نكبة العرب في فلسطين ونكبة فلسطين في العـرب 

 أ. عبدالله علي صبري

 

¨ في 15 مايو الجاري حلت الذكرى 77 لنكبة فلسطين، ففي مثل هذا اليوم من العام 1948 أعلن اليهود الصهاينة عن دولتهم الناشئة في الأراضي العربية التي اغتصبوها وهجّروا أهلها من فلسطين المحتلة. وحظي هذا الكيان باعتراف سريع من الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي.

لم يغير التدخل العربي شيئا، برغم أن جيوش عدد من الدول العربية قد تحركت بهدف القضاء على دولة الكيان في مهدها، فلم تفلح. ولأن مصيبة العرب والفلسطينيين كانت كبيرة وغير متوقعة، فقد وصفوا ما جرى بالنكبة، على أمل أن يعود الشعب الفلسطيني وتتحرر أراضيه في وقت قريب.

طال زمن النكبة، وتعاظمت خسائر العرب من 48 إلى 67 وحتى اجتياح لبنان في 1982، ومن اتفاق كامب ديفيد، ثم اتفاق أوسلو ووادي عربة، وحتى “اتفاقات أبراهام” الأخيرة. ومع كل ذلك ظلت فلسطين القضية المركزية للأمة العربية شعبيا ورسميا، وظلت الحناجر العربية تصدح بكل قوة دفاعا عن الحق الفلسطيني، في المؤتمرات والندوات والمسيرات، وفي الأعمال الفنية والدرامية، وعلى شاشات وصفحات وأثير الإعلام بوسائله التقليدية والجديدة.

وحين تحرك الشعب الفلسطيني وأطلق الانتفاضة الأولى- انتفاضة الحجر، ثم الانتفاضة الثانية- انتفاضة الأقصى، كان العرب يتحركون ويدعمون فلسطين في المحافل الدولية، ويحاصرون الكيان الصهيوني وأطماعه التوسعية، ومشاريعه التهويدية.

ولما تبلورت المقاومة الإسلامية في لبنان، ثم المقاومة في فلسطين بمختلف فصائلها، كان العرب إلى جانب المقاومة ماديا ومعنويا، فقد كان شعور الحكام العرب السابقين برغم العلات التي كانوا عليها، أقرب إلى فلسطين، بل كانوا أحيانا يتنافسون في الخطابات القومية المعادية والمتوعدة لليهود وعصاباتهم التي كانت ولا تزال مدعومة من دول الهيمنة الكبرى.

صحيح أن انحرافا سياسيا طرأ على المشهد العربي، حين اتسعت دائرة المتعاملين والمنادين بالواقعية السياسية، قبل وبعد الحرب الباردة، غير أن أحدا لم يجرؤ أن يقول مثلا أن فلسطين ليست قضيتي، كما حدث في السنوات الأخيرة.

وبرغم تباينات الحكام العرب وخذلانهم لفلسطين والمقاومة، وانخراطهم في التطبيع مع الكيان الصهيوني، إلا أن الفلسطيني لم يشعر يوما بهذه الدرجة من التواطؤ والخيانة كما يشعر اليوم، وقد أشاح العرب حكاما وشعوبا عن حرب الإبادة التي تتعرض لها غزة على مدى عشرين شهرا تقريبا، عجزت خلالها حكومات العرب، وجيوشهم، وأحزابهم، ومنظماتهم، ونقاباتهم، وعلماؤهم، وعشاؤرهم، عن تأمين الغذاء والدواء لأهل غزة الذين يموتون على مدار الساعة بالقصف، وبالجوع، وبالتراجع المريع للخدمات الصحية والطبية.

لم يشعر الفلسطيني بهذا القهر وبهذه النكبة كما يشعر اليوم، والطعنات والمؤامرات تتوارى على ظهره، والمواقف المخزية هي عنوان المرحلة. ولم يشعر الفلسطيني بهذه الدرجة من الحسرة وهو يرى حكام العرب بهذا المستوى المخيف من الهوان والانحطاط، بل وصل الحال أن ثلاثة من دول الأعراب الخليجية النفطية قد استقبلت المجرم ترامب ورفدت خزينته بنحو 4 ترليون دولار، _ وهي أرقام فلكية خيالية_، لكن دون مقابل، فلم يذكر أحد منهم فلسطين أو غزة، ولم تستنكر شعوبهم هذه الحالة المتردية من الانبطاح، بل تبارت وسائل إعلامهم في تمجيد حالة التفاهة التي لم يتوقعها حتى ترامب نفسه، وهو يرى المبالغة في الاحتفال بزيارته حد الابتذال، ثم يقال له خذ ما شئت وكيف شئت، فكلنا ” فراشون في بابك “.!

غادر ترامب المنطقة وقد زارها في ذكرى النكبة، محملا بالأموال والعطايا والهدايا، لكنه خلّف وراءه نكبة جديدة، أكبر وأقسى وأخطر من نكبة العرب في فلسطين.

21-5-2025

قد يعجبك ايضا