هل يساعد اليمنيون العالم على تجاوز الهيمنة الأميركية؟

في 15 مارس 2025، أعلنت الولايات المتحدة الأميركية بدء حملة عسكرية واسعة ضد جماعة «أنصار الله» (الحوثيين) في اليمن، استهدفت مواقع عسكرية لها، بما في ذلك أنظمة الرادار والدفاعات الجوية ومواقع إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة، وذلك ردًا على هجمات الجماعة على السفن التجارية والعسكرية في البحر الأحمر وخليج عدن، وكذلك لتقويض قدرتهم على تهديد حليفتها إسرائيل، وقد وُصفت هذه الحملة بأنها الأكبر في الشرق الأوسط خلال ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب الثانية.

وبحسب مصادر يمنية محلية، فإن الضربة الأولى ركزت على بيوت ومراكز قيادة لـ«أنصار الله»، بالإضافة إلى مقرات عسكرية ومدنية، شملت استهداف أكثر من 70 موقعاً، غير أن الحصيلة كانت مخيبة للآمال بالنسبة إلى القيادة العسكرية الأميركية، باغتيال قائد عسكري واحد فقط من الجماعة، أمّا زعيم الجماعة، السيد عبد الملك الحوثي، فقد تم استهداف أماكن كان يُعتقد تواجده فيها، دون أن يُصاب بأذى، ما كشف عن ضعف المعلومات الاستخباراتية الأميركية.

ورغم الإعلان الأميركي عن النجاح في تدمير جزء من القدرات العسكرية للجماعة، والحدّ من قدرتها على ضرب إسرائيل، وإعلانها أن إطلاق الصواريخ الباليستية من قبل الحوثيين انخفض بنسبة 69%، كما انخفضت هجمات الطائرات المسيّرة الانتحارية بنسبة 55% (تصريح بتاريخ 7 أيار 2025)، إلا أن المفاجأة الكبرى جاءت سريعاً، حين أعلنت وسائل الإعلام في تل أبيب عن سقوط صاروخ فرط صوتي أطلقه الحوثيون داخل حرم مطار بن غوريون، بعدما اجتاز أكثر من 2200 كم واخترق جميع منظومات الدفاع الجوي الأميركية والإسرائيلية.

كما أعلن زعيم الجماعة السيد الحوثي في خطاب مصور له الخميس 8 أيار أن الجماعة نفذت أكثر من 131 عملية عسكرية، باستخدام 253 صاروخاً وطائرة مسيرة منذ بدء العدوان عليها، بما يثبت أن هذه الهجمات لم تحد من قدرات «أنصار الله»، بل تطورت بشكل يُربك أعتى جيوش العالم.

وفي حادثة استثنائية، أعلنت القيادة الوسطى الأميركية ليلة الأربعاء 7 أيار عن سقوط طائرة ثانية من طراز F18، أقلعت من حاملة الطائرات «ترومان» بعد استهدافها بصواريخ ومسيرات يمنية، في عملية اعتبرت سابقة عسكرية، حاملة الطائرات نفسها اضطرت إلى المناورة تفاديًا للصواريخ، ما أفقدها كثيراً من هيبتها وقيمتها الإستراتيجية في البحر الأحمر.

وفي ضوء هذه التطورات، أصدرت الخارجية العُمانية بياناً أعلنت فيه التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار بين الولايات المتحدة و«أنصار الله»، تضمّن توقف الضربات الأميركية على اليمن مقابل وقف استهداف السفن الأميركية، فيما أكد ترامب الاتفاق، وأنه لا يشمل وقف هجمات «أنصار الله» ضد إسرائيل. هذه التصريحات بمثابة اعتراف غير مباشر بانتصار «أنصار الله» في هذه الجولة.

حملة عسكرية منسقة

الحملة الأميركية على اليمن كانت جزءاً من خطة منسقة مع إسرائيل، شملت ضربات جوية عنيفة على قيادة «حماس» في غزة في 18 آذار – بعد 48 ساعة فقط من بدء الحملة على اليمن، حيث كانت الخطة تهدف إلى توجيه ضربة إستراتيجية مزدوجة إلى المقاومة: أميركا تتولى اليمن، وإسرائيل تنفرد بغزة، ولكن الهجوم كان محكوماً بسقف زمني حسب صحيفة «يديعوت أحرونوت» التي نشرت، في 10 نيسان 2025، بأن مصادر إسرائيلية قالت إن ترامب منح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مهلة تراوح بين أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع لإنهاء الحرب على قطاع غزة، وإن ترامب بدأ يفقد صبره، وإنه يريد إنهاء الحرب قريباً، مع التركيز على قضية إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة.

استطاع اليمنيون – على محدودية مواردهم – أن يجبروا الإمبراطورية الأميركية على التراجع ربما لأول مرة، وأحدثوا شرخاً واضحاً في حلف إسرائيل الإستراتيجي ولو مؤقتاً

لكن التطورات الميدانية قلبت الموازين، فمع الضربة التي استهدفت مطار بن غوريون، وفقدان أميركا لطائرتين حربيتين، وعدم مقدرة نتنياهو على تحقيق أي من أهدافه خلال أكثر من 50 يوماً منذ بدء الحملة الجديدة، فلا أخضع المقاومة في غزة، ولا حرّر الأسرى، ولا أنهى وجود «حماس»، زاد تآكل الثقة حول فاعلية العملية، ما اضطر واشنطن إلى التخلي عن الخطة المشتركة مع إسرائيل، في خطوة اعتبرها نتنياهو خيانة ضمنية، وخرج بفيديو قصير يعبّر عن مقدرة إسرائيل على القتال وحدها دون أميركا، فيما ردّ السفير الأميركي لدى إسرائيل مايك هكابي، في مقابلة تلفزيونية، بأن الولايات المتحدة لا تحتاج إلى إذن من إسرائيل للتوصل إلى اتفاق مع جماعة الحوثيين في اليمن، وأوضح أن هذا القرار جاء بعد مشاورات مع ترامب ونائب الرئيس جي دي فانس، في موقف يعكس تغيراً واضحاً في أولويات واشنطن.

نقاط القوة الحاسمة التي رجّحت كفة «أنصار الله»

1. الالتفاف الشعبي الكبير: المسيرات المليونية التي لم تتوقف في مختلف ميادين اليمن، خاصة ميدان السبعين في صنعاء، مثّلت حاضنة معنوية وميدانية صلبة للحوثيين، وأكدت تماسك الجبهة الداخلية رغم القصف والحصار، والتفاف الشعب اليمني مع قرار استمرار الإسناد لغزة.

2. الضربات النوعية لحاملتي الطائرات الأميركية: لم تقتصر العمليات على «هاري إس -ترومان – CVN-75» فقط، بل شملت حاملة ثانية (كارل فينسون – CVN-70) في البحر الأحمر وبحر العرب، وأدت إلى سقوط طائرات F18 لأول مرة، في ما يُعدّ تطوّراً صادماً للقيادة الأميركية.

3. صاروخ مطار بن غوريون: هذا الصاروخ، الذي تم تطويره محلياً، أعاد ترتيب أولويات معسكر المقاومة والمعسكر الأميركي معاً، وأثبت أن القدرات الإستراتيجية لـ«أنصار الله» لم تُضرب ولم تُخترق، بل تُبنى وتُطور باستمرار.

4. الكلفة المادية الباهظة للعملية: حيث أعلنت وسائل إعلامية أميركية أن الحملة الأميركية على اليمن تجاوزت قيمتها مليار دولار خلال أقل من شهرين، فيما تجاوزت قيمة الطائرات المسيرة، والطائرات الحربية التي أسقطتها «أنصار الله» 600 مليون دولار، مشيرة إلى أنها تكلفة باهظة تستنزف المخزونات الأميركية.

5. الفشل الاستخباري الأميركي: حيث لم تحقق الحملة أهدافها، لا بالقضاء على قيادة «أنصار الله» السياسية أو العسكرية، ولا بتدمير مقدراتهم الإستراتيجية، ولا بثني إرادتهم في مواصلة القتال، وهو ما عبرت عنه مصادر أميركية عدة.

تجاوز الهيمنة

منذ سقوط الإمبراطورية البريطانية التي كانت لا تغيب عنها الشمس بفضل سيطرتها على الممرات المائية للعالم، ورثت الولايات المتحدة إرثها في ذلك، وهو ما تباهت به على مدى قرن كامل، من المحيط الهادئ إلى الخليج العربي، وكانت حاملة الطائرات الأميركية بمنزلة «القوة الضاربة» التي تستطيع أن تنقل القوة العسكرية إلى أي مكان في العالم، دون الحاجة إلى القواعد البرية، ما منحها تفوقاً كبيراً في السيطرة على الممرات المائية، وكانت حاملات الطائرات رمز هذه الهيمنة، والأداة التي ترعب بها الشعوب والحكومات.

لكن ما فعله الحوثيون في الأسابيع الأخيرة، لم يكن مجرد تحدٍّ تكتيكي، بل كشفوا زيف هذه الهيبة الأميركية، لقد أظهروا للعالم أن حاملة الطائرات يمكن أن تُحاصر، وأن طائراتها يمكن أن تُسقط، وأن الصواريخ الفرط صوتية تستطيع أن تتجاوز كل أنظمة الدفاع الأميركي المعقدة، وهو ما يفتح سؤالاً في حال نشوب مواجهة مع إيران التي ستضطر أميركا إلى جلب عدد من حاملات الطائرات لتجنب استهداف قواعدها الثابتة في الخليج، فكيف سيكون الحال؟

لم يكن هذا الانتصار اليمني نابعاً من دعم دولي أو حلف إستراتيجي، بل من عزيمة وإرادة تستندان إلى القتال من منطلق واجب نصرة فلسطين، ومن جهد ذاتي خالص، لا يعتمد على الغرب ولا على التمويل الخارجي. بهذا المعنى، أسدت «أنصار الله» خدمة كبرى للعالم: كشفت حدود القوة الأميركية، وأسقطت هيبتها التقنية والعسكرية من السماء إلى البحر.

وفي لحظة تاريخية فارقة، استطاع اليمنيون – على محدودية مواردهم – أن يجبروا الإمبراطورية الأميركية على التراجع ربما لأول مرة، وأحدثوا شرخاً واضحاً في حلف إسرائيل الإستراتيجي ولو مؤقتاً، في ظل تهديد مفتوح بفرض حصار جوي على مطارات دولة الكيان.
يثبت اليمنيون أن العزيمة والشجاعة والوضوح الأخلاقي يمكن أن تُحدث زلزالًا في موازين القوى، حتى في مواجهة أكثر الجيوش تسليحاً وتفوقاً تقنياً.

محمد النجار * كاتب وباحث فلسطيني

قد يعجبك ايضا