عبدالرحمن العابد يكتب : منع مرور السفن المتجهة نحو إسرائيل قرار إنساني بحت.

 

منع مرور السفن المتجهة نحو إسرائيل قرار إنساني بحت.

الحقيقة / عبدالرحمن العابد 

بحسب البيان الصادر اليوم الاثنين عن القوات المسلحة اليمنية، فقد نفذت القوات البحرية اليمنية عملية عسكرية نوعية ضد سفينتين لهما ارتباط بالكيان الصهيوني الأولى سفينة “سوان اتلانتك” محملة بالنفط والأخرى سفينة “إم إس سي كلارا” تحمل حاويات وقد تم استهدافهما بطائرتين بحريتين.
رغم أهمية هذا الشق من الخبر بكل تأكيد، لكن سأقوم بإيضاح جانب آخر مهم ورد في البيان، المتمثل بالقول:
“إن القوات المسلحة اليمنية تجدد (طمأنتها) لكافة السفن المتجهة إلى كافة الموانئ حول العالم عدا الموانئ الإسرائيلية بأنه لن يصيبها أي ضرر وأن عليها الإبقاء على جهاز التعارف مفتوحاً”.
إذا بيان القوات المسلحة “يطمئن كافة السفن”، وهو الأمر الذي ينسجم مع التصريح الصادر عن رئيس الوفد الوطني المفاوض، محمد عبد السلام الذي قال فيه: “نؤكد أن البحر الأحمر “آمن”، ماعدا السفن المرتبطة بالعدو الإسرائيلي”.
فلماذا التركيز على هذه النقطة “بث الطمأنينة، والتأكيد على أن البحر الأحمر آمن”؟
لتفويت الفرصة على الأعداء الراغبين في تصوير ما يحدث في البحر الأحمر خطرا على التجارة والملاحة الدولية.
سيقول قائل، كيف تنسجم هذه التصريحات المطمئنة في وقت تتناقل وسائل الاعلام الدولية أنباء حول تعليق كبرى شركات الشحن البحري الأوروبية عبور سفن الحاويات التابعة لها في البحر الأحمر!!
الحقيقة أن تعليق عبور السفن من تلك الشركات ورائه هدف سياسي غربي، فهم يعلنون عبره عن تضامنهم مع إسرائيل ضمنياً، في حين كان بإمكانهم الإعلان عن تعليق الشحنات “المتجهة إلى إسرائيل” فقط، وتوجيهها عبر رأس الرجاء الصالح، فين حين تبقى سفن الحاويات المتجهة إلى باقي دول العالم لنفس الشركات في خط سيرها عبر البحر الأحمر كونه الطريق الأقصر والأقل تكلفة.
كما أنهم يهدفون إلى إعطاء المبررات للتحشيد العسكري الذي تلوح به أمريكا ضد اليمن، الناتج حسب زعمهم عن خطر الحوثي في البحر الأحمر.. وذلك تزييف للوقائع.
فأمريكا وعلى مدار عامين متتاليين كانت تقوم بالتحشيد وعمل مناورات بحرية في البحر الأحمر بقيادة أسطولها البحري الخامس وبمشاركة نحو 34 دولة بينها إسرائيل.. بمعنى أن الأمر معد له مسبقا والحاصل اليوم مجرد بحث عن مبررات لتنفيذ مخططاتهم المعدة سلفاً.
ليكُن بعلم الجميع، أن الاجراء الذي اتخذته بلادنا بمنع مرور السفن المتوجهة إلى دولة العدوان الاسرائيلي “حتى إدخال ما يحتاجه إخواننا الصامدون في قطاع غزة من غذاء ودواء” بحسب بيان القوات المسلحة، طلب مشروع جداً؛ بل إن أغلب حكومات ودول العالم وشعوبها ينادون بذات الطلب، بما في ذلك الدول المساندة لإسرائيل وفي مقدمتها أمريكا.
لكن، لو كانت أمريكا أو بريطانيا أو غيرها من دول العالم التي يصفونها “بالكبرى” هي التي اتخذت قرار إيقاف السفن المتجهة لإسرائيل حتى يتم إدخال الغذاء والدواء لقطاع غزة لما استنكره أحد، أو حتى لو اتخذته أي دولة عربية أخرى لباركوه، لكن أن يأتي هذا القرار من دولة اليمن الفقير الذي شاركوا جميعاً في شن حرب عدوانية عليه طوال تسع سنوات، وفي أحسن الأحوال شاركوا بصمتهم فيما ارتكبوه ضده، فهذا هو ما يجعل “المتشنجين” يرون في قرار منع عبور السفن المتجهة إلى إسرائيل عبر البحر الأحمر قراراً غير عقلاني.
الكثير من هؤلاء المتشنجين شاركوا مع أمريكا في احتلال دولتين، هما “العراق و أفغانستان” بذريعة تدمير “برجي التجارة العالمي” واحتلت أمريكا مقابل كل برج دولة، معتبرين أن لها الحق في ذلك رغم أن تدمير البرجين مجرد تمثيلية سمجة حتى بنظر الشعب الأمريكي نفسه.
لكن أن يأتي هذا الاجراء الإنساني البطولي اليمني لوقف المجازر الدموية بحق إخوتنا في فلسطين الذين تستخدم دولة الاحتلال الإسرائيلي ضدهم الأسلحة المحرمة دولياً، وتقصف طائراتها “أبراج سكنية” تسقطها بصاروخ واحد، يسقط على إثر كل غارة ما لا يقل عن “200 ش ه ي د” دفعة واحدة، ومسحت عن الخارطة أحياء كاملة مأهولة بالبشر الأبرياء، ودمرت المستشفيات ودور العبادة، فهذا عمل يجب السكوت عليه وفق لعدالة الدولية العرجاء والعوراء.
نحن مشاركون في الخطأ الذي أتاح لأمريكا والدول المتحالفة معها لتسويق كذبتهم عن الخطر المزعوم في البحر الأحمر عن طريق عدم الايضاح لحقيقة الأمور الدائرة في غزة.
تناسينا في “أحاديثنا، تصريحاتنا، أخبارنا، برامجنا، مقالاتنا، تعليقاتنا، منشوراتنا” ذكر السبب الرئيسي لمنع تلك السفن المتجهة إلى دولة العدوان الإسرائيلي.. المتمثلة في جرائم دولة الاحتلال الإسرائيلي.
توقفنا عن شرح ممارسات الاحتلال الاجرامية منذ “وعد من لا يملك لمن لا يستحق” تاريخياً، وإيضاح حقيقة الأوضاع الإنسانية المؤلمة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني حالياً.
تركنا عرض الصور والمقاطع للجرائم الإنسانية التي ترتكب في قطاع غزة والضفة الغربية.
انشغلنا بالتباهي بعمليات منع مرور السفن، والتقاط الصور على ظهر السفينة الإسرائيلية جلاكسي، واكتفينا بالحديث عن ضخامة وحجم المشاركين في الوقفات التضامنية مع اخوتنا في فلسطين.. وهي أمور مشرفة لكنها لا تغني عن سرد السبب الرئيسي لكل ذلك.
فلنعُد إلى بيان القوات المسلحة اليمنية، سنجد أنه لا يتم ذكر العملية التي تم تنفيذها في البحر الأحمر، إلا بعد أن يكون قد أوضح مبررها في ديباجته، حيث ورد في مقدمة بيان عملية اليوم، الاثنين 18 ديسمبر مثلا:
“انتصاراً لمظلومية الشعب الفلسطيني الذي يتعرض في هذه الأثناء للقتل والتدمير والحصار في قطاع غزة واستجابة لنداءات الأحرار من أبناء شعبنا اليمني العظيم وأبناء أمتنا”.
ثم يتم ذكر العملية التي تم تنفيذها، وعلينا جميعا أن نفعل ذلك كلما ذكرنا خروجنا للتضامن أو استهدافنا للسفن المتجهة إلى إسرائيل، ونبدأ ذلك بذكر الأسباب.
وبالعودة إلى تصريح رئيس الوفد الوطني المفاوض، محمد عبد السلام الذي قال فيه: نؤكد أن البحر الأحمر آمن، ماعدا السفن المرتبطة بالعدو الإسرائيلي.
نجد أنه قد ربطه بعبارة أخرى في نفس التصريح جاء فيها: “ونشيد بموقف الشركة الصينية وقف إرسال سفنها إلى موانئ الكيان المحتل”.
فما الذي فعلته الشركة الصينية حتى تستحق الإشادة؟
أعلنت شركة الشحن البحري الصينية “أورينت اوفرسيز كونتينر لاين” OOCL عن استعدادها التعويض عن النقص في عمليات الشحن البحري الناتج عن تعليق كبرى الشركات الأوروبية خطوط سير سفنها في البحر الأحمر.
وأعلنت أنها ستقوم بعمليات الشحن البحري لسفن الحاويات عبر البحر الأحمر عن طريق “وقفها الفوري لشحن البضائع الإسرائيلية”، بكافة أنواعها، وفي كافة الوجهات، سواء كانت للتصدير أو للاستيراد.
وقالت الشركة التي يقع مقرها في هونغ كونغ وعملت مع إسرائيل على مدى 25 عاما، في بيانها: أنها لأسباب تشغيلية، ستتوقف عن استلام وتسليم البضائع من وإلى إسرائيل على الفور وحتى إشعار آخر.
بالتأكيد، الشركة الصينية ستحقق أرباح خيالية بسبب قرارها نقل البضائع مرورا بالطريق الأفضل والأقرب المتمثل بالبحر الأحمر، فحجم التبادل التجاري بين أوروبا والصين بمفردها ضخم للغاية، فما بالكم بحجم التبادل التجاري بين كافة الدول الأسيوية وتحديدا في الشرق الأقصى مع أوروبا، وبالتأكيد فإن الشحن البحري عبر البحر الأحمر الذي ستسلكه الشركة الصينية “وستتبعها شركات أخرى” سيكون أرخص من الشحن عبر طريق “رأس الرجاء الصالح”.
والشركات التجارية الأوروبية ستذهب وراء مصالحها وليست على استعداد لتسجيل مواقف حتى لو كانت مع إسرائيل، ويكفيها الخسائر الضخمة التي تعرضت لها بسبب قطع علاقاتها التجارية مع روسيا، وليسوا على استعداد لتكرار نفس الخطأ.
وبهذا تكون الشركة الصينية قد قطعت الطريق الذي كانت تهدف إليه الدول الأوروبية بإملاءات أمريكية بإحداث الفوضى والإرباك في سير التجارة الدولية وإبراز أن العبور عبر البحر الأحمر غير آمن.
ما لا يعرفه الكثير، فإن طريق رأس الرجاء الصالح لن يكون آمناً أمام السفن الأوروبية، حيث باتت قوات فاجنر الروسية متواجدة في العديد من الدول الأفريقية وقد تقوم بعمل عسكري تجاه تلك السفن بحال انزلقت الأوضاع بين روسيا والاتحاد الأوروبي بسبب الحرب الدائرة في أوكرانيا، وهو ما ذكره وحذر منه الرئيس الأمريكي بايدن.
ولو وضعنا هذه النقطة إلى جوار نقطة إعلان الشركة الصينية القيام بعمليات الشحن، وسيتبعها في ذلك الكثير من الشركات العالمية، فإن الملاحة في البحر الأحمر ستعود إلى حالتها الطبيعية خلال فترة وجيزة.
وبهذا نصل إلى ذكر الخطر الحقيقي الذي يهدد الملاحة في البحر الأحمر، الذي سيكون ناتجاً عن الممارسات الأمريكية الرعناء، وتهديداتها وتحشيداتها التي تدعو إليها.. وليس نتاج القرار الإنساني المتمثل بمنع السفن المتجهة إلى دولة العدوان الإسرائيلي حتى يتم إدخال الغذاء والدواء للمواطنين الأبرياء في قطاع غزة.

إن قرار بلادنا إيقاف منع مرور السفن إلى غزة “قرار إنساني بحت” هدفه إيقاف المجازر الإسرائيلية على سكان غزة والضفة، ولدينا ما يثبت ذلك.

المفروض وفق قواعد العمل السياسي أن تستغل اليمن الضغط الكبير الناتج عن قرار منع مرور السفن المتجهة نحو إسرائيل لمصلحة الوفد الوطني المفاوض الذي يجري مباحثاته بشأن الحل النهائي وإيقاف العدوان على بلادنا وإحلال السلام حسب ما يتم ذكره، لكن ذلك لم يحدث.

فاليمن منحت هذه الورقة التفاوضية الهامة والرابحة لإخواننا في فلسطين، وتؤكد أنه لن يتم تسليم السفينة ولا طاقمها إلا إذا جاءت الموافقة منهم، ومن يريد أن يفاوض بهذا الشأن فعليه الذهاب للأشقاء في فلسطين، بهدف تقوية وضعهم التفاوضي الهادف لإيقاف العدوان الواقع عليهم.

 

قد يعجبك ايضا