هدير الصواريخ من النقب إلى حيفا وديمونا: معادلة النار تتوسّع

منظومات الدفاع الإسرائيلية أمام اختبار اليمن: فشل يتكرّر وتكتيك يتطوّر
اعترافات العدو: “التهديد اليمني يُحيط بنا 360 درجة”

منذ مطلع سبتمبر، وعلى مدى 14 يومًا فقط، تحول اليمن – بقضّه وقضيضه – إلى مركز صدى في ساحة الصراع الإقليمي، بعدما قدّم للعالم درسًا في فنون التكتيك والتوقيت واختراق الطوق الحديدي، حيث دكت صواريخه ومسيراته العمق الإسرائيلي دكًا موجعًا، وأجبرت التقنيات الأمريكية والإسرائيلية على الانحناء تحت وقع الضربات اليمنية الدقيقة.

تميزت الضربات اليمنية الأخيرة بتنوعها من حيث الوسائل والأهداف:

بحريًا: استهداف السفينة SCARLET RAY شمال البحر الأحمر قبالة ميناء ينبع بصاروخ باليستي، ثم إصابة سفينة أخرى هي MSC ABY بصاروخ مجنح وطائرتين مسيّرتين.

استراتيجياً: 7 صواريخ يمنية بأنواع ومواصفات مختلفة دكت أهدافاً حساسة للعدو الإسرائيلي، منها صاروخان انشطاريان دكّا أهدافاً حساسة في منطقة يافا المحتلة. كما دك صاروخ انشطاري آخر محيط مدينة القدس المحتلة. أما صاروخ “فلسطين2” الفرط صوتي فدك هدفين للعدو، الأول في منطقة النقب المحتلة، والآخر ضرب هدفاً مهماً وحساساً للعدو غرب مدينة القدس المحتلة. أما صاروخ ذو الفقار فدك هدفين للعدو في يافا المحتلة.

سلاح المسيرات: خلال نفس الفترة 22 طائرة مسيرة تصول وتجول في أجواء فلسطين المحتلة من أم الرشراش إلى مطار “رامون” ومن ثم النقب، مبنى هيئة الأركان العامة في الكيان الصهيوني، مطار اللد، محطة كهرباء الخضيرة، عسقلان، أسدود، ديمونة، وصولاً إلى حيفا على مقربة من لبنان وعلى النحو التالي: مبنى هيئةِ الأركانِ التابعةِ للعدوِّ الإسرائيليّ في منطقةِ يافا استهدف بطائرة مسيّرة نوعَ صمّاد٤، طائرة استهدفت محطةَ كهرباءَ الخضيرةَ، طائرة استهدفت مطارَ اللّدِّ في يافا، طائرة استهدفت ميناءَ أسدود، طائرة استهدفت هدفاً حيويّاً في حيفا، طائِرَة مُسيَّرَة على مَطارِ “رامون” تتسبب في إيقاف المطار ووقف حركة الملاحة فيه، ثَلاث طائِرات على هَدَفين عَسكريٍّين حساسين في النَّقبِ، طائِرَةٌ مُسيَّرَةٌ على هَدَف حَيويّ في عَسقلانَ، طائِرَةٌ مُسيَّرَةٌ على مَطارِ اللُّدِّ، طائِرتان مُسيَّرتان على هَدَف حَيويّ في مَنطقة أَسدودَ، طائرة أخرى تعاود استهداف مطارَ اللِّدِّ في يافا وأخرى في مطار “رامونَ” في أُمِّ الرَّشراشِ، مسيرة تدك هدفًاً حسّاسًا في ديمونةَ، ثلاث طائرات مسيرة تعاود استهداف مطارَ “رامونَ” وهدفين حيويين في أمِّ الرشراش. وفي وقت لاحق طائرتان تستهدفان مطار “رامون” وطائرة أخرى تدك هدفًا عسكريًّا للعدوِّ الإسرائيليِّ في منطقةِ النقب.

جوياً: تمكنت دفاعاتنا الجوية من إطلاق عدد من الصواريخ (أرض جو) أثناء التصدي للعدوان الصهيوني على بلدنا وتم إجبار بعض التشكيلات القتالية على المغادرة قبل تنفيذ عدوانها وإفشال الجزء الأكبر من الهجوم بفضل الله.

المسيرات تمزق هيبة الدفاعات
في السماء، ارتفعت راية اليمن حيث لم يكن يُتوقع أن ترتفع. مسيّرات صماد4، ذوالفقار، وفلسطين2، طافت سماء يافا، الخضيرة، حيفا، رامون، وديمونا. ضرباتٌ لم تكن هوجاء، بل عمليات محسوبة بدقة، استهدفت مبان حساسة كمطار اللد ومحطات الطاقة وميناء أسدود.

طائرة واحدة تصل إلى مطار “رامون” دون أن تُرصد، وتضرب قلب صالة الركاب. أخرى تحلق فوق ديمونا نصف ساعة كاملة، والعدو يعترف بأن محاولتي الاعتراض فشلتا. ما كان يوماً محرماً أصبح هدفاً مفتوحاً. التفوق الجوي الإسرائيلي يتهاوى أمام الصبر اليمني والمقدرة التقنية المتنامية.

ملايين الصهاينة إلى الملاجئ، المطارات تتوقف، والموانئ تغلق، وشركات الملاحة تغيّر مساراتها، وأسواق المال تهتز. كل هذا بفعل قوة مستقلة محاصرة، تُنتج صواريخها بطاقاتها الذاتية، وتُطوّر تكتيكاتها داخل حدودها، دون الاعتماد على حلفاء أو قواعد أجنبية.

صحيفة “غلوبس” العبرية لم تتردد في الاعتراف بأن اليمن وجد الصيغة: دقة في الاختيار، تنوع في التوقيت، وذكاء في تفادي الرصد. أما “معاريف”، فاستسلمت للاعتراف بأن الحرب اليمنية لم تعد مجرد تهديد تكتيكي، بل “استراتيجية استنزاف” تُربك الحسابات وتُظهر عجزًا متكرراً في أهم منظومات الدفاع.

التهديد اليمني يُحيط بالكيان 360 درجة
كثيرون في الكيان أُجبروا على الاعتراف، من جنرالات “الجيش” الصهيوني إلى محللي الاقتصاد. التهديد من اليمن لم يعد يُقاس بالمسافة، بل بالنتيجة. عميد في سلاح الجو الإسرائيلي قالها بوضوح: “نحن أمام تهديد جوي متعدّد الجبهات، يُحيط بنا من كل اتجاه”، معترفًاً أن مسيرات صنعاء تتجاوز الرادارات وتصل إلى العمق رغم كل أنظمة الحرب الإلكترونية.

صحيفة “إسرائيل هيوم” العبرية نشرت تصريحات لافتة أدلى بها القائد السابق لمديرية الدفاع الجوي في جيش، العميد احتياط “زفيكا هايموفيتش”، اعترف فيها بتطور القدرات اليمنية وتحوّلها إلى تهديد استراتيجي متصاعد على الكيان. وقال هايموفيتش: إن “الحوثيين يتعلمون ويصقلون عملياتهم”، موضحًا أنهم خلال السنوات الأخيرة باتوا قادرين على تصنيع صواريخهم وطائراتهم المسيّرة داخل اليمن بشكل كامل.

وأضاف أن “سلاح الجو” الإسرائيلي بات يواجه “تهديدًا جويًا متعدد الجبهات”، يفرض عليه جاهزية فورية بزاوية 360 درجة، إذ لم يعد الخطر يأتي من الجنوب وحده، بل يمكن أن يظهر من الغرب أو الشرق أيضًا. واعتبر أن ما يميز الحوثيين هو قدرتهم على تطوير تكتيكاتهم، سواء في طريقة نشر التهديدات، أو اختيار المسارات، أو توقيت العمليات، أو الأهداف الاستراتيجية، مؤكّدًا أنهم “يختبرون منظومة جيش الدفاع الإسرائيلي ويواصلون تحديها”.

وأشار القائد السابق إلى أن التهديد اليمني قد يبدو تكتيكيًا في بدايته، لكنه قادر على التحول إلى “مشكلة استراتيجية” خطيرة، مستشهدًا بفشل اعتراض صاروخ أصاب منطقة قرب مطار “بن غوريون” وما سبّبه من قلق واسع. وأوضح أن أي إصابة مباشرة في هدف استراتيجي، سواء كان مطارًا أو منشأة حيوية، تحمل “إمكانات ضرر هائلة” على الكيان، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. وختم هايموفيتش بالقول: إن “إسرائيل لا يمكنها أن تطبع التهديد القادم من اليمن أو أن تعيش في ظله”، محذرًا من أن تجاهل هذا الخطر سيجلب على الكيان أضرارًا “غير مقبولة”.

قصف البورصة الإسرائيلية
تزامنًا مع الضربات الجوية والبحرية، جاء التأثير الاقتصادي كـ”تسونامي صامت”. البورصة تهتز، المستثمرون يهربون، ومطار “رامون” الذي كان يُراهن عليه كملاذ آمن للنقل الدولي بات مغلقًا تحت أزيز المسيّرات. بورصة “تل أبيب” تتراجع، ومؤشر التأمين يهبط، والقلق يخيّم على قطاع الطيران.

صحيفة “ذا ماركر” العبرية وصفت التأثير اليمني بأنه “قادر على تعطيل الاقتصاد الإسرائيلي بشكل كبير”، ليس من خلال قصف مباشر وحسب، بل بفرض حالة ذعر مستدامة تُربك حركة التجارة والعبور والسياحة، وتقلب الموازين المالية. وأكدت أن الهجوم بالطائرة المسيّرة الذي أصاب قاعة المسافرين في مطار “رامون” كشف هشاشة المنظومات الدفاعية الإسرائيلية وعجزها عن حماية المرافق الحيوية.

وأوضحت الصحيفة أن اليمن لم يكتف بضرب المطارات، بل نجح أيضًا في إغلاق ميناء “إيلات” بشكل كامل، الأمر الذي ينعكس سلبًا على الاقتصاد الإسرائيلي ويعطّل حركة البضائع، في وقت يضطر فيه ملايين المستوطنين إلى الهروب نحو الملاجئ بمعدل مرة كل أسبوع على الأقل بفعل الضربات المتواصلة.

وأضاف التقرير أن “إسرائيل” فشلت في وقف جبهة اليمن رغم كل الضغوط العسكرية والسياسية، وأن قادة الاحتلال لا يزالون يتوهمون أن استهداف مواقع استراتيجية في اليمن أو اغتيال شخصيات قيادية بارزة سيؤدي إلى انهيار قدرات صنعاء أو على الأقل إضعافها، لكن الواقع جاء بعكس هذه التقديرات تمامًا، حيث أظهرت الضربات الأخيرة أن اليمن يطوّر قدراته ويصعّد من استهدافه لأهداف أكثر حساسية داخل العمق الإسرائيلي.

وخلصت الصحيفة إلى أن الضربات اليمنية المتواصلة تمثل تهديدًا استراتيجيًا لـ”إسرائيل” يفوق التقديرات الأولية، وأن جبهة اليمن باتت عامل استنزاف عسكري واقتصادي ومعنوي يصعب على المؤسسة الأمنية الإسرائيلية التعامل معه، خصوصًا في ظل فشلها في إيجاد حلول دفاعية ناجعة أمام المسيّرات والصواريخ بعيدة المدى.

تقرير آخر نشرته صحيفة “غلوبس” العبرية المهتمة بالشؤون الاقتصادية قالت فيه: إن بورصة “تل أبيب” شهدت تراجعًا ملحوظًا بالتزامن مع ضرب مطار “رامون”، حيث انخفض مؤشر “تل أبيب” بنسبة 0.4%، فيما تكبّد مؤشر التأمين خسائر بأكثر من 2%. وأشارت الصحيفة إلى أن “الشيكل” ارتفع إلى أعلى مستوى له في شهرين مقابل الدولار، في وقت ما تزال فيه الأسواق تعيش حالة من الارتباك على وقع الضربات اليمنية المتواصلة.

وذكرت غلوبس أن الهجوم على مطار “رامون” كان له تأثير مباشر في جلسة التداول السابقة، حيث ارتفعت أسهم شركات الطيران الإسرائيلية بعد أن وجد الاحتلال نفسه أمام تهديد مباشر للمطارات، وهو ما دفع المستثمرين للمراهنة على تقلبات جديدة في قطاع الطيران. وأوضحت أن الأسواق تأثرت أيضًا بإعلان صفقة “برودكوم” التي رفعت أسهم شركات الرقائق.

وأضافت الصحيفة أن “بنك إسرائيل”، وعلى عكس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، قد لا يُقدم بالضرورة على خفض أسعار الفائدة في القرار القادم، ما يعكس حالة القلق التي تسيطر على السياسة النقدية في ظل تذبذب الأسواق وتزايد المخاطر الأمنية.

وأكدت غلوبس أن البورصة الإسرائيلية باتت أكثر حساسية لأي حدث أمني أو عسكري في المنطقة، لاسيما مع تصاعد الهجمات اليمنية التي فرضت نفسها كلاعب رئيسي في رسم المشهد الاقتصادي والأمني للكيان الإسرائيلي.

فشل دفاعي وإرباك سياسي:
إن ما يجري اليوم ليس مجرد تصعيد عسكري عابر. هو تحوّل استراتيجي نادر في بنية الصراع. فالقوات المسلحة اليمنية – بتكتيكاتها الصبورة، وبصناعة سلاحها المحلي، وبدعمها الثابت لغزة – أصبحت عنوانًا جديدًا لمعادلة الردع. فاليمن أثبت أن البعد الجغرافي لا يمنع التأثير، وأن من يملك الإرادة والمعرفة يمكنه أن يحاصر عدوّه حتى لو كان يملك أقماراً صناعية وغطاءً نوويًا.

اليمن اليوم لا تأخذ في الاعتبار الرد على العدوان الإسرائيلي وحسب. بل تعاقب وتعاقب بمنهجية، وبإصرار لا ينكسر، وبحكمة تعرف متى تُظهر قبضتها، ومتى تُرسل مسيّرتها، ومتى تُطلق صاروخها، ليعرف العدو – كل مرة – أن من نذر نفسه لله وفي سبيله لا يساوم، ولا يُكسر، ولا يُهزم.

تقول صحيفة “غلوبس” العبرية: إن اليمنيين يغيرون أساليب عملياتهم الهجومية وإن خطر الطائرات المسيرة اليمنية بات يمثل تهديدًا متزايدًا على عمق الكيان بعد سلسلة من العمليات النوعية التي كشفت عن هشاشة منظومات الدفاع الإسرائيلية.

وأشارت الصحيفة إلى أن طائرة مسيرة يمنية تمكنت من اختراق الدفاعات وضرب مطار “رامون” بشكل مباشر ودون سابق إنذار، فيما حلقت مسيرة أخرى في اليوم التالي في أجواء فلسطين المحتلة لمدة نصف ساعة كاملة، واعتبرت الصحيفة أن هذا التطور يعكس تغيّر أساليب عمل اليمنيين في اختيار المسارات، وأوقات التنفيذ، وأهداف الهجمات، وهو ما يضع العدو الإسرائيلي أمام تحدٍ نوعي متصاعد.

وأكدت “غلوبس” أن حادثة “رامون” الأخيرة تندرج ضمن استراتيجية يمنية واضحة لفرض حصار جوي على المطارات في فلسطين المحتلة، في وقت تعترف فيه “تل أبيب” بأنها عاجزة عن منع تكرار هذه الاختراقات. وأضافت أن الطائرات المسيرة، بخلاف الصواريخ، صغيرة الحجم، منخفضة الارتفاع، سهلة المناورة، وبصمتها الرادارية منخفضة، الأمر الذي يجعل اكتشافها واعتراضها مهمة بالغة الصعوبة.

وبينت أن أنظمة الدفاع مثل القبة الحديدية وقبة الدرع قد أظهرت قدرة جزئية على مواجهة المسيرات، لكنها لم تُصمم أساسًا لهذا النوع من التهديد، كما أن تكلفة تشغيل الطائرات المقاتلة والمروحيات لمطاردة المسيّرات توازي أو تفوق تكلفة السلاح اليمني البسيط، ما يجعل المعادلة في صالح اليمنيين. واختتمت الصحيفة بالتأكيد على أن الضربات الأخيرة تمثل تحولًا خطيرًا، وأن استمرار اليمن في تطوير أساليبه وتصعيد وتيرة عملياته يعني أن إسرائيل تقف أمام تهديد متواصل لا يمكنها التعايش معه أو تطبيع وجوده.

المصدر: موقع أنصار الله

قد يعجبك ايضا