مجازر سعودية بالجملة.. الرياض وفن التوحش والغباء

الحقيقة/حميد رزق
البداوة المتوحشة التي صبغت ظهور النظام السعودي  قبل أكثر من قرنين ونصف ما تزال تتحكم بسلوك حكام نجد والحجاز حتى اليوم.
قبل أكثر من 200 سنة تحديدًا في عام 1802 هاجم الوهابيون وبنو سعود مناطق الحجاز، فبدأوا بغزو مدينة الطائف التي قاومتهم، وكان مصير ابنائها مروّعاً. تم ذبح كل فرد ذكر من سكانها، وسُبيت نساؤها. ثمّ دخل الوهابيون مكة التي استسلم أهلها، تحت أثر الرعب والهلع وكذلك كان الحال في المدينة المنورة! وحين احتل أتباع ابن عبد الوهاب وابن سعود مكة، هدموا المعالم النبوية التاريخية، وعملوا على تدمير كل القباب والأضرحة والمقامات وكل ما وجدوه من آثار اسلامية.
حاليًا ونحن في نهاية العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين لم تفلح القفزة البشرية في المجال الحضاري والانساني ولا طفرة المال والماديات وما صاحبها من تطور العلاقات الدولية في تهذيب الطبائع المتوحشة لآل سعود والمتعطشة دومًا للدم والغزو وقتل المخالفين.
 الثراء الفاحش والثروات المخزونة تحت رمال الصحراء وفرت لآل سعود أساليب حديثة للاجرام أكثر فتكًا وتأثيرًا اذا ما قورنت بالامكانات الحربية المتواضعة قبل قرنين من الزمن.  
 آخر تجليات التوحش السعودي مجزرة آل ثابت في محافظة صعدة. ففي ظهيرة يوم الاثنين الماضي، وفي ذروة الحركة داخل أحد الاسوق الشعبية بمديرية قطابر الحدودية، فوجئ مئات المواطنين اليمنيين بالقذائف والمتفجرات تنهال عليهم مخلفة 41 ضحية بين شهيد وجريح بينهم 18 طفلاً.
في حالات كثيرة لم تكن السعودية تكترث لردود الفعل المنددة بجرائمها ضد المدنيين في اليمن، وغالبًا ما تبرر أفعالها بالحديث عن قصف مجاميع “حوثية”، لكنها تصرفت بشكل مغاير عقب المجزرة الأخيرة في سوق آل ثابت. فبعد وقت وجيز لوقوع المذبحة اندفع الاعلام السعودي للقيام بمهمة استثنائية هدفها حرف الأنظار عما جرى وتوجيه أصابع الاتهام لأنصار الله والجيش اليمني، الأمر الذي يشير الى المعطيات التالية :  
أولًا – المجزرة  كبيرة وواسعة، ولو لم تكن كذلك لما وجدت السعودية نفسها مضطرة للتنصل ولفضلت تجاهل ما جرى والتقليل من أهميته أو الحديث عن الضحايا باعتبارهم مجاميع “حوثية”.
ثانيًا – سمعة السعودية وصورتها في العالم غاية في السوء والتدهور، وآخر ما يحتاجه بن سلمان في هذه المرحلة الادانات والمواقف الدولية المنددة بالجرائم التي يرتكبها ضد الانسانية في اليمن.
ثالثًا – يخشى النظام السعودي أن تتحول المجزرة الى ورقة ضغط اضافية تستفيد منها قوى الضغط والأصوات الحقوقية والسيايسة المناهضة لال سعود في الغرب.
رابعًا – سعت السعودية لاستغلال المجزرة وتحويلها الى تهمة وادانة تقذفها بوجه أنصار الله والجيش واللجان الشعبية.
 
خامسًا – سعت السعودية من خلال نسب الجريمة للجيش واللجان الشعبية الى تأليب سكان المناطق الحدودية واقناعهم بخيار “التحالف” سعيًا للانتقام من أنصار الله وحلفائهم.
 
سادسًا – عقب وقوع المجزرة، ذكر الاعلام السعودي لمرات عديدة أن أبناء منطقة آل ثابت “محايدين” أي ليسوا مؤيدين لتحالف العدوان، كما أنهم في ذات الوقت لا يقاتلون الى جانب الجيش واللجان الشعبية ضد السعودية، ولا يفتحون مناطقهم لتكون ساحة مواجهة. ولهذا السبب تحديدًا قررت السعودية الانتقام من “أبناء منطقة ال ثابت” بسبب حيادهم الذي ترى فيه انحيازًا ضدها، فالسعودية لا ترى في اليمنيين الا (شخصين) :  إما معها ومؤيد لحربها الشاملة على اليمن وإما عدو وخصم وبالتالي اهداف للقصف والاستهداف.
مصادر محلية رصدت قبل حدوث المجزرة وجود تحضيرات واستعدادات سعودية لاجتياح المنطقة والاستيلاء عليها في سياق السعي السعودي لفتح جبهات اضافية لتخفيف الضغط الذي تسببه هجمات الجيش واللجان الشعبية على المواقع الحدودية السعودية .
الهجوم السعودي على “ال ثابت” بدأ ظهيرة الاثنين باستهداف وقصف السوق المكتظ بمئات المواطنين من أجل احداث صدمة ورعب بين سكان المناطق الحدودية اليمنية يفسح المجال أمام المرتزقة للتقدم، وفيما كان الاعلام السعودي يذرف دموع التماسيح على الضحايا والمصابين، تم الدفع بمئات المرتزقة للتقدم في المنطقة مستغلين غياب أي تواجد للجيش واللجان الشعبية.   
لم يمض وقت طويل ولم تستمر الاحتفالات السعودية بالتقدم والانجاز طويلًا، فقد تحركت وحدات خاصة من المجاهدين مسنودين بالأحرار من أبناء القبائل، فتم صد الهجوم وتكبدت السعودية وعناصرها خسائر فادحة في الارواح والعتاد، وقدرت مصادر عسكرية عدد قتلى وجرحى المرتزقة بالعشرات وسلم العشرات انفسهم للجيش واللجان الشعبية واحرقت الاليات والعربات العسكرية، فعاد العدو الى نقطة الصفر قبل الهجوم وقبل المجزرة.
مكمن الغباء السعودي في استسهال ارتكاب المجازر وفي ذات الوقت انكارها والتنصل عنها بخفة وسذاجة لا تنطلي  على الخبراء والمتابعين فضلًا عن اليمنيين المكتوين بالتوحش والهجمية الجاهلية المعاصرة.
مشهد الاعلام السعودي وهو يبذل جهودًا استثنائية للتبرؤ من مجزرة ال ثابت يثير الشفقة والسخرية، ثمة بدائية وافلاس وغباء في اساليب الدعاية والتضليل لدى الاعلام السعودي لا تخفى على ابسط المتابعين ، حيث تولت قناتي “العربية” و”الحدث” ترويج روايات هزيلة ونقل مقابلات ميدانية تمثيلية مع من وصفتهم بالمصابين في سوق ال ثابت. من تابع اداء القناتين وتعاطيهما مع المجزرة يكتشف الى أي مدى وصلت ضحالة وبؤس النظام السعودي الذي يفتقر للقضية والمبرر المنطقي للحرب ويقف عاجزًا على مدى خمس سنوات أمام إرادة اليمنيين التي زادها الاجرام  صلابة ووعيًا واصرارًا على نيل الحرية والاستقلال.
يذكر أن مجزرة سوق ال ثابت في محافظة صعدة ليست الأولى وقد لا تكون الأخيرة، فمنذ بداية الحرب قصف النظام السعودي عشرات الأسواق الشعبية. في عام 2015 وفق بعض التحقيقات الصحفية المحلية استهدف الطيران السعودي الامريكي أكثر من 200 سوق مخلفًا آلاف الضحايا  في مختلف المحافظات اليمنية، استخدم في بعض الغارات آسلحة محرمة كما جرى في سوق ال مقنع بمحافظة صعدة الذي استهدف في اكتوبر 2015 وشهد واحدة من أكبر المجازر وأكثرها وحشية وسقط حينها ما يقارب 120 شهيدا .
وفي سبتمبر 2016 شن الطيران السعودي الامريكي غارتين على سوق الخميس في مديرية مستبأ بمحافظة حجة وكانت الحصيلة ايضا 120 شهيدًا ..
عشرات الاسواق على امتداد اليمن تحتاج الى وقفة خاصة..
قد يعجبك ايضا