في كلمته بمناسبة العيد الحادي والعشرين من سبتمبر.. قائد الثورة السيد عبد المك بدر الدين الحوثي: التحرر من الوصاية الخارجية الإنجاز الأكبر لثورة 21 سبتمبر ويحذر العرب من الرهان على الأمريكي والإسرائيلي
في كلمته بمناسبة العيد الحادي والعشرين من سبتمبر قائد الثورة السيد عبد المك بدر الدين الحوثي
التحرر من الوصاية الخارجية “الإنجاز الأكبر لثورة 21 سبتمبر ويحذر العرب من الرهان على الأمريكي والإسرائيلي ويدعو الأمة إلى التوحد في مواجهة المخططات الصهيونية
صادق البهكلي
جاءت كلمة قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي بمناسبة الذكرى الحادية عشرة لثورة 21 سبتمبر لتشكل وثيقة سياسية واستراتيجية متكاملة، أعادت تأكيد ثوابت الثورة وموقعها في معادلة الصراع الإقليمي والدولي. ففي مضمونها ركّز السيد على أصالة الثورة وخلوها من التبعية الخارجية باعتبارها فعلًا تحرريًا خالصًا للشعب اليمني، مؤكدًا أن انتصارها التاريخي مثل نقطة تحول أنهت وصاية القوى الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة. كما تناول الخطاب البعد السيادي والاستقلالي في مواجهة مشاريع الوصاية، مع إبراز تضحيات الشعب ودوره المركزي في تمويل مسار الثورة وإنجاحها.
إلى جانب ذلك، حملت الكلمة أبعادًا استراتيجية أخرى شملت التحذير من التحديات الخارجية، وتأكيد معادلة الردع العسكري في مواجهة العدوان، مع توجيه رسائل داخلية لتعزيز الصمود والتماسك الوطني. أما في بعدها الإقليمي، فقد وضع السيد ثورة 21 سبتمبر في سياق مواجهة الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية، رابطًا بين المسار اليمني ومشروع التحرر العربي والإسلامي الأشمل. وبذلك يمكن القول إن الخطاب لم يكن مجرد احتفاء بذكرى وطنية، بل كان بمثابة خارطة طريق تستشرف المرحلة القادمة، وتحدد أولوياتها السياسية والعسكرية والاقتصادية.
البعد الاستراتيجي في أصالة ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر
أولى السمات الجوهرية التي أراد قائد الثورة إبرازها تتمثل في أصالة الثورة وخلوها من أي تبعية خارجية. هذا التوصيف ليس مجرد إشارة رمزية، بل هو تأكيد على أن الشرعية الثورية تستمد قوتها من “إرادة شعبية يمنية خالصة، ليس هناك أي دور خارجي فيها: لا على مستوى القرار، ولا على مستوى الرؤية العملية، ولا على مستوى الخطوات، ولا على مستوى التوجهات والمواقف“ إن التركيز على هذا الجانب يضع الثورة في إطارها التحرري الصرف، ويعطيها مشروعية تاريخية لا يمكن الطعن فيها.
من الناحية الاستراتيجية، يتضح أن الخطاب أراد أن يقطع الطريق أمام أي روايات سياسية أو إعلامية تحاول تصوير الثورة كامتداد لمشروع إقليمي أو كنتاج لأجندات خارجية. على العكس تمامًا، يحرص السيد على إبراز أن كل عناصرها “انطلقت من إرادة يمنية، شعبية، خالصة، نقية… وكل الاعتماد كان على الله سبحانه وتعالى، وكل الجهد بذله هذا الشعب“ هذه العبارات تحمل بعدًا تعبويًا داخليًا، لكنها أيضًا توجه رسالة للخارج بأن اليمن لم يعد مجالًا مفتوحًا للوصاية الدولية أو التدخل الإقليمي.
يُلفت النظر أيضًا أن الخطاب لم يكتفِ بالتأكيد على الأصالة كقيمة مجردة، بل ربطها بالإنجاز السياسي التاريخي المتمثل في تحرير البلد من السيطرة والوصاية الخارجية، تلك الوصاية التي وصلت حدًّا جعل “السفير الأمريكي في صنعاء أصبح هو رئيس الرئيس، فوق كل سلطة، وفوق كل مسؤول، يقرر، يفرض، يأمر، يوجه، يتحكم“ استدعاء هذا المشهد في الذاكرة الوطنية يعيد تذكير الجمهور بمرحلة كانت فيها السيادة اليمنية مفرطة بالكامل، وهو ما يبرز حجم التحول الذي أحدثته الثورة.
في هذا السياق، فإن التحليل الاستراتيجي يبين أن السيد أراد من خلال هذا العرض أن يحدد من هو العدو ومن هو الحليف. فالثورة بحسب تعبيره “ثورة تحررية، تُحرر شعبنا العزيز من السيطرة والوصاية الخارجية المعلنة… على رأسها الأمريكي“، وهذا التحديد المباشر يربط الثورة بجوهرها المقاوم ويمنحها بُعدًا جيوسياسيًا يتجاوز الداخل اليمني.
البعد القيمي والأخلاقي في ثورة 21 سبتمبر
من بين أبرز المميزات التي ركّز عليها السيد القائد في كلمته، ما أسماه “الأداء الراقي النظيف بما لا مثيل له، وبانضباط عالٍ، وتعامل راقٍ ومسؤول، يجسد الأخلاق الإيمانية لهذا الشعب العزيز“
هذا التوصيف يعكس بعدًا استراتيجيًا بالغ الأهمية، إذ أن الثورات عادة ما ترتبط – في الذاكرة الشعبية والسياسية – بالعنف، بتصفية الحسابات، وبالانتقام. غير أن خطاب السيد أراد أن يرسخ صورة مغايرة: ثورة يمنية حافظت على الطابع السلمي والمسؤول حتى في لحظة الانتصار.
يؤكد القائد أن “لم يكن هناك من قِبَل رواد هذه الثورة وجماهيرها أي اعتداءات، ولا أي تعسفات، ولا أي تجاوزات ظالمة؛ لم يكن هناك مذابح، ولا إبادة جماعية، ولا تصفية حسابات“
هذا الاستدعاء المباشر للشهادة التاريخية يرسخ رواية الثورة بوصفها نقطة انطلاق نحو بناء سياسي جديد، لا مرحلة انتقامية تعيد إنتاج الأزمات. من الناحية التحليلية، فإن هذا البعد الأخلاقي يضيف إلى الثورة شرعية أخلاقية وإنسانية توازي شرعيتها السياسية، وتجعلها مختلفة عن نماذج الفوضى والانقسام التي شهدتها بلدان عربية أخرى في العقد الماضي.
الأكثر دلالة في هذا السياق هو أن الثورة – كما وصفها الخطاب – قدّمت الأمن والاطمئنان “لكل الأهالي في صنعاء، لكل الناس في صنعاء، لكل الفئات… لكل أبناء هذا الشعب بمختلف اتجاهاتهم وتوجهاتهم“
هذه العبارة تحمل وزنًا استراتيجيًا، إذ أن القدرة على ضبط الوضع الأمني بعد تحول سياسي جذري عادة ما تكون المعيار الأول للحكم على نجاح أي ثورة.
على الضفة الأخرى، قارن قائد الثورة بين نقاء ثورة 21 سبتمبر وبين ما تقوم به الأدوات المرتبطة بالخارج، والتي لا تملك – على حد وصفه – سوى “إثارة النعرات الطائفية والمناطقية والعرقية… وتعبئتهم كلها أحقاد وضغائن وكراهية”
هذه المقارنة المباشرة لا تخدم فقط في إبراز تفوق النموذج اليمني، بل أيضًا في رسم خط فاصل بين مشروع وطني أصيل، ومشاريع استتباع خارجي تعمل على تمزيق النسيج الاجتماعي خدمةً للأجندة الأمريكية والإسرائيلية.
إن البعد الأخلاقي هنا ليس مجرد ملاحظة قيمية، بل هو أداة استراتيجية في الحرب الإعلامية والسياسية. فهو يمنح الثورة موقعًا استثنائيًا على مستوى الذاكرة الوطنية، ويحصّنها من محاولات التشويه الخارجي، ويعزز قدرتها على كسب الشرعية الشعبية والإقليمية. وبالمحصلة، فإن “الميزة الثانية للثورة – الأداء الراقي والنظيف – ليست قيمة إضافية فحسب، بل هي جزء من بنيتها الجوهرية التي مكّنتها من الصمود والتحول إلى مشروع دولة، لا مجرد لحظة احتجاجية عابرة“.
الإنجاز الأكبر: إسقاط الوصاية الخارجية
يرى السيد القائد أن “المنجز الأكبر لهذه الثورة الشعبية، هو: إسقاط السيطرة والوصاية الخارجية على هذا البلد“، وهو توصيف يضع ثورة 21 سبتمبر في مرتبة تحول تاريخي، لا يقتصر على الداخل اليمني، بل يتجاوز ليصيب بنية النفوذ الإقليمي والدولي. فالوصاية – كما عرّفها الخطاب – لم تكن مجرد نفوذ سياسي عابر، بل كانت حالة خضوع شامل للأمريكي الذي تحول إلى “الأساس في المسألة، والآخرون كانوا أعوانًا له فقط… وكان السفير الأمريكي هو المتحكم في كل شيء، من الشأن العسكري والأمني، إلى الاقتصادي والتعليمي والثقافي” .
هذا الطرح يجعل من الثورة حدثًا تحرريًا بامتياز، إذ إنها أنهت مرحلة من الإذعان العلني لوصاية الخارج، وحولت المعركة إلى صراع وجودي بين مشروع الاستقلال ومشروع التبعية. ومن هنا فإن الإنجاز، بمقياس الخطاب، يحمل قيمة دينية وإيمانية كبرى: “المبدأ الأكبر والأساس في الدين الإلهي الحق، في الإسلام العظيم، هو: مبدأ التحرر من الطاغوت، والعبودية لله وحده“.
لكن البعد الديني لا يقف عند كونه مرجعية أخلاقية، بل يتحول إلى ركيزة استراتيجية في بناء شرعية الثورة: فالتحرر من الطاغوت الأمريكي لم يكن خيارًا سياسيًا فقط، بل ضرورة دينية ووجودية لضمان بقاء هوية اليمن الإيمانية وصون كرامته الإنسانية. ولذلك اعتبر القائد أن الثورة أعادت الاعتبار لشعب حاولت الوصاية الأمريكية أن ”تسلبه هويته، وتفرغه من قيمه الإيمانية والأخلاقية، وتجعله عبدًا لإملاءات الخارج “.
من زاوية تحليلية، يمكن القول إن الخطاب يؤسس لسردية وطنية – دينية متشابكة: التحرر من الخارج ليس مجرد قرار سيادي، بل هو استعادة للكرامة الإنسانية، وهو ما عبّر عنه بقوله”: أهمية كبرى للإنجاز العظيم بالقيمة الإنسانية، إعادة الاعتبار لهذا الشعب العظيم… ألّا نكون عبيدًا إلا لله . “ وهذا الربط يضفي على الثورة بعدًا عالميًا، يجعلها جزءًا من معركة إنسانية ضد الطغيان والاستعباد، وليست شأنًا داخليًا يمنيًا فحسب.
الأهمية الاستراتيجية لهذا الإنجاز تتجلى أيضًا في ردود الفعل الخارجية: فقد اعتبر نتنياهو في حينه أن انتصار الثورة أخطر حتى من “النووي الإيراني”، وهو توصيف يكشف إدراك العدو الصهيوني لعمق التحول الذي أحدثته الثورة في معادلة الصراع بالمنطقة. فقيام شعب كاليمن على قاعدة الاستقلال والسيادة يعني إدخال لاعب جديد في مواجهة المشروع الأمريكي – الإسرائيلي، بل واستعادة بعد تاريخي حين كان اليمن “أنصار الإسلام، وأنصار رسول الله” .
ويشير قائد الثورة إلى أن المنجز الأكبر للثورة لم يكن فقط إسقاط وصاية سياسية، بل كان “إعادة صياغة موقع اليمن في المعادلة الإقليمية والدولية“ وتكريس هوية جديدة للدولة اليمنية: دولة حرة، مستقلة، رافضة للهيمنة الأجنبية. بهذا المعنى، الثورة لم تنجز تحولًا داخليًا فحسب، بل دشنت مرحلة استراتيجية جديدة أعادت تعريف اليمن كفاعل مركزي في معركة التحرر بالمنطقة.
إن الميزة الأولى ليست مجرد وصف للثورة بكونها محلية الإرادة، بل هي في جوهرها “إعلان استقلال سياسي وسيادي، ورسالة بأن ثورة 21 سبتمبر لا يمكن اختزالها كحركة احتجاج داخلي، بل هي تحول استراتيجي في معادلة القوة بالمنطقة، انتقل باليمن من موقع التابع إلى موقع الفاعل المستقل.
كشف الارتباط الأمريكي – الإسرائيلي وفشل الأدوات المحلية
يؤكد السيد القائد أن المشروع الأمريكي – الإسرائيلي سعى بكل الوسائل لاختراق اليمن والسيطرة عليه، غير أن النتيجة كانت “فشلوا، فشلوا، وفشلت أدواتهم الإقليمية، وأدواتهم المحلية“ هذا التكرار المكثف لكلمة الفشل ليس مجرد بلاغة خطابية، بل هو تثبيت لسردية الانتصار، وقطع للشكوك حول قدرة الأعداء على فرض وصايتهم من جديد.
يفضح السيد القائد حقيقة الأدوات المحلية: “ليس لديها أي مشروع، سوى تمكين الخارج من احتلال البلد” فكل حركتهم السياسية والإعلامية تدور حول إثارة الفتن الطائفية والمناطقية والعرقية، بما يخدم هدفًا واحدًا: تمزيق النسيج الاجتماعي، لتهيئة الطريق أمام سيطرة الخارج. هذه القراءة تقدم توصيفًا استراتيجيًا لخصوم الداخل، باعتبارهم مجرد وكلاء بلا مشروع وطني، وهو ما يضعهم في خانة “اللاشرعية الوطنية”.
البعد الأبرز في هذه الفقرة هو ربط الموقف اليمني بفلسطين. فمنذ أن أعلن اليمن وقوفه إلى جانب الشعب الفلسطيني في مواجهة العدو الإسرائيلي، “باتوا مكشوفين أكثر من أي وقتٍ مضى… ظهروا بوضوح في الجبهة الإسرائيلية” هذه العبارة تشكل تحولا في الخطاب من فضح التبعية السياسية إلى اتهام مباشر بالاصطفاف مع إسرائيل ضد اليمن. ليس مجرد تقاطع مصالح، بل اصطفاف معلن يتجلى في:
- التشويه والتشكيك بموقف اليمن في نصرة فلسطين.
- الترديد العلني لـ “المصطلحات والمواقف الإسرائيلية”.
- إعلان الاستعداد للقتال إلى جانب إسرائيل.
- التواصل الإعلامي المباشر مع القنوات الصهيونية، حتى وصل الأمر إلى وصف أحدهم للضيف الإسرائيلي بـ “أخي الكريم“، وهو ما وظفه السيد باعتباره شاهدًا قرآنيًا: {يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب}.
في مستوى أوسع، يوضح قائد الثورة أن “كل جهد الأعداء منصب في هذه المرحلة على التخلص من جبهة اليمن“، لأن وجود جبهة يمنية داعمة لفلسطين يعرقل مخطط السيطرة الإسرائيلية على المنطقة. هنا تبرز القراءة الجيوسياسية: فاليمن ليس مجرد ساحة محلية للصراع، بل عقبة استراتيجية في مشروع “تغيير الشرق الأوسط”، أي فرض الهيمنة الإسرائيلية الشاملة.
الخلاصة أن هذه الفقرة تكشف ثلاث حقائق مركزية:
- فشل المشروع الأمريكي – الإسرائيلي في إخضاع اليمن.
- انكشاف الأدوات المحلية كعملاء بلا مشروع سوى تمكين العدو.
- ارتقاء الموقف اليمني في نصرة فلسطين إلى موقع استراتيجي، جعله هدفًا رئيسيًا لمحاولات التصفية الأمريكية – الإسرائيلية.
بهذا المعنى، لا يصف قائد الثورة الواقع فقط، بل يرسم معادلة جديدة”: بقاء اليمن حرًا مستقلًا يعني بقاء فلسطين حيّة، وفشل اليمن يعني تمكين إسرائيل من السيطرة على الأمة بأكملها”.
العدو الإسرائيلي: التجسيد الكامل للشر ومعادلة الاستباحة
يصف السيد القائد العدو الإسرائيلي بأنه بلغ “أنهى مستوى من: الشر، والإجرام، والحقد، والسوء؛ ولهذا أسوأ صورة للشر، وأكمل صورة للإجرام، وأنهى صورة للطغيان“ هذا التوصيف المكثف لا ينطلق من توصيف أخلاقي فقط، بل يرسم معادلة سياسية واضحة: إسرائيل تمثل قمة الشر العالمي، وتجسيدًا مكثفًا لنهج الطغيان ضد الشعوب، بدءًا من غزة وصولًا إلى كل المنطقة.
ويُلفت قائد الثورة النظر إلى أن هذا العدو لا يحترم حتى من يعملون في خدمته: “لا يعترف حتى للمرتزقة… لا يعترف لهم بأنهم بشر أصلًا“، في استدعاء للآية القرآنية: {هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ}. هنا، يُراد تكريس فكرة أن أي رهان على العلاقة مع إسرائيل أو أمريكا هو رهان على الوهم؛ لأن العدو لا يحترم لا حليفًا ولا تابعًا، بل يرى الجميع أدوات مؤقتة.
التركيز في الخطاب يذهب إلى البعد الأوسع: كل جهد أمريكي – إسرائيلي منصب على “إيقاف جبهة اليمن المناصرة للشعب الفلسطيني… بأعلى سقف، بأعلى مستوى“، لأن هذه الجبهة تمثل نموذجًا ملهمًا للشعوب الأخرى. فاليمن، وفق هذا الطرح، ليس مجرد داعم لفلسطين، بل هو “نموذج فريد يحيي الأمل لبقية الشعوب” في زمن انهار فيه الموقف الإسلامي الرسمي.
في سياق آخر، يربط السيد القائد المشروع الإسرائيلي بمفهوم “تغيير الشرق الأوسط“ الذي يردده نتنياهو صراحة: “نحن نغيِّر الشرق الأوسط”. هذا التغيير لا يقتصر على فلسطين، بل يستهدف كل المنطقة: لبنان، سوريا، العراق، مصر، إيران، وحتى دول الخليج بما فيها تلك التي تراهن على علاقاتها مع واشنطن أو الغرب. الرسالة هنا أن إسرائيل لا ترى استثناءات، وأن “معادلة الاستباحة“ التي يسعى الإسرائيلي لفرضها تشمل الأمة كلها، مقدساتها وثرواتها ومجتمعاتها.
من الناحية الاستراتيجية، يعيد الخطاب التأكيد على فشل أي رهان على الاتفاقيات السياسية والأمنية: فالسلطة الفلسطينية، لبنان، وحتى التفاهمات في غزة، كلها نماذج خرقها العدو رغم الضمانات الأمريكية والدولية. الخلاصة: إسرائيل لا تحترم اتفاقًا، بل تتحرك بمنطق القوة المطلقة، مدعومة بغطاء أمريكي كامل.
وفي هذا السياق، يذكّر السيد القائد بأن الدعم الأمريكي يتجلى بوضوح:”تم الإعلان أمريكيًا عن صفقة أسلحة كبيرة جدًّا بما يعادل خمسة مليار دولار… معناه: للاستمرار في العدوان“. يضاف إلى ذلك الدعم السياسي، واستخدام الفيتو لعرقلة أي قرار دولي لوقف الإبادة الجماعية في غزة. الرسالة هنا واضحة: واشنطن ليست وسيطًا ولا ضامنًا، بل شريك مباشر في مشروع الاستباحة.
الخلاصة أن السيد القائد هنا يعيد رسم خريطة التهديد على النحو الآتي:
- إسرائيل هي قمة الشر العالمي وتجسيد للطغيان.
- المرتبطون بها مجرد أدوات بلا قيمة، حتى في نظرها.
- المشروع الصهيوني عنوانه “تغيير الشرق الأوسط” أي استباحة الأمة كلها.
- أي رهان على الاتفاقيات أو على الحماية الأمريكية وهم قاتل.
- الجبهة اليمنية تمثل نقطة الضوء الوحيدة التي تعرقل هذا المشروع، ولذلك هي مستهدفة بالدرجة الأولى.
التخاذل العربي ومفارقة المواقف الشكلية
في مواجهة الوحشية الصهيونية، والاستخفاف بكرامة العرب، والغطاء الأميركي والغربي المطلق للعدو الإسرائيلي. و“جهد الأعداء المنصب في هذه المرحلة، وفي هذه الفترة، على التَّخَلُّص من جبهة اليمن المساندة لغزة بكل وسائل الاستهداف” ، يرسم صورة قاتمة للمشهد العربي الرسمي: “يقابل ذلك في الواقع العربي تخاذل تام، وانعدام لأي موقف عملي“ حتى ما يتم الترويج له على أنه خطوات سياسية، مثل السعي لاعتراف بعض الدول الأوروبية بدولة فلسطينية، ليس أكثر من “خطوة شكلية جدًّا، مجرّد موقف إعلامي” لا يغيّر من المعادلة شيئًا.
السبب في ذلك – بحسب ما طرحه قائد الثورة – أن أبسط إجراء عملي لم يحدث: المقاطعة. فالمقاطعة الاقتصادية والعسكرية والاستخباراتية للعدو تمثل الحد الأدنى لأي موقف جاد، غير أن الواقع يكشف العكس؛ إذ أن بعض الأنظمة الخليجية والعربية “متعاونة مع العدو:
- تتعاون معه مالياً.
- تتعاون معه اقتصادياً.
- تتعاون معه استخباراتياً.
- تعادي معه الجبهات التي تقف بوجهه.
- تتبنى بصراحة مسألة نزع سلاح المجاهدين في غزَّة، نزع سلاح المجاهدين في لبنان.
- تتبنَّى نفس العناوين الإسرائيلية ضد جبهة اليمن.
- تتحرَّك مع العدو الإسرائيلي في تقديم الدعم المادي والمخابراتي وأشكال أخرى من الدعم ضد جبهة اليمن.
- تتعاون مع العدو الإسرائيلي لأي استهداف ضد الجمهورية الإسلامية في إيران.
كيف لا يتشجَّع على الاستمرار وهم يعينونه فيما يشكِّل خطراً عليهم هم في الأخير؟!
لو أنَّ العدو الإسرائيلي تخلَّص من هذه الجبهات، والله لاتَّجه لاستهداف الآخرين، وهم مهيؤون للهزيمة الكاملة، والانهيار التام.
الأخطر في هذا المشهد أن بعض هذه الأنظمة تتبنى علنًا المطالب الإسرائيلية: “نزع سلاح المجاهدين في غزة، ونزع سلاح المقاومة في لبنان، وتبني نفس العناوين الإسرائيلية ضد جبهة اليمن” هذا الانكشاف يفضح التماهي مع المشروع الصهيوني، ويجعل الأنظمة العربية أدوات معيقة لأي نهوض عربي أو إسلامي.
من زاوية تحليلية، يلفت قائد الثورة النظر إلى مفارقة عميقة: أن مواقف بعض دول أمريكا اللاتينية وأفريقيا (ككولومبيا، فنزويلا، جنوب أفريقيا) “أرقى من مواقف كثير من الأنظمة العربية“ هذه المقارنة تفضح العجز العربي وتضعه في سياق دولي محرج، إذ أن شعوب بعيدة جغرافيًا ودينيًا أظهرت التزامًا أخلاقيًا أكثر من “أقرب الأقربين” لفلسطين.
الرسالة الاستراتيجية في هذه النقطة التي طرحها السيد القائد تتمثل في:
- التخاذل العربي لا يحمي الأنظمة، بل يجعلها مهيأة للهزيمة، لأن الإسرائيلي لن يستثني أحدًا.
- أي رهانات على “حماية أمريكية” أو “اتفاقيات أمنية” هي رهانات وهمية، فالقرار العسكري والسياسي لهذه الأنظمة “خاضع للأمر الأمريكي”.
- المصلحة الحقيقية تكمن في التنسيق مع جبهات المقاومة، لا في التآمر عليها.
وأمام هذه المفارقات يطرح السيد القائد استراتيجية هامة وضرورية للخلاص من الهيمنة الأمريكية والتمادي الصهيوني : “ما يفيد كل شعوبنا، وكل أُمَّتنا، هو: الاهتداء بالقرآن الكريم، الثقة بالله، الثقة بهديه، {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}[الإسراء:9]، انظروا ما يقوله القرآن عن أعدائكم، عن السبيل الصحيح، والموقف الصحيح، والاتِّجاه الصحيح للموقف من ذلك العدو: الجهاد في سبيل الله، التَّحَرُّك الذي عليه شعبنا، وهو ثابتٌ في تحرُّكه ضد العدو الإسرائيلي”.
بما يعني أن الموقف اليمني ليس مجرد خيار سياسي، بل خيار ديني – فطري – استراتيجي، وهو وحده ما يضمن بقاء الأمة أمام مشروع “إسرائيل الكبرى” الذي يستهدف الجميع بلا استثناء.
ينتقل قائد الثورة من توصيف الواقع وتشخيص المخاطر إلى صياغة رؤية عملية جامعة. فهو يطرح بوضوح استعداد اليمن ” التام للتنسيق مع كل أبناء أُمَّتنا في إطار هذا التوجه القرآني، المنطقي، الفطري، الصحيح، فيما يخدم هذه الأُمَّة، ويزيدها منعةً ضد الخطر الإسرائيلي الصهيوني، والمخطط الصهيوني، الذي هو مخططٌ يستهدفها جميعاً، اسمعوا لـ (نتنياهو) يقول: [الشرق الأوسط]، [الشرق الأوسط]، [الشرق الأوسط]، [إسرائيل الكبرى]، هذا يعني: الاستهداف للجميع دون استثناء”.
الثبات الثوري وبناء المستقبل
يختم السيد القائد خطابه بتأكيد أن “شعبنا ثابت على موقفه، مسارنا الثوري مستمر في العمل على تصحيح الوضع الرسمي، إصلاحه، السعي للنهضة الاقتصادية، مواجهة الأعداء”. هذه العبارة المكثفة تختزل طبيعة الثورة كحركة مستمرة، لا كحدث عابر، وتضعها في إطار مشروع وطني طويل المدى يواجه ثلاثة تحديات متراكبة:
- إرث الفساد والنهب، حيث ضاعت ثروات هائلة قُدّرت بأكثر من خمسمائة مليار دولار من النفط وحده دون أن تبني الدولة قاعدة اقتصادية راسخة.
- الحصار والعدوان الخارجي، بوصفه معركة مفتوحة مع أمريكا وإسرائيل وأدواتهم الإقليمية.
- البنية المختلة للدولة السابقة، التي أسست على المحاصصة الفئوية والمصالح الشخصية بدلًا من المصلحة الوطنية.
في مواجهة هذا الواقع، يقدم الخطاب رؤية لبناء يمن جديد:
- اقتصاد مقاوم، قائم على الإنتاج المحلي والزراعة القوية.
- قدرة عسكرية متصاعدة، تضمن الاستقلال والسيادة.
- تماسك اجتماعي راسخ، ينبذ كل أدوات التفريق الطائفية والمناطقية والعنصرية.
- هوية إيمانية صلبة، تؤمن بالاعتصام بحبل الله والثبات على الحق.
لكن البعد الأهم هو الإصرار على أن هذا الشعب، رغم التحديات، قادر على تحويل المحن إلى فرص، وعلى بناء “حضارة رائدة، قائمة على أساس هويته الإيمانية، وانتمائه الإيماني“. هذا التصور يربط المستقبل اليمني بالثورة التحررية، ويمنحها وظيفة تأسيسية لبناء الدولة والحضارة، لا مجرد وظيفة سياسية آنية.
البعد الاستراتيجي يظهر أيضًا في ربط النهضة الداخلية بالموقف الخارجي”: الثبات على نصرة فلسطين، ومواجهة المخطط الصهيوني، باعتباره معركة الأمة كلها”. هنا تتضح معادلة متكاملة: قوة الداخل – عسكريًا واقتصاديًا واجتماعيًا – شرط أساسي لأداء الدور الإقليمي في مواجهة إسرائيل ومشاريعها.
الخلاصة أن كلمة قائد الثورة تؤطر ثورة 21 سبتمبر كـ مشروع حضاري شامل، يتجاوز حدود السياسة إلى بناء مستقبل قائم على الحرية، العزة، والكرامة. وهو بذلك يقدم للشعب خريطة طريق تؤكد أن المسار الثوري ليس فقط وسيلة للتحرر من الوصاية، بل هو أساس النهضة الاقتصادية والاجتماعية والحضارية لليمن الجديد.