في كلمته الأسبوعية السيد القائد يدعو الأمة لمواجهة الاستباحة الصهيونية ويحذر النظام السعودي من التورط في دعم العدوان الصهيوني على غزة
مقدمة
في ظلّ التحولات المتسارعة في المنطقة، جاءت كلمة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي (يحفظه الله) حول آخر التطورات والمستجدات الأسبوعية لتحمل رسائل سياسية وعسكرية ودينية متشابكة، تكشف عن رؤية متكاملة لمجريات الصراع في فلسطين والمنطقة.
ما قدمه السيد القائد لم يكن مجرّد كلمة أسبوعية، بل وثيقة تعبويّة واستراتيجية تستنهض الأمة في الداخل والخارج على حد سواء. ولعل ما يميّزه أنه يجمع بين الشرعية الدينية للتصدي للإجرام الصهيوني ، واستدعاء الذاكرة التاريخية لمجازر الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني، واستعراض القدرات العسكرية، مع نقد واضح للنظامين العربي والدولي..
إن تحليل هذا الخطاب يحتاج إلى قراءة استراتيجية تتجاوز الكلمات والشعارات، لتفكك البنية الفكرية والسياسية التي يقوم عليها. فهو خطاب يوازن بين الشرعية الدينية والتبرير الأخلاقي للمقاومة من جهة، وبين الإيحاء بالقوة العسكرية والتأثير الإقليمي من جهة أخرى. كما أنه يضع الجماهير في قلب المعركة عبر الدعوات المستمرة للتعبئة الشعبية، ويستحضر رموز التاريخ وذاكرة المجازر كوسيلة لشحن العاطفة وتعزيز الموقف. الأهم من ذلك كله أنه يكشف عن تصور لمشروع إقليمي يرى في الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل أعداء مباشرين، بينما يُصوِّر الأنظمة العربية بوصفها إما عاجزة أو متواطئة.
في هذا التقرير الصحفي الاستراتيجي، سنعيد صياغة محاور الخطاب وفق رؤية تحليلية منظمة، بحيث نكشف معانيه ودلالاته وتأثيراته المحتملة. وسنقدم قراءة معمقة لعشرة محاور أساسية، تتراوح بين الشرعية الدينية والقدرات العسكرية، مرورًا بالبعد الإقليمي والدولي، وصولًا إلى المخاطر والفرص الكامنة في هذه الاستراتيجية. الهدف ليس فقط توثيق ما قيل، بل أيضًا فهم ما وراء الخطاب: كيف يُراد له أن يؤثر في الجمهور، وكيف يسعى لصياغة مواقف وسياسات إقليمية ودولية جديدة.
هذا التقرير يعرض محاور الخطاب العشرة بقراءة استراتيجية، مع إدماج اقتباسات مباشرة من الكلمة، لإظهار كيف صيغت الرسائل ولمن وُجّهت، وما هي دلالاتها في المشهد الإقليمي والدولي.
منهجية الاستباحة الصهيونية لأمتنا
- غزة: إبادة مستمرة في ظل صمت العالم وتخاذل الأمة
يتناول السيد القائد تطورات حرب الإبادة الصهيونية في غزة التي يضفي عليها العدو بعدا دينيا توراتيا موضحا أن فصول الجريمة الأكبر في هذا العصر، التي يرتكبها العدو الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة تتواصل منذ ثلاثة عشر شهرا على مرأى ومسمعٍ من العالم أجمع، وتتكشف يومياً تفاصيل الإبادة الجماعية عبر مشاهد مروعة ومأساوية تهز الضمير الإنساني وتدفع كل من بقي له شيء من الإنسانية إلى اتخاذ موقف.
إن الممارسات الإجرامية التي يستخدمها العدو لا تقتصر على القتل بالغارات الجوية والقصف العشوائي، بل تتعداها لتشمل التجويع والتعطيش والتهجير القسري لمئات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني. وتزيد من بشاعة هذه الجرائم حقيقة أن العدو يستهدف النازحين حتى في الطرقات والمناطق التي أعلن عنها كمناطق آمنة، مستبيحاً حرمة الحياة الإنسانية، ومستهتراً بكل القيم والقوانين والأعراف الدولية.
يستمد العدو الإسرائيلي قوته وجرأته من مصادر متعددة؛ فهو يستخدم القنابل والذخائر المقدمة من حلفائه الغربيين كأمريكا وبريطانيا وألمانيا، ويستفيد من الوقود والبترول العربي الذي يحرّك به آلياته العسكرية، لكن الداعم الأكبر له هو حالة التخاذل الكبير في العالم الإسلامي، وغياب الموقف الموحد الذي كان يجب أن يكون على أعلى مستوى، تماشياً مع المسؤوليات الإنسانية والدينية والأخلاقية.
إن استمرار هذا العدوان الإجرامي ـ بحسب ما يشير إليه السيد القائد ـ لأكثر من عامين يضاعف المسؤولية على الجميع، على المستوى الإنساني، يقع على عاتق كل فرد في هذا العالم واجب أخلاقي بعدم تجاهل هذه المأساة، أما على المستوى الإسلامي، فالمسؤولية أكبر وأعظم؛ فالتغافل عن حجم ما يحدث، والخطر الذي يهدد الأمة بأكملها، لا يعفي أحداً من تبعات هذه الأحداث، التي تتجاوز حدود الجغرافيا لتشكل تهديداً وجودياً ومصيرياً.
إن القضية الفلسطينية ليست مجرد صراع محلي، بل هي اختبار حقيقي لمبادئ العدالة والحرية التي يتغنى بها العالم، وامتحان لإيمان وضمير الأمة الإسلامية.
وتستمر انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي لتشمل المقدسات، حيث يتطرق يشير السيد القائد إلى الاقتحامات اليومية التي يقومها بها العدو وقطعان المغتصبين الصهاينة والتدنيس المستمر لحرمة المسجد الأقصى، ويشير إلى مشاركة مسؤولين إسرائيليين وأمريكيين في طقوس تلمودية مشتركة، ما يصفه بأنه دليل واضح على وحدة المشروع الصهيوني المشترك بين الجانبين، والذي يستهدف ليس فقط الأفراد والأوطان، بل أيضاً مقدسات الأمة الإسلامية.
- من غزة إلى لبنان وسوريا وقطر
بحسب ما تطرق له السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي، فإن العدوان الإسرائيلي ليس مجرد عمليات عسكرية متفرقة، بل هو استراتيجية منهجية تستهدف المنطقة بأكملها. ففي الضفة الغربية، تتواصل الاعتداءات بشتى صورها، بدءاً من الاختطافات التي شهدت وتيرة متسارعة، مروراً بحملات المداهمة والقتل، وصولاً إلى استهداف المزارعين وتهديد الأردن، في محاولة واضحة لابتزاز الشعب والنظام بالتحكم في مصادر المياه والغاز.
وفي لبنان، يرى السيد القائد أن العدو الإسرائيلي يمارس إجرامه واعتداءاته اليومية، بينما تتواصل الضغوط الأمريكية لنزع سلاح المقاومة، وهو السلاح الذي يصفه النص بأنه “يحمي لبنان، ويصون حرمة لبنان، ويمنع العدو الإسرائيلي من احتلال لبنان”. وفي سياق لافت، يلفت السيد القائد النظر إلى أن ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا، التي ارتكبها الاحتلال عام 1982 بعد تسليم المقاومة الفلسطينية لسلاحها، تشكل دليلاً دامغاً على أن “ السلاح الذي يحمي الشعوب عندما يُنْزَع؛ تستباح الشعوب، تباد، لا يبقى هناك أي حرمة لحياتها أبداً “، وأن سلاح المقاومة هو “صمام أمان” و”حصن” يحمي الأمة.
وتتوسع دائرة الاستهداف، لتشمل سوريا حيث يثبت الاحتلال سيطرته على الجنوب السوري، ويواصل عملياته في “ممر داوود”.
كما يواصل العدو الإسرائيلي استباحة السيادة القطرية، حيث يؤكد “على استمرار الاستباحة“، كجزء من مشروع [تغيير الشرق الأوسط]، الذي يهدف إلى جعل المنطقة بأكملها مستباحة للعدو في كل شيء. ووفقاً للتحليل، فإن هذا العدوان المتصاعد يشجعه “انعدام الموقف الفعلي” من الأمة، مما يؤكد على ضرورة الوعي بحقيقة هذا العدو الإجرامي الذي لا يمتلك أي قيم أو أخلاق
ويخلص السيد القائد إلى استراتيجية عربية لمواجهة هذه الاستباحة بقوله: (( يجب أن نتعامل في الموقف تجاهه بناءً على وعيٍ بهذا العدو: كيف هو؟ كيف نفسيته؟ كيف تفكيره؟ ما هو مخططه؟ ما هي مشاريعه؟ ما هي أهدافه؟ ليس على أساس أن نتجاهل كل هذه الحقائق، ثم يتم التعامل بطريقة مختلفة تماماً)).
القمة العربية الإسلامية في قطر: حضورٌ كثيف وغيابٌ للقرار
كان المشهد لافتاً: القمة التي عُقدت في قطر شهدت حضوراً واسعاً، تمثّل في الملوك والرؤساء والأمراء، أي في أعلى مستويات التمثيل الرسمي للعالمين العربي والإسلامي. لقد بدا وكأن هذه القمة تستجمع الشرعية الرمزية والسياسية، وأنها تعكس وزن الأمة بمختلف دولها ومقدراتها. لكن ما إن انفضّ الجمع، حتى بدا أن الحصيلة لا تتجاوز بيانات معتادة، ذات صياغات عامة ومفتوحة، دون أي التزامات عملية أو قرارات حقيقية.
وهذا تحديداً ما التقطه العدو الإسرائيلي؛ فضعف المخرجات قابله بمزيد من الجرأة، واعتبره بمثابة ضوءٍ أخضر للاستمرار في “معادلة الاستباحة”، التي لم تعد تقتصر على قطر فحسب، بل تشمل الخليج بأسره، ثم تمتد لتغطي العالم العربي والإسلامي.
العدو الإسرائيلي لا يقيم أي وزن لأي دولة عربية
لعلّ ما يستوقف في خطاب السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي هو إشارته إلى أن العدو الإسرائيلي تجرَّأ على الاستباحة لقطر، بالرغم مِمَّا تمتلكه قطر من ثقل سياسي، ومن علاقات دولية واسعة، ومن علاقات اقتصادية ومصالح اقتصادية مشتركة مع كثيرٍ من البلدان، بما فيها الدول الكبرى في الغرب والشرق؛ مع كل ذلك لم يراعِ العدو الإسرائيلي أياً من هذه الاعتبارات: لا ثقل سياسي، لا علاقات دولية، وحضور دولي سياسي معروف لقطر، وثقل سياسي معروف لها، ولا مصالح اقتصادية مشتركة بينها وبين دول أخرى، من كبريات الدول، كل هذه الاعتبارات لم يعطها العدو الإسرائيلي أي قيمة، وتجاوزها بكلها، واستهدف قطر.
ويرى السيد القائد أن الاستهداف المباشر لقطر – رغم ما تحتضنه من قواعد أمريكية يُفترض أنها رادع – يعكس إدراكاً إسرائيلياً مختلفاً: أن النفوذ الأمريكي في المنطقة ليس عامل حماية للدول العربية، بل ورقة إضافية تسهّل عملية الاستباحة، وتُقنّن وجود العدو حيث يريد.
المخرجات الممكنة… والفرص المهدورة
من الناحية العملية، لم يكن مطلوباً من القمة أن تذهب إلى قرار الحرب. لكن كانت هناك خطوات متاحة، ذات أثر مباشر على الكيان الإسرائيلي، من قبيل:
- قطع العلاقات الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية مع الاحتلال.
- إغلاق الأجواء أمام طيرانه.
- رفع التصنيفات الظالمة عن فصائل المقاومة الفلسطينية.
- الإعلان عن دعم مالي وسياسي وإعلامي للشعب الفلسطيني، على غرار ما يفعله الأوروبيون مع أوكرانيا.
- السماح للشعوب بالتعبير والمساندة، بدلاً من تجريم أي تحرك شعبي.
- وقف تصدير النفط والوقود الذي يغذي آلة الحرب الإسرائيلية.
لكن شيئاً من ذلك لم يحدث. والنتيجة أن القمة، بكل ثقلها الرمزي، بدت وكأنها مكسبٌ إضافي للعدو، لا عبئاً عليه.
بين واشنطن وتل أبيب: شراكة بلا أقنعة
ويشير السيد القائد إلى انه في مقابل بيانات العرب، كانت المواقف الأمريكية واضحة وعملية، وزير الخارجية الأمريكي حضر إلى فلسطين المحتلة ليؤكد دعم واشنطن المفتوح، مالاً وسلاحاً وإعلاماً وسياسة، أما نتنياهو، فقد تزامن ظهوره عند حائط البراق مع المسؤول الأمريكي ليؤكد، بالطقوس والرمزية، أن المشروع واحد، وأن “تغيير الشرق الأوسط” لم يعد شعاراً بل خطة عمل.
يبقى السؤال الأعمق: هل الأمة، بملياري مسلم، وبما تمتلكه من موقع جغرافي وثروات هائلة، بلغت إلى حد العجز المطلق؟ الجواب – كما يطرحه السيد القائد – لا. المشكلة ليست في غياب الإمكانات، بل في غياب الإرادة السياسية، وتعدد أشكال الارتهان: من هو مرتبط بالعدو أكثر من ارتباطه بأمته، ومن هو خائف أو ضعيف، ومن هو متواطئ أو متخاذل. الأسباب تتعدد، لكن النتيجة واحدة: شلل جماعي في لحظة تاريخية خطيرة.
إن قمة قطر لم تكن مجرد حدث سياسي عابر، بل علامة على أزمة بنيوية في النظام العربي والإسلامي. فالعدو الإسرائيلي أعلن بوضوح أنه بصدد إعادة تشكيل المنطقة وفق معادلة “الاستباحة الشاملة”، فيما اكتفى القادة العرب ببيانات إنشائية تُقرأ في الصحف ولا تُحسب في موازين القوى.
إنها لحظة كاشفة: تكشف الفرق بين من يملك مشروعاً واضحاً – وإن كان عدوانياً – ومن يملك مجرد بيانات تندد وتشجب رغم أن حصيلة مجازر الصهاينة في غزة منذ 13 شهر تجاوزت الـ 70 ألف شهيد ..
فيما يتعلَّق بالصمود الفلسطيني في قطاع غزّة
يرى السيد القائد أن نموذج الصمود الفلسطيني في غزة يمثل ملحمة إنسانية وميدانية فريدة، حيث يواصل المجاهدون عملياتهم البطولية رغم الحصار الخانق والعدوان الشامل والمدمّر. وتتوزع هذه العمليات بين استهداف الآليات والدبابات وإحراقها، ونصب الكمائن المحكمة، واستخدام العبوات الناسفة والقنص الدقيق، لتشكّل جميعها لوحة مقاومة متكاملة في خان يونس وشمال القطاع ومدينة غزة، التي يسعى العدو إلى إخضاعها بالاحتلال المباشر.
ومع كل ذلك، يظل هذا الصمود محاطًا بخذلان الأمة العربية والإسلامية؛ إذ يرى السيد القائد أن مجرد تقديم الدعم الكافي كان سيغير موازين المعركة بشكل جوهري، لكن الأنظمة إما متآمرة وإما متخاذلة، ما جعل كفاح الفلسطينيين يُستكمل في عزلة مؤلمة عن عمقهم الطبيعي.
فيما يتعلَّق بالمظاهرات الداعمة لفلسطين
وفي سياق آخر، توقف السيد القائد عند الحراك الشعبي العالمي، حيث شهد الأسبوع مظاهرات في ستة بلدان عربية وأربعة عشر بلدًا آخر عبر العالم، من بينها مظاهرات قوية في برلين وأخرى في نيويورك. وأشار إلى بروز نشاط متنامٍ في ألمانيا لمقاطعة المنتجات الزراعية الإسرائيلية، وهو وإن كان محدودًا، إلا أنه يعكس إمكانية فعلية لتوسيع دائرة المقاطعة باعتبارها واجبًا ومسؤولية جماعية.
كما لفت إلى الموقف الإسباني اللافت، مستشهدًا بتصريح رئيس الوزراء الإسباني الذي قال: «في إسبانيا لا نملك قنابل نووية، ولا حاملات طائرات، ولا احتياطيات نفطية كبيرة، نحن وحدنا لا نستطيع إيقاف الهجوم الإسرائيلي، لكن هذا لا يعني أننا سنتوقف عن المحاولة، هناك أهداف تستحق القتال من أجلها، حتى لو لم يكن النصر فيها بأيدينا وحدنا». هذا الموقف ـ بحسب السيد القائد ـ يجسد وعيًا أخلاقيًا وسياسيًا متقدمًا بالمقارنة مع حالة الصمت العربي، بل إنه يتجاوز مواقف أنظمة عربية كثيرة لم تبلغ حتى مستوى التضامن الإسباني أو الفنزويلي.
البعد الفنزويلي: الحرية في مواجهة الاستهداف الأمريكي
أكّد السيد القائد أن فنزويلا تمثل نموذجًا للدولة الحرة الرافضة للخنوع، والتي تواجه استهدافًا أمريكيًا متصاعدًا تحت ذرائع مكشوفة مثل “مكافحة المخدرات”. وقد فضح تناقض الخطاب الأمريكي بالإشارة إلى أن الولايات المتحدة نفسها هي أكبر متعاطٍ ومتاجر بالمخدرات، وأن احتلالها المباشر لأفغانستان حوّل البلاد إلى مزرعة مخدرات قبل أن ينخفض الإنتاج بنسبة 97% بعد خروجها. ومن هذا المنطلق، يرى أن استهداف فنزويلا ليس إلا غطاءً لطموحات السيطرة على ثرواتها النفطية الهائلة.
وعليه، فإن مواقف دول مثل إسبانيا وفنزويلا وكولومبيا وجنوب أفريقيا ـ خارج العالم الإسلامي ـ تبدو أكثر جرأة وصدقًا في مناهضة العدوان والدفاع عن القيم، مقارنة بمواقف غالبية الأنظمة العربية والإسلامية، التي لم ترتقِ إلى مستوى التحديات أو حتى إلى مستوى الحد الأدنى من المسؤولية الأخلاقية.
فيما يتعلّق بالموقف اليمني
يرى السيد القائد أن الموقف اليمني ثابت ومستمر في جميع مساراته، ويتجسّد في العنوان المركزي: «معركة الفتح الموعود والجهاد المقدّس»، وهو عنوان مقصود يعكس حقيقة الرؤية ومآلاتها. فعلى المستوى العسكري المباشر، نفّذ اليمن خلال هذا الأسبوع (أربعًا وعشرين) عملية عسكرية ما بين صواريخ وطائرات مسيّرة، من بينها عملية نوعية باستخدام صاروخ فرط صوتي باتجاه عمق فلسطين المحتلة، حيث أحدثت هذه العملية صدى واسعًا: انطلقت صافرات الإنذار في معظم المستوطنات، هرع ملايين الصهاينة إلى الملاجئ، توقفت الملاحة في مطار اللد، بل وأُجبرت الطائرة الرئاسية المسماة جناح صهيون على الهبوط الاضطراري. هذه العملية وغيرها من الضربات المتواصلة تمثّل رسالة استراتيجية بأن المعركة لن تُحصر في جغرافيا غزة وحدها.
وفي موازاة ذلك، يواصل اليمن فرض حظر على الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر وباب المندب، مستهدفًا السفن الصهيونية بشكل متواصل. ويؤكّد السيد القائد أن كل محاولات القوى الدولية والإقليمية لرفع هذا الحظر وحماية الملاحة الإسرائيلية مصيرها الفشل، لأنها تصطدم بإرادة راسخة وموقف يستند إلى مشروعية دينية وأخلاقية في نصرة الشعب الفلسطيني.
وفي سياق النقد السياسي، حذّر السيد القائد النظام السعودي من تورّطه في شراكات معلنة مع بريطانيا لحماية الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر. وأوضح أن هذا الإعلان يأتي في ذروة العدوان الصهيوني على غزة، وفي مرحلة يتعرض فيها مليون فلسطيني للتهجير، وتُمارس أوسع سياسات التجويع والإبادة، بالتوازي مع استباحة سوريا ولبنان وقطر، بل والإعلان عن استباحة شاملة لكل الأمة. وهو ما يصفه بالخيانة الكبرى التي لن تُحقق أهدافها، ولن توفر لإسرائيل حماية حقيقية.
كما رفض السيد القائد محاولات بعض الأنظمة العربية ترديد المصطلحات الإسرائيلية في توصيف الموقف اليمني باعتباره «موقفًا إيرانيًا»، معتبرًا ذلك ترديدًا ببغائيًا يخدم خطاب العدو ويبرر الخيانة. وأكّد أن اليمن لا يستهدف إلا الملاحة الإسرائيلية وحدها، في إطار موقف إنساني وإيماني وعدائي مشروع تجاه عدو يشكّل خطرًا على الأمة بأسرها.
وفي ختام هذه المحطة، وجّه السيد القائد نصيحة مباشرة للنظام السعودي ولغيره من الأنظمة: «لا تورطوا أنفسكم في دعم العدو الإسرائيلي عسكريًا، لحماية سفنه في البحار… اخجلوا على أنفسكم، فهذا عار عليكم، وفي الوقت نفسه لن تنجحوا، فالله سبحانه هو مولانا ونعم النصير». بهذا يرسّخ الخطاب قناعة مفادها أن أي تحالف مع العدو الإسرائيلي خاسر لا محالة، ومآله الفضيحة التاريخية والانكسار الاستراتيجي.
المحور الأول: الشرعية الدينية والأخلاقية يما يتعلّق بالأنشطة الشعبية
أشار السيد القائد إلى أن الأنشطة الشعبية مستمرة وبقوة، وتؤكّد التفاعل الإيماني العميق للشعب اليمني مع القضايا العادلة، وعلى رأسها نصرة الشعب الفلسطيني. في هذا الأسبوع، كانت أبرز الفعاليات: المؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم، الذي نظمته النخبة الجامعية في صنعاء، وشارك فيه باحثون وأكاديميون من مختلف الدول. هذا المؤتمر ليس مجرد تجمع علمي، بل هو مسار هادف لتوجيه النشاط الجامعي والأكاديمي في العالم في خطوط صحيحة، تعكس الالتزام بالقرآن الكريم، وتعيد للأمة مسارها الصحيح في علاقتها برسولها الكريم، وبكتابها، وبالله عز وجل.
على صعيد الجامعات اليمنية في المحافظات الحرة، استمرت المظاهرات والوقفات في صنعاء، عمران، صعدة، إب، ذمار، الحديدة، البيضاء، المحويت، والجوف، وغيرها من المحافظات. رافق هذه المظاهرات ندوات أكاديمية وعلمية تناولت المشروع الصهيوني، أهدافه، أساليبه، وخطره على الأمة الإسلامية، إضافة إلى دراسات حول الموقف الصحيح الذي ينبغي أن تتخذه الأمة، والاتجاهات السليمة التي ترفع مستوى الوعي.
وشدد السيد القائد بأن: شعبنا ثابت على موقفه، رسمياً وشعبياً، في مظاهراته، وقفته العسكرية، مواقفه الإعلامية والسياسية، كلها تنطلق من قناعة إيمانية ووعي حقيقي بقضية الأمة. هذا الموقف ليس مفروضاً على الشعب من أي جهة، بل هو استجابة لإرشادات الله سبحانه وتعالى، وامتثال لأوامره في الجهاد في سبيله. فكما يقول الله تعالى: {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}[العنكبوت:6]، فإن الجهاد في سبيل الله يحقق الكرامة الإنسانية ويصون الحرية، ويضع الأمة في موقع العزة والكرامة، بدل قبول الذل والاستباحة.
إن المنافقين يحاولون التشكيك والتثبيط والتخويف، كما حدث في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، مستهدفين إبعاد المؤمنين عن المواقف الجهادية الصحيحة، لكن شعبنا بأمانته ووعيه لا ينقاد لهذه الحملات. فالعدو الإسرائيلي يرتكب الجرائم المستمرة، مثل الاعتداء على حي التحرير، الجوف، الحديدة، واستهداف المدنيين والإعلاميين، لكن هذا لا يقلل من قيمة الموقف، بل يزيده شرفاً ورفعة، لأن التضحية فيه لله تعالى، والهدف نصرة الحق وإحقاق العدالة.
وقدم السيد القائد الشكر والتحية لأسر الشهداء، الذين ارتقوا في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، فهم يجسّدون الموقف القرآني كما جاء في قوله تعالى: {فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}[آل عمران:146]. وكذلك التحية لكل الإعلاميين المجاهدين في هذا الميدان، الذين يواجهون الحملات التضليلية، وينقلون الحقيقة بشرف ومصداقية.
وفي الختام شدد السيد القائد على أن الشعب اليمني مستمر في هذا الطريق، بروح معنوية عالية وثبات على الموقف الحق، ويستعد للمشاركة المليونية يوم الجمعة القادم في صنعاء وبقية المحافظات، جهاداً في سبيل الله ونصرة للشعب الفلسطيني، تأكيداً على القيم الإيمانية والأخلاقية. هذه المشاركة المليونية ليست مجرد حضور جماهيري، بل هي جهاد في سبيل الله، مكتوب عنده سبحانه وتعالى، وصوتٌ موحّد يرفع شأن الأمة في زمن الخذلان والتراجع الذي يطاول كثيرين من أبناء الأمة.