ترامب يهرب من المستنقع: «أميركا أولاً»

في خضمّ تكثيف قوات صنعاء هجماتها الصاروخية على الأراضي الفلسطينية المحتلة، أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بشكل مفاجئ، التوصّل إلى «هدنة» مع حكومة صنعاء، زاعماً أنّ الجماعة أعربت عن نيتها وقف القتال. على أنّ العديد من المراقبين رأوا في خطوة ترامب محاولة للتنصّل من القتال القائم، ولو على حساب أمن حليفته إسرائيل، وربما سائر حلفائه الأوروبيين أيضاً.

وفاجأ إعلان الهدنة، على ما يبدو، المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين على حدّ سواء، فيما نقل موقع «أكسيوس» عن مسؤول إسرائيلي كبير قوله إنّ «الولايات المتحدة لم تُخطر إسرائيل مسبقاً» بما أقدمت عليه، وإنّ «ترامب فاجأنا». وتعليقاً على ذلك، تشير مجلة «ذي أتلانتيك» الأميركية إلى أنّه في حال كان أي شخص يتساءل كيف يمكن أن تبدو سياسة «أميركا أولاً»، فقد قدّم ترامب «مثالاً حياً عنها اليوم من خلال إعلانه وقف إطلاق نار مع الحوثيين»، مشيراً إلى أنّ الولايات المتحدة نجحت في «انتشال نفسها من الصراع، من دون أن تتمكّن من إنهائه»، ولا سيما أنّه ما من مؤشر، حتى الآن، إلى أنّ «الحوثيين سيوقفون حربهم على إسرائيل».

وتردف المجلة أن بعض المحللين يتساءلون عمّا إذا كانت الهدنة الأميركية ستشمل بالفعل بريطانيا وغيرها من الحلفاء الغربيين الذين استهدفت «أنصار الله» سفنهم، محذّرةً من أنّه في حال لم تسر الأمور على هذا النحو، فقد ترفع «الهدنة» الأخيرة مفهوم «أميركا أولاً» إلى مستويات جديدة، وتودي بالعلاقات العابرة للأطلسي إلى «مستويات منخفضة جديدة». ويستذكر التقرير، في السياق نفسه، إحدى الرسائل التي وردت في المحادثة الشهيرة على تطبيق «سيغنال» في آذار، والتي عبّر فيها نائب الرئيس الأميركي، جي دي فانس، عن تردّده في شن حرب في اليمن، في حال «كان ذلك يعني تقديم خدمة لحلفاء واشنطن الأوروبيين».

وبالنتيجة، يوفّر الاتفاق «مخرجاً مرحّباً به» لإدارة ترامب، والتي كانت تخاطر بتحوّل حربها على اليمن إلى «مستنقع»، طبقاً للمصدر نفسه؛ إذ إنّه على الرغم من أن الضربات الأميركية الأخيرة ألحقت بعض الضرر بالجماعة اليمنية، «إلا أنها كانت بعيدة كثيراً عن هدف ترامب المتمثّل في القضاء الكامل على الميليشيا»، فيما ستظل «أنصار الله» «تشكّل تهديداً قوياً لمنطقة الخليج بأكملها، بعدما أثبتت على مدى الأشهر الثمانية عشر الماضية أنها قادرة على تعطيل الشحن الدولي متى شاءت».

نجحت واشنطن في «انتشال» نفسها من الصراع، من دون أن تتمكّن من إنهائه

من جهتها، تلفت مجلة «نيوزويك» الأميركية إلى أنّ «حقيقة أن الحوثيين يتعهّدون بمواصلة الهجمات على إسرائيل على الرغم من وقف إطلاق النار مع الولايات المتحدة، تشير إلى أن واشنطن تركّز على حماية طرق الشحن في البحر الأحمر، بدلاً من الدفاع عن حليفتها إسرائيل». ويبرّر أصحاب الرأي المتقدّم موقفهم بالقول إنّه على الرغم من أنّ ترامب ذكر أنّ «الحوثيين طلبوا وقف إطلاق النار، بعدما نجحت إدارته في إضعاف قدراتهم»، إلا أنّ الجماعة «نقضت» تلك الرواية، عقب صدور تصريحات يمنية رسمية تؤكّد أنّ صنعاء أبلغت واشنطن، بشكل غير مباشر، بأن «التصعيد المستمر سيؤثّر على زيارة ترامب القادمة للشرق الأوسط».

وخلال مقابلة مع «بلومبرغ نيوز»، قال محمد البخيتي، عضو «المجلس السياسي الأعلى» في صنعاء، إن عمليات الجماعة في البحر الأحمر وضد إسرائيل «لن تتوقف مهما كانت العواقب، إلى حين انتهاء العدوان على غزة والحصار المفروض على شعبها». وإذ أشار البخيتي إلى أنّ «أنصار الله» «ستكون مستعدّة للتوقف عن مهاجمة السفن العسكرية الأميركية إذا أوقفت إدارة ترامب هجماتها»، إلا أنّه أكّد أنّ الحركة ستواصل بالتأكيد عملياتها لدعم غزة.

على أن اللافت أنّ الهدنة الأميركية تزامنت مع أنباء عن فقدان طائرة مقاتلة أخرى من طراز «إف/إيه-18 سوبر هورنت» من حاملة الطائرات »يو إس إس هاري إس ترومان» في البحر الأحمر، وهي الطائرة الثانية التي تُفقد من الحاملة نفسها خلال أسبوع واحد فقط، وفق ما أكّدته خمسة مصادر مطّلعة لشبكة «سي أن أن»، ما أدّى إلى إصابة الطيارين اللذين كانا على متنها بجروح طفيفة، عقب سقوطها في البحر وتحطّمها. وكانت خسائر طائرات «ريبر» المُسيّرة في اليمن قُدّرت بنحو 200 مليون دولار، وفقاً لوكالة «أسوشيتد برس»، وقيمة الطائرات المقاتلة بنحو 60 مليون دولار لكل منها، وفقاً لتقارير إعلامية أخرى.

وفي ما يتعلق بمستقبل الهدنة التي تمّ الإعلان عنها أخيراً، يشير موقع «ريسبونسبل ستيتكرافت» إلى أنّه من غير الواضح ما إذا كانت هنالك نية فعلية لاستمرارها، معتبراً أنّ إعلان ترامب ربما يهدف إلى تهدئة التوترات قبل اجتماعاته مع زعماء الخليج في الرياض وأبو ظبي والدوحة، ما يعني أنّ الهدنة قد لا تختلف كثيراً عن اتفاق وقف إطلاق النار، والذي تمّ التوصل إليه في غزة في بداية ولاية ترامب.

على أنّ ما تقدّم لا ينفي، طبقاً للمصدر نفسه، إمكانية أن تستمر الهدنة طوال مدة مفاوضات إدارة ترامب مع طهران بشأن البرنامج النووي الإيراني، كحد أدنى، ولا سيما أنّ اهتمام الرئيس الأميركي بالمحادثات انعكس، أخيراً، بقراره إقالة مستشاره للأمن القومي، مايك والتز، الذي «تواطأ مع نتنياهو لمحاولة إحباط المفاوضات». كذلك، قد يعكس وقف القتال في اليمن، وعياً من جانب ترامب بـ«تفضيلات قاعدته»، وسط بروز أصوات تدعوه إلى الوفاء بالتزاماته بعدم خوض حروب خارجية أخرى.

على أنّ أصحاب هذا الرأي يعتقدون بأنّه حتى في حال كان ترامب يرغب في وقف هجمات «أنصار الله» بهدف «طمأنة حلفائه الأثرياء في الخليج»، فيبقى من المؤكد أنّ «مصالح واشنطن لن تتحقق على أفضل وجه من دون تجنب المزيد من التصعيد في البحر الأحمر»، مستشهدين بمنشور للمحلّلة الأمنية إيما أشفورد، والذي عقّبت فيه على الهدنة بالقول إنّ «إعلان النصر والعودة إلى المنزل، لا يكون، في كثير من الأحيان، الخيار الاستراتيجي الأسوأ».

ريم هاني الخميس 8 أيار 2025

قد يعجبك ايضا