المسيرة الجهادية للإمام زيد بن علي عليه السلام ” بصيرة وجهاد “

 

نسبه: ـ   هو الإمام فاتح باب الجهاد والاجتهاد أبو الحسين زيد بن علي سيد العابدين بن الحسين السبط بن علي بن ابي طالب عليهم السلام:

آمل أن يعطيني…. ربي أقصى أملي

بحب زيد بن علي…. بن الحسين بن علي

 

وهو مجدد المائة الأولى:

أمه: أم ولد اسمها جيدا اشتراها المختار بن أبي عبيد بثلاثين ألف درهم، وقال: ما أرى أحداً أحق بها من علي بن الحسين، فبعث بها إليه، وروي أن علي بن الحسين هو الذي اشتراها، ويروى أن زين العابدين كان قد رأى تلك الليلة رسول الله آخذاً بيده فأدخله الجنة فزوجه حوراء قال: فواقعتها فعلقت فصاح بي رسول الله : يا علي، سم المولود منها زيداً، قال: فما قمنا حتى أرسل  المختار بأم زيد.

مولده عليه السلام

ولد عليه السلام سنة (75)هـ, وحين قرعت البشرى سمع زين العابدين بولادته قام فصلى ركعتين شكراً لله.

أولاده: للإمام زيد (ع) أربعة من الأولاد وهم: الإمام يحيى بن زيد وليس له عقب، وعيسى، ومحمد، والحسين، وأعقب هؤلاء الثلاثة من ولده عليهم السلام، وكلهم علماء من أفاضل أهل بيت النبوة.

 

صفته:

كان عليه السلام أبيض اللون، أعين، مقرون الحاجبين، تام الخلق، طويل القامة، كث اللحية، عريض الصدر، أقنى الأنف، أسود الرأس واللحية، إلا أن الشيب خالط في عارضيه.

وكان يشبَّه بأمير المؤمنين في الفصاحة، والبلاغة، والبراعة، قال خالد بن صفوان: انتهت الفصاحة، والخطابة، والزهادة، والعبادة من بني هاشم إلى زيد بن علي عليه السلام، وكان يعرف في المدينة: بحليف القرآن.

نشأته عليه السلام

 نشأ في ظل والده السجّاد قرابة (19) عاماً ينهلُ من علمه ومعارفه، وعندما توفى والده انتقل؛ ليعيش تحت رعاية أخيه الباقر، مواصلاً الطريق في طلب العلم، بهمة ليس لها مثيل حتى أصبح فارس هذا الميدان، لا يجارى ولا يبارى وانتهت إليه معارف آباءه وأجداده، وأصبح يعلم ما لا يعلم غيره.

 

حليف القرآن

اعتكف الإمام زيد عليه السلام مع القرآن ما يقارب (13) سنة، حتى اشتهر بحليف القرآن، قال أبو الجارود: دخلت المدينة وكلما سألت عن زيد بن علي قيل لي: ذلك حليف القرآن.

 

عبادته عليه السلام

وكما ورث آباءه علما فقد ورثهم عبادة وزهدا، قال الإمام يحيى بن زيد عليه السلام واصفاً عبادة والده: رحم اللّه أبي كان أحد المتعبدين، قائم ليله صائم نهاره، كان يصلي في نهاره ما شاء اللّه فإذا جن الليل عليه نام نومة خفيفة، ثم يقوم فيصلي في جوف الليل ما شاء اللّه، ثم يتوجه قائماً على قدميه يدعو اللّه تبارك وتعالى ويتضرع له ويبكي بدموع جارية حتى يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر سجد سجدة، ثم يصلي الفجر، ثم يجلس للتعقيب حتى يرتفع النهار، ثم يذهب لقضاء حوائجه، فإذا كان قريب الزوال أتى وجلس في مصلاه واشتغل بالتسبيح والتحميد للرب المجيد، فإذا صار الزوال صلى الظهر وجلس، ثم يصلي العصر، ثم يشتغل بالتعقيب ساعة ثم يسجد سجدة، فإذا غربت الشمس صلى المغرب والعشاء، وقال الإمام الكامل عبدالله بن الحسن عليه السلام: (كانَ زيد بن علي إذا قرأَ آيةَ الخوف ، مادَ كما تميدُ الشجرةُ من الريح في اليوم العاصف، ولَم أرَ فينا ولا في غيرنا مثله).

وأما عن زهده وورعه فهو يقول عن نفسه: (واللـه ما كذبت كذبة منذ عرفت يميني من شمالي، ولا انتهكت لله مَحْرَماً منذ عرفت أن اللّه يعاقب عليه).

 

اهتمامه بأحوال المسلمين

من الصفات التي تميز بها الإمام زيد حرقته لأوضاع الناس واهتمامه بأحوالهم يقول أخوه الحسين بن علي بن الحسين عليهم السلام: (كانَ أخي زيد بن علي يُعَظِّمُ ما يأتِيه أهلُ الجور وما يكونُ مِن أعمالهم فيقول: ” والله ما يدعني كتابُ ربي أنْ أَكُفَّ يدي، والله ما يَرضَى الله من العارفينَ به أن يَكُفُوا أيديَهُم وأَلْسِنَتَهُم عَنْ المُفسدينَ في أرضِه”).

 

ثورة الإمام زيد

لم تكن ثورة الإمام زيد عليه السلام وليدة لحظتها, ولا ردة فعل متشنجة, ولا تهور غير مدروس العواقب, بل كانت أوضاع الناس وأحوال المسلمين تضيق على الإمام زيد (ع) القيام بالثورة؛ لأن بني أمية قد حرفوا حركة الإسلام عن مسارها النبوي, وهنا سنقف على شرح بعض أحوال العالم الإسلامي قبيل قيام الثورة:

الوضع الديني والعقائدي

على الصعيد الديني والعقائدي وطد بنو أمية حكمهم وملكهم بتحريف عقيدة الناس وأفكارهم, فجاؤوا بعقيدة الجبر والإرجاء، وتقديس ولي الأمر ووجوب طاعته، حتى لو كان ظالماً يجلد ظهرك ويفري لحكمك, ووظفوا لنشر هذه الأفكار علماء السلطان. 

الوضع المعيشي والاجتماعي

وأما على الصعيد المعيشي والاجتماعي، فبدلاً من أن يعملوا على إصلاح أحوال الناس ومعيشتهم، ويخففوا من معاناتهم، أصبحت مهمتهم الأساسية وشغلهم الشاغل جمع الثروات والأموال، ما أدى إلى حرمان الكثير من عامة الناس من أبسط مقومات الحياة, مع الحاجة الشديدة التي كانت تعصف بالسواد الأعظم من الرعية. 

الوضع العام

سنلخص الوضع العام التي كانت تعيشه الأمة في عناوين عامة تكشف بعض جرائم بني أمية:

وقعة الحرة وقتل (10000) من أهل المدينة واغتصاب (1000) امرأة.

هدم الكعبة.

قتل سعيد بن جبير وخيار التابعين وأبناء الصحابة.

قتل كل من يحب أهل البيت.

سب أمير المؤمنين على المنابر.

تعاطي الخمر ومعاقرته جهاراً نهاراً.

جلب المغنيين والمغنيات وتشجيعهم وإهدار أموال المسلمين فيه المنكرات.

الاستهانة بالمقدسات الإسلامية, ومن أمثلة ذلك:

*أن الإمام زيداً عليه السلام دخل على هشام وفي مجلسه يهودي يسب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فا نتهره الإمام زيد وقال: يا كافر أما والله لئن تمكنت منك لأختطفن روحك، فقال هشام: مه يا زيد لا تؤذِ جليسنا. فخرج زيد عليه السلام، وهو يقول: من استشعر حب البقاء استدثر الذل إلى الفناء.

 

الإمام زيد ومعاناة الأمة

أدرك الإمام زيد عليه السلام المعاناة التي تعيشها الأمة، وخطورة الوضع التي وصلت إليه، فكان كثير التحسر على حالها، مستشعراً لضرورة التحرك للإصلاح فيها حتى لو أدى ذلك إلى استشهاده، وهو ما عبر عنه الإمام زيد في عدة مقامات:

قال الإمام زيد بن علي عليه السلام يوماً لأحد أصحابه: (والله لوددت أن يدي ملصقة بالثريا، ثم أقع منها حيث أقع، فأتقطع قطعة قطعة, ويصلح الله بذلك أمر أمة محمد).

ويقول: (كيف لي أن أسكن، وقد خولف كتاب الله، وتحوكم إلى الجبت والطاغوت، والله لو لم يكن إلا أنا وابني يحيى لخرجت وجاهدت حتى أفنى).

 وكيف له مع فضله وعلمه أن يترك فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو الذي ما فتئ يحث عليها في كتبه ومراسلاته للعلماء، لا سيما أن سكوته يعني اندثار هذه الفريضة العظيمة، وانطماس الكثير من معالم الدين.

 

سبب ثورة الإمام زيد

لقد صرح الإمام زيد بن علي عليه السلام في الكثير من المواضع بالأسباب التي دعته للخروج والثورة، وهي في الجملة لا تخرج عن الأسباب التي خرج لأجلها جده الإمام الحسين عليه السلام، وتجتمع في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

قال عليه السلام حين خفقت رايات الجهاد: (والله ما يسرني أني لقيت محمداً صلى الله عليه وآله وسلم ولم آمر في أمته بمعروف، ولم أنههم عن منكر، والله ما أبالي إذا قمت بكتاب الله وسنة نبيه أنه تأجج لي نار، ثم قذفت فيها، ثم صرت بعد ذلك إلى رحمة الله).

وقال عليه السلام مُخاطباً علماء الأمة: (قد ميزكم اللّه تعالى حق تمييز، ووسمكم سِمَة لا تخفى على ذي لب، وذلك حين قال لكم: ﴿وَالمُؤْمِنُونَ وَالمُؤمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُوْنَ باِلمعْرُوْفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَيُقِيْمُوْنَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوْنَ الزَّكَاةَ وَيُطِيْعُوْنَ اللَّهَ وَرَسُوْلَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيْزٌ حَكِيْمٌ﴾، فبدأ بفضيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم بفضيلة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر عنده، وبمنزلة القائمين بذلك من عباده … واعلموا أن فريضة اللّه تعالى في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا أقيمت له استقامت الفرائض بأسرها، هينها وشديدها).

قال عليه السلام حين شاهد امرأة تأكل من بقايا الطعام: (من أجل هذه كان خروجي).

ويقول في خطبة له: (أيها الناس إن لكم علي أن لا أضع حجراً على حجر، ولا أكري نهرا، ولا أكثّر مالا، ولا أعطيه زوجة ولا ولدا، ولا أنقل مالا من بلدة إلى بلدة حتى أسد ثغر ذلك البلد وخصاصة أهله بما يغنيهم، فإن فضل فضلة نقلتها إلى البلد الذي يليه، ولا أجمركم في ثغوركم فأفتنكم وأفتن أهليكم، ولا أغلق بابي دونكم فيأكل قويكم ضعيفكم، ولا أحمل على أهل جزيتكم ما يجليهم عن بلادهم ويقطع نسلهم؛ وأن لكم أعطياتكم عندي في كل سنة وأرزاقكم في كل شهر حتى تستدر المعيشة بين المسلمين فيكون أقصاهم كأدناهم).

احتوت بنود بيعته على عدة أمور تدل أنه كان يولي إقامة العدالة الاجتماعية اهتماماً كبيراً كما سيأتي نص بيعته.

 

الثورة الفكرية

لقد أخذت ثورة الإمام زيد عليه السلام مسارين، مسار فكري ومسار عسكري, فبدأ أولاً بالتحرك في المسار الفكري, فتحرك في أوساط الأمة ثقافياً وفكرياً, لمواجهة الأفكار الضالة التي حاول بنو أمية نشرها بين المسلمين كما تقدم بيانه, فعمل بداية على نشر العلم وتدريسه.

 فكان له العديد من الطلبة الذين تعلموا على يديه وساهموا في نشر العلم والمعرفة الصحيحة، والذين أصبحوا فيما بعد من علماء الإسلام المشاهير.

قام بتأليف الكثير من الكتب والرسائل منها رسالته المشهورة الى علماء الأمة، والتي فيها: ( إنما تصلح الأمور على أيدي العلماء، وتفسد بهم إذا باعوا أمر اللّه تعالى ونهيه بمعاونة الظالمين الجائرين)، ومن أشهر مؤلفاته: المجموع الفقهي والحديثي- ومجموع رسائل الإمام زيد- وتفسير غريب القرآن.

عقد العديد من اللقاءات والنقاشات مع العلماء, ولم يترك فرصة إلا واستغلها؛ لتبيين الحق وإزهاق باطل بني أمية.

الالتقاء بالناس في مواسم الحج, وفي أثناء زيارة المدينة المنورة من القادمين من مختلف الأمصار, ومن الأمثلة على ذلك: 

فرض عليه هشام في دمشق إقامة إجبارية, لمدة (5) أشهر, فجعل من سجنه مدرسة لتعليم السجناء أمور الدين وتوضيح معالم الإسلام الصحيحة, فعن أبي غسان الأزدي قال: قدم علينا زيد بن علي إلى الشام أيام هشام بن عبدالملك, فما رأيت رجلاً كان أعلم بكتاب الله منه, ولقد حبسه هشام خمسة أشهر يقص علينا ونحن معه في الحبس بتفسير الحمد وسورة البقرة يهذو ذلك هذا.

المسند أول كتاب حديثي

مجموع الإمام زيد بن علي عليه السلام الحديثي والفقهي، والذي حوى ستمائة وسبعة وثمانين خبرا، ما بين حديث نبوي وأثر علوي، غير ما ذكر فيه من أقوال وآراء الإمام زيد عليه السلام الفقهية، يعتبر هذا المجموع أقدم وأول مدونة في الحديث والفقه، جمعه ووطأه الإمام زيد عليه السلام بنفسه.

 

التهيئة للثورة

عاش الامام زيد عليه السلام حياته في المدينة المنورة، وفي المدة الأخيرة تعرض للكثير من المضايقات من قبل واليها  خالد بن عبدالملك بن الحارث، وكان تحت المراقبة الشديدة، لكن لم يمنعه ذلك من المضي في مشروعه.

 روي أنه جمع مرة مجموعة من أهل البيت قائلا لهم: (وقد أتاني بعض من أعرف إخلاصه ودينه من أهل العراق يدعوني للخروج إلى العراق والالتقاء بعلمائه، لعل الله يجمع شتاتهم بنا.. وأنا أرى أن نخرج إلى العراق لزيارة قبر أمير المؤمنين علي عليه السلام والحسين بن علي عليه السلام وأصحابهم.. ومحاورة العلماء العراقيين والإصلاح ما استطعنا).

 

خروجه إلى الكوفة

وصل الإمام زيد عليه السلام إلى العراق وحضي باستقبال مهيب والتقى بعلمائه وتعرف الأخبار هناك, كتهيئة للثورة والتعرف عن كثب على مدى توفر ظروف انطلاقة الثورة ونجاحها, ثم عاد إلى المدينة وضيق عليه الخناق أكثر.

عودة الإمام إلى مدينة جده

عاد الإمام عليه السلام مع أصحابه إلى مدينة جده رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، ولكن ذلك لم يرق لواليها الأموي، فبعد أن كتب إليه هشام: ((إن زيداً قد أفسد عليك المدينة))، استغل بعض الخلافات بين الإمام زيد(ع) وبين بعض بني عمومته، فأراد أن يؤجج ذلك الخلاف السطحي ليجعل منه فتيل فتنة تثور بين طرفين كلاهما يشكل مصدر رعب وقلق لسلاطين الجور.

ولكنهم تنبهوا لذلك، فقدموا مشهداً عظيماً في التنازل والإيثار….. بعدها اشتدت الضغوطات والمضايقات من والي المدينة على المستضعفين وعلى الإمام وأهل بيته عليهم السلام.

 

رحلة الإمام من المدينة إلى الشام

بعد أن واجه الإمام زيد(ع) المضايقات من والي هشام في المدينة المنورة قرر أن يخرج إلى الشام ليُسمع طاغيتها هشام كلمة الحق, وصيحة الصدق, وقبل مغادرته المدينة ذهب ليودع قبر جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, جاء إلى المسجد النبوي وصلى ما شاء الله، ثم وقف مبتهلاً.

الإمام زيد في الشام

ثم شخص الإمام زيد بن علي إلى دمشق بحجة أن خالد القسري الوالي الأسبق على الكوفة ادعا على الإمام زيد مالاً, ومكث عليه السلام قرابة (5) أشهر تحت الإقامة الجبرية, كان الهدف من فرض تلك الإقامة إذلال الإمام وتحقيره بين الناس، ثم سمح له بعد أن أوصى حضّار مجلسه بمقابلته بالجفاء والاحتقار، وأن لا يردّوا عليه السلام، وأن لا يتركوا له مقعدا يجلس عليه، دخل الإمام زيد عليه السلام، فسلّم على هشام فلم يردّ عليه السلام، والتفت إلى الحاضرين فرأى ما دُبّر له من المكيدة، فوجّه سلاما خاصا إلى هشام قائلا له: السلام عليك يا أحول، فإنّك ترى نفسك أهلا لهذا الاسم، فصاح به: ما يصنع أخوك البقرة؟ فردّ عليه زيد قائلا له: سمّاه رسول الله  الباقر، وأنت تسمّيه البقرة، لشدّ ما اختلفتما فيدخل الجنّة وتدخل النار.

فقال هشام: بلغني أنك تذكر الخلافة وتتمنّاها، ولست أهلا لها لأنك ابن أمة.

فرد عليه الإمام زيد قائلا: إنَّ الأمهات لا يقعدن بالرجال عن الغايات، لقد كانت أم إسماعيل أمة لأم إسحاق، فلم يمنعه ذلك أن بعثه الله تعالى نبياً وجعله أباً للعرب، وأخرج من صلبه خير الأنبياء محمّد ففقد هشام بن الحكم صوابه، ولم يطق الردّ على زيد سوى أن أمر شرطته بضرب زيد ثمانين سوطا.

وخرج الإمام زيد عليه السلام من عند هشام بن عبد الملك، وهو يقول: والله لن تراني إلا حيث تكره, وأدلى بما صمّم عليه قائلا: ما كره قوم حرّ السيوف إلاّ ذلّوا. وتميّز هشام غضبا، وراح يقول: ألستم زعمتم أنَّ أهل هذا البيت – يعني البيت العلوي – قد بادوا، فلعمري ما انقرض من مثل هذا – يعني زيدا- خلفهم .

 

الإمام في الكوفة ثانية

سرح هشام الإمام زيداً عليه السلام إلى والي العراق يوسف بن عمر؛ ليتدبر أمر زيد بن علي، وكتب هشام إلى يوسف بن عمر: إذا قدم عليك زيد بن علي فاجمع بينه وبين خالد، ولا يقيمن قبلك ساعة واحدة، فإني رأيته رجلا حلو اللسان شديد البيان خليقا بتمويه الكلام، وأهل العراق أسرع شيء إلى مثله.

فلما قدم الإمام زيد الكوفة، دخل إلى يوسف فقال: لم أشخصتني من عند هشام؟ قال: ذكر خالد بن عبد الله أن له عندك ستمائة ألف درهم.

 قال: فأحضر خالدا! فأحضره وعليه حديد ثقيل، فقال له يوسف: هذا زيد بن علي، فاذكر ما لك عنده! فقال: والله الذي لا إله إلا هو ما لي عنده قليل ولا كثير، ولا أردتم بإحضاره إلا ظلمه.

حاول يوسف بن عمر بأمر من هشام بن عبدالملك أن يستعجل الإمام زيد على مغادرة الكوفة خوفاً من أن يلتقي بشيعته وأنصاره فقال يوسف بن عمر: إن أمير المؤمنين أمرني أن أخرجك من الكوفة ساعة قدومك! فقال الإمام (ع): فأستريح ثلاثاً، ثم أخرج؟ فقال له يوسف: مالي إلى ذلك سبيل. قال: فيومي هذا، قال: ولا ساعة واحدة.

 

الإمام زيد في القادسية

خرج الإمام زيد عليه السلام إلى القادسية وقد عزم على العودة إلى المدينة, فلحقه أنصاره وشيعته وفيهم نصر بن خزيمة بمنطقة العذيب, وقالوا له: أين تذهب يا ابن رسول اللّه وتذر الكوفة، ولك بها مائة ألف سيف يقاتلون عنك بني مروان؟ ننشدك اللّه إلاّ ما رجعت.

كان برفقة الإمام زيد عليه السلام في رحلته تلك عبدالله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب, فقال الإمام زيد لغلمانه, حين سمع كلام أنصاره: اعزلوا متاعي من متاع ابن عمي.

فقال له عبدالله: ولم ذاك أصلحك الله؟

فقال الإمام زيد عليه السلام: أجاهد بني أمية, والله لو أعلم أنه تؤجج لي نار بالحطب الجزل, فأقذف فيها وأن الله أصلح لهذه الأمة أمرها لفعلت.

فقال عبدالله: الله الله في قوم خذلوا جدك وأهل بيتك!

فأنشأ يقول:

فإن أقتل فلست بذي خلود      وإن أبقر اشتفيت من العبيد

ثم أخذ متاعه وأنطلق إلى الكوفة.

 

الثورة العسكرية

عودة الإمام إلى الكوفة

عاد الإمام زيد عليه السلام إلى الكوفة مستخفياً، فنزل في دار نصر بن خزيمة, ثم تحول إلى دار معاوية بن إسحاق في جبانة سالم, وفي مدة قعوده في الكوفة التي استمرت بضعة عشر شهراً بدأ بجمع نخبة من العلماء والفرسان ورؤساء العشائر الذين يتمتعون بمواصفات خلقية رفيعة، وشكل منهم فريق الدعاة الذين نشرهم في الآفاق لدعوة الناس، وأخذ البيعة منهم, وكان تحرك الإمام زيد (ع) في تلك الفترة تحركاً سرياً يهدف إلى تهيئة الثورة للنجاح، كما ذهب الإمام (ع) خلال تلك الفترة إلى البصرة في سبيل تهيئة الأمور، وأخذ البيعة من أهلها، ومع أنه عليه السلام كان في هذا الوقت أحوج ما يكون إلى من ينصره ويعينه في حركته إلا أنه كان يتحاشا أن يأخذ البيعة من حديثي السن.

وكذلك لم تكن قيم الإمام زيد عليه السلام تقبل أن يأخذ البيعة من المماليك إلا بإذن مالكيهم، وهذا العبد السندي الذي أخبر عن محل قبر الإمام زيد، كان قد أتى إلى الإمام (ع) من أول النهار، في قوم أتوه، ليقاتل معه، فلم يقبله زيد، وقال: لا يقاتل مملوك بغير إذن مولاه، فدل على قبره بعد دفنه.

 

انطلاق الثورة

حدد الإمام زيد عليه السلام غرة صفر من سنة (122هـ) موعداً لانطلاق الثورة, وبسبب أن السلطة الأموية كانت متخوفة من الإمام زيد, وبثت الجواسيس والمخبرين في ذلك، تسربت أخبار الثورة.

فلما علم الإمام زيد عليه السلام بذلك, وأن موعد الثورة قد تسرب إلى بلاط السلطان الأموي, حاول أن ينقذ الثورة من أن تضرب في مهدها, فقرر أن يعلن الثورة قبل موعدها.

المعــــركة

ليلة ويوم الثلاثاء

في ليلة يوم الثلاثاء الموافق 22 محرم أمر يوسف بن عمر قائد شرطته اﻟﺤﻜﻢ ﺑﻦ اﻟﺼﻠﺖ بجمع ﺃﻫﻞ اﻟﻜﻮﻓﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻷﻋﻈﻢ ﻓﻴﺤﺼﺮﻫﻢ ﻓﻴﻪ، حتى يحول بينهم وبين نصرتهم للإمام زيد, ﻓﺒﻌﺚ اﻟﺤﻜﻢ ﺇﻟﻰ اﻟﻌﺮﻓﺎء ﻭاﻟﺸﺮﻁ ﻭاﻟﻤﻨﺎﻛﺐ ﻭاﻟﻤﻘﺎﺗﻠﺔ بأن يجمعوا أهل الكوفة في المسجد، ﺛﻢ ﻧﺎﺩﻯ ﻣﻨﺎﺩﻳﻪ: ﺃﻳﻤﺎ ﺭﺟﻞ ﻣﻦ اﻟﻌﺮﺏ ﻭاﻟﻤﻮاﻟﻲ ﺃﺩﺭﻛﻨﺎﻩ ﻓﻲ رحله الليلة فقد برأت منه الذمة, ائتوا اﻟﻤﺴﺠﺪ الأعظم. وفي يوم الثلاثاء جاء الناس إلى المسجد. 

ليلة الأربعاء

في ليلة الأربعاء 23 محرم 122هـ، ومن دار معاوية بن إسحاق في ليلة شديدة البرد خرج الإمام زيد (ع) بين أصحابه راكباً على بغلة شهباء، يلبس قباء أبيض، تحته درع، مُعْتَمّاً بعمامة سوداء، ومعه سيف ودَرَقَة، وبين يديه مصحف، فوقف وقال: ((أيها الناس أعينوني على أنباط أهل الشام، فوالله لا يعينني عليهم أحد إلا رجوت له أن يجيء يوم القيامة آمناً حتى يجاوز الصراط ويدخل الجنة, ثم قال: سلوني، فوالله ما تسألوني عن حلال أو حرام، أو محكم أو متشابه، أو ناسخ أو منسوخ، أو أمثال أو قصص، إلا أنبأتكم به، والله ما وقفت هذا الموقف ولا قمت مقامي هذا حتى قرأت القرآن، وأتقنت الفرائض والأحكام، والسنن والآداب، وعرفت التأويل كما عرفت التنزيل، وفهمت الناسخ والمنسوخ، والمحكم والمتشابه، والخاص والعام، وأنا أعلم أهل بيتي بما تحتاج إليه الأمة، وأنا على بصيرة من ربي)).

كان أصحاب الإمام زيد يحملون الهرادي (القصب) فيها النيران, ويصيحون بشعار الإمام (يا منصور أمت)، نظر الإمام زيد (ع) إلى أصحابه فوجدهم قلة, فبعث أحد قادته (القاسم بن كثير) ومعه رجل آخر؛ ليناديا في شوارع الكوفة بشعاره: (يا منصور أمت), ليعلن للناس بدء المعركة.

خرج القاسم بن كثير وصاحبه إلى شوارع الكوفة, وظلا يناديان بشعار الإمام زيد، فاعترضته كتيبة من جند الأمويين بقيادة العباس بن جعفر الكندي، فقاتلوهم قتال الأبطال حتى جُرِح القاسم وسقط على الأرض وقتل صاحبه، فأُخِذ القاسم إلى الحكم بن الصلت فأمر بضرب عنقه، فكانا رحمهما اللّه أول شهيدين في المواجهة. 

صبيحة يوم الأربعاء

وفي صباح الأربعاء تجمع أنصار الإمام زيد عليه السلام فبلغوا مائتان وثمانية عشر رجلاً، وبدأ بتشكيلة جيشه, فكانت على النحو التالي, نصر بن خزيمة على الميمنة, ومعاوية ين إسحاق على الميسرة, في جيش يقول سليمان الرازي في وصفه: ((لم أرَ يوماً كان أبهى ولا أكثر جموعاً ولا أوفر سلاحاً ولا أشد رجالاً ولا أكثر قرآناً وفقهاً من أصحاب زيد بن علي)).

 اكتمال الدين

رفرفت رايات الجهاد على رأس ذلك الجيش القليل العدد, الكثير الإيمان والبصيرة, وبدأ ينظر الإمام زيد (ع) إلى ذلك المشهد الذي طال ما انتظره, فانطلقت شفتاه عليه السلام قائلاً: ((الحمد لله الذي أكمل لي ديني أما والله لقد كنت أستحي من رسول اللّه (ص) أن أَرِدَ عليه ولم آمر في أمته بمعروف ولم أنه عن منكر))، ثم نظر إلى أصحابه، وقال: ((والله ما أبالي إذا أقمت كتاب اللّه وسنة نبيه أن تأجج لي نار ثم قُذفت فيها ثم صرت بعد ذلك إلى رحمة اللّه، والله لا ينصرني أحد إلا كان في الرفيق الأعلى مع محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام.. يا معاشر الفقهاء ويا أهل الحجا أنا حجة اللّه عليكم هذه يدي مع أيديكم على أن نقيم حدود اللّه ونعمل بكتاب اللّه، ونقسم بينكم فيئكم بالسوية…)).

ثم قال: ((اللهم لك خرجت، وإياك أردت، ورضوانك طلبت، ولعدوك نصبت، فانتصر لنفسك ولدينك ولكتابك ولنبيك ولأهل بيتك ولأوليائك من المؤمنين، اللهم هذا الجهد مني وأنت المستعان)).

وقال- والمصحف منشور بين يديه-: (سلوني، فوالله ما تسألوني عن حلال وحرام، ومحكم ومتشابه، وناسخ ومنسوخ، وأمثال وقصص، إلا أنبأتكم به، والله ما وقفت هذا الموقف إلا وأنا أعلم أهل بيتي بما تحتاج إليه هذه الأمة).

ثم نظر عليه السلام إلى أصحابه فوجدهم قليل العدد فقال: سبحان الله!! أين الناس؟ فقيل له: هم محصورون في المسجد، قال: لا، والله ما هذا لمن بايعنا بعذر، وتوجه مع أنصاره لرفع الحصار عن أهل المسجد وفي طريقه إلى المسجد وقعت بينه وبين جند الأمويين مواجهة عنيفة كان النصر فيها حليفه، ولما وصل إلى جوار المسجد نادى أصحابه بشعاره ( يا منصور أمت ) وأدخلوا الرايات من نوافذ المسجد، وكان نصر بن خزيمة رحمه اللّه ينادي: يا أهل الكوفة اخرجوا من الذل إلى العز ومن الضلال إلى الهدى اخرجوا إلى خير الدنيا والآخرة فإنكم لستم على واحد منها، وانتشر أصحاب الإمام زيد في الكوفة وأمرهم الإمام زيد أن ينادوا: من ألقى سلاحه فهو آمن.

واستمرت المواجهة بين المعسكرين، وكان جنود الأمويين يتزايدون بينما كان جند الإمام زيد ينقصون، والتفت الإمام زيد عليه السلام إلى نصر بن خزيمة وقال له: يا نصر أخاف أهل الكوفة أن يكونوا قد فعلوها حسينية! فقال نصر: جعلني اللّه فداك أما أنا فواللـه لأضربن بسيفي بين يديك حتى أموت!!

ثم انطلق الإمام زيد إلى الكناسة, فحمل على من فيها من جند أهل الشام, ثم اتجه إلى الجبانة (جبانة الصائديين)، وفيها 500 من الجند الأموي فحمل عليهم الإمام فهزمهم, ويوسف بن عمر قائد الجيش الأموي على التل, يقول الراوي: فرأيته ـ أي الإمام زيداًـ يشد عليهم كأنه الليث.

ثم دخل الإمام زيد عليه السلام وأصحابه الكوفة, وانجلت معركة يوم الأربعاء عن 2000 قتيل من الجيش الأموي, وكانت معظم المواجهات بين الحيرة والكوفة، فقسم الإمام زيد جيشه إلى فرقتين: فرقة تواجه الجيش الأموي القادم من الحيرة, وفرقة تواجه الجيش الأموي المتواجد في الكوفة. 

يوم الخميس

وبعد أن كانت المواجهات طيلة يوم الأربعاء, جاء يوم الخميس لتبدأ المواجهات من جديد، أكثر تضحية واستبسالاً، وفيه كان للإمام زيد عليه السلام وأصحابه مواقف بطولية خلدها التأريخ، فقد قاتلوا قتال المستميت فلم يجرؤ أحد على مواجهتهم أو مبارزتهم.

ليلة الجمعة

مضى يوم الخميس, وكان يوماً دامياً على جيش هشام بن عبدالملك, فقد انجلت معاركه عن 200 قتيل من الجيش الأموي, لكن الجراحة قد كثرت في أصحاب الإمام, أمر الإمام زيد أصحابه أن يحيوا ليلة الجمعة بالصلاة والتهجد وقراءة القرآن والتضرع إلى الله ويقول لهم: وأنا أعلم والله إنه ما أمسى على وجه الأرض عصابة أنصح لله ولرسوله وللإسلام منكم, وأمضى الإمام ليلته تلك في مناجاة وتهجد, وكان يدعو الله تعالى ويقول: اللهم إن هؤلاء يقاتلون عدوك وعدو رسولك ودينك الذي ارتضيته لعبادك فاجزهم أفضل ما جزيت أحداً من عبادك المؤمنين.

يوم الجمعة

فجاء يوم الجمعة وقد كثرت الجراح في أصحاب الإمام زيد عليه السلام, واستبان الفشل, وترك من ضعفت بصيرته المعركة, ودخل المصر, بعد أن عقد الإمام لمن تأخر عنه الأمان, وثبت مع الإمام أهل البصائر, فما زالوا يسقون الأعداء كؤوس الموت دون إمامهم إلى غسق الظلام، وحين شعر جيش الأمويين أنه لا قدرة لهم على المواجهة تحصنوا خلف الكثب والجدران، واستنجد العباس بن سعد بقائد جيش هشام يوسف بن عمر وشكى إليه ما ناله من الزيدية, وسأله أن يبعث إليه بالناشبة (رماة السهام), فبعث إليه سليمان بن كيسان وكان قائداً على كتيبة الناشبة، وكانوا جميعهم من القيقانية وهم بخارية (نسبة إلى بخارى مدينة في خرسان)، وعددهم 2300رامٍ, فجعلوا يمطرون جيش الإمام (ع) بوابل من السهام.

 

المصاب الأليم

انتهت مواجهات ذلك اليوم بخبر فاجع ومصيبة عظيمة, فمع غروب شمس ذلك اليوم أصاب سهم غادر جبهة الإمام اليسرى، فنزل الإمام (ع) من فرسه جريحاً, ووضع يده على جبهته قائلاً: الشهادة … الشهادة  الحمد لله الذي رزقنيها!

تراجع أصحاب الإمام زيد (ع)، فظن الأمويون أنهم تراجعوا لدخول الليل وحلول الظلام.

وصية الإمام زيد لولده  يحيى

 جاء يحيى بن زيد إلى أبيه وهو يبكي وأكب عليه والدماء تنزل منه، والسهم نابت في جبينه، فجمع يحيى قميصه في يده ومسح به الدم من وجه أبيه، ثم قال له: ابشر يا ابن رسول اللّه، ترد على رسول اللّه وعلي وفاطمة وخديجة والحسن والحسين وهم عنك راضون.

فقال له الإمام: صدقت يا بني، فأي شيء تريد أن تصنع؟ قال يحيى: أجاهدهم إلا أن لا أجد الناصر. قال: نعم يا بني، جاهدهم، فواللـه إنك لعلى الحق، وإنهم لعلى الباطل، وإن قتلاك في الجنة، وقتلاهم في النار

والتف الأصحاب حول إمامهم، وجيء بطبيب، ولكنه وجد السهم قاتلاً، فالضربة القاسية قد وصلت إلى الدماغ, فانتزع الطبيب السهم، وفاضت روح الإمام عليه السلام إلى بارئها، فصلوات الله وسلامه عليه من قتيل ما أكرمه على الله، وسلامٌ على أصحابه الصابرين من عصابة ما أحبها إلى الله، وأنصحها، وأعرفها بفضل عترة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولما فرغ من ذلك نزعت النشابة منه، فقضى نحبه سلام الله عليه.

 

استشهاده عليه السلام

كان استشهاد الإمام زيد عليه السلام في ليلة الجمعة (25) محرم سنة (122هـ)، وله من العمر (46) سنة.

 

الرأٍس الشريف

عندما ﺗﻮﻓﻲ الإمام زيد ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ اﺧﺘﻠﻒ ﺃﺻﺤﺎﺑﻪ ﻓﻲ ﺩﻓﻨﻪ، ﺛﻢ اﺗﻔﻘﻮا ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻋﺪﻟﻮا ﻧﻬﺮا ﻋﻦ ﻣﺠﺮاﻩ، ﺛﻢ ﺣﻔﺮﻭا ﻟﻪ ﻭﺩﻓﻨﻮﻩ ﻭﺃﺟﺮﻭا اﻟﻤﺂء ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ اﻟﻤﻮﺿﻊ، ﻭﻛﺎﻥ ﻣﻌﻬﻢ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺎﻝ ﻏﻼﻡ ﺳﻨﺪﻱ ﻓﻠﻤﺎ ﺃﺻﺒﺢ انتشر خبر مقتل الإمام وبلغ يوسف بن عمر ذلك، فأمر منادياً أن ينادي ﻣﻦ ﺩﻝ ﻋﻠﻰ ﻗﺒﺮ ﺯﻳﺪ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﻛﺎﻥ ﻟﻪ ﻣﻦ اﻟﻤﺎﻝ ﻛﺬا ﻭﻛﺬا، ﻓﺪﻟﻬﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﺫﻟﻚ اﻟﻐﻼﻡ، ﻓﺎﺳﺘﺨﺮﺟﻮﻩ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﻣﻦ ﻗﺒﺮﻩ ﺛﻢ احتزوا رأسه فبعث به يوسف بن عمر الثقفي إلى الشام، وبعد أن وضع بين يدي هشام أمر أن يطاف به في البلدان لنشر الرعب في نفوس الناس حتى وصل إلى المدينة المنورة، ونصب في المسجد النبوي أمام قبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم، ثم أخذ إلى مصر ونصب في الجامع الأعظم أياماً ومنه أخذ سراً ودفن هنالك.

 

الجسد الطاهر

 أما الجسد الطاهر فقد أمر يوسف بن عمر بصلبه على شجرة الرمان في موضع يعرف بالكناسة في مدينة الكوفة، ﻭﺑﻘﻲ ﺫﻟﻚ اﻟﺠﺴﺪ اﻟﻄﺎﻫﺮ ﻣﺼﻠﻮﺑﺎ ﺑﺎﻟﻜﻨﺎﺳﺔ ﻧﺤﻮ (4) ﺳﻨﻴﻦ، وفي زمن اﻟﻮﻟﻴﺪ ﺑﻦ ﻳﺰﻳﺪ ومع خروج اﻹﻣﺎﻡ ﻳﺤﻴﻰ ﺑﻦ ﺯﻳﺪ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ اﻟﺴﻼﻡ ﺑﺨﺮﺳﺎﻥ ﻜﺘﺐ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﺇﻟﻰ ﻳﻮﺳﻒ ﺑﻦ ﻋﻤﺮ:

((ﺃﻣﺎ ﺑﻌﺪ ﻓﺈﺫا ﺃﺗﺎﻙ ﻛﺘﺎﺑﻲ ﻫﺬا ﻓﺎﻧﻈﺮ ﻋﺠﻞ اﻟﻌﺮاﻕ ﻓﺄﺣﺮﻗﻪ ﻭاﻧﺴﻔﻪ ﻓﻲ اﻟﻴﻢ ﻧﺴﻔﺎ .. ﻭاﻟﺴﻼﻡ))  ﻓﺄﻣﺮ ﻳﻮﺳﻒ ﺑﻦ ﻋﻤﺮ ﺭﺟﻼ ﻳﻘﺎﻝ ﻟﻪ ﺧﺮاﺵ ﺑﻦ ﺣﻮﺷﺐ ﺑﺈﻧﺰاﻝ ﺟﺜﺔ الإمام ﺯﻳﺪ عليه السلامن ﻓﻘﺎﻡ ﺑﺈﻧﺰاﻝ اﻟﺠﺜﺔ ﺛﻢ ﺃﺣﺮﻗﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﺻﺎﺭﺕ ﺭﻣﺎﺩا، ﺛﻢ ﻧﺴﻔﺖ ﻓﻲ ﻧﻬﺮ اﻟﻔﺮاﺕ.

 

قد يعجبك ايضا