جبهات الإسناد الثلاث وتأثيرها الاستراتيجي على كيان الاحتلال
مع انطلاق عملية “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول /أكتوبر 2023، أطلق حزب الله في اليوم التالي جبهة الإسناد الأولى، التي عرفت باسم “جبهة الشمال”، لتقديم الدعم النوعي للمقاومة الفلسطينية في غزة. ركز حزب الله عملياته على قواعد ومواقع الجيش الإسرائيلي وأجهزة المراقبة والتجسس داخل المستوطنات المحاذية للحدود اللبنانية، كما شملت العمليات التي نفذتها المقاومة مستوطنات الجولان السوري المحتل شمال فلسطين المحتلة بصواريخ متعددة المديات. وكان قرار الإسناد هو قرار حزب الله منذ اللحظة الأولى لانطلاق طوفان الأقصى بحيث لم يتردد في خوض المعركة أولاً بما يفرضه عليه واجبه الأخلاقي تجاه القضايا المحقة والتزاماً منه بنصرة فلسطين، بالإضافة لكونه جزء من محور المقاومة.
ما يميز هذه الجبهة التي أطلقها حزب الله هو المرونة والقدرة على التوسع بسرعة، فقد بدأت بالتركيز على مزارع شبعا والمناطق المحتلة القريبة من الحدود اللبنانية، ثم توسعت لتشمل مستوطنات شمال فلسطين المحتلة. كما أظهر الحزب شفافية واضحة في نشر تفاصيل سير العملية وما حققه ووثق استهدافه بالصور والمقاطع وكذلك هوية شهدائه الذين أسماهم الشهيد السيد حسن نصر الله “شهداء على طريق القدس”. في مقابل محاولة الاحتلال الإسرائيلي التستر عن حجم خسائره البشرية والمادية وعمد إلى التعتيم الإعلامي والتضليل في حين كان الآلاف من مستوطنيه ينزحون من المستوطنات الشمالية خوفاً من عمليات المقاومة. وكان هذا من ضمن المكاسب التي حققتها المقاومة. وقد ساهم هذا التحرك في إرباك الاحتلال، وفرض عليه التشتت بين أكثر من جبهة، ومنعه من التركيز على غزة وحدها.
جبهة اليمن: الضغط البحري والاقتصادي
بعد انضمام حزب الله إلى المعركة، انضمت حركة أنصار الله في اليمن إلى جبهة الإسناد، مستهدفة الممرات البحرية الرئيسية في البحر الأحمر وخليج عدن. عملت القوات اليمنية على محاصرة “إسرائيل” اقتصادياً عبر استهداف السفن والناقلات التابعة للاحتلال أو الشركات المرتبطة به، ما أدى إلى توقف النشاط التجاري في ميناء إيلات الاستراتيجي، مع خسائر مالية بلغت نحو 50 مليون شيكل وفق تقديرات المسؤولين الإسرائيليين.
تجاوزت آثار الهجمات اليمنية الحدود المحلية لتشمل تأثيرات عالمية، إذ سجلت أكثر من 22 شركة نقل بحري ارتفاعاً في أجور الشحن بين آسيا وأوروبا بنسبة 173% تقريباً. واستمرت العمليات رغم الضربات الإسرائيلية على ميناء الحديدة، ما عكس التزام حركة أنصار الله المطلق في دعم غزة ومساندة الشعب الفلسطيني، وفرض مزيد من الضغط على كيان الاحتلال في الحصار الاقتصادي والتجاري. ولم تقتصر جبهة اليمن على الحصار الاقتصادي للعدو فقط بل لجأت لضرب مدنه ومستوطناته بالطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية التي استهدفت مطار بن غوريون وعطلت الملاحة الجوية فيه لعدة مرات.
جبهة العراق: العمليات ضد القواعد الأمريكية
على صعيد العراق، نفذت المقاومة الإسلامية العراقية سلسلة من العمليات ضد القواعد العسكرية الأمريكية والإسرائيلية داخل الأراضي العراقية. بلغ عدد العمليات نحو 90 عملية، شملت القواعد الكبرى مثل “عين الأسد” و”حرير” الجوية في أربيل، إضافة إلى استهداف مراكز تجسس فني تابعة للاحتلال الإسرائيلي شمال شرق أربيل، وإسقاط طائرة مسيرة من نوع “إم كيو 9”. بالإضافة إلى العمليات التي شنتها المقاومة الإسلامية العراقية داخل الأراضي المحتلة، حيث استهدفت قاعدة “رامات دافيد”، كما استهدفت ميناء حيفا، وقواعد التجسس في الجولان المحتل.
هذه الجبهة أثبتت قدرة المقاومة على توسيع رقعة العمليات وتعدد مساراتها، ما أجبر الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي على إعادة تقييم استراتيجياتهما في المنطقة. أسهمت هذه التحركات في توزيع تركيز العدو على أكثر من جبهة، وأرهقته عسكرياً ولوجستياً، وجعلته أقل قدرة على التفرد بأي جبهة أو التركيز على هدف واحد، بما يعزز التوازن الاستراتيجي للمقاومة في الإقليم.
كتف المقاومة إلى كتف غزة
تظهر الصورة الكاملة أن محور المقاومة بإشراف إيران نجح في تجسيد مفهوم الالتزام المقاوم ووحدة الساحات، عبر تنسيق جبهات لبنان واليمن والعراق بشكل يربك الاحتلال ويزيد من تكاليفه العسكرية والاقتصادية. كانت المقاومة كتفاً إلى كتف مع غزة، وقدمت دعماً عسكرياً فاعلاً، في ظل صمت عربي مطبق أمام المجازر والعدوان الإسرائيلي سواء في غزة أو لبنان.
هذه الجبهات الثلاثة لم تُظهر فقط التلاحم الإقليمي للمقاومة، بل أظهرت قدرة محور المقاومة على فرض قواعد ميدانية جديدة، وتحقيق مكاسب نوعية تشمل التأثير المباشر على العمليات العسكرية والتخطيط الاستراتيجي للعدو. وهو ما جعل “إسرائيل” عاجزة عن السيطرة على أي جبهة بمفردها أو إحداث انتصار فيها، وأكد أن وحدة الساحات والتنسيق بين الأطراف المقاومة شكل دعماً لغزة ومقاومتها.
المصدر: الخنادق