جريدة عربية :السعودية والإمارات تتنازعان الجنوب: الحرب مجدّداً… بأدوات ناعمة

في مرحلة فاصلة في عمر الحرب في اليمن، تتسابق السعودية والإمارات على تثبيت أقدامهما في المحافظات الجنوبية، لاجئتَين هذه المرّة إلى تقنيات «الحرب الناعمة»، والتي تتصدّر ساحتها القوى المحلّية الموالية لهما، من دون أن يُحسم الشدّ والجذب، إلى الآن، لصالح أيّ منهما. وعلى رغم أن هذا التنازع يأتي تمهيداً لعملية سياسية منتظَرة يريد كلّ طرف شحن أوراقها قبيلها، إلّا أن ولادة تلك العملية لا تزال تواجه صعوبات كبرى، في ظلّ سعي الرياض إلى التملّص من التفاهمات المبرَمة مع صنعاء، وتقديم نفسها كوسيط بين الأطراف اليمنيين، وهو ما ستحاول تكريسه من خلال القمّة العربية التي ستنعقد في جدة اليوم

في ظلّ المساعي الإقليمية والدولية لإنهاء الحرب في اليمن، يبرز اهتمام سعودي – إماراتي متجدّد بالمحافظات الجنوبية، غير أن هذا الاهتمام تحوّل إلى ما يشبه السباق بين الدولتَين، على مَن يثبّت أقدامه أولاً في الجنوب قبيل الذهاب إلى السلام مع صنعاء. وعلى رغم أن هذه المحافظات قد تحوّلت إلى حلبة صراع عسكري بالوكالة بين الرياض وأبو ظبي خلال السنوات الماضية، إلّا أن الصراع الحالي اكتسب طابعاً مختلفاً أقرب إلى الحرب الناعمة. ففي الوقت الذي تبذل فيه السعودية جهوداً لتقوية رئيس «المجلس الرئاسي»، رشاد العليمي، ورئيس حكومته معين عبد الملك، دفعت الإمارات بـ«المجلس الانتقالي» إلى إجراء هيكلة استوعب عبرها عدداً من المكوّنات، معلناً عن عهد جديد في المحافظات الجنوبية.

حتى قُبيل ذهاب وفدها إلى صنعاء لمناقشة خريطة السلام، تمكّنت السعودية من مزاحمة النفوذ الإماراتي في المحافظات الجنوبية، ولم تكتفِ بحشد القوات الموالية لها في حضرموت، منعاً لوصول تلك الموالية لأبو ظبي إلى المحافظة، بل إنها دفعت أيضاً بتشكيلات إلى محافظة عدن، الأمر الذي شكّل انعطافة حقيقية في مسار الصراع بين الدولتَين حول تقاسم النفوذ هناك. وقابلت الإمارات الخطوات المتقدّمة بحالة من الصمت والهدوء، لكن ذلك لم يدُم طويلاً؛ إذ أعلن «المجلس الانتقالي» المدعوم إماراتياً، عن مشروع هيكلة استوعب عبره النائبَين في «الرئاسي»، فرج البحسني، وأبو زرعة المحرمي، إضافة إلى رؤساء عدد من مكوّنات الحراك الجنوبي، قبل أن يعلن مشروع «الميثاق الوطني الجنوبي».

تحاول السعودية التقليل من أهمّية الخطوات الإماراتية

وعلى رغم أن هذا الإعلان بدا كأنه شأن داخلي متعلّق بـ«الانتقالي» فقط، إلّا أنه جاء بدفع من أبو ظبي من أجل تعزيز حضور المجلس على حساب المكوّنات المدعومة من الرياض، وعلى رأسها «المجلس الرئاسي» والحكومة التابعة له. ولم يقف الأمر عند ذلك، بل إن الإمارات دفعت بالجمعية الوطنية التابعة لـ«الانتقالي»، إلى الانعقاد في حضرموت، الأمر الذي يشكّل تهديداً حقيقياً لحضور السعودية في المحافظة، وخصوصاً أن المئات من أعضاء الجمعية تحرّكوا إلى المكلا بحماية قوة مدعومة من أبو ظبي. ويرى مطّلعون على التطوّرات جنوباً، أن ما عجزت عنه الإمارات خلال الأشهر الماضية، نجحت في تحقيقه الآن؛ وتحت عنوان الاجتماع في حضرموت، تمكّنت من إدخال قوة لم تستطع إدخالها من قَبل بسبب «الفيتو» السعودي.

وسط هذا المعترك، تحاول السعودية التقليل من أهمّية الخطوات الإماراتية. وبالتزامن مع انعقاد الحوار الجنوبي وإعلان «الميثاق الوطني»، وصل السفير السعودي، محمد آل جابر، إلى عدن ليفتتح عدداً من المشاريع في المدينة، برفقة العليمي، الذي أعلن أيضاً بدء معالجة ملفّ المبعدين من الأسلاك، العسكري والأمني والمدني، في الجنوب منذ العام 1994. ومع أن هذه الخطوة بدت في ظاهرها اعتيادية، إلّا أن الرسالة من خلالها موجَّهة إلى «الانتقالي» وأبو ظبي على حدّ سواء، وهي محاولة سعودية لسحب بساط القضية الجنوبية من تحت قدمَي «الانتقالي»، والسعي لمعالجتها عبر «الرئاسي»، الأمر الذي قد يخفّف الاحتقان والحساسية في الجنوب ضدّ الأخير، وخصوصاً أن الأوّل متَّهم بالمتاجرة بالقضية الجنوبية لمصلحة المشاريع الإماراتية. ولم تكتفِ الرياض بما تَقدّم، بل مكّنت السلطات المحلّية في حضرموت من تسلّم منفذ الوديعة ومطار الريان، وحشدت عدداً من المكوّنات في المحافظة لمواجهة إجراءات «الانتقالي»، تحت عنوان «حضرموت للحضارم»، ورفض مشروع ضمّ حضرموت إلى المحافظات الواقعة تحت سلطة «الانتقالي».
هكذا أدّى تسعير الخلاف السعودي – الإماراتي إلى سباق بين المكوّنات الموالية للدولتين، غير أن هذا السباق لم تُقطف ثماره لمصلحة أيّ طرف محلّي، بل فتح الأبواب أمام عهد جديد من الاصطفاف، يبدو مصيره مجهولاً إلى الآن.

 

قد يعجبك ايضا