خطاب السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي بمناسبة العيد الوطني لثورة الـ21 من سبتمبر المجيدة ـ 21 سبتمبر 2025م
كلمة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي بمناسبة العيد الوطني لثورة الـ21 من سبتمبر المجيدة 29 ربيع الأول 1447هـ 21 سبتمبر 2025م
أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْم
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبِين، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبِين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
أَيُّهَـــــا الإِخْـــــــوَةُ وَالأَخَـــــــوَات:
السَّــــــلَامُ عَلَيْكُـــمْ وَرَحْمَـــــةُ اللَّهِ وَبَـرَكَاتُـــــهُ؛؛؛
قال الله تعالى في القرآن الكريم:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْم
{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[النور:55].
صَدَقَ اللهُ العَلِيُّ العَظِيم
بهذه المناسبة المباركة والعزيزة: ذكرى الانتصار التاريخي العظيم، الذي منَّ الله به على شعبنا العزيز، في انتصار الحادي والعشرين من سبتمبر:
- نتوجَّه أولاً بالشكر إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، بالشكر لله “جَلَّ شَأنُهُ”، الذي أعان شعبنا العزيز ووفَّقه بهذه الثورة المباركة، وحقَّق على يديه هذا الإنجاز العظيم.
- ثمَّ نتوجَّه بأطيب التهاني والتبريك إلى كلِّ شعبنا العزيز، وإلى أحراره، وروَّاد ثورتهم، الذين أسهموا بشكلٍ أساسيٍ في صناعة هذا الإنجاز، الذي منَّ الله به على هذا الشعب.
ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر، هي إنجازٌ عظيمٌ وفريد، حقَّقه الله على يد هذا الشعب العزيز، لها مميِّزاتٌ عظيمة، تميَّزت بها بكل وضوحٍ وجلاء؛ ولـذلك لا تحتاج إلى دعاية إعلامية مزيَّفة، ولا تستند إلى تلفيقات؛ إِنَّما تستند إلى حقائق واضحة كوضوح الشمس:
- الميزة الأولى لهذه الثورة المباركة، هي: أصالتها، وخلوصها من أيِّ تبعيةٍ خارجية:
ثورة الحادي والعشرين ثورةٌ أصيلةٌ للشعب اليمني، انطلقت من إرادةٍ شعبيةٍ يمنيةٍ خالصة، ليس هناك أي دور خارجي فيها:
- لا على مستوى القرار.
- ولا على مستوى الرؤية العملية.
- ولا على مستوى الخطوات التي تمَّت.
- ولا على مستوى التَّوَجُّهات والمواقف…
ولا بأي شكلٍ من أشكال التَّدَخُّل الخارجي.
انطلقت من إرادةٍ يمنيةٍ، شعبيةٍ، خالصةٍ، نقية، وانطلقت أيضاً في مسارها العملي بجهدٍ يمنيٍ خالص، ليس فيه أي تدخُّل بأيِّ شكلٍ من الأشكال من أي جهةٍ خارجية، الخطوات العملية، التمويل الذي قام به هذا الشعب من خلال قوافله، التي كانت تتَّجه إلى المخيمات، وإلى الأماكن التي يتحرَّك فيها أبناء هذا الشعب، في سعيهم لإنجاز هذا الاستحقاق، كل الاعتماد كان على الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وكل الجهد بذله هذا الشعب، والإرادة إرادة لأبناء هذا الشعب، توكُّلهم على الله، واعتمادهم على الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وثقتهم به، ثم جهدهم، وعطاؤهم، وتضحياتهم، وعزمهم، ووعيهم بأهمية ما يقومون به، كان هو الشيء الواضح، والذي جعل الله له الثمرة العظيمة، والنتيجة الكبيرة، في تحقيق انتصارٍ تاريخيٍ عظيم.
وعلى مَنْ كان هذا الانتصار؟ على مَنْ؟ كُلُّنا يعلم أنَّ هذه هي ثورةٌ تحرُّريَّة، تُحَرِّر شعبنا العزيز، وبلدنا المبارك، من السيطرة والوصاية الخارجية المعلنة، التي كانت قد استحكمت قبضتها على هذا البلد، بإذعانٍ وخيانةٍ من بعض القوى المحلية، التي تتحرَّك كأدوات مرتهنة في يد الأجنبي، والقوى الخارجية المسيطرة على وضع البلد تحت وصاية معلنة، وتحت عنوان [البند السابع لمجلس الأمن]، على رأسها الأمريكي، والسفير الأمريكي في صنعاء أصبح هو رئيس الرئيس، فوق كلِّ سلطة، وفوق كلِّ مسؤول، يقرِّر، يفرض، يأمر، يوجِّه، يتحكَّم، وأصبح الأمريكي يتدخَّل في كل شؤون هذا البلد، في كل المجالات، بما يخدمه، ويحقِّق أهدافه، ويضرُّ بهذا الشعب؛ ولـذلك كان هناك إهدار تام للسيادة والاستقلال، وتفريطٌ كاملٌ بذلك.
القوى التي أذعنت للوصاية الأجنبية من موقعها في السلطة: بعض الأحزاب، بعض المكوِّنات، بعض الشخصيات، التي هي يائسة من إمكانية أن يكون هناك حُرِّيَّة في بلدنا، وهي مرتهنة للخارج ارتهاناً كاملاً، أذعنت بشكلٍ تام، وفتحت المجال لهذا التَّدَخُّل الأمريكي ليسيطر على كل شيء.
فشعبنا العزيز اتَّجه لصنع هذا الإنجاز العظيم التَّحَرُّري، وحقَّق انتصاراً على القوى الخارجية، التي على رأسها الأمريكي، التي انتهكت استقلال وسيادة هذا البلد، فهذه هي الميزة الأولى: خلوص هذه الثورة من أيِّ تأثيرٍ أجنبي، ليست صناعةً خارجية، لا في الإرادة، ولا في الفكرة، ولا في التَّحَرُّك العملي، ولا في أي توجُّهات ولا مواقف؛ هي تُعَبِّر عن إرادة هذا الشعب، وانطلقت بإرادة خالصة وصادقة من هذا الشعب العزيز.
- من المميِّزات الراقية والعظيمة جدًّا لهذه الثورة المباركة: الأداء الراقي النظيف بما لا مثيل له، وبانضباطٍ عالٍ، وتعاملٍ راقٍ ومسؤول، يجسِّد الأخلاق الإيمانية لهذا الشعب العزيز، حتى مع أشد الحاقدين على هذه الثورة المباركة، كان التعامل راقياً:
في الحادي والعشرين من سبتمبر، في الانتصار التاريخي، لم يكن هناك من قِبَل روَّاد هذه الثورة وجماهيرها أيّ اعتداءات، ولا أي تعسفات، ولا أي تجاوزات ظالمة؛ لم يكن هناك مذابح، ولا إبادة جماعية، ولا تصفية حسابات، لا بالمستوى السياسي، تجاه فئة سياسية معيَّنة، أو حزب سياسي معيَّن؛ ولا تجاه أي اعتبارات أخرى، ولا منطلقات أخرى؛ إذا كان هناك تصرفات فردية، فهي محدودة للغاية، لا تكاد تذكر أصلاً، لا تكاد تذكر.
في يوم الحادي والعشرين من سبتمبر، مع الإنجاز التاريخي العظيم في العاصمة صنعاء، استتب الأمن والاستقرار للجميع، وفَّرت هذه الثورة الأمن والاطمئنان لكل الأهالي في صنعاء، لكل النَّاس في صنعاء، لكل الفئات في صنعاء، لكل أبناء هذا الشعب بمختلف اتِّجاهاتهم وتوجُّهاتهم: السياسية… وغيرها، وكان هذا شيئاً واضحاً جدًّا، وهو تاريخٌ قريب.
كل الأحداث آنذاك تشهد، تشهد على هذا النقاء، على هذا التعامل الراقي، لم يكن هناك تصفية حساب سياسية، ولا بأي اعتبارٍ كان، ولا تحت أي عنوانٍ كان؛ لأن الثورة من أساسها اتَّجهت بعناوين صحيحة، وتوجُّهات صحيحة، وتحرُّك صحيح، لم تتحرَّك بمثل ما يتحرَّكه الآخرون، الذين لا يمتلكون أي مشروعٍ لمصلحة هذا الشعب، مِمَّن يعملون كأدوات لأمريكا وإسرائيل، وللأدوات الإقليمية لأمريكا وإسرائيل، ليس لديهم إلَّا العمل على إثارة النعرات الطائفية، والمناطقية، والعرقية، كل أنشطتهم، تحرُّكاتهم، ضخِّهم الإعلامي، برامجهم، كُلّها تعتمد على هذه المسألة، كل شغلهم يتَّجه صوب إثارة النعرات والأحقاد والفتن تحت العناوين: المذهبية، الطائفية، المناطقية، العرقية؛ لأنهم لا يمتلكون مشروعاً حقيقياً لخدمة هذا البلد؛ ولـذلك يَعْمِدُون على ذلك، وتعبئتهم كُلّها أحقاد، كُلّها ضغائن، كُلّها كراهية، كُلّها عقد، وكُلّها تتَّجه إلى الوضع الداخلي لهذا البلد؛ ولـذلك يعملون بكل جهد، وبشكل مكثَّفٍ جدًّا، على تمزيق النسيج الاجتماعي لشعبنا العزيز، على صنع فجوات ما بين أبناء هذا الشعب، وعلى تقطيع الأوصال والروابط التي تربط أبناء هذا الشعب بكلّهم على مدى التاريخ، الروابط الأخوية والإيمانية، وكل الروابط العظيمة، التي تربط بين أبناء هذا الشعب، كل شغلهم، كل ديدنهم، كل جهدهم- وبدعمٍ خارجي، تمويل من بعض الدول الخليجية، وإشراف أمريكي، وهندسة إسرائيلية- يتَّجه في هذا الاتِّجاه السيء جدًّا، المباين لقيم الإسلام، لمبادئه، لتعاليم القرآن الكريم، في إثارة الأحقاد، في إثارة البغضاء والكراهية، في تقطيع الأواصر بين أبناء هذا الشعب العظيم، يمن الإيمان، يمن الحكمة، يمن الإسلام، والإساءة إلى كل تاريخه؛ لأن لديهم عقدة شديدة جدًّا من التاريخ المجيد لهذا الشعب العظيم، التاريخ المشرِّف، التاريخ الراقي، وهم على انفصام تام مع تاريخ هذا الشعب إلى صدر الإسلام، وهم على قطيعة ومباينة تامَّة، ولديهم عقدة شديدة جدًّا، فهم يشتغلون على الإساءة إلى تاريخ هذا الشعب كله إلى صدر الإسلام.
ثم أيضاً في حاضر هذا الشعب، يشتغلون على تمزيق نسيجه الاجتماعي، تقطيع الأواصر والروابط، والشغل ليل نهار، كل ضخِّهم الإعلامي، كل نشاطهم الذي هو بطابع الإضلال، والتزييف للحقائق، يتَّجه في هذا الاتِّجاه السيء جدًّا، ويكفيهم ذلك في انكشافهم، أنهم مفلسون من أي مشروعٍ صحيح، مشروعٍ يؤلِّف الله به بين أبناء هذا الشعب، تجتمع كلمتهم عليه، مشروع يدعو للأخوَّة، للتعاون، هي دعوة القرآن الكريم، دعوة الله في القرآن الكريم: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}[آل عمران:103]؛ دعوة أولئك من الأدوات، التي تعمل لمصلحة الأمريكي والإسرائيلي، ومصلحة الأدوات الإقليمية للأمريكي والإسرائيلي، هي دعوة للفرقة، للفتنة، للكراهية، للبغضاء- كما قلنا- تحت العناوين: الطائفية، المذهبية، المناطقية، العرقية… كل العناوين السيئة، النزغ بالشر في اتِّباعٍ تام للشيطان الرجيم، النزغ بين الناس، حتى العمل على تأجيج المشاكل الاجتماعية، يشتغلون عليه، ورصدنا لهم أنشطة ذات طابع استخباراتي لإثارة الفتن بين هذه القبيلة وتلك، لإثارة النزاعات، والصراعات، والمشاكل، يهندسون لها، ويتابعونها، ويعملون في إطار الشغل الشيطاني.
دعوة الله في القرآن الكريم دعوة للأخوَّة: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}[الحجرات:10]؛ دعوة أولئك كُلّها اتَّجهت إلى الوضع الداخلي لهذا الشعب؛ لتحويل الناس إلى أعداء، إلى متباينين:
- هذا يأخذ موقفاً من ذاك تحت عنوان عرقي.
- وهذا يأخذ موقفاً من ذاك تحت عنوان مذهبي وطائفي.
- وهذا يأخذ موقفاً من ذاك تحت عنوان مناطقي.
وكل ما يقدِّمونه، وكل ضخِّهم الإعلامي الكثيف، يشهد على هذه الحقائق، كل منطقهم هو بهذا الشكل: مباين تماماً للقرآن، للقيم الإيمانية، ولا يتَّجهون اتِّجاهاً صادقاً واضحاً، ضمن ما ينبغي أن تكون الأُمَّة بكلها فيه، ضد العدو الحقيقي للأُمَّة: (الأمريكي، الإسرائيلي)، الذي يسعى فعلاً لاستعباد أبناء هذه الأُمَّة، يسعى لإذلال هذه الأُمَّة، يسعى لاستباحة هذه الأُمَّة؛ بل على العكس، يتَّجهون لصرف الناس عن أي توجُّهٍ صحيحٍ، وموقفٍ صادق ضد العدو الحقيقي للأُمَّة (أمريكا، وإسرائيل).
فالثورة (ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر) هي ثورة في عناوينها، في شعاراتها، في مساراتها العملية، في أهدافها، نظيفة، نظيفة، لم تشبها تلك الشوائب التي لدى الآخرين من الأدوات الخاضعة، التي تعمل للعدو، لعدو هذا الشعب، عدو هذه الأُمَّة، ليس فيها تعبئة بالأحقاد والكراهيات، المبنية على اعتبارات وتصنيفات عرقية، مذهبية، مناطقية…إلخ.
ثم عند التمكين، وعندما حقَّق الله الإنجاز العظيم لهذا الشعب، كذلك لم يكن هناك تصفية حسابات، ولا إبادات جماعية، ولا… بل قادة تلك الأدوات المحلية كانوا في غاية الاطمئنان، في اطمئنانٍ تام، وأتى الجهد الكبير الموازي لما تحقَّق في الميدان، في السعي للحفاظ على أخوَّة هذا الشعب، على تعاون أبنائه، قُدِّم- آنذاك- مشروع السِّلم والشراكة، وأتت له صيغة سياسية موقَّعة من الجميع، ومعترفٌ بها دولياً، معترفٌ بها من الجهات الدولية والإقليمية وغيرها، ثم انقلبت الأدوات المحلية بأمرٍ من الخارج، بتوجيه من الأمريكي والإسرائيلي، وأدواتهم الإقليمية، انقلبت على تلك الصيغة، على ذلك الاتِّفاق، انقلاباً تاماً، وتنكَّرت له بوضوح، وفي موقفٍ معلن، في تنكُّرها له، وانقلابها عليه، مع أنَّه أنصفهم غاية الإنصاف، وأكثر من الإنصاف، يعني: أبقى لهم: لكل الفئات، لكل القوى، دورها، على أساس أن يكون في خدمة هذا الشعب، في إطار تلك الصيغة (صيغة السِّلم والشراكة)؛ ولكنهم لا يريدون ذلك، هم يريدون أن يعملوا كأدوات للخارج، وبوصلتهم التي يتحرَّكون وفقها هي المصالح الخارجية، وهم يُحَرَّكون بالريموت، يوجَّهون كما يريده الأمريكي، من خلال أدواته الإقليمية، وأحياناً بشكلٍ مباشر.
فالميزة العظيمة التي تميَّزها عن كل الثورات الأخرى، منها هذه الميزة أيضاً: الأداء الراقي، التعامل العظيم، أتت بالأمن، بالاستقرار إلى ربوع هذا الوطن، في كل المناطق التي سيطرت فيها، في العاصمة صنعاء كذلك، وبانضباطٍ عالٍ، انضباط كبير جدًّا، مع أنَّها ثورة شعبية، تحرَّك فيها الملايين من أبناء هذا الشعب؛ لكنَّهم جسَّدوا هذه القيم الأصيلة لشعبنا العزيز: قيم التسامح، الأخوَّة، البعد عن تصفية الحسابات والتصرفات الإجرامية والوحشية، التي يتصرَّف بها الآخرون.
- المنجز الأكبر لهذه الثورة الشعبية، هو: إسقاط السيطرة والوصاية الخارجية على هذا البلد:
وهو إنجازٌ عظيمٌ بكل الاعتبارات، بالقيمة الإيمانية والدينية؛ لأن الذي كان يسيطر على هذا البلد- كما قلنا- ومن قُدِّم كوصي على هذا الشعب هم أعداء هذا البلد، في المقدِّمة: الأمريكيون، وهم الأساس في المسألة، الآخرون كانوا أعواناً لهم فقط، هم كانوا يقولون: [دول العشر]، الدول العشر الدور الأساس فيها كان للأمريكي؛ البقية كانوا مجرَّد أعوان للأمريكي، ومن يتذكَّر مجريات تلك المرحلة، وطبيعة التَّحَرُّك الأمريكي فيها، والدور الذي كان متروكاً للسفير الأمريكي؛ يتجلَّى له ذلك بوضوح، كل شيءٍ كان واضحاً، كان ظاهراً، كان مكشوفاً، لم تكن الأمور مخبَّأة ولا مغطَّاة، تتحدث عنها وسائل الإعلام باستمرار، وتحركات مكشوفة في كل المجالات، لقاءات السفير الأمريكي، وتدخُّلات السفارة الأمريكية، وتدخُّلات الأمريكيين بمن يرسلونهم من مسؤوليهم إلى هذا البلد، كانت علنيةً واضحة: في الشأن العسكري، في الشأن الأمني، في الشأن الاقتصادي، في الشأن التعليمي والثقافي والإعلامي… في كل المجالات، وكانت أيضاً النتائج تتجلَّى باستمرار لتدخُّلاتهم، فيما يظهر لها من أثرٍ سيءٍ جدًّا في واقع هذا الشعب في كل المجالات.
فبالمعيار الإيماني، والقيمي، والديني، لهذا الإنجاز في التَّحَرُّر من الوصاية والسيطرة الأمريكية والخارجية أهمية عظمى؛ لأن المبدأ الأكبر والأساس في الدين الإلهي الحق، في الإسلام العظيم، في الانتماء الإيماني لشعبنا العزيز، هو: مبدأ التَّحَرُّر من الطاغوت، والعبودية لله وحده، والذي يمارسه الأمريكي مع أُمَّتنا هو استعباد بكل ما تعنيه الكلمة، استعباد، فرض سيطرة كاملة على كل المستويات، وفي كل المجالات، برمجة لشؤون حياة الناس وفق إملاءات الأمريكي وتوجُّهاته، التي هي إملاءات طاغوتية، طاغوت، مستكبر، ظالم، كافر، يتَّجه بالناس اتِّجاهاً مبايناً للقيم الإلهية، للتعاليم الإلهية، مبايناً للعدالة، للحق، وبعيداً عن الخير للشعوب، يتَّجه بهم في اتِّجاه الشر، الظلم، الفساد، الطغيان، يفرِّغهم من هويتهم الإيمانية والأخلاقية والقيمية، ويتَّجه بهم في ما هو شرٌّ عليهم في الدنيا والآخرة.
ولذلك فبالمعيار الإيماني والديني، لهذا المنجز العظيم، الذي هو: التَّحَرُّر من سيطرة الأمريكي، وأعوانه، وأدواته، أهمية دينية كبرى، بالمستوى الأول في القيمة الدينية، بالمستوى الأول، الانسجام، والتجسيد، والتحقيق لمصداقية الانتماء العظيم للإسلام والإيمان، للمبدأ العظيم في الإسلام: (لا إله إلَّا الله)، (لا إله إلَّا الله).
أمَّا الآخرون من الأدوات المحلية والإقليمية، ومن يحاولون أن يثيروا الحساسيات، تحت عناوين: عرقية، ومذهبية، ومناطقية، فما الذي كانوا يعملون له في أوساط هذا الشعب؟
هم- في أنفسهم– خانعين بشكلٍ تام للأمريكي، وإرادته، وإملاءاته، وتوجيهاته، وتعليماته، ويعملون على إخضاع هذا الشعب ليكون عبداً للأمريكي الكافر، المستكبر، الظالم، المفسد، ويخنعون له لتنفيذ مخططاته وأجنداته في كل المجالات؛ بينما هي تدميرية، كانت تذهب بهذا البلد نحو الانهيار التام في كل شيء، في كل شيء؛ ولـذلك هم لم يكونوا أهل أمانة، ولا أهل وفاء، ولا أهل قيم، ولا حملوا إرادة الخير تجاه هذا الشعب؛ بل كانوا يعملون لما هو شر على هذا البلد، وخطر على هذا البلد، ويسعون لتعبيد هذا الشعب العزيز بِعِزَّة الإيمان، الحر بِحُرِّيَّة الإسلام، كانوا يسعون إلى تعبيده للأمريكي، لإرادة الأمريكي، لتوجُّهات الأمريكي، بما هو شرٌ على هذا البلد.
أهمية كبرى للإنجاز العظيم لثورة الحادي والعشرين من سبتمبر بالقيمة الإنسانية، إعادة الاعتبار لهذا الشعب العظيم، في القيمة الإنسانية للحُرِّيَّة بمفهومها الحقيقي: ألَّا نكون عبيداً إلَّا لله، ولا خاضعين إلَّا لأوامره، ونهجه الحق، ودينه العظيم، وتعليماته القيِّمة، لهذه المسألة أهمية كبرى في القيمة الإنسانية، في قيمة الإنسان كإنسان؛ لأن إخضاع الإنسان ليكون عبداً لغير الله، هي كارثة على هذا الإنسان، هي انتقاص من كرامته الإنسانية، ومن قيمته الإنسانية؛ ولهـذا هذا الإنجاز العظيم، هذا المنجز المهم، له قيمة؛ لأنه أعاد الاعتبار والكرامة الإنسانية لشعبنا العزيز، الذي حاول أولئك من أعدائه ومن أدواتهم أن يسلبوها منه.
الأمريكي لا يبقي لأي مجتمعٍ يخنع له، يخضع له، يطيعه ويرتبط به، لا يبقي له لا هوية صحيحة، ولا قيمة إنسانية، أي خضوع للأمريكي، وطاعة، واستسلام، وتبعية للأمريكي، هي على حساب الكرامة الإنسانية، والهوية الإيمانية، وهي على حساب القيمة الإنسانية للإنسان؛ لأن هذه نتيجة حتمية للتبعية التَّامَّة للأمريكي، والخضوع لسيطرته، والخنوع لتوجُّهاته وأمره.
والنتيجة ذات أهمية كبرى لهذا المنجز العظيم، يعني على هذا الأساس: عندما يمتلك شعبٌ حُرِّيَّتِه، واستقلاله، وكرامته الإنسانية، ويحافظ على هويته الإيمانية؛ فهو يستطيع أن يبني عليها حضارةً إنسانية، يستطيع أن يتحرَّك على ضوء ذلك ليضمن مستقبله في الدنيا والآخرة؛ لأن حسابات الإنسان المسلم لا تنحصر على هذه الدنيا، وتجاه هذه الدنيا؛ إِنَّما تجمع بين مستقبله في الدنيا وفي الآخرة، مسألة الآخرة ذات أهمية كبيرة لمن يؤمن بالله واليوم الآخر، وهكذا هو الحال في الانتماء الإسلامي، وفي الانتماء الإيماني.
ولذلك شعبنا العزيز بامتلاكه حُرِّيَّتِه، واستقلاله، وكرامته الإنسانية، وعِزَّته الإيمانية، يستطيع أن يتحرَّك بناءً على هذا الأساس، في بناء حضارته، في بناء مستقبله، في بناء واقعه، يستطيع أن يبني توجُّهاته في مسيرته في هذه الحياة على هذا الأساس المهم، هذا الأساس الضروري لأي شعبٍ يريد أن ينهض نهضةً صحيحة، نهضةً حقيقية، امتلك ما لابدَّ من امتلاكه في الأساس: أن يكون بلداً حراً، مستقلاً، سليماً من حالة التبعية والارتهان والسيطرة الخارجية، وكان لهذا أهمية كبيرة جدًّا:
- على مستوى الوضع الداخلي.
- وعلى مستوى الوضع في العلاقة الخارجية، والمواقف الخارجية.
الوضع ما قبل التحقيق هذا الإنجاز العظيم كان كارثياً، وفي غاية الخطورة، الوصاية الأمريكية، والإذعان لها، والتَّدَخُّل الأمريكي في كل المجالات، كان يذهب- كما قلنا- بالبلد نحو انهيار شامل في كل الأوضاع:
- الوضع السياسي: كان متَّجهاً بكل وضوح إلى الانهيار:
- أزمات شديدة.
- تباينات شديدة.
- انقسامات سياسية حادَّة.
- تنازع وتنافس لدى الأمريكي، كلٌّ يتودد إلى الأمريكي من معظم القوى السياسية؛ ليعتمده هو كوكيل في هذا البلد، أو ليحقِّق له المزيد من النفوذ… وما أشبه ذلك.
- على المستوى الاقتصادي: كان الوضع يتَّجه نحو الانهيار الكامل بوضوح- والكل يتذكَّر ذلك– بدون أي عذر، بدون أي عذر:
لم يكن هناك حرب عسكرية على البلد، كانت أوضاع البلد معروفة، مع أنَّ فيها- كما قلنا: نتيجةً لطاعتهم للأمريكي- الكثير من المشاكل، لكن كان البلد بكل جغرافيته، من أقصاه إلى أقصاه، كل اليمن كان تحت تلك السلطة، كل موارده، كله ثرواته، لم يكن هناك حرب عسكرية خارجية، كان يُعْلَن عن كثيرٍ من القروض، والكثير من المنح المالية، والمساعدات الخارجية التي تقدَّم بشكلٍ رسمي للسلطة آنذاك.
فالسلطة التي كانت خاضعة للخارج، وموالية للأمريكي، وقواها التي كانت في نفس ذلك الاتِّجاه، لم يكن لهم عذر في أن يكون هناك انهيار اقتصادي، وكل ثروات البلد السيادية، بما فيها النفط بأيديهم، كل الموارد بأيديهم، ليس عليهم حرب خارجية، ليس على البلد حصار خارجي؛ فلم يكن لهم من مبررٍ، ولا من عذر في أن يكون الوضع الاقتصادي متَّجهاً نحو الانهيار الشامل، وأزمات حادَّة، ولا أي أثر: لا للنفط، ولا للغاز، لا لتلك الموارد الضخمة، لا للثروات الكبيرة التي في هذا البلد؛ ولا للمساعدات الخارجية، ولا للقروض، ولا للمنح؛ وليس هناك لا حصار ولا شيء، ومع ذلك انهيار اقتصادي.
- انهيــــار أمنـــي:
أصبحت صنعاء بنفسها غير آمنة، يُقتَل فيها حتى ضبَّاط الأمن بشكلٍ مستمر، الاعتداءات تطال حتى بعض المستشفيات الرسمية، يصل حالة الإجرام والتَّعدِّي على الناس حتى في أوساط صنعاء، اغتيالات، قتل، تقطعات… مظاهر الانعدام الأمني في العاصمة بشكلٍ كبير، فما بالك بغيرها! التقطعات في الطرق ما بين صنعاء وبقية المحافظات، النهب للمسافرين… كل مظاهر الانعدام الأمني، الانتشار للمدِّ التكفيري الإجرامي إلى وسط صنعاء ومحيطها، وفي معظم المحافظات… وهكذا كل مظاهر انعدام الأمن كانت قائمة، ومعروف ما كان يحصل في تلك المرحلة، الانهيار على هذا المستوى.
- على المستوى العسكري:
- تفكيك للجيش.
- تدمير لأسلحته.
- سقوط لطائراته حتى في وسط صنعاء (طائراته الحربية).
- سلاح الدفاع الجوي يقوم ضباط بإشراف أمريكيات من المخابرات الأمريكية بتدمير سلاح ومعدّات الدفاع الجوي.
مؤامرة كانت كبيرةً على وضع الجيش؛ للوصول به إلى حالة الانهيار.
- استهداف للشعب في قيمه، في أخلاقه:
- السفارة الأمريكية كانت تقيم دورات لخطباء المساجد! تصوَّروا إلى هذا الحد، هذا أمر يجعل الإنسان يستغرب أشد الاستغراب، السفارة الأمريكية تقيم هي دورات تثقيفية، تقدِّم فيها موجِّهات لمن؟ لخطباء المساجد، وأقامت الكثير من الدورات والورش في هذا الاتِّجاه.
- تتدخَّل في شؤون القضاء، تتدخَّل في كل الأمور.
- في المناهج الدراسية تركيز أمريكي كبير جدًّا، في العملية التعليمية، في التركيز على المعلمين… وهكذا، وكل هذا له تفاصيل، له حقائق مذكورةٌ في الصحف، تحدثت عنها وسائل الإعلام الرسمية… وغير ذلك.
- تمزيق للنسيج الاجتماعي:
- تغذية للصراعات والتباينات تحت العناوين العرقية، الأمريكي يركِّز على ذلك، الإسرائيلي يركِّز على ذلك.
- محاولة لإنشاء تكوينات جديدة بعناوين دينية، مثل: الأحمدية، البهائية… وغير ذلك.
- نشر للإلحاد… كل التَّحَرُّكات الهدَّامة والتدميرية.
- نشر للفساد: حاولوا أن ينشؤوا حتى المراقص، وأن يروِّجوا للخمر في وسط صنعاء، عاصمة يمن الإيمان، بتغاضٍ رسمي، وحماية رسمية آنذاك.
وهكذا كانوا يعملون على استهداف هذا الشعب في هويته، في قيمه، في أخلاقياته… في مختلف الأمور، يريدون أن يفرِّغوه من كل قيمة معنوية وإيمانية، ومن كل عناصر القوة.
- تفكيك وبعثرة سياسية؛ بإنشاء المزيد والكثير الكثير من التفريخ لمنظَّمات، لأحزاب صغيرة، تفكيك وبعثرة إلى أنهى مستوى لهذا الشعب.
- فرز وتصنيفات بالأسلوب الأمريكي، الذي يفرز الشباب لوحدهم، النساء لوحدهم، التفكيك للأسرة، ولكيان الأسرة، لأبناء هذا البلد، كل العناوين التي تبعثر أبناء هذا الشعب إلى أنهى مستوى كانوا يعملون عليها.
- الضخ الفكري، والضخ للمفاهيم الغربية بما يدمِّر هذا الشعب، يفككه، يبعثره، يضله، يخضعه للغرب، يجعله يتقبَّل السيطرة الأمريكية والإسرائيلية، يفقده الإباء والعِزَّة والكرامة، كانوا يعملون على ذلك بشكلٍ مكثَّفٍ جدًّا جدًّا جدًّا، هذه مسألة واضحة.
ولـذلك كان التَّحَرُّك الشعبي ضرورة، ضرورة فعلاً، وكان شاهداً من أنَّ هذا الشعب العزيز، هو منتمٍ انتماءً أصيلاً للإيمان، كما قال رسول الله “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ”: ((الْإِيْمَانُ يَمَان))؛ لأنه لا يمكن أبداً أن يقبل شعبٌ متمسِّكٌ بانتمائه الإيماني، وهويته الإيمانية، بأن يتحوَّل إلى شعبٍ خاضعٍ للأمريكي، ومستعبدٍ للأمريكي والإسرائيلي ولأدواتهم، من أدوات الخيانة والإجرام، يستحيل ذلك، يتنافى ذلك تماماً مع الإيمان، والانتماء الإيماني، والعِزَّة الإيمانية، والكرامة الإيمانية، وأن يضحي بالقيم، بالأخلاق، وأن يتقبَّل ما يقدَّمون له من بدائل، بدائل فكرية، بدائل على مستوى التصرفات، والأعمال، والسلوكيات، والأعراف، والتقاليد، من الصناعة الغربية: نشر الفواحش، الرذائل، التفكيك للأسرة، كل الأشياء التي ينشرونها في إطار حربهم الناعمة، المفسدة، المُضِلَّة للشعوب، الهدَّامة للقيم، المدمِّرة للأخلاق.
فتحرُّك شعبنا عبَّر عن قيمه، عن روحيته، عن هويته الإيمانية، وحقَّق هذا الإنجاز العظيم، الفريد على مستوى المنطقة بكلها؛ ولـذلك كان رد الفعل تجاه ذلك خارجياً بالدرجة الأولى، مَن الذي استثاره هذا التَّحَرُّك، هذا الإنجاز لشعبنا العزيز، مَن الذي استثاره هذا الإنجاز المهم جدًّا، الإنجاز العظيم، الإنجاز الإيماني، الإنساني، الأخلاقي، القيمي؟ الأمريكي والإسرائيلي.
ممن كان لهم مواقف صريحة، وواضحة، ومعلنة، في تلك المرحلة المبكرة، هو: العدو الإسرائيلي، والمجرم (نتنياهو)، إلى درجة أنَّه عبَّر عن هذا الإنجاز الكبير للشعب اليمني، عن هذه الثورة المباركة، عن هذا الانتصار العظيم، أنه أخطر شيء في المنطقة، وقال في تعبيره هو بأنه: [أخطر حتى من النووي الإيراني]، [أخطر حتى من النووي الإيراني]، رأى في انتصار هذا الشعب العزيز، رأى فيه خطراً عليه، مشكلةً له، لماذا؟ لأن الأجندة الإسرائيلية هي: إقامة إسرائيل الكبرى، والسيطرة على ما يسمُّونه هم: [بالشرق الأوسط]؛ وأن يتحرَّر شعبٌ كالشعب اليمني، وأن ينهض على أساس حُرِّيَّتِه وانتمائه الإيماني، فالعدو الإسرائيلي يدرك أنَّ الشعب اليمني لن يسكت، لن يخنع، لن يستسلم، بل أكثر من ذلك: سيكون له دور على مستوى هذه الأُمَّة، كما كان لآبائه الأوائل، لأنصار الإسلام، لأنصار رسول الله محمد “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ”، الذين حملوا راية الإسلام، وراية الإيمان، وراية الجهاد، في وجه الطاغوت، والاستكبار، والكفر، والشر، وأنَّ شعبنا أيضاً سيحمل هذه الراية امتداداً لآبائه الأوائل، يحمل راية الإسلام، راية الجهاد، راية الحق، في وجه الأمريكي والإسرائيلي، وللتَّصدِّي لمساعيهم للسيطرة على هذه المنطقة، وتدمير شعوبها، وإذلال شعوبها، والسيطرة على أوطانها.
فرد الفعل بدأ من الإسرائيلي ومن الأمريكي، ولكنهم آنذاك عَمِدوا إلى تحريك أدواتهم الإقليمية؛ لتكون هي في واجهة الموقف، ولتتحمل هي كل الأعباء؛ لأنهم أدركوا أنَّ الهجوم على هذا الشعب، ومحاولة إخضاعه من جديد، ليست عمليةً سهلة، ستكون عمليةً مكلِّفةً جدًّا، وكبيرةً جدًّا، ولها تبعاتها الكبيرة؛ فحرَّكوا أدواتهم الإقليمية لتتولى الوزر، وقام النظام السعودي بهذا الدور، في إطار تحالفٍ شكَّله معه، تحرَّك معه الإماراتي، وتحرَّكت معه أنظمة أخرى، وشكَّل تحالفاً تحت الإشراف الأمريكي مباشرةً، وبدفعٍ إسرائيلي، وبهندسةٍ إسرائيلية، وبمشاركة بريطانية، أذرع الصهيونية الثلاث (أمريكا، وبريطانيا، وإسرائيل) كان لها دورٌ أساسي في الهندسة للعدوان على بلدنا، في الإشراف عليه، في المشاركة فيه، في الدفع إليه، ولا تزال مستمرةً في ذلك، لا تزال مستمرةً في ذلك، وأتى العدوان على بلدنا تحت الإشراف الأمريكي المباشر، وهذا معروف حتى في أمريكا، هناك في الكونغرس الأمريكي من كانوا يصرِّحون ويقولون: [أن لو يريد الرئيس الأمريكي أن يوقف الحرب، بكلمة واحدة يوقفها]، الحرب على اليمن.
والعدوان على اليمن كان فيه كل ما يتَّسم به الأمريكي، والبريطاني، والإسرائيلي، من إجرام:
- جرائم إبادة جماعية: القتل للمدنيين، القتل للأطفال، القتل للنساء.
- الاستهداف للمدن، للقرى، للأحياء.
- الاستهداف لكل ما هو محظورٌ استهدافه في القيم والمواثيق والأعراف.
وهذا شيءٌ معروف، ما فعله النظام السعودي تحت الإشراف الأمريكي، بمساهمة ومشاركة أمريكية وبريطانية، ودفع إسرائيلي، وأدوار للعدو الإسرائيلي في ذلك، جرائم رهيبة جدًّا، والكل يعرف ما حصل على مدى سنوات طويلة:
- تصعيد مكثَّف جدًّا على مدى ثمان سنوات.
- ثم أيضاً استمرار في الحصار الظالم.
- استمرار في الاحتلال لمساحة واسعة من هذا البلد.
- استمرار في حرمان هذا الشعب من ثرواته الوطنية السيادية، التي هي حق لهذا الشعب؛ كي لا ينعم بها.
- حرب اقتصادية شرسة، كُلّها تتوجَّه ضد هذا الشعب.
- إجراءات في الحرب الاقتصادية كُلّها تستهدف هذا الشعب، وتضرر منها هذا الشعب في كل مكان، حتى في المحافظات المحتلَّة.
الأمريكي سعى إلى هذا مع الإسرائيلي؛ ومع ذلك فشلوا، فشلوا، وفشلت أدواتهم الإقليمية، وأدواتهم المحلية.
الأدوات المحلية ليس لديها أي مشروع، سوى تمكين الخارج من احتلال البلد، عندما تتحدث بعناوين، أو تعمل في إطار شغلها الدائم، الذي هو في إطار الإثارة للفتن والحساسيات؛ بهدف تمزيق النسيج الاجتماعي لهذا الشعب، عناوين الكراهية والبغضاء، في إطار ما يسعون له من التفريق بين أبناء هذا الشعب بالعنوان العرقي، بالعنوان المذهبي، بالعناوين العنصرية، بالعناوين المناطقية، كل ذلك ما الذي يسعون إلى تحقيقه من ورائه؟ تمكين الخارج من احتلال البلد فقط، ليس لديهم غير ذلك.
وباتوا، منذ أن دخل شعبنا العزيز في إطار موقفه العظيم، والحر، والإيماني، في موقف الإسناد والنصرة للشعب الفلسطيني، والمواجهة المباشرة مع العدو الإسرائيلي، باتوا مكشوفين أكثر من أي وقتٍ مضى لهذا الشعب العزيز، لكل أبنائه، لكل جماهيره، ظهروا بوضوح في الجبهة الإسرائيلية، كل موقفهم، كل ضخِّهم الإعلامي، كل العناوين التي يركِّزون عليها سياسياً، باتوا ينصرون العدو الإسرائيلي ضد أبناء هذا الشعب، كل شغلهم الدائم:
- التشويه لموقف هذا الشعب العزيز في نصرة الشعب الفلسطيني.
- مع التشويه التشكيك.
- التقليل من قيمة هذا الموقف، الذي هو موقف عظيم، باعتراف العالم أجمع، حتى باعتراف العدو الإسرائيلي، هذا الموقف له أهميته، له تأثيره، له نتائجه في التأثير على العدو الإسرائيلي في الوضع الاقتصادي… في كل الاعتبارات، وموقف فريد يراه كل العالم بين محيطٍ من التخاذل الذي عمَّ العالم الإسلامي بشكلٍ مخزٍ للغاية، تفرَّد هذا الموقف الرائع، العظيم، المشرِّف، يشككون، يثبِّطون يخذِّلون.
- وفي نفس الوقت يعلنون عن مواقف مؤيِّدة للعدو الإسرائيلي:
- يرددون نفس المصطلحات الإسرائيلية، نفس المواقف الإسرائيلية، نفس العناوين الإسرائيلية ضد هذا الشعب؛ في توصيف الموقف، في حيثيات الموقف.
- يبرزون استعدادهم للقتال مع العدو الإسرائيلي.
- وصل بهم الحال إلى أن يستضيفوا جواسيس صهاينة، أرسلهم العدو الإسرائيلي إلى المناطق المحتلَّة.
- إعلامهم، شخصيات منهم تتواصل مع القنوات الإسرائيلية، تعبِّر عن الإخاء معها، أحدهم يقول للصهيوني، لأحد الصهاينة في قناة إسرائيلية: [أخي الكريم…]، هكذا يعبِّرون؛ لأن هذا هو حال المنافقين، يقولون: {يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ}[الحشر:11] إخوان لهم.
هكذا كل شغلهم: في إطار الموقف الأمريكي والإسرائيلي، الرامي والهادف إلى منع الموقف الذي يتحرَّك فيه اليمن لنصرة الشعب الفلسطيني.
وفعلاً، كل جهد الأعداء منصب في هذه المرحلة، وفي هذه الفترة، على التَّخَلُّص من جبهة اليمن بكل وسائل الاستهداف؛ أولاً: لأنهم يريدون التفرُّد بالشعب الفلسطيني، لحسم الموقف معه؛ ليتمكَّنوا من بعد ذلك للتفرغ مع بقية البلدان؛ لأنهم يعلنون باستمرار أن ما يريدونه هو: [تغيير الشرق الأوسط]، وهي كلمة واضحة، عنوان واضح، يشمل هذه المنطقة بكلها، وواضحٌ أنَّه– بالعربي الفصيح- يعني: السيطرة الإسرائيلية على كل العرب، هذه هي الخلاصة، والسيطرة الإسرائيلية تعني: سيطرة أعدى عدو للإسلام والمسلمين، أشرِّ خلق الله، أجرم الناس، وأسوأ الناس، أن يسيطروا على هذه الأُمَّة، سيطرتهم على هذه الأُمَّة تعني: أن تخسر هذه الأُمَّة دينها، ودنياها، ومستقبلها، وتخسر كل شيء، يعني: الكارثة بكل ما تعنيه الكلمة.
العدو الإسرائيلي جلَّى نفسه في مستوى إجرامه ضد الشعب الفلسطيني في غزَّة، ووحشيته، وتعامله حتى مع النساء، والأطفال، والكبار، والصغار، بأبشع صورة، بأنه في أنهى مستوى من: الشر، والإجرام، والحقد، والسوء؛ ولهـذا أسوأ صورة للشر، وأكمل صورة للإجرام، وأنهى صورة للطغيان، تجسَّدت في العدو الإسرائيلي وممارساته.
هذا العدو بكل ما هو عليه من شر، من حقد، لا يعترف حتى للمرتزقة، حتى لأسيادهم في الإقليم، لا يعترف لهم بأنهم بشر أصلاً، هو في موقفه العام من هذه الأُمَّة، حتى ممن يحبونه، ممن يناصرونه، ممن يضحون في سبيله، هو واضح، في أنه لا يعترف لهم حتى بأنهم من البشر، في الاستهتار بحياتهم، لا قيمة لأحدٍ عنده، ألا تصدِّقون الله وهو القائل: {هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ}[آل عمران:119]، الله أصدق القائلين هو الذي قال هذا للذين يحبونهم، للذين يناصرونهم، للذين يوالونهم، للذين يعادون من يعاديهم، للذين يقولون لهم بأن العدو مشترك، {هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ}[آل عمران:119]، كلمة حاسمة، فاصلة، من أصدق القائلين، من العليم بكل شيء، ممـن لا يخفى عليه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ}[النساء:45]، هو العليم “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
كل جهد الأمريكي والإسرائيلي وأدواتهم الإقليمية تجاه بلدنا، منصبٌ على إيقاف جبهته المناصرة للشعب الفلسطيني، الواقفة بحق، وصدق، وإخلاص، وثبات، وبأعلى سقف، بأعلى مستوى، في مستوى أعلى ما يمكن أن يعمله هذا البلد رسمياً وشعبياً، إيقاف هذه الجبهة:
- ليأمن الإسرائيلي، ليتحرَّك براحة بال.
- وأيضاً حتى لا يبقى هذا النموذج الفريد، الذي يحيي الأمل لبقية الشعوب، لبقية البلدان، أن بإمكانها أن تقف هذا الموقف العظيم، الذي هو في إطار المسؤولية الدينية والإنسانية والأخلاقية، وتقف بعز، وتقف بثبات، وتقف كما ينبغي، وهو المخرج والنجاة لكل أُمَّتنا أن تقف هذا الموقف؛ لأن العدو الإسرائيلي يشكِّل خطورةً بالغةً عليها.
العدو الإسرائيلي يتحرَّك في عدوانه حتى على الشعب الفلسطيني، وعلى محيط فلسطين: عدوانه على لبنان، عدوانه وانتهاكاته واعتداءاته في سوريا، هو يتحرَّك تحت العنوان الواسع، العنوان الشامل، عندما يتحدَّث المجرم (نتنياهو)- يعني: أعلى مستوى في موقع المناصب والمسؤولية عند العدو الإسرائيلي- بنفسه: أنه يسعى لـ [تغيير الشرق الأوسط]، أنه يقوم بـ [تغيير الشرق الأوسط]، أنه يعمل فعلياً في [تغيير الشرق الأوسط]، بل يقول: [نحن نغيِّر الشرق الأوسط]، يعني: عملية التغيير قائمة، كل الأعمال الإجرامية، كل المؤامرات الإسرائيلية، كل الخطط هي في هذا السياق: عملية [تغيير للشرق الأوسط]، هل الشرق الأوسط عبارة تعني فقط غزَّة، أو تعني فقط فلسطين، أو تعني فقط أجزاء معيَّنة من هذه المنطقة؟ بل العدو الإسرائيلي بكل أطماعه وأحقاده يريد هذه المنطقة، حتى الثروات الكبرى، التي هي في دول كدول الخليج، هي مطمع للعدو الإسرائيلي، هو طامعٌ فيها، كل ثروات هذه الأُمَّة، كل أوطانها، وهو عدوٌ لكل مقدَّساتها، هو عدو لمكَّة والمدينة بقدر عداوته وخطورته للمسجد الأقصى، وأكثر من ذلك، وأكثر من ذلك؛ لأنه يدرك أنها في مرتبة أعلى من حيث القدسية والأهمية الدينية لهذه الأُمَّة.
ولذلك العدو الإسرائيلي صريح، يصدر مواقف واضحة تجاه مصر، تجاه الأردن، تجاه العراق، اعتدى على الجمهورية الإسلامية في إيران، اعتدى على قطر، والاعتداء على قطر درس لكل بلدان هذه الأُمَّة، وفي المقدِّمة: دول الخليج؛ لأنه لم يراعِ كل الاعتبارات التي يركنون عليها، يعتمدون عليها، يرون فيها أنها تشكِّل حمايةً لهم، كثير من البلدان العربية يرى في أنَّه إذا أصبح في بلده قاعدة أمريكية، علاقته بأمريكا قوية، يقدِّم المال لأمريكا، علاقاته مع دول الغرب (الدول الأوروبية وغيرها) قوية، لديه مصالح اقتصادية مع بلدان أوروبية وغربية، لديه توجُّهات سياسية متوافقة تماماً مع تلك البلدان، أنَّ هذا قد يمثِّل حمايةً له؛ عندما تكون المسألة مسألة الأطماع الإسرائيلية، والمخطط الصهيوني، فكل شيء من هذه الأمور لا اعتبار له، لا قيمة له، لا أهمية له.
ولذلك ماذا كان الموقف الإسرائيلي؟ وماذا كان معه أيضاً الموقف الأمريكي ما بعد القمة الإسلامية العربية في قطر؟ الإصرار على معادلة الاستباحة، وتوسيع دائرتها في هذه الأُمَّة، الإسرائيلي أكَّد من (نتنياهو) وغير (نتنياهو)، من الجيش الإسرائيلي وغيره، أنَّ الإسرائيلي سيضرب في أي زمان ومكان، يعني: استباحة لكل هذه الأُمَّة، ولم يقدِّم استثناءات، ولم يقدِّم استثناءات، لا لدول في الخليج، ولا أي دولة عربية، لم يقدِّم لها استثناءات أبداً؛ لأنه يريد فعلاً أن يفرض هذه المعادلة: معادلة الاستباحة لكل هذه الأُمَّة.
حتى ما يقال الآن في سوريا، أنَّ هناك عمل لإنجاز اتِّفاق أمني، بمسمى أمني؛ لن يحمي سوريا أبداً، لن يحمي سوريا أبداً، لو كان هناك ما كان من الاتِّفاقيات، انظروا:
- السلطة الفلسطينية، هل حمتها الاتِّفاقيات في الضفة الغربية؟! العدو الإسرائيلي يعلن هذه الأيام عن المزيد من الضم، يعمل على المزيد من المصادرة للأراضي في الضفة الغربية، يضطهد الشعب الفلسطيني بأقسى أشكال الاضطهاد، من تهجير، من تدمير، من اعتداءات بكل أشكالها، ومع ذلك لم يعطِ أي قيمة لا لاتِّفاقات سياسية، ولا اتِّفاقات أمنية… ولا غيرها من العناوين في الاتِّفاقيات التي مع السلطة الفلسطينية.
- لم يحترم الاتِّفاق مع الدولة اللبنانية، اعتداءاته مكثَّفة على لبنان، مع أنها اتِّفاقات كان عليها ضمانة أمريكية.
- لم يحترم اتِّفاقه السابق في قطاع غزَّة، وكان بضمانة أمريكية، وضمانة قطرية ومصرية.
لا يحترم أي اتفاقات أبداً؛ سيستمر في توغلاته، سيستمر في انتهاكاته، سيستمر في تعزيز سيطرته على جنوب سوريا، سيستمر في [ممر داوود] بهدف الوصول إلى نهر الفرات، سيستمر في محاولة استمالة الأقليات، مستفيداً من السياسات العمياء للجماعات المسيطرة على سوريا، التي تضطهد الأقليات؛ لتدفع بها إلى الحضن الإسرائيلي… وهكذا، لن يتغيَّر شيء، لن يحمي هذه الأُمَّة، وشعوب هذه الأُمَّة، وأنظمة هذه الأُمَّة، وبلدان هذه الأُمَّة، إلَّا الوقفة العملية الجادة ضد العدو الإسرائيلي في خطوات عملية.
العدو الإسرائيلي كيف لا يطمع في أن يستمر في سياساته العدوانية، ونهجه العدواني، وهو:
- من جهة يحظى بالدعم الأمريكي المفتوح والمطلق:
الآن تم الإعلان أمريكياً عن صفقة أسلحة كبيرة جدًّا للعدو الإسرائيلي، بما يعادل خمسة مليار دولار، هذه الصفقة لماذا؟ معناه: للاستمرار في العدوان، للاستمرار في الحرب، للاستمرار في تدمير غزَّة، وأي عمليات أخرى تستهدف أي بلد من هذه البلدان.
نفس هذا الموقف الأمريكي في الضخ بالمزيد والمزيد من شحنات الأسلحة، هو دليل على التوجه الأمريكي نفسه، أنه توجه في استمرار العدوان، في استمرار الإجرام.
أضف إلى ذلك: مع الدعم الأمريكي المفتوح مالياً، بالسلاح، بالتخطيط، بالاستطلاع الحربي… بكل أشكال المشاركة مع الإسرائيلي، والدعم السياسي، وإلغاء أي قرار في مجلس الأمن لوقف العدوان الإسرائيلي على الأطفال والنساء في غزَّة، على الشعب الفلسطيني، أي مساعٍ لوقف الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، يتَّخذ الفيتو عليها، أي مساعٍ دولية يعيقها.
- يقابل ذلك في الواقع العربي تخاذل تام، وانعدام لأي موقف عملي:
حتى عندما يقولون: [أنهم يسعون إلى اعتراف بعض البلدان الأوروبية بالدولة الفلسطينية]، وفق تلك الرؤية، التي تعني دولة شكلية، ليس لها حقوق متكاملة، وعلى جزء بسيط جدًّا من فلسطين، جزء لا يساوي خُمس فلسطين، حتى هذه الخطوة الشكلية جدًّا، التي تبقى مجرَّد موقف إعلامي، يُعلَن عنه، ويُعبَّر عنه في منتديات، أو مواقف، أو مجالس، لن يكون لها أثر فعلي في منع العدو الإسرائيلي من الاستمرار في جرائمه، لماذا؟ لأن العرب لم يصلوا بعد إلى مستوى أبسط موقف فعلي وهو المقاطعة، المقاطعة للعدو الإسرائيلي: أن يوقفوا تعاونهم معه على المستوى الاقتصادي، تعاونهم معه على المستوى العسكري في المعلومات الاستخباراتية، هناك بعض الأنظمة الخليجية، وبعض البلدان العربية متعاونة مع العدو الإسرائيلي استخباراتياً، متعاونة معه ضد كلِّ أحرار هذه الأُمَّة، متعاونة معه ضد المجاهدين في قطاع غزَّة، ضد جبهة اليمن، ضد حزب الله والمقاومة في لبنان، تتعاون معه في مؤامراته على أبناء هذه الأُمَّة، الذين يقفون وقفة صادقة جادة، ويقدِّمون كل التضحيات، بأعلى مستويات التضحية في مواجهتهم لذلك العدو، الذي وعدوٌ للأُمَّة بكلها.
عندما تقف بلدان من أغنى ومن أقوى هذه البلدان العربية مع العدو الإسرائيلي:
- تتعاون معه مالياً.
- تتعاون معه اقتصادياً.
- تتعاون معه استخباراتياً.
- تعادي معه الجبهات التي تقف بوجهه.
- تتبنى بصراحة مسألة نزع سلاح المجاهدين في غزَّة، نزع سلاح المجاهدين في لبنان.
- تتبنَّى نفس العناوين الإسرائيلية ضد جبهة اليمن.
- تتحرَّك مع العدو الإسرائيلي في تقديم الدعم المادي والمخابراتي وأشكال أخرى من الدعم ضد جبهة اليمن.
- تتعاون مع العدو الإسرائيلي لأي استهداف ضد الجمهورية الإسلامية في إيران.
كيف لا يتشجَّع على الاستمرار وهم يعينونه فيما يشكِّل خطراً عليهم هم في الأخير؟!
لو أنَّ العدو الإسرائيلي تخلَّص من هذه الجبهات، والله لاتَّجه لاستهداف الآخرين، وهم مهيأون للهزيمة الكاملة، والانهيار التام:
- ليسوا في مستوى أن يتَّخذوا موقفاً جادّاً، هم لا يتَّخذون الآن أي موقف جاد، ما بالك في ظروف مختلفة تماماً.
- سلاحهم، عتادهم، تجهيزاتهم العسكرية، خاضعة للأمر الأمريكي، والسيطرة الأمريكية، والقرار الأمريكي، ولن يأذن لهم الأمريكي باستخدام أي شيءٍ منها ضد إسرائيل، بل مشروط، مشروط عليهم حتى أثناء شرائهم لها: ألَّا يستخدموها إلَّا بالإذن الأمريكي، وحيث تريد أمريكا.
- أوضاعهم الداخلية الشعبية، ليست في اتِّجاه بناء منعة في مواجهة العدو الإسرائيلي؛ تعبئة عدائية ضد من يعادي إسرائيل، وتدجين لإسرائيل وأمريكا.
ليس لديهم أي مقومات، ولا يسعون لذلك فيما يحميهم من العدو الإسرائيلي، بالأقل كان عليهم أن يستفيدوا من هذه الجبهات، التي هي في موقف واضح، وصراع واضح، وتوجُّه صادق لمواجهة العدو الإسرائيلي، ألَّا يتآمروا عليها، ألَّا يستهدفوها: لا اقتصادياً، ولا استخباراتياً، ولا عسكرياً… ولا بأي شكلٍ من الأشكال؛ لكن أن يقدِّموا خطوات شكلية مع الفلسطيني: قمم، مؤتمرات، بعض الإعلانات السياسية، وأن يستمروا في تقديم مليارات الدولارات للعدو الإسرائيلي، في التعاون الاقتصادي بشكلٍ مستمرٍ معه، في التعاون ضد من يواجهه بأشكال عدائية…إلخ. هذا خطر عليهم، ولن يفيدهم بشيء.
المصلحة الحقيقية لكل المسلمين وللعرب جميعاً، هي: في توجيه الموقف والجهود المنسَّقة ضد العدو الإسرائيلي؛ أمَّا التعاون مع العدو الإسرائيلي فلن يجدي أحداً شيئاً، التخاذل لن يحمي أحداً، بعض الخطوات الشكلية المحدودة لن توفر الحماية للشعب الفلسطيني، طالما وهناك استمرار.
الموقف العربي الآن على المستوى الرسمي لكثيرٍ من الأنظمة العربية لم يصل إلى مستوى كولومبيا، ولا مستوى إسبانيا، ولا مستوى فنزويلا، ولا مستوى بلدان هنا وهناك، جنوب أفريقيا وغيرها ممن قاطعوا إسرائيل، ممن لديهم مواقف أرقى من مواقف بعض الأنظمة العربية.
ما يفيد كل شعوبنا، وكل أُمَّتنا، هو: الاهتداء بالقرآن الكريم، الثقة بالله، الثقة بهديه، {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}[الإسراء:9]، انظروا ما يقوله القرآن عن أعدائكم، عن السبيل الصحيح، والموقف الصحيح، والاتِّجاه الصحيح للموقف من ذلك العدو: الجهاد في سبيل الله، التَّحَرُّك الذي عليه شعبنا، وهو ثابتٌ في تحرُّكه ضد العدو الإسرائيلي.
لذلك نحن نؤكِّد استعدادنا التام للتنسيق مع كل أبناء أُمَّتنا في إطار هذا التوجه القرآني، المنطقي، الفطري، الصحيح، فيما يخدم هذه الأُمَّة، ويزيدها منعةً ضد الخطر الإسرائيلي الصهيوني، والمخطط الصهيوني، الذي هو مخططٌ يستهدفها جميعاً، اسمعوا لـ (نتنياهو) يقول: [الشرق الأوسط]، [الشرق الأوسط]، [الشرق الأوسط]، [إسرائيل الكبرى]، هذا يعني: الاستهداف للجميع دون استثناء.
شعبنا ثابتٌ على موقفه، مسارنا الثوري- إن شاء الله- مستمرٌ في العمل على تصحيح الوضع الرسمي، إصلاحه، السعي للنهضة الاقتصادية، مواجهة الأعداء، بالرغم من الظروف الصعبة:
- إرث لخلل رهيب جدًّا متراكم على مدى عقود من الزمن: نُهِبَت فيه ثروات هذا البلد، أكثر من (خمسمائة مليار دولار) ضاعت على هذا الشعب من ثرواته النفطية، دون أن تبني له بنية اقتصادية على مدى أكثر من ثلاثين عاماً، ومع ذلك أيضاً كل ما هناك من فرص اقتصادية، كل ما هناك من إمكانات، في ظل ظروف مهيأة آنذاك بشكلٍ تام: لا حصار، لا هجمة عسكرية على البلد… ولا أي شيء، اختلال كبير في البنية التنظيمية للدولة، في قوانينها… في كل شيء، بُنِيَت معظم الأمور على خلل رهيب جدًّا، وفق اعتبارات فئوية، وحزبية، ومصالح شخصية، من الواضح أنَّ الذين كانوا يسيطرون على الوضع في البلد آنذاك، كانوا يحسبون حساب مصالحهم الشخصية، أصبح لهم شركات، أصبحت لهم إمكانات ضخمة، في تقرير لمجلس الأمن نفسه، يتبع مجلس الأمن، يتبع الأمم المتَّحدة، يتحدث عن ستين مليار، وأكثر من ستين مليار حصة شخص واحد- هذا مما بقي في العروق بعد الذبح- ممن سيطروا على مقاليد الأمور في هذا البلد لعصر طويل، ما بالك بمجموع ما نهب، مجموع ما أخذ، ما حرم منه هذا الشعب.
- وحصار مطبق، وحرب كبرى: نحن في حرب ومواجهة مع أمريكا، مواجهة مع إسرائيل، مواجهة مع أعوانهم، ظروف ضاغطة، حرب اقتصادية، ظروف استثنائية.
لكن شعبنا بتوفيق الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، هو شعبٌ عظيمٌ بأصالته الإيمانية، ثابتٌ، شعبٌ يمتلك الوعي، يمتلك البصيرة القرآنية، يمتلك القيم الإيمانية، يعتمد على الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، واثقٌ بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وبهذا سيتجاوز كل الصعوبات، كل التَّحدِّيات؛ بثقته بالله، باعتماده على الله، بتوكُّله على الله، والله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هو نعم المولى ونعم المصير، لن يخذل شعباً مؤمناً توكَّل عليه، اعتمد عليه، اتَّبع نهجه، خضع له، وتحرر من كل طواغيت الأرض، الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هو نعم المولى ونعم النصير، كفى بالله ولياً، وكفى بالله نصيراً.
بتوفيق الله، بمعونة الله، بنصره “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، بالتَّوكُّل عليه؛ سيتجاوز شعبنا كل العوائق، كل التَّحدِّيات، كل الصعوبات، وسيجني الثمرة الكبرى لهذه الثورة التَّحَرُّرِيَّة العظيمة، في بناء حضارةٍ رائدة، قائمة على أساسٍ من هويته الإيمانية، وانتمائه الإيماني، ويبني على واقعٍ صلب.
هذه التَّحدِّيات تساعد شعبنا العزيز أن يحوِّلها إلى فرص، وأن يبني بنيةً قوية، بنية متماسكة، بنية ثابتة؛ ليتحوَّل إلى:
- بلد يمتلك اقتصاداً مقاوماً، إنتاجاً محلياً، زراعةً قوية، يتحوَّل إلى بلد منتج في الوضع الاقتصادي.
- قوي عسكرياً.
- قويٌ في تماسكه الاجتماعي، في تعزيز أواصره، أواصر الروابط الإيمانية العظيمة، التي تجعل منه شعباً موحداً، متعاوناً، متآلفاً، ينبذ كل ما يقدِّمه الأعداء من محاولاتهم للتفرقة، من عناوين ونعرات طائفية، عنصرية، مناطقية… وغير ذلك.
- شعب متماسك بوحدته الإيمانية، بثباته على الحق، باعتصامه بحبل الله جميعاً، بوعيه، بانتمائه الإيماني الراسخ.
- شعب يمتلك العِزَّة الإيمانية، والكرامة الإنسانية، ثابتٌ في مواقفه العظيمة، ثابتٌ في نصرته للشعب الفلسطيني، في مواجهة مشروع المخطط الصهيوني، الذي هو للاستباحة لهذه الأُمَّة، الذي هو لطمس هوية هذه الأُمَّة، الذي هو لدمار هذه الأُمَّة في دينها ودنياها، وحاضرها ومستقبلها.
يعي شعبنا أهمية الموقف الذي هو فيه، عظمته، أنَّه موقف يستحق أن نضحي فيه في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِين.
نَسْألُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيه عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء، وَأَنْ يُعَجِّلَ بِالفَرَجِ وَالنَّصْرِ لِلشَّعْبِ الفِلَسْطِينِيِّ العَزِيز، وَمُجَاهِدِيهِ الأَعِزَّاء.
وَالسَّـــــلَامُ عَلَـيْكُـــمْ وَرَحْـمَـــــةُ اللَّهِ وَبَــرَكَاتـــُهُ؛؛؛
كلمة السيد القائد عبد الملك بدرالدين الحوثي"حفظه الله" بمناسبة العيد الوطني لثورة الـ21 من سبتمبر المجيدة 29 ربيع الأول 1447هـ الموافق 21 سبتمبر 2025م#سيد_القول_والفعل#ثورة_21سبتمبر pic.twitter.com/dfCsH2mTGB
— مؤسسة الشهيد زيد علي مصلح (@zaidmuslih) September 21, 2025
أقرا أيضا
خطاب السيد عبد الملك الحوثي عشية الذكرى الثالثة لثورة 21 سبتمبر وذكرى الهجرة النبوية..2017م
خطاب السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي بمناسبة الذكرى السادسة لثورة 21 من سبتمبر – 2020م
خطاب السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي بمناسبة الذكرى السابعة لثورة 21سبتمبر 2021م
خطاب السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي بمناسبة الذكرى الثامنة لـ ثورة 21 سبتمبر –2022 م
خطاب السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي بمناسبة الذكرى التاسعة لثورة 21 سبتمبر – 2023 م
خطاب السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي بمناسبة الذكرى العاشرة لثورة 21 سبتمبر 2024م