خطورة الوجود الإسرائيلي في المنطقة العربية…بقلم/إيراهيم الديلمي

 

ليس بخاف على أحد مدى القلق الذي يستشعره كيان العدو الصهيوني على وجوده من الزوال في قلب الوطن العربي أي بين ما يقارب الـ 359  مليون عربي، يؤمن أغلبيتهم بأحقيتهم المطلقة في أرض فلسطين وفي القدس وهو الأمر الذي خلق في نفسية هذا الكيان الغاصب خوفا دائما من احتمالية قيام هذه الشعوب بإزالته ذات يوم ولو بنسبة 1%، فهو وإن كان اليوم موجودا على أرض الواقع إلا أنه على قناعة تامة بأن وجوده هذا سيظل وجودا غير شرعي كونه ليس سوى محتلا وغاصبا وهذه هي الحقيقة التي بنا عليها هذا الخوف الدائم.
لذا فإن مصلحة هذا الكيان الغاصب وضمان استمراريته كدولة وشعب على الأرض العربية في فلسطين تقتضيان منه العمل على قاعدة “فرق تسد” انطلاقا من أن اتحاد الفلسطينيين أو العرب ليس في صالحه، وهو في سبيل استمرارية وجوده عمل ومازال يعمل إلى يومنا هذا على الكثير من المخططات والمؤامرات القذرة التي هدف من خلالها إلى إضعاف الأنظمة والشعوب العربية معنويا وعسكريا واجتماعيا واقتصاديا عبر إفسادها أو تقسيمها وشرذمتها إلى كيانات متناحرة تحت عناوين كاذبة وخادعة لم تظهر في البلدان العربية إلا بعد تجذر هذا الكيان الشيطاني الخبيث في الجسد العربي الواحد.
يقول الصهيوني أوسكار ليفي: “نحن لسنا إلا مفسدي العالم ومدمِّريه وجلاَّديه ومحرِّكي الفتن فيه”.
هذه المقولة نراها تتجسد اليوم في المنطقة العربية إلى واقع مر فرضته الصراعات والفتن والفوضى والاضطرابات التي زرعتها إسرائيل عبر أدواتها وعملائها في العديد من البلدان العربية ذات البعد الحضاري والقومي العميق معتمدة في ذلك على عدة عوامل منها:
استقطاب الأنظمة العربية: التي بالسيطرة عليها يمكن السيطرة سياسيا على الشعوب والجيوش وتوجيهها في الاتجاه الذي يخدم أهداف الصهيونية وتأتي السيطرة على الأنظمة العربية من رغبة حكام الأنظمة العربية في البقاء على رأس السلطة وقناعتهم بأن استمرارهم في الحكم هم ومن يعقبهم من أولادهم لن يتم إلا برضا وحماية أمريكا والتبعية لها في مقابل تبعيتهم المطلقة طبقا لقاعدة طاعة العبد للسيد، لذا فإن رغبتهم في البقاء حكاما للأبد توجب عليهم طاعة أمريكا والحذر من إثارة غضبها والقبول بكل ما تمليه عليهم من أوامر وإملاءات خدمة لإسرائيل وترسيخ وجودها كأمر واقع وهو ما تجلى بوضوح في التقارب السعودي الإماراتي البحريني المكشوف مع إسرائيل الذي كشفت عنه تصريحات وزير الخارجية البحريني وولي العهد السعودي ولقاءات الأخير السرية برئيس حكومة ورموز الكيان الإسرائيلي، ما يعني عزم تلك الأنظمة على القيام بالتطبيع العلني لإسرائيل وما سبق ذلك من التشكيك في حركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية واعتبارها منظمات إرهابية، بالتزامن مع التأكيد على حق اليهود في فلسطين كوطن قومي ناهيك عن تأييد ومشاركة إسرائيل العسكرية لتلك الأنظمة في حروبها العبثية سواء في اليمن أو في سوريا، وقبولها الضمني بقرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس وبوادر قيامها بالتصديق على صفقة القرن في القريب العاجل.
1-  إفساد الشعوب العربية: وهذا الهدف لن يتحقق إلا بالسيطرة الكاملة على وسائل الإعلام وتوجيهها في الاتجاه الذي يضمن تحقيق الأهداف الإسرائيلية في إلهاء ومسخ الشعوب العربية فكريا وأخلاقيا وتحويلها إلى كائنات هامشية استسلامية ضعيفة لاهدف ولا قضية ولا كرامة ولاقيمة لها ولوجودها، شعوب لا تفكر كيف تنهض وتنتج وإنما تفكر في كيف تعيش وتستهلك وكيف تشبع رغباتها وشهواتها، ولعل تلك الوسائل باتت هي الأخطر والأشد فتكا وتأثيرا في عالمنا اليوم، حيث باتت تعمل على مدار الساعة وبشكل واضح ومكشوف على تنفيذ هذه العملية الإفسادية سواء عن طريق قنوات التلفزة أو مواقع التواصل الاجتماعي.
ولعل نجاح هذه العملية الإفسادية يعتمد بالدرجة الأولى على القيام بمحو الهوية القرآنية والإيمانية والإسلامية للشعوب العربية والإسلامية ونشر التفسيرات المغلوطة لها بما يساهم وبشكل كبير في تدمير وتشويه منظومة القيم والمبادئ والأخلاق الإسلامية السامية، وما يترافق مع ذلك من حملات التشكيك المتواصلة في تعاليم وأسس الدين الإسلامي الحنيف التي تدعو إلى السلام والخير والحب والتسامح بين مختلف الأديان والشعوب، وتقديمه للعالم على أنه دين إرهاب وقتل، وتقديم المسلمين على أنهم ليسوا سوى مجموعات متناحرة من المجرمين والقتلة، وصولا إلى خلق إما جماعات تكفيرية إرهابية متطرفة لاتمت إلى الإسلام بصلة تدار من غرف العمليات الإسرائيلية، جماعات مريضة تسيطر عليها الاختلافات والتناقضات وحالة رهيبة من البغض والحقد لبعضها البعض دون أن تأخذ إسرائيل ولو حيزا بسيطا من هذا العداء، وإما جماعات منحلة إلحادية فقدت أخلاقها وإيمانها وثقتها بالله وبقضاياها المصيرية وعلى رأسها قضيتها الأولى القدس وفلسطين.

2-  إذكاء جذوة الخلاف وحرف مسار العداء إلى عدو وهمي: يعتقد الكيان الصهيوني أن أمن وديمومة وجود إسرائيل في المنطقة العربية لن يتحققا إلا بتحقق أمرين:
الأول: تقسيم الشعوب العربية أو بعبارة أخرى تقسيم المقسم إلى كيانات ودول صغيرة متناحرة إما على أسس مناطقية أو مذهبية أو طائفية أو عرقية وهو ما سعى ويسعى هذا الكيان الخبيث إلى تنفيذه اليوم في اليمن ولبنان والعراق وسوريا عبر أدواته في تلك الدول المتمثلة في المقام الأول في التنظيمات التكفيرية كداعش والنصرة والقاعدة التي تديرها إسرائيل وتتلقى دعمها من الخزينة السعودية والخليجية.
الثاني: حرف مسار العداء من إسرائيل إلى إيران: وهذا الأمر هو الأخطر وما باتت تعمل عليه اليوم أدوات أمريكا وإسرائيل منذ قيام الثورة الإيرانية وحتى اليوم، وتكمن تلك الخطورة في فتاوى مشايخ الوهابية والبلاط السعودي الداعية إلى وجوب العداء لإيران كونها حسب زعمهم تدين بالمذهب الشيعي وتمثل خطرا مجوسيا داهما على الأمة وأشد فتكا من خطر إسرائيل، ولا عجب في أن تلك الفتاوى قد أثرت بشكل سلبي على وعي شريحة كبيرة من العرب نتيجة اتساع فجوة الجهل واللاوعي بالقضايا المصيرية للإنسان العربي، وكونها صادرة من رجال دين أحاطهم النظام السعودي بقداسة خادعة، مع أن الواضح أنها جاءت بحسب المزاج والهوى الخاص للملك السعودي فهي خاضعة لإرادته النابعة من إرادة الإدارة الأمريكية والإسرائيلية وليست خاضعة لشريعة الله، وقد تم توظيفها لخدمة ديمومة النظام فقط وليس لخدمة الدين، وبغية تضليل وخداع الناس لا إرشادهم، بدليل أن هؤلاء المشايخ يحرمون الخروج على ولي الأمر في السعودية ويحللونه في سوريا، يدعون إلى نصرة أهل السنة وهم يقاطعون شعب السنة في قطر ويجرمون حركة حماس السنية، حرموا الغناء ثم جعلوه حلالا شريطة عدم التمايل والرقص، كل ما كان عندهم في السابق حراما أصبح اليوم حلالا، وهذا عبث وتسييس خطير للدين أدى إلى جملة من النتائج الكارثية من أبرزها:
–  تفكيك المجتمعات بعد تثبيت حالة الصراع في البلدان التي نجح العدو في اختراقها وهي الحالة التي غالبا ما يصعب حلها وقد تستمر لعشرات السنين كما حدث في لبنان في بداية السبعينيات وحدث في العراق في الماضي القريب ويحدث اليوم في اليمن وسوريا وليبيا.
–  تدمير الجيوش وتشتيت الثروة ومصادرها وترسيخ حالة الضياع والتشرذم والبغض للآخر انتهاءً إلى طمس ومسح وإلغاء الهوية الوطنية التي كانت هي البوتقة الجامعة للأديان والمذاهب والطوائف والمناطق في إطار جغرافي واحد تحول بين ليلة وضحاها إلى عدة إطارات جغرافية.

قد يعجبك ايضا