العيد في اليمن… موائد شعبية وأهازيج أوسع من طوق الحصار

يشهد اليمن في أيام عيد الفطر السعيد طقوساً شعبية خاصّة تتوارثها الأجيال، من “العيدية” إلى الثياب الجديدة والموائد الشعبية الأهازيج، كذلك يشتهر بعادة مصافحة الخصوم.

سرعان ما كشف سر ابتسامته والبشاشة البادية على وجهه، منأول كلمة نطقها لسانه، ليخبر رفاقه عن اقتراب يوم العيد، ويكشف خطة أسرته في المناسبة، ويصف ملابسه وأخوانه مفاخراً بألوانها الزاهية.

الطفل أحمد محمد (9 سنوات)، من مواليد صنعاء لوالدين من تعز اليمنية، يصف فرحته باقتراب موعد العيد بالشعور الذي لا يمكن وصفه.

يقول أحمد إن والداه هما من رباها على عادة الفرح في مثل هذه الأيام من كل عام، وأنهما كانا السبب في تشجيعه على تبشير من يزور منزلهم، أو من يقابلهم من الجيران، من دون خجل، وبكل افتخار.

وراثة السرور

على الرغم من اندثار الكثير من العادات والتقاليد القديمة، الخاصة بمناسبة الأعياد، خصوصاً بعد العدوان السعودي على اليمن، إلا أن ذلك لم يقتل الفرحة والسرور للجيل الحاضر، فما اندثر أوجد له البديل.

يذكر الشيخ يحيى الأمير (67 عاماً)، أنّ المجتمع اليمني تعرض للكثير من حملات التشويه والطمس، إلا أنه صمد واستطاعت كل أسرة توريث أبنائها تلك العادات والتقاليد، وحولت منازلها إلى بيت ثقافة، حين واجهت حرباً ضروساً، ومنعت من ممارستها بشكل جماعي في العلن.

ساعات الفرح الأولى

ما إن يسدل ستار الليل، وتنشقّ شمس الصباح، تستمع إلى حركات الأقدام، وتتعالى أصوات كبار السن، ممزوجة بضحكة الأطفال، وتترافق معها أصوات القدور المعدنية وهي تضرب بملاعق الطعام.

وبعد تسلل الضوء من نوافذ المنازل، يصحو الرجال من نومهم، وبسرعة الريح يغيرون ملابسهم ويرتدون الجديد منها والأجمل، فيما يكون هناك طعام خفيف بانتظارهم، ثم يذهبون إلى الصلاة.

وللعيد عبادته الخاصة، كخصوصية يومه، حيث يبدأ العيــد في اليمــن عقب صلاة الفجر مباشرة، حينها يخرج الناس في جماعات صغيرة من مختلف الأحياء، يرددون الأدعية المأثورة والصلوات النبوية، باتجاه “الجبانة” (ساحة واسعة ومفتوحة) في أطراف المدينة أو القرية لأداء صلاة العيد.

  • صلاة العيد في اليمن (سبوتنيك/أرشيف)
    صلاة العيد في اليمن (سبوتنيك/أرشيف)

وبعد الفراغ من الصلاة وسماع الخطبة، يقبل الأولاد والشباب لمصافحة الأباء ومنهم أكبر سناً، ليبدأ الجميع بعدها في زيارة الأرحام ومقابر الموتى.

ويترك اليمنيون كل الخلافات وراء ظهورهم، بعد أداء هذه المناسبة، حتى وإن كانت القضية قضية ثأر ودم.

يستشهد بالكلام محمد صالح (45 عاماً) أحد أبناء قبائل طوق صنعاء، بأنه وقبيلته قبل أعوام، اضطروا لمصافحة أبناء قبيلة أخرى مجاورة لهم، وسلم القاتل على أسرة القتيل من الطرفين، بالإكراه، حرصاً على هذه العادة اليمنية المتوارثة، وتمجيداً لهذه المناسبة.

“عسب العيد”

قد يكون المجتمع اليمني هو الوحيد من بين المجتمعات العربية والإسلامية، الذي يوزع السعادة من حر ماله، لمن يستحقون، فعلى الرغم من تبدّل ظروف الحياة، وتجدد ثقافة العصر، إلا أنّ هذه العادة ظلت من المواريث الراسخة التي لا يزال اليمنيون يجدون متعة كبيرة في إحيائها، دونما حرج من بذل أو تلقّي العسب.

والعسب إحدى العادات والتقاليد اليمنية المتوارثة، المرتبطة بعيدي الفطر والأضحى. فهي رسالة حب ووفاء للأرحام والأطفال، كما أنها هبة نقدية يمنحها الكبير للصغير، والرجل للمرأة من أهله وأقاربه وأنسابه، لدى زيارتهم في منازلهم لتقديم التهاني والتبريكات بحلول العيد.

والعادة هنا تقديم العسب قبيل مغادرة المنزل بعد أداء مراسم السلام والتهاني والتبريكات التي يتخللها تقديم القهوة اليمنية الشهيرة، أو العصائر والكعك بمختلف أنواعه وتشكيلاته، إلى جانب أصناف متنوعة من الحلويات والمكسرات كالزبيب، الذي تشتهر اليمن بإنتاج أنواع مختلفة منه، وكذا الفستق واللوز والفول السوداني.

وغالباً ما يتجمع الصغار فى جماعات تضمّ سرباً من الأخوة والأخوات من أسر تجمعها قرابة مشتركة، يبدأون الطواف من بيت لآخر، حيث يسلمون ويشربون ويأكلون مما يقدّم عادة، وعند نهاية السلام يمنحهم صاحب البيت أو صاحبته مبلغاً من النقود، أي عسب العيد.

وجبة المناسبة 

هنا يقتصر الدور على المرأة اليمنية، لتعد أشهى وأطيب الأكلات الشعبية الموروثة والخاصة بالمناسبة،  وهي الميزة التي تكاد تجعل من العيد في اليمن متفرداً بطقوسه من خلال العودة إلى القديم، وعدم استساغة إدخال مفردات جديدة في طقوس الاحتفالات.

ومن أشهر المأكولات التي يتناولها اليمنيون في صباح العيد إلى جانب أنواع الحلويات والكعك والكيك والمكسرات التي تسمى “جعالة العيد”، يتناولون التمور ووجبات مثل فتة اللبن مع السمن والعسل.

أما في الظهيرة فيتناول اليمنيون الزربيان والكبسة، وهي أطباق يعد الأرز واللحم من أبرز مكوناتها، يضاف إليها الزبيب والبطاطا وأنواع مختلفة من البهارات، بالإضافة إلى وجبات كالعصيد والسلتة وبنت الصحن والكنافة وغيرها.

  • يتناول اليمنيون في العيد الزربيان والكبسة، وهي أطباق يعد الأرز واللحم من أبرز مكوناتها
    يتناول اليمنيون في العيد الزربيان والكبسة، وهي أطباق يعد الأرز واللحم من أبرز مكوناتها

ويمكن القول إن المرأة اليمنية من نساء العالم الإسلامي المعدودات التي تتميز بعمل اللحم، وبالأخص المرق الذي يحظى بمكانة خاصة وسط المائدة، فيقوم صاحب البيت نفسه، حتى ولو كان شيخ القبيلة أو مسؤولاً كبيراً، بتقديمه بنفسه للضيوف في آنية صغيرة الحجم، مصنوعة من الخشب بطريقة يدوية يتوارثها الأبناء عن الأجداد، وتقدم آنية المرق هذه قبل تناول الطعام، وفي أثناء اجتماع الضيوف في الديوان (المجلس-  غرف الاستقبال).

وفي بعض المناطق اليمنية، تتميز الأكلات الشعبية فيها إذ تقدم بنت الصحن؛ وهي عبارة عن فطائر بعسل النحل، ويقدم الفتوت، وخلطة الموز المكبوخ، والشفوت وهو خبز مصنوع من دقيق محلي رقيق جداً، ويخلطونه بالزبادي، وكذا وجبة الهريش، وغيرها من الأكلات الشعبية.

الرقصات والأهازيج الشعبية

الرقصة اليمنية تترافق في كل مناسبات الفرح، سواء في الأعراس أو استقبال العائدين أو القادمين من الضيوف أو الحج، وكذلك لا يذكر العيد في اليمن، إلا ويذكر معه تلك الرقصات والأهازيج الشعبية التي يتسابق الرجال المعمرون والشباب على تأديتها في الساحات على أصوات دق الطبول، أو ما يُسمى في اليمن بـ”الطاسة”، إذ يكسب المعمرون الجولة تلو الأخرى، فتشاهد حلقات الرقص الشعبي في أكثر من مكان.

فيما تنتهز فرق الرقص الشعبي الجوالة الفرص في مثل هذه المناسبات، وتعزف ألحاناً شعبية يرقص على أنغامها المواطنون الذين يحرصون على منح العازفين نقوداً مقابل عزفهم.

كذلك تنتشر حلقات رقص ما يُسمى بـ”البرع” بالخناجر، في محافظات صنعاء وذمار ومأرب، وكذلك في يافع، مع إضافة البندقية التي توضع على الكتف، والتي أصبحت جزءاً من التراث الشعبي اليافعي في أداء الزامل اليافعي والدبكة اليافعية، التي اشتهرت بها يافع.

  • تنتهز فرق الرقص الشعبي الجوالة الفرص في مثل العيد، وتعزف ألحاناً شعبية
    تنتهز فرق الرقص الشعبي الجوالة الفرص في مثل العيد، وتعزف ألحاناً شعبية (أسوشيتد برس)

كذلك في محافظة حضرموت (جنوب اليمن)، هناك الزوامل والألعاب والرقصات الشعبية المختلفة؛ كرقصات الغياض والهبيش والزربادي والشبواني بالعدة الشبوانية التي يشتهر بها وادي حضرموت، وبخاصة مدن شبام والحوطة والقطن والعاصمة سيئون، كذلك الدراج، وهي رقصة شعبية، بشكل دائري تتخللها بعض الحركات المتقنة على إيقاع الطبل الذي يعتبر أداة الرقص في هذه اللوحة. إضافة إلى تصفيق الجمهور الحار تفاعلاً مع اللعبة الشعبية.

والعادات والتقاليد اليمنية لا يمكن حصرها، ولا تحتويها مجلدات وكتب التاريخ القديمة والمعاصرة، فهي كثيرة ومتنوعة، وجذورها ضاربة في أعماق التاريخ، ولا سبيل للحفاظ عليها إلا بتشجيع من يعمل على إحيائها.

 

 

المصدر:الميادين

قد يعجبك ايضا