الذكرى الخامسة للثورة! بقلم/مصباح الهمداني

الذكرى الخامسة للثورة!
بقلم /مصباح الهمداني
قد يتساءل المشاهِد العربي والعالمي وهو يشاهد هذه الملايين التي تخرج في اليمن احتفاءً بالعيد الخامس لثورة الواحد والعشرين من سبتمبر والدهشة عالقةٌ في تلابيب رأسه؛ كيفَ لشعبٍ محاصر ومُحارَبْ أن يحتشد بهذا الكم الهائل من البشر في ظل هذه الظروف القاهرة. وقد أحتاج لمجلدات كثيرة كي أوصل الفكرة إلى هذا المندهِش ولكني سأسوق أمثلةً صغيرة لما كُنَّا نعانيه في عهد النظام العفاشي الجاهل؛ كانَ علي محسن وهو أخ الرئيس المقبور وابن عمه يبسط على التباب الشاسعة في أي مكان تصل إليه قدميه، ولا تكاد تخلو محافظة من أملاك هذا الجاهل الجشع. وآخرهو علي صالح الأحمر كان تخصصه البسط على أراضي المُلاك في صنعاء وما حولها، وفي واحدة من المرات؛ أرسلَ ضباطه وعساكره إلى أحد الوجهاء ليأخذوا أوراق أرضية تعادل ألف لبنة، وبالفعل أخذ الأوراق بالقوة ورمى للوجيه المستضعف خمسة مليون ريال، مع أن الألف اللبنة تساوي مليار ريال، بالتأكيد لم يأخذ صاحبنا الخمسة المليون، فتم مقايضته بخمسين لبنة، ولم يتحصل حتى على الخمسين اللبنة. وآخرين هُم عيال الأحمر كانوا فوق القانون وفوق السلطة وقاموا لمرات بلطم ضباط الشرطة في المطارات، وقتل الجنود في الجولات، وبلغَ فسادهم الأخلاقي فوق التصور، ومواكبهُم تخترق شوارع صنعاء وتصدم هذا وتضرب ذاك دون حسيب أو رقيب. وكان هناك جيش من مشايخ الفيد والنهب محميون من قِبل الرئيس الجاهل عفاش يُسيطرون على الحارات وكأنهم حُكَّام تلك الإقطاعيات. وعلاوة على هذا الوضع المتفلت إلاَّ أن يد الدولة قوية وضاربة ضد المواطن الضعيف المسكين. ومن كوارث ذلك العصر الفاسد أنَّك لا تجد قليلاً من الأمن إلا في صنعاء العاصمة، وأما إذا ساقتك نفسك التواقة لاكتشاف ما حولها فإنك ستواجه قُطاع الطريق في الحيمة وفي عمران وفي أرحب وفي خولان وبعض هذه التقطعات لأسباب قبلية أو لمصالح مادية أو للابتزاز، وكانت أشد وأصعب قطاعات الطرق على المسافرين هي تلك المتواجدة على أبواب حاشد (بلاد بني الأحمر)والتي يتم فيها نهب السيارات والأموال، ومن واجههم تم قتله بدمٍ بارد.
أما الدولة المتمثلة بوزاراتها ومؤسساتها فماهي إلا وكر للفساد والرشوة والمحسوبية، وهي مُجرَّد مكاتِبْ لتنفيذ معاملات بني الأحمر وكبار المسئولين والمشائخ الموالون لهم.
وبالنسبة لقيمة اليمن وعلاقاته الخارجية فقد كان عفاش أحط الشحاتين نفسًا وأرذلهُم قيمة وأقبحهم مبدأ، فقد كانت للكويت مثلاً أيادٍ بيضاء ملموسة في بناء مستشفيات وجامعات واعتماد رواتب أساتذة الجامعات، ولكنَّ الخائن طعنهم في الظهر بتحالفه مع صدام.وفي موقف آخر حينما اطَّلع على قائمة رواتب اللجنة الخاصة السعودية والتي تصرفها لشراء مشائخ اليمن؛ طار الرخيص إلى السعودية وقال لهُم كما أخبرني ثقة بالحرف الواحد” اعطوني ما تعطونه للمشائخ وسأنفذ لكم ما تطلبونه منهم وأكثر” وبالفعل أعطوه وباعَ لهُم الحدود، وباع الأعراض حتى وصل السعاودة إلى إب للزواج السياحي المشهور. وأصبحت السفارة السعودية هي الحاكم الفعلي لليمن بعد السفارة الأمريكية.
ومع هذا الوضع المعقَّد فقد كان نزع عفاش وإخوته وبني الأحمر ودجالهم المحنى أشد وأصعب من زحزحة جبل نقُم وعطَّان، لكن الله لا ينسى دعاء المظلومين ولا يُخيب مسعاهم إن تحركوا، وقد أرسل لنا هدية الزمن السيد القائد؛ وكأن شعاره قول المتنبي:
وما الخوفُ إلا ما تخوَّفه الفتى… ولا الأمنُ إلا ما يراه الفتى أمنا
فزحزح جبال الفساد، وهربوا تحت عبايات زوجات السفراء، وقُتل كبير الخونة وهو هارب بعدما أعلنَ غدره وخيانته.
اليوم يخرج هؤلاء الملايين وهُم يحملون في قلوبهم أرواحُ آلاف الشهداء، وفي أنفسهم آلاف البشارات، خرجوا تحت الحرب وهُم يشاهدون آيات الله تتوالى، واحدة بعد أخرى، وآخرها ضربة أرامكو والتي أصبحَ فيها السعودي يتلوى كثعبان حول سيفٍ قاطع، يتوسلون أمريكا أن تحميهم، ويتصلون بإسرائيل أن تقف بجانبهم، معَ أن الحل أقرب إليهم مما يظنون، وقد جاءهم به الرئيس المشاط لكي يُخرجهم من إحراجهم وورطتهم، لكنَّ ذنوبهم تسوقهم إلى حيث يفرح المؤمنون، فترامب مشغول عنهم بانتخاباتٍ قادمة، ونتنياهو يتساقط أمام منافسه زعيم المعارضة، والإمارات تختبئ في جحرها الزجاجي المملوء خوفًا ورعبا.
خرج اليمانيون لأنهم يرون ثمار ثورتهم آياتٍ واضحات امتلأ بها الكون وسمعَ بها العالَم، ومع كل الظروف القاهرة إلاَّ أن اليمانيين صنعوا ما أذهل المدارس العسكرية وأخرس الصناعات الغربية وأفشل التقنيات العالمية، ولولا الحرب الظالمة الآثمة لأصبح وضع اليمن فوق الوصف والخيال ازدهارًا وزراعةً وصناعةً وأمنًا وحريةً وعدالة.

وكل عام وثورتنا يمانية رياديةٌ أخلاقية قرآنية.

#مصباح_الهمداني

قد يعجبك ايضا