اليمنُ تقف لرَجُلِ المواقف!..بقلم/ د/مصباح الهمداني

 

حينما تتكاثرُ على الإنسان المصاعب والمشاكل، وتكون الظروف قاسية جدًا، يقوم بالتخلي عن الأباعد، ويقتصر اهتمامه بالأقارب، وكلما ازدادت الضغوط، ازدادت الدائرةُ ضيقًا.
وأما إذا ترافقت الصعوبات مع خوفٍ شديد، وعدوٍّ لا يرحَم، فإنَّ الدائرة تضيق أكثر وأكثر.
وهذه هي طبيعة النفس البشرية المادية، أو النصف مادية والتي يصفها الله سبحانه في قوله” إن أصابه خير اطمأنَّ به، وإن أصابته فتنة انقلبَ على وجهه، خسر الدنيا والآخرة”، وهذا الصنفُ من البشر كثيرٌ جدًّا.

لقد استمعتُ بالأمس إلى الخطاب الذي انتظرته الملايين من البشر، وأنصتَ له زُعماء وكبراء العالَم، وحلَّلَ فقراته دهاقنة المراكز الاستخباراتية. 
ولاشك أن جميع اليمنيين بلا استثناء استمعوا له، وامتلأت قلوبهم سعادة وغبطة وهم يسمعون الصادق الذي ما جربوا عليه كذِبًا قط، وهو يقول ” أنفي نفيًا قاطعًا أي مشاركةٍ لنا في إطلاق الصواريخ اليمنية إلى السعودية”، وحين قال” الصواريخ والطائرات المُسيرة إنجاز يمني، والسعودية غير مستوعبة ذلك وهي المستوردة للعقال من الخارج”، وحين قال ” لم نُرسل سلاحًا إلى اليمن ولا إلى البحرين ولا إلى الكويت”

ولا شك بأن أعينكم كادت أن تدمع مع عينيه التي ترقرق ماؤها وهو يقول” خطير أن يصل العالم العربي في خوفه من السعودية؛ ليصمت أمام مجازرها بحقِّ الشعبِ اليمني”. ولابُدَّ أنكم تلفتم في كل اتجاه حين سمعتموه يقول” أين أنتم أيها النُّخب والعلماء، ولماذا كل هذا الصمت والسكوت مما يجري في اليمن”

لقد وقفتُ مِثلكم فرِحًا بما يقول، مستبشِرًا بما ذكَرْ، فخورًا برجالنا العظماء، واثِقًا بقيادتنا المُسَدَّدة، لكني مع ذلك وقفتُ مُندِهشًا، خجولاً، مُتعجِّبًا، أتساءلُ بين يدي هذا الرَّجُلِ الذي يواجِهُ إسرائيل بمُفردِه، ويتكالبُ عليه العالمُ بأجمعِه؛ يقِفُ معنا في مِحنتنا منذ اليوم الثاني للعدوان، ولم يُفكِّر للحظة ما ستُجُره عليه هذه الوقفات من أضرارٍ فوق الأضرار، ومُعاناة فوق المُعاناة!

يقِفُ معنا ونحنُ لا نمتلِك شيئًا يطمعُ فيه أو يخافُ منه!
يقفُ معنا بكلِّ جوارحه! 
يقفُ معنا، ويفخرُ بوقوفه مع اليمن، وفاجأ العالمُ حين وصَفَ ذلك بقوله؛
“بكل عمري الذي عشته فذلك..أشرف شيء عملته بحياتي، أفضل شيء عملته بحياتي أعظم شيء عملته بحياتي”

أيها القائدُ العظيم، أيها الصنديدُ الكريم، أيها الشَّهمُ الوفي ، أيها الجبلُ الأشَم:
من أي مدرسةٍ تخرَّجتْ؟
من أي أخلاقٍ أتيت؟
من أي تربية نشأت؟
من أي علومٍ نهلتْ؟
من أي منطقٍ تعلَّمت؟
من أي قلبٍ نبضتْ؟
من أي عالَمٍ أشرقتْ؟

تقفُ مع اليمن، حينَ خذلها البعيدُ والقريبُ ، وتكالبَ عليها الجارُ والغريب!
تقفُ مع اليمن، حين صمتَ العالمُ والإنسانية، بعدَ أن سُدَّتْ الآذان، وسُملتِ العيون بالأموالِ السعودية!
تقفُ معَ الأشلاءِ المنسية، والجُثث المُحترقة، والأوصال المُقطَّعة، والبيوت المُهدّمة، والمزارع المحروقة، فيما الصمتُ يحيطُ بجرائمِ آل سعودٍ من كل مكان!
تقفُ مع شعبٍ مظلوم، اجتمع عليه شُذَّاذ الآفاق؛ بطائراتهم وصواريخهم، وجيوشهم ومرتزقتهم!
تقفُ مع القومِ الذين قال فيهم نبي الأمة ” الإيمان يمان .. أهل اليمن أرق قلوبًا وألينُ أفئدة” !
تقفُ مع شعبٍ يُقتلُ ويُحرق ويُدمر ويُباد كلَّ يوم تحتَ سمعِ وبصرِ عُلماء الإسلام، وفقهاء العرب، ومُثقفوا العالم، وإنسانية العالَم!

لقدِ اجتمعَ وزراء خارجية العرب بالأمس، بعد أن غَسَلوا بالمالِ السعودي: ضمائرهم، وكرامتهم، وعروبتهم، وإنسانيتهم؛ ليُندِّدوا بصاروخٍ واحِد طال مطار خالدٍ بالرياض، متناسين عشرات الآلاف من الصوارويخٍ السعودية الأمريكية الصهيونية والتي دمَّرت كل شيء في اليمن ولم تترك مدرسة ولا جسرا ولا طريقا ولا مزرعة ولا فرحًا ولا عزاء! 
اجتمعوا يحفُّهم الخِزي، ويملأهم العار، ويُدثرُهم النِّفاق، ويشملهُم الشَّنار!

ألفُ يومٍ على قتل وحصار وتجويع وإمراض الشعب اليمني، وفي كل يومٍ نسمعُ عن اجتماعٍ للعُلماء والخطباء والوزراء والكُتابِ والمثقفين، ليُباركوا العُدوان ويشاركوه في حفلاتِ إبادةِ شعبٍ عربيٍ مُسلم..

يجتمعون جميعًا، ولم تكُن معهم؛ لأنكَ لم تكن، ولن تكون إلا أنت؛ 
فأنتَ الموقِفُ، ورجلُ المواقِف، ولمِثلكَ نقف:
يا أشرفَ الناس، وأطهرَ الناس، وأشجع الناس
يا سيد الرجال وسيد المقاومة وسيد الأحرار:
يا نصر الله!

قد يعجبك ايضا