غزة :رصاصة “المسافة صفر” في رأس العالم بعربه وعجمه ..اليمن: رجولة ورصاصة “المسافة صفر” في صدر  صدر أمريكا والغرب.. “غزة” تحاكم “لاهاي” و”صنعاء” تدين القانون الدولي!

 

قبل سنوات من يوم المذابح هذا، حيث تحالف الصليب مع سداسية الكيان، أزاح الغطاء على أوجه أحقاده التاريخية ضد أمة الهلال من قدسها إلى إرم ذات عمادها، وصولا إلى كل بقعة عربية يُشتم فيها نخوة صمود وثبات ، وقبل أن ترمي أمريكا بايدن بكل عجزها و”تصهين” رئيسها وبيتها اليهودي الأبيض إلى ساح المحرقة التي كانت غزة فأضحت صنعاء فقبلهما مجازر بغداد ودمشق وأرض عمر المختار، قبل ذلك، وبالضبط بعد أيام قليلة من اجتياح الكيان الصهيوني للعاصمة اللبنانية سنة 1982، وما خلفته قواته من مذابح صهيونية، تناولت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” لقاء جمع بين رئيس الوزراء الأسبق، مناحم بيجن، ولجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ في واشنطن، وتم فيه استجوابه من طرف النواب بشأن لجوء “إسرائيل” لقوة مفرطة في الهجوم ، لكن الأمر الذي لفت انتباه بيجن ليس عتاب بعض أعضاء مجلس الشيوخ، ولكن حماسة سيناتور شاب من الكونغرس الأمريكي في الدفاع عن المذابح الصهيونية، لدرجة أن انبهار رئيس وزراء الكيان الأسبق بذلك الرقم المجهول  دفعه لأن يصرح للصحفيين بعد مغادرته لجلسة الاستجواب بأنه لو كان يعلم بوجود مثل ذلك الشخص، ما كلف نفسه مشقة الحضور إلى واشنطن لتبرير ما قامت به “إسرائيل” من جرائم فيما عرف يومها بعملية سلامة الجليل.

السيناتور الشاب الذي أبهر بيجن في تلك الفترة، ليتحول إلى مشروع عجن صهيوني، فرئيس لأمريكا سنة 2020، لم يكن إلا عجوز اليوم الخرف، “جو بايدن”، الذي شهد فيه مناحم بيجن بقوله: “أنه يجب أن أقول إنه مر وقت طويل منذ أن سمعت هذا المتحدث الموهوب، وقد دعم في الواقع عملية السلاح في الجليل، بل إنه ذهب أبعد من “إسرائيل”، حين طالب باستعمال كل قوة متاحة ضد العدو، حتى ولو كان ذلك يعني إبادة الأطفال والنساء”.

بعبارة أكثر عمقا وتجذرا، فإن مواقف البيت الأبيض الثابتة من تأييد ومساندة وتحصين “إسرائيل”، مهما كان حجم جرائمها ، ليست ابنة عملية طوفان الأقصى، ولكنها مبدأ عام وزرع طويل الأمد استثمرت في سقيه فحصاده “إسرائيل”، ليؤتي اليوم أكله بمذابح غزة ثم بمقاصف اليمن، لذلك فإن ثبات الموقف الأمريكي مع الكيان الصهيوني ودفاعه عن جرائم عبدة العجل في المحافل الدولية ، بدءا من مجلس الأمن ووصولا إلى محكمة لاهاي، ليس إلا تحصيل حاصل، لما تم زرعه في قلب الأبيض من “خدم” برتبة جو بايدن أو رؤساء أمريكيين افتراضيين، لتكون غزة ثم اليمن هي “مسافة” الصفر، التي أخرجت مكامن الجميع وغاياتهم والمداجن التي فرختهم، حيث المعادلة اليوم في ضفتي صراعها واضح الإبادة والتهجير والقصف مسافة صفرية التواري والتمثيل والمزايدة والتبرير، فإما أن تكون عربيا بغزة واليمن أو صهيونيا بأمريكا وغربها وأعرابها التابعين لقيصر الروم العظيم بعرش بيتها الأبيض معروف الولاء والقديم التهويد.

من غزة إلى صنعاء.. أمريكا والغرب مِلّة من الذبح خنجرها “صهيون”!

الجميل في معادلة الصراع، اليوم، أن قاعدة “المسافة صفر”، التي قدّمتها المقاومة كتكتيك عسكري، ردا على سياسة الأرض المحروقة المنتهجة من طرف جيش الكيان، الجميل أن تلك القاعدة تجاوزت مفهومها العسكري القديم لتصبح جزءا من “تريموتر” سياسي عَرّى العالم، حضارة وقيما وخطابات ومنظمات إنسانية، عرّاه بشكل لم يعد معه أي مجال للتمثيل أو الادعاء والتصنع، فالجميع اليوم مفضوح، فلا أمريكا والغرب جزء من حضارة إنسانية ولا الأنظمة العربية على مختلف عمامتها ومشاربها صورة لقدس، كانت محلا للمتاجرة والتبضع الدوليين.

والمهم أن غزة، ورغم كل ما تهاوى فيها من بنيان وإنسان، إلا أنها كانت رصاصة “المسافة صفر” في رأس العالم بعربه وعجمه، لتأتي بعدها اليمن في رجولة “المسافة صفر” وفي رصاصة الصدر التي وضعتها في صدر أمريكا والغرب، بعد أن دفعتهم دفعا إلى السباحة في بحرها الأحمر، لتتساقط الأقنعة تباعا من وجه أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، وتكون رسالة استهداف صنعاء الصامدة بمئات الصواريخ واضحة المضمون، ومفادها: “أن هذا هو العالم وهذه هي أمريكا والغرب في أوضح الصور وأبشعها”، وأكثر من ذلك، فقد قالت لكم اليمن بصريح العبارة إن معركة الأمة العربية، بل معركة الإنسان ذاتها، ليست مع واجهة تسمى “إسرائيل”، ولكنها مع أمريكا والغرب وأنظمة خنوع وخيانة عربية مغروزة في خاصرة الأمة..

خيار المسافة صفر في مواجهة غزة ثم اليمن لم يعد “تكتيكا” عسكريا ألغى لعبة القصف الجبان من داخل غرف التحكم على بعد من طرف أصابع متوارية الضغط والزر، وإنما ملحمة سياسية أخرجت الجبناء من غرف ومخابر تحكمهم المظلمة، ليرى المجتمع الدولي هوية الجزار، بعيدا عن حرب الوكالة الصهيونية ومقاصفها التي تفرغ قنابلها بغزة واليمن، فيما الضاغط الحقيقي على زر التفجير ليس إلا سدنة البيت الأبيض ومن يدور في فلكهم من دول غربية وعربية الخيانة والولاء..

مجمل القول إنه إذا كان الغرب قد تخفى في مذابح نتنياهو على غزة، تحت شجرة “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها” بنسف كل من حولها وما تحت طائراتها، فإن دخول اليمن إلى حلبة المذبحة فضح الغابة التي يحتطب منها نتنياهو، لتكون المواجهة والحقيقة اليوم أبعد من كيان صهيوني جرف “طوفان الأقصى” دويلته الكارتونية، ولكنها أمريكا بايدن وتاريخ عجوزها الخرف الذي يعجز عن شدّ طوله بسبب هرمه، لكنه مع “إسرائيل” يصبح هو الطول والطود كله..

“غزة” تحاكم “لاهاي” و”صنعاء” تدين القانون الدولي!

عكس الظاهر من مرافعات إعلامية وسياسية ركبت موجة القانون الدولي لتسوّق للقضية المرفوعة ضد حكومة الكيان الصهيوني، باعتبارها ملحمة قامت بها دولة جنوب إفريقيا لإدانة “إسرائيل” بتهمة الإبادة الجماعية، فإن المغيّب حقا في أطوار تلك المحاكمة الجارية أطوارها بمحكمة العدل الدولية، صورة أخرى من المسخرة الغربية والأمريكية والأعرابية، التي يراد لها أن تختم الفصل الأخير من مسرحية أمم متحدة عجزت عن إصدار قرار بوقف إطلاق النار لصالح العزل بغزة، لكنها – في المقابل – أنتجت مسرحية موجهة للرأي العام عن قانون دولي، يقال ويذاع أن بشائره ستتجلى في لاهاي وليس في مجلس الأمن وما يعني من قوة تنفيذ..

المتهم الحقيقي في مسرحية لاهاي، والمغيب في مجريات المحاكمة العالمية، ليس نتنياهو ولا حكومة “إسرائيل” كخناجر ليل سابحة في الأعناق والرقاب، ولكنها النظم الغربية وتوابعها العربية، فلولا أن بوارج أمريكا رست على شواطئ غزة لتدعم المذبحة، ما كان لنتنياهو أن يمحو من على الخريطة إنسان وبنيان غزة. ولولا الفيتو الأمريكي ضد وقف إطلاق النار، ما كان لجهنم القصف أن تدخل يومها المائة، كما أنه لولا أن بريطانيا وألمانيا وفرنسا وتركيا وإيطاليا، ناهيك عن ممالك وإمارات الخم الأعرابي، مدوا يد العون العسكري وأطروا المحرقة سياسيا وماليا، ما كان لـ “إسرائيل” أن تعيث نهشا وقتلا في عشرات الآلاف من العزل الأبرياء.

لذلك، فإن محكمة لاهاي كان يمكن أن يكون لتحركها وقعًا ومصداقية لو أنها حاكمت بدلا من الكيان الصهيوني الدول التي أطرت ومولت ووقفت في صف المذبحة. وبعبارة أدق، ما يسمى بقضية المحاكمة بلاهاي ليس إلا محاكمة للبندقية بجرم أنها أداة قتل. والقصة بوجهها الحالي لا تختلف عن نكتة متهم وقف أمام القاضي في جريمة سرقة، نافيا أن يكون هو من اقترفها، ومتهما يده بكونها الفاعل، ليسخر القاضي مسايرا روايته، ويصدر في حقه حكما بالسجن، لكن المفاجأة التي صدمت الحضور أن نزع المتهم يده “الخشبية” ووضعها أمام القاضي، مرددا: هي لكم وتستحق ما يحدث لها، وطبعا القانون لا يحمي المغفلين، سواء في نكتة لاهاي أو نكتة صاحب اليد الخشبية ومنطوق الحكم الذي أخذه، وهو يهتف: “يحيا العدل!”..

منتهى الكلام في مسرحية القانون الدولي الذي يحاكم “إسرائيل” بمحكمة لاهاي ويقصف وجودها في صنعاء، أن محكمة “غزة” هي التي جرّت العالم إلى منصة المحاكمة وأدانت “لاهاي” ، ومن خلالها محافلها الأممية، من أمم متحدة ومجلس أمن، كونها وقانونها الدولي شاهدي زور على جريمة قصف صنعاء؛ فليس منطقيا أن القانون الدولي، الذي يتابع “إسرائيل” بجريمة الإبادة في لاهاي هو الذي يصمت ويبرر ويتغاضى عن قصف صنعاء من طرف محور الشر، بتهمة أن “يَمَنها” وقف ضد الإبادة، متناسية أن إنسانها البسيط والمحاصر كان هو الرقم الوحيد والأشم في العالم ، الذي فعلها علنا، في ملحمة عنوان زنادها “مسافة الصفر” التي كشفت نفاق العالم ووجهه الحقيقي بعيدا عن أي مفهوم مطاطي لمسمى القانون الدولي..

اليمن، يا سادة لاهاي وسدنة القانون الدولي، قال لكم: “لا تبحثوا عن بصمات القاتل في جسد غزة القتيلة، إنه هنا في صنعاء بعدّته وعتاده ووجه ناصع الشرور والمقاصف والإجرام”!

 

 

أسامة وحيد – الجزائر

 

قد يعجبك ايضا