تجربة «ترومان» تؤرق الغرب: كيف نواجه الآتي؟
غادرت حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري ترومان» البحر الأحمر، متوجّهةً إلى الولايات المتحدة، طبقاً لمصدر دفاعي في واشنطن، وذلك بعد مهمة استمرت ثمانية أشهر، مدّد خلالها البنتاغون انتشار الحاملة أكثر من مرة، لضمان مشاركتها في الهجمات الجوية على اليمن. وتأتي مغادرة «ترومان» في ظل فشل حملة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في تحقيق أهدافها، واعتراف وسائل إعلام أميركية بتعرض الحاملة لـ«خطر شديد» خلال المعركة مع «أنصار الله»، ولا سيما أنّ الصواريخ والمسيرات اليمنية سقطت، في غير محطة، على مسافة قريبة منها.
ولعلّ النقطة الأكثر خطورة بالنسبة إلى صناع السياسة في واشنطن، تتمثل بأنّ الحرب الأميركية الأخيرة على اليمن سلّطت الضوء على عدد من التحديات الأساسية التي تواجهها البحرية التابعة للولايات المتحدة، وأثارت تساؤلات حول الشكل المحتمل للأسطول الذي ستمتلكه البلاد في منتصف القرن الحادي والعشرين وما بعده.
وفي هذا الإطار، يرى البعض في ما واجهه أسطول البحرية الأميركية في المدة الأخيرة، «لمحة أولية» عن طبيعة المخاطر التي تنتظره في حالة نشوب صراع مع الصين، لا سيما أنّ الهجمات اليمنية كشفت للعالم عموماً، والغرب خصوصاً، نقاط ضعف خطيرة في تلك البحرية، وتحديداً في ما يتعلق بالتعامل مع المسيّرات والصواريخ الباليستية المضادة للسفن؛ إذ كان المسؤولون الأميركيون، طوال الأسبوعين الماضيين، يضعون في حساباتهم «احتمالية شديدة الخطورة»، تتمثل بأن يصيب الصاروخ الفرط صوتي «فلسطين 2» المعدل إحدى الحاملات.
وعلى ضوء ما تقدم، يدور نقاش في أوساط الخبراء داخل الغرب وخارجه حول مستقبل «السفن الكبيرة» ودورها في الصراعات المستقبلية، وسط ترجيحات بأنّ تؤدي التجربة الأميركية في اليمن إلى إعادة تقييمٍ «إستراتيجية» لحاملات الطائرات. ومن جملة الخيارات المقترحة هنا، إضافة الطائرات المسيرة الهجومية والاستطلاعية إلى حاملات الطائرات الحالية، أو صناعة حاملات أخرى أصغر حجماً، وتصغير حجم القطع البحرية وزيادة عددها، جنباً إلى جنب دمج الذكاء الصناعي والحرب السيبرانية في منظومات القيادة والسيطرة.
على أنّ ترجمة الاقتراحات المشار إليها إلى إجراءات فعلية على أرض الواقع لن تكون مهمة سهلة؛ إذ يفيد موقع الأمن والدفاع الأوروبي، مثلاً، بأنّ التكلفة الباهظة والنطاق المحدود للقاعدة الصناعية الدفاعية الأميركية يعوقان قدرة البحرية الأميركية على الحصول على سفن جديدة، لا سيما أنّ الكونغرس يمنع البحرية من شراء السفن الحربية من الدول الحليفة.
وحتى لو تم التغلب على هذه المشكلة، فإن قدرة البحرية الأميركية على المدى الطويل على تأمين طاقم كافٍ للسفن سوف تتضاءل تدريجياً، بسبب انخفاض أعداد الشباب وعدم رغبة عدد منهم في الانضمام إلى الخدمة. ودفعت تلك المعطيات برئيسة العمليات البحرية، الأدميرال ليزا فرانشيتي، إلى إطلاق دعوة، في إطار خطة ملاحة البحرية الأميركية لعام 2024، إلى زيادة التكامل التشغيلي للأنظمة الروبوتية والأنظمة الذاتية التشغيل.
يدور نقاش في أوساط الخبراء حول مستقبل «السفن الكبيرة» ودورها في الصراعات المستقبلية
وبالعودة إلى «ترومان»، فقد أفادت «قيادة القوات المشتركة المتحالفة» التابعة لـ«حلف شمال الأطلسي» (الناتو) في نابولي، في وقت سابق، بأنّ حاملة الطائرات ومجموعتها عبرت قناة السويس السبت، للمشاركة في المرحلة النهائية من مناورات «نبتون سترايك» التي يجريها الحلف في البحر الأبيض المتوسط، قبل أن تعود إلى قاعدة «نورفولك» البحرية. وكانت عشرات الهجمات التي نفذتها القوات المسلحة اليمنية قد أجبرت «ترومان» والمجموعة المرافقة لها على الابتعاد عن مسرح العمليات، والتمركز في البحر الأحمر الشمالي، والذي يوفر موقعاً إستراتيجياً قريباً من اليمن، ويتيح للطائرات الوصول بشكل أسرع إلى أهداف داخل هذا البلد، والعودة للتزود بالوقود والتسلح من دون الحاجة إلى التزود بالوقود جواً، إلا في حالات الاشتباك، التي تجبر الطائرات الحربية على البقاء في الجو.
كذلك، تسببت الضربات اليمنية في سقوط ثلاث طائرات من نوع «إف/إيه-18»، اثنتان منها سقطتا في البحر قبل أيام من التوصل إلى وقف إطلاق النار، وذلك أثناء سحبهما من حظيرة حاملة الطائرات، ما أجبر البحارة على القفز من قمرة القيادة قبيل سقوطهما. وأقر مسؤولو البنتاغون بأن الحادثتين تزامنتا مع إجراء السفينة «مراوغة» أثناء تعرضها لضربات يمنية.
وكانت الطائرة الأولى قد سقطت خلال الجولة الأولى من الضربات الجوية، في أواخر كانون الأول، بعدما أصابها الطراد الصاروخي «يو إس إس جيتيسبيرغ» وهو جزء من مجموعة «ترومان»، فوق البحر الأحمر. وإذ زعم الجيش الأميركي، بدايةً، أن الطائرة سقطت بسبب «نيران صديقة»، فقد تبين، في وقت لاحق، أنّ الحادث وقع أثناء استهداف القوات المسلحة اليمنية الحاملة ومجموعتها.
وعلى هذا النحو، عجزت «ترومان» عن تنفيذ مهماتها بإتقان، بسبب كثافة الاستهدافات اليمنية التي كانت تؤدي إلى تأخير الإقلاع أو الهبوط، ما دفع بوزير الدفاع الأميركي إلى إرسال حاملة طائرات ثانية، هي «يو إس إس كارل فينسون»، التي تتميز بجناح جوي مختلط يضم طائرة «إف-35 سي» من الجيل الخامس. وبالإضافة إلى «معاناتها» من ضربات «أنصار الله»، اصطدمت حاملة الطائرات الأميركية، في منتصف شباط، بسفينة تجارية كبيرة في البحر الأبيض المتوسط، بالقرب من ميناء بورسعيد المصري، ما أدى إلى تضررها وتوقفها، لمدة وجيزة، في خليج سودا كريت، لإجراء إصلاحات طارئة. وآنذاك، أُعفي قائد الحاملة من منصبه، واستجلبت البحرية الكابتن كريستوفر تشوداه هيل، للبقاء على متنها طوال مدة انتشارها.
يُذكر أن «يو إس إس هاري ترومان» التي سُمّيت بهذا الاسم تيمّناً بالرئيس الأميركي الـ33، هاري إس ترومان، القائد الأعلى للقوات المسلحة آنذاك، تعدّ بمنزلة «قوة إستراتيجية» في البحرية الأميركية، نظراً إلى أنّها تصنّف من طراز «نيميتز» النووي. وكانت قد دخلت الخدمة عام 1998، وتعمل بمفاعلين نوويين يشغلان أربع محركات. وبطول 332 متراً، تبلغ سعة الحاملة 3 آلاف و532 فرداً و90 طائرة، وتتميز بأنظمة دفاع صاروخية متطورة تعزز قدرتها القتالية. أمّا المجموعة المرافقة لها، فتتكون من تسعة أسراب من الجناح الجوي للحاملة الرقم 1، وثلاث مدمرات موجهة، وصواريخ من سرب المدمرات 28، وطراداً من فئة «تيكونديروغا يو إس إس غيتيسبيرغ».
لقمان عبد الله الأربعاء 21 أيار 2025