب أن الاستثناء الوحيد عندهم هو انتقاد اليهود، حتى لو بالاستناد إلى حقائق تاريخية، وهذا ما يسمونه “معاداة السامية” ويحاكمون ويسجنون من أجله. وهذا يكشف أن الذي يمتلك النفوذ ويسيّرهم هو اللوبي اليهودي الذي أضلّهم وأفسدهم.
  • استهداف القيم والأخلاق ونشر الرذائل: يعمل طغاة العصر بكل وضوح لتدمير القيم والأخلاق، وتفكيك المجتمع، وإبادة النسل البشري، والمجاهرة بالرذيلة دون حياء. من خلال وسائل الإعلام، والمنظمات، ونشر الشذوذ الجنسي الذي يستهدف الأسرة والنسل البشري.
  • استهداف الشعوب بالحروب والفتن ونهب الثروات: خاصة في العالم الإسلامي. فلسطين مثال صارخ على الظلم المتواصل منذ عشرات السنين، بدعم كامل من الغرب للعدو الإسرائيلي الذي يقتل ويغتصب ويهدم ويهجر بلا حسيب ولا رقيب بل بدعم واسناد غربي كامل كما يحدث في غزة منذ ما يقارب العامين. ما حصل ويحصل في سوريا، والعراق، واليمن، وأفريقيا (نهب الدول الأوربية للثروات في افريقيا)، كلها أمثلة حية على السلوك الاستبدادي الطاغوتي، والتسبب بالبؤس والمعاناة للشعوب.

أمام كل هذا، يجب أن نعي مسؤوليتنا. فالتحرك الجهادي، والوعي والبصيرة، والشعور بالمسؤولية، كلها أمور ضرورية. إن التحرك يمثل حلاً لدفع الشر والتصدي للظلم والطغيان. الجهاد في سبيل الله فريضة مقدسة، وهو يشمل التحرك الواعي في كل المجالات: السياسي، والإعلامي، والاقتصادي، والفكري، والثقافي، والعسكري.

لقد أكد القرآن الكريم على فريضة الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولقد رأينا جدوى هذا التحرك في صمود شعبنا اليمني وتضحياته، وما حققه من انتصارات رغم العدوان والحصار. وكذلك ما حققه مجاهدو فلسطين وحزب الله في لبنان.

إن موقف معظم الدول العربية والإسلامية الرسمي اليوم، لم يرتقِ إلى الحد الأدنى من الموقف المطلوب، كقطع العلاقات الدبلوماسية والمقاطعة الاقتصادية مع من يحركهم اليهود. هذا يكشف عن خلل كبير في مستوى الانتماء للإسلام والغيرة عليه. فمن هو مستعد للتفريط في أقدس المقدسات، سيفرّط في أمته وأوطانه وأعراضه.

إن التحرر من هيمنتهم هو شرف كبير ومسؤولية دينية، ويحافظ لنا على إنسانيتنا وكرامتنا. وعلى شعبنا اليمني، في ظل العدوان والحصار المستمر، أن يدرك أهمية العمل على الاستقرار الداخلي وإفشال مؤامرات الأعداء لإثارة الفتن. لا يمكن السكوت طويلًا عن حرمان الشعب من ثروته الوطنية، واحتلال أجزاء من البلد، واستمرار العدوان والحصار. يجب أن يكون الموقف حازمًا وصارمًا، وتطوير القدرات العسكرية ضرورة لتحقيق الحرية والاستقلال التام.

دروسٌ للوعي ومسيرةٌ للجهاد                                                                                                                                                                 

إن ذكرى استشهاد الإمام زيد بن علي عليه السلام ليست مجرد تاريخ يُروى، بل هي منبعٌ لا ينضبُ من الدروس والعبر لمن أراد أن ينهض بأمته. ففي نهضته نجد أن المصلحة الحقيقية ليست في الخنوع والتسليم، بل في التمسك بالدين، والاعتزاز بالهوية، ومواجهة الظلم بالبصيرة والجهاد.

لقد أثبت الإمام زيد أن الطغاة مهما بلغوا من قوة، فإن زوالهم حتميٌّ إذا ما وجدت الأمة من يكسر حاجز الخوف والذل. فاليوم، ونحن نرى أشكال الطغيان والاستكبار تتجدد، من الإساءة للمقدسات، إلى نهب الثروات، إلى تدمير القيم والأخلاق، تزداد الحاجة إلى استلهام هذه الروح الزيدية الثورية.

إن مسؤوليتنا كأمة إسلامية واعية هي أن ندرك حجم التحدي، وأن لا نرتهن مواقفنا بمواقف المتخاذلين. فالحرية والكرامة والاستقلال ليست هبةً تُمنح، بل حقٌّ يُنتزع بالوعي، والتضحية، والجهاد في سبيل الله.

فلتكن نهضة الإمام زيد منارةً تضيء لنا الدرب، ودافعًا يدفعنا نحو تحقيق السلام العادل، الذي لا نفرط فيه بديننا، ولا بكرامتنا، ولا بحقوق شعبنا المشروعة، مصداقًا لوعد الله الذي لا يتخلف: “وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ”.

 

 

قد يعجبك ايضا