هذا هو ردنا على خطاب الرئيس الشرع

هذا هو ردنا على خطاب الرئيس الشرع ورؤيتنا لمستقبل سورية الجديدة.. وأسئلتنا لقادة حلفائها العرب والمسلمين وحاضنتها التركية

عبد الباري عطوان

بنيامين نتنياهو يثبت يوميا بقوة السلاح، والبلطجة، والغارات الجوية، انه نجح فعلا في وضع أسس شرق أوسط جديد يتربع على قمته، ولم يعد يسعى الى التطبيع عبر المفاوضات (فهذه موضة قديمة)، وانما من خلال فرضه بقوة السلاح على الأنظمة العربية، وبضوء أخضر امريكي مفتوح.

بالأمس قصف القصر الجمهوري في قلب دمشق ومقر قيادة الجيش السوري في ساحة “الامويين”، وأجبر دبابات الجيش على الانسحاب من مدينة السويداء بعد تدمير معظمها، وأول امس اغارت طائراته على محافظتي بعلبك والهرمل في شرق لبنان، ومارس جيشه، عبر طائراته، ومسيّراته، هوايته اليومية في اغتيال شهيدين في جنوب لبنان كانا في سيارتين والذريعة انهما من كوادر “حزب الله” ولا رد على الاطلاق.

نتنياهو ادلى اليوم بتصريح يؤكد فيه هذه الحقائق بكل وقاحة وغطرسة، قال فيه “وقف اطلاق النار الأخير في سورية جرى انتزاعه بالقوة، بعد قصف اهداف عسكرية وحكومية في قلب دمشق وانحاء أخرى من البلاد، وليس من خلال المطالب (الاستجداء) او الاسترحام”.

اما حزب الليكود الذي يتزعمه فبادر الى اصدار بيان تعكس كلماته قمة الوقاحة هدد فيه بأنه “اذا اختطف أحدهم إسرائيليا، سنقتله، وندمر مدينته او قريته، وسندعم كل خطط التهجير (أي الطرد) والترحيل بالقوة”.

للوهلة الأولى، يمكن القول ودون تردد ان نتنياهو يتعامل مع العرب، ملوكا، وامراء، ورؤساء، وشعوب، وكأنهم قطيع من الخراف، وجدوا للذبح، والسلخ، لا أكثر ولا أقل، وحالة الصمت، والاستسلام الراهنة السائدة في جميع العواصم العربية، باستثناء قطاع غزة، واليمن، هي الدليل الاوضح في هذا الميدان.

الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع فسّر الماء بالماء عندما قال في خطابه الذي أدلاه اليوم “ان إسرائيل تريد الفوضى في سورية لزعزعة استقرارها، وزرع الفتن بين أبنائها، ونحن أبناء هذه الأرض والاقدر على تجاوز كل محاولاتها الرامية الى تمزيقنا وعزيمتنا أصعب من ان تتزعزع بفتن مفتعلة”.

الخطاب جميل ومعبر، ولكن الاعمال على الأرض تعكس شيئا آخر متناقضا كليا له، فرد فعل “سورية الجديدة” على هذه الغارات الإسرائيلية، التي استهدفت القصر الجمهوري، ووزارة الدفاع، ومقر قيادة الجيش، جاء بإصدار تعليمات للجيش ودباباته وقوات الامن السورية بالانسحاب الفوري من السويداء، رضوخا للأوامر الإسرائيلية، وتقديما “للمصلحة السورية”.

السويداء مدينة عربية سورية اسلامية ومسقط رأس الزعيم سلطان باشا الأطرش، قائد الثورة العربية، فلماذا تنسحب منها القوات والدبابات السورية اذعانا لتهديدات نتنياهو ووزير دفاعه كاتس؟ فهذا الانسحاب هو أقوى اعتراف ليس بنزع سلاح الجنوب السوري فقط، وانما التسليم أيضا بالسيادة الإسرائيلية عليه، ورفع الرايات البيضاء ربما تمهيدا للتطبيع وتبادل السفراء بطلب امريكي.

هذا عدو لا يجب مهادنته، والتطبيع والتعايش وتوقيع اتفاقات سلام معه، بل يجب مقاومته، فالأمويون والعباسيون، والمسلمون الأوائل لم يستسلموا مطلقا لأعدائهم، ولم ترهبهم مطلقا قوتهم وواصلوا فتوحاتهم حتى وصلوا الى عمق أوروبا في الغرب، والصين في الشرق، ولو كانت أمريكا مكتشفة في عهدهم لوصلوا اليها وادخلوها وهنودها الحمر والبيض الإسلام.

لا تقولوا لنا ان ميزان القوة ليس في صالح العرب، والتفوق الإسرائيلي في قمته، فهذا قمة “الجُبن” و”الخنوع”، والتهرب من قيم الرجولة والكرامة والدفاع عن النفس، فها هي المقاومة التي لا تملك الا هذه الرجولة والشهامة والشجاعة، تصمد 650 يوما في وجه هذا العدو في قطاع غزة المحاصر المُجوع، وما زالت خلاياها المؤمنة تخرج من تحت الأنقاض لتصطاد جنوده وبإعداد كبيرة، ومن يبقى على قيد الحياة منهم ينتهي منتحرا من اليأس، ويجري تدمير دباباته وعربات نقل جنوده بصفة يومية.

نضرب لكم مثلا آخر باليمن العظيم الذي لم يتوقف مطلقا عن اطلاق الصواريخ لدك المدن الفلسطينية المحتلة (الإسرائيلية) ومطار اللد (بن غوريون) وموانئ حيفا واسدود وعسقلان، وام الرشراش (أيلات) التي جرى اغلاقها الى الابد، ويقصفون أي سفينة في البحر الأحمر لا تنفذ تعليماتهم، وباتوا الوحيدين في التاريخ الحديث الذين أعطبوا حاملات طائرات أمريكية، فهل اليمن دولة عظمى مثل الصين وروسيا؟

نختم هذه المقالة بالسؤال: اين تركيا اردوغان الحاضنة للرئيس الشرع؟ وأين أمريكا التي تبنته ورفعت الحصار عن سورية احتفالا بمجيئه وتتويجه رئيسا، وأخيرا أين الزعماء العرب ووزراء خارجيتهم الذين تقاطروا الى دمشق لعناقه والتقاط الصور معه؟ فهل تنتظرون التحرك في المكان والزمان المناسبين؟

نسأل ولا ننتظر جوابا، فالجواب مكتوب وبخط كبير على حائط الإذعان والاستسلام.

قد يعجبك ايضا