رئيس تحرير مجلة “لويدز ليست” البحرية :القوات اليمنية باتت تفرض حضورًا لا يمكن إنكاره ولا توجد قوة بحرية قادرة على مواجهتها

لا توجد قوة بحرية قادرة على مواجهة تكتيك الحوثيين وزوارق اليمن قادرة على إغراق حتى أقوى السفن الأمنية

قال رئيس تحرير مجلة “لويدز ليست” المتخصصة بأخبار الشحن البحري الصحفي  ريتشارد ميد، إن القوات اليمنية باتت تفرض حضورًا لا يمكن إنكاره في البحر الأحمر، وإن قدراتها لم تعد مجرد استهداف عشوائي بل تخطيط عسكري ممنهج يُظهر تحولًا تكتيكيًا يجب أن يثير القلق الحقيقي في غرف عمليات التحالفات البحرية.

وفي عدد يوم الأربعاء من النشرة اليومية للمجلة ، أقر ميد أن الهجوم على السفن “ماجيك سيز” و”إيتيرنيتي سي” في وقت سابق من هذا الشهر لم يكن عملاً عابرًا بل مثّل بداية مرحلة جديدة من المواجهة البحرية، حيث أُغرقت السفينتان بعد هجمات دقيقة استخدمت فيها زوارق صغيرة متعددة، مما يعكس تطورًا نوعيًا في تكتيكات القوات البحرية اليمنية.

وأكد ميد أن ظهور 11 فردًا من طاقم السفينة “إيتيرنيتي سي” على قيد الحياة في فيديو نشره الإعلام الحربي اليمني كان حدثًا صادمًا للصناعة البحرية، لكنه اعترف بأن هذا الظهور يُظهر أن صنعاء لا تكتفي بالرد العسكري، بل تمارس ضغطًا إعلاميًا ذكيًا ضمن استراتيجية متكاملة، حيث تُستخدم الرسائل المرئية لتأكيد قدرتها على التحكم في مسرح العمليات وتوجيه رسائل للعالم مفادها أن البحر لم يعد مُتاحًا لمن يتجاهل القضية الفلسطينية أو يدعم الكيان الإسرائيلي.

ورغم محاولات ميد في مقاله وصف تلك المشاهد بأنها “دعاية”، إلا أنه لم يُخفِ قلقه من تغير قواعد الاشتباك في البحر الأحمر، مؤكدًا أن القوات اليمنية تدرك تمامًا هشاشة الوجود البحري الغربي في بعض مناطق المضيق، وأنه لم تكن هناك أي قوة تدخلت لإنقاذ الطاقم حينما كان في عرض البحر. وبيّن أن بعض السفن تمر دون أي حماية فعلية، في وقت أصبح فيه تأمين السفينة الواحدة يُكلّف أقل من 1000 دولار فقط، ما يجعلها أهدافًا سهلة في ظل انتشار الزوارق اليمنية الجاهزة والمزودة بمعلومات استخباراتية دقيقة.

وتحدث رئيس تحرير المجلة عن متابعة الفرق الأمنية الدولية، حيث أكدت أن نشاط القوات اليمنية في جنوب البحر الأحمر “مُسعور”، في وصف يحمل اعترافًا ضمنيًا بتوسّع الانتشار العملياتي لصنعاء، وبأنهم في مرحلة مطاردة للأهداف وليس انتظارها، وأن هذه الديناميكية تُنبئ بالمزيد من المشاهد التي ستظهر فيها طواقم سفن محتجزة أو سفن مُغرقة ضمن سلسلة ممتدة من العمليات المستمرة منذ 616 يومًا على الأقل، في واحدة من أطول حملات الضغط البحري غير النظامية التي عرفها العالم الحديث.

وأضاف ميد أن إحدى السفن التي سبق أن استُهدفت كانت تستعد للعبور مجددًا حتى مساء الثلاثاء، ما يعني أن الجماعات المالكة لم تتعلم الدرس، وأن العمليات اليمنية تُعيد تعريف ما يُعرف بالردع البحري في المعادلات العسكرية. وأشار إلى أن التصريحات اليمنية الأخيرة، والتي تؤكد أن الاستهداف سيطال أي سفينة تتعامل تجاريًا مع الكيان الإسرائيلي “بغض النظر عن جنسيتها”، لم تكن مجرد تغيير في الصياغة بل تعبير عن اتساع بنك الأهداف ووضوح نية التصعيد السياسي والعملياتي.

ويختم ريتشارد ميد مقاله بالإقرار بأن هذه التطورات قد تمثل مجرد بداية لموجة جديدة من التسجيلات المصورة التي تُظهر بحّارة محتجزين، في ظل انعدام الردع الفعلي، وانسحاب معظم السفن الغربية من خطوط الاشتباك البحرية، ما يُبقي البحر الأحمر ساحة مفتوحة لمعادلة جديدة تُديرها صنعاء بثقة وحسابات دقيقة، وسط عجز دولي متزايد عن احتواء الأزمة أو فرض مسار ردع حقيقي.

قلق بريطاني من مرحلة رعب جديدة في البحر الأحمر

وارتفع منسوب التحذيرات في أوساط الشحن العالمي، مع تحذيرات من دخول الملاحة الدولية مرحلة “رعب بحري جديد”، على خلفية إعلان  (أنصار الله) توسيع نطاق استهدافهم ليشمل أي سفينة تابعة لشركات مرتبطة بإسرائيل، حتى وإن لم تكن وجهتها الموانئ الإسرائيلية.

وكانت المجلة  نفسها قد نشرت الثلاثاء تقرير تناول إعلان القوات المسلحة اليمنية بدء تنفيذ المرحلة الرابعة من الحصار البحري ضد الكيان الإسرائيلي  أكدت فيه أن دخول هذه المرحلة  تنذر بانهيار الثقة في واحد من أهم الممرات الملاحية الدولية، واصفة الخطوة بأنها تصعيد نوعي يرعب قطاع الشحن.

وأورد التقرير تصريحاً لـ”مارتن كيلي”، رئيس قسم الاستشارات في شركة EOS Risk، قال فيه إن انصار الله بدأوا فعلياً تنفيذ تهديداتهم، مستشهداً بحادثة استهداف ناقلة النفط “ماجيك سيز” كدليل واضح على الجدية.

وفي السياق ذاته، شدد “ديرك سيبيلز”، المحلل في شركة Risk Intelligence، على ضرورة عدم التهاون مع هذه التهديدات، محذراً من أن السفن التي تتجاهلها قد تواجه مصيراً مشابهاً لـ”ماجيك سيز” و”إنفينيتي سي”، واللتين تعرضتا لهجمات مباشرة وأغرقتا بعد مخالفة الحصار البحري.

ويعكس هذا التطور، بحسب المجلة، تحولاً كبيراً في الاستراتيجية البحرية (أنصار الله)، وسط فشل واضح للمجتمع الدولي في احتواء الأزمة، ما يهدد بشلل جزئي أو كامل لخطوط الشحن في البحر الأحمر، ويفتح الباب أمام تداعيات اقتصادية وجيوسياسية عالمية.

 

وفي نفس السياق قالت منصة Seatrade Maritime المتخصصة في الشؤون البحرية إن شركة الشحن العالمية “كوزموشيب” عبّرت عن “ارتياحٍ عميق” بعد أن بثّت القوات البحرية اليمنية مقطع فيديو يُظهر عشرة من أفراد طاقم سفينة الشحن “إيترنيتي سي” على قيد الحياة، مؤكدين أنهم يتلقون الرعاية

. الفيديو الذي نُشر يوم الإثنين تضمّن مشاهد مباشرة للحظة إنقاذ الطاقم من البحر، بالإضافة إلى مقابلات مع بعض البحّارة وهم يتحدثون إلى عائلاتهم عبر الهاتف، في خطوة وُصفت بأنها “تقدّم إنساني كبير” من جانب صنعاء، وسط صمت دولي وتغطية باهتة للحقيقة في وسائل الإعلام الغربية.

السفينة “إيترنيتي سي”، المملوكة لشركة يونانية وتديرها “كوزموشيب”، كانت قد تعرّضت لهجوم في 7 يوليو/تموز أثناء إبحارها في البحر الأحمر، في عملية نوعية نفذتها القوات البحرية اليمنية باستخدام ستة صواريخ باليستية وكروز، بالإضافة إلى زوارق بحرية مسيّرة، ما أدى إلى تعطل السفينة بالكامل. وبعد تجدد الهجوم في اليوم التالي، حاصرتها زوارق صغيرة وغرقت نهائيًا في 9 يوليو، ما أدى إلى مقتل أربعة من أفراد الطاقم، في حين قفز باقي البحّارة إلى البحر بعد تدمير قوارب النجاة، وتم إنقاذ ثمانية منهم لاحقًا ونقلهم إلى السعودية.

طوال الأسابيع التالية، ظلّ مصير عشرة بحارة وحارس أمن مجهولًا، وسط صمت رسمي من الشركة وتعتيم إعلامي دولي، إلى أن نشرت القوات البحرية اليمنية المقطع الجديد الذي يعرض صورًا لهؤلاء الأفراد، ويُظهرهم أحياء، ومن بينهم: أربعة من أفراد الطاقم، ضابط ثالث، مهندس مساعد، مهندس كهربائي، مهندس ميكانيكي، طباخ، بالإضافة إلى حارس أمني. وقد عبّرت شركة “كوزموشيب” عن امتنانها العميق لهذا التطور، قائلة في بيان رسمي: “يشكّل هذا التأكيد مصدر راحة كبيرة لنا جميعًا، خاصة للعائلات التي كانت تعيش في قلق بالغ”، مضيفة أن أولوية الشركة القصوى هي ضمان سلامة هؤلاء الأفراد، والعمل على إعادتهم إلى عائلاتهم في أقرب وقت ممكن.

وبحسب المنصة فان الفيديو المنشور من قبل اليمنيين لم يكن فقط تأكيدًا إنسانيًا، بل جاء أيضًا في توقيت استراتيجي، حيث سبقته تصريحات مباشرة من صنعاء تؤكد أن استهداف السفن المرتبطة بإسرائيل سيستمر، سواء كانت مملوكة لشركات تسيّر رحلات إلى الموانئ الإسرائيلية أو تدير سفنًا كانت قد زارت موانئ الكيان خلال الأشهر الماضية.

وقد اتهمت البحرية اليمنية السفينة “كوزموشيب HSL Nike” بأنها أجرت أربع رحلات بحرية إلى موانئ إسرائيلية خلال مارس، أبريل، يونيو ويوليو 2025، كما قالت إن السفينة “Faith” قامت برحلتين مشابهتين بين الموانئ التركية والمصرية نحو إسرائيل، وهو ما يُعد، بحسب صنعاء، مبررًا كافيًا لإدراجها ضمن قائمة الأهداف البحرية المشروعة.

من جهتها، ذكّرت المنصة البحرية “سيتريد” بحادثة السفينة “Galaxy Leader” التي احتجزها الحوثيون في نوفمبر 2023، حيث ظلّ طاقمها محتجزًا في اليمن لمدة 14 شهرًا حتى توقيع وقف إطلاق نار مؤقت بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي في يناير من هذا العام، في إشارة إلى أن التحرك اليمني مرتبط بشكل مباشر ومعلن بدعم قضية فلسطين، وليس تحركًا معزولًا عن السياق الإقليمي.

يأتي كل ذلك في سياق تصاعدي تشهده منطقة البحر الأحمر، حيث تحوّلت العمليات البحرية اليمنية إلى عنصر حاسم في قلب مشهد الملاحة الدولية.

وأكدت صنعاء عبر بياناتها المتكررة أن أي شركة تتعامل مع كيان الاحتلال ستكون ضمن نطاق الاستهداف، سواءً رفعت علمًا إسرائيليًا أو زارت موانئ فلسطينية، أو حتى تعاملت مع شركات تربطها صلات بالكيان. كما أكدت أن هذا النهج العسكري لن يتوقف ما دامت المجازر تُرتكب في غزة، وما دام الحصار مفروضًا على الشعب الفلسطيني.

وبحسب المنصة نشرت القوات اليمنية على قنواتها مشاهد توثق لحظة الإنقاذ، بالإضافة إلى شهادات البحّارة الذين بدوا في حالة مستقرة، يتحدثون بهدوء إلى الكاميرا، في صورة تناقض الرواية الغربية التي طالما حاولت شيطنة القوات اليمنية ووصمها بالإرهاب. بل إن الفيديو عزز رواية صنعاء التي تؤكد أن عملياتها البحرية دقيقة، وتستهدف السفن وفق معلومات استخباراتية واضحة، مع الحرص على أرواح الطواقم البشرية، وهو ما برز بوضوح في حادثة “إيترنيتي سي”.

وتشير المعطيات إلى أن هذه العمليات البحرية باتت تؤثر بشكل ملموس على حركة الشحن العالمية، إذ اضطرت عشرات الشركات الكبرى إلى تغيير مساراتها، أو إيقاف رحلاتها مؤقتًا، في حين ارتفعت تكاليف التأمين على السفن العابرة لمضيق باب المندب وقناة السويس. ويؤكد محللون أن التحول في قواعد الاشتباك البحرية، بقيادة اليمن، فرض معادلة جديدة على الغرب، وأثبت أن التهديد الصاروخي والمسير قادر على فرض إرادة سياسية حتى على القوى العظمى.

إن نشر الفيديو، وفقًا لتقارير دولية، جاء كرسالة مزدوجة: رسالة إنسانية تؤكد التزام صنعاء بأخلاقيات الحرب، ورسالة استراتيجية مفادها أن البحر الأحمر لم يعد ممرًا آمنًا لمن يتواطأ مع الاحتلال، وأن الأيام القادمة قد تحمل مفاجآت أعظم في مسار الردع البحري اليمني.

قد يعجبك ايضا