تسع سنوات على العدوان.. صمود اليمن كان انتصارًا لفلسطين

‏قبل ما يناهز التسع سنوات، شنّت الولايات المتحدة الأميركية وربيبتها “إسرائيل” عدوانًا مدمرًا على اليمن، وذلك عبر تحالف من خمسين دولة بقيادة السعودية. وكان العدوان لعدة أهداف، ولكن أهمها على الإطلاق هو أن يصبح البحر الأحمر بحيرة إسرائيلية، حيث باتت كلّ الدول المشاطئة له في الخندق الإسرائيلي.

‏مصر عبر اتفاقية كامب ديفيد، ثمّ اتفاقية جزيرتي تيران وصنافير بين السعودية ومصر، والسودان عبر الحليفين اللدّودين المتناحرين لاحقًا بإيعازٍ صهيوني ولأهدافٍ صهيونية، والأردن عبر اتفاقية وادي عربة، والسعودية عرابة كلّ المشاريع الصهيو-أميركية في المنطقة منذ اختلاق الكيان المؤقت. ‏ولم يتبقَّ على مشروع “أسرلة” البحر الأحمر بالكامل سوى اليمن وعقدة باب المندب، وهذا ما تطلّب عدوانًا أميركيًا صهيونيًا برداءٍ عربيٍ إسلامي.

‏يشكّل البحر الأحمر شريانًا حيويًا للكيان المؤقت، وقد كان عدوان الخامس من حزيران العام 1967، في أحد مسوغاته الصهيونية، هو قيام الرئيس المصري حينها جمال عبد الناصر بإغلاق مضائق تيران في وجه الملاحة الإسرائيلية، أيّ أنّ أهمية البحر بالنسبة إلى الكيان المؤقت أهمية استراتيجية، أدّت لشن عدوانٍ واسع على محيطها العربي بالكامل، وليس على مصر فقط.
‏وعليه؛ يمكننا قياس مدى الخسارة الصهيونية جراء الموقف اليمني بإغلاق البحر الأحمر أمام الملاحة الإسرائيلية، بل أمام كلّ السفن التي تتّجه إلى فلسطين المحتلة. هذا فضلًا عن الخسارات الأميركية القاسية معنويًا واستراتيجيًا، لذلك فهي تصرّ على عدم ربط الموقف اليمني بالعدوان الصهيوني على غزّة، وتريد أن يبقى تصوير الأمر كونه سلوكًا عدوانيًا غير منضبط، تمارسه ميليشيا خارجة عن الشرعية، لأنّ وضع الأمر في حقيقته سيجعل الأمر سهل الحلول. والحقيقة مؤداها أنّ هناك عدوانًا أميركيًا صهيونيًا على غزّة، بكلّ أشكال الإبادة الجماعية وجرائم الحرب، من القتل العشوائي إلى الحصار والتجويع والعقاب الجماعي، وهذا ما يؤدي لخطرٍ على الأمن والسلم الدوليين، بحسب مرافعة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش.

‏وحين يتم الاعتراف بهذه الحقيقة؛ لن تكون هناك حاجة لتسعير النار في البحر الأحمر، والتهويل بالخطر على الملاحة الدولية، والتي لا خطر عليها، إنما الخطر على الملاحة الإسرائيلية، فقط أوقفوا العدوان على المدنيين في غزّة، فتعود الأمور إلى مجاريها في البحر الأحمر.

‏ولنا أن نتصوّر، فلسطينيين خصوصًا وعربًا ومسلمين عمومًا، انكسار اليمن على يدّ التحالف الأميركي الصهيوني بقيادةٍ سعودية، على الأقل لن تكون هناك حاجة لاستبدال الخط البحري الذي أغلقه اليمن، بخطٍ بري إماراتي سعودي أردني، والتي بالمناسبة كانت كلها مشاركة ضمن تحالف العدوان، فاليمنيون جعلوهم يتكبدون عناء افتتاح الممر البري لإغاثة الكيان المؤقت من حصار اليمن.

‏أمران نستطيع القطع والجزم بهما يقينًا، الأول هو أنّ الزمن الذي يستطيع الكيان فيه احتلال أضعاف مساحته والتمدد والتوسّع وهزيمة جيوش عربية في ستة أيام قد انتهى وولّى إلى غير رجعة، كما قال السيد حسن نصر الله، ولّى زمن الهزائم. أمّا الأمر الثاني هو أنّ صمود اليمن وانتصاره كان من أجلّ فلسطبن وفي سبيلها، وأنّ العدوان على اليمن كان عدوانًا على فلسطين وشعبها وقضيتها ومصيرها.

‏اللافت في الأمر أنّ الكيان المؤقت وهو المستهدف المباشر بالعمليات اليمنية، وهو الذي شنَّ عدوانًا في العام 1967 ما تزال المنطقة تعاني آثاره حتّى اليوم، لم يطلق طلقة واحدة باتجاه اليمن، ولم تستدعه الولايات المتحدة لتحالفها لما تقول إنّه لحماية الملاحة الدولية، وهذا يعني أنّ الولايات المتحدة تدرك أنّ كلّ شعوب المنطقة العربية تمقت الكيان المؤقت ووجوده، وأنّ مجرد الإعلان عن انضمامه لهذا التحالف، سيجعل من أنصار الله أصحاب الشرعية المطلقة شعبيًا، وستخسر عقدًا كاملًا من بروباغندا شيطنتهم، كونهم خطرًا على الإسلام والكعبة، وكلّ تلك الدعايات السخيفة التي وجدت طريقها لعقولٍ أمرضها النفط بالتفاهات والنفايات.

‏مع إعلان السيد عبد الملك الحوثي أنّ استهداف الملاحة الإسرائيلية سيشمل المحيط الهندي ورأس الرجاء الصالح، سيصبح الكيان المؤقت وملاحته بالفعل خطرًا على الملاحة الدولية، بل على الأمن والسلم الدوليين. وإنّ العجز الأميركي عن وقف الاستهداف اليمني لكل ما هو إسرائيلي سيفاقم خسارات أميركا الاستراتيجية، وأنّ عدم الذهاب لأسهل الحلول، وهو وقف العدوان على غزّة، والإصرار على أصعب الحلول وأخشنها، سيزيد من الورطة الأميركية الكبرى، وسيكون نفوذها وهيبتها؛ بل ووجودها في كلّ المنطقة في خطرٍ جديٍ وقريب، أو أن تدرك أميركا أنّ الكيان المؤقت بات عبئًا باهظ الكلفة.

‏في غزّة اليوم لسان حال ناسها، ما تردّد في أنشودةٍ يمنية عن السيد عبد الملك الحوثي تقول “العُرب ظمأى للكرامة فاسقهم يا سلسبيل”، والحقيقة أنّ العُرب هنا ليسوا ظمأى للكرامة بل جفّت عروقهم بالذلّة ويستكبرون على الدواء، استمرأوا المهانة حتّى ظنّوها الماء الزلال، فيا أيّها اليمن الكبير بأنصار الله، كم من أنصار الله يحتاج العُرب ليدركوا أنّ لهم مكانًا تحت شمس الحرية، وليس مكانهم تحت مظلة الذلة الأميركية.

 

موقع العهد : إيهاب زكي

قد يعجبك ايضا