السعودية الأضعف على ضوء متغيرات معادلة الصمود…بقلم/أنس القاضي

 

مع دخول العام الخامس للعدوان، هناك تغيرات كبيرة في خارطة الصراع من حيث موازين القوى، التي لم تعد كما كانت عليه في العام الأول للعدوان. فمن المقارنة بين نقاط ضعف السعودية ونقاط قوتها، نجد أن الميل التاريخي نزَّاع نحو ازدياد نقاط ضُعف المملكة وتناقص نقاط قوتها، وهذا الأمر ثمرة للنضال والجهاد الوطني اليمني المناهض للعدوان في مختلف أشكاله المادية والمعنوية، الذي أنتج فشلاً سعودياً وأطال أمد الحرب، مما أدى إلى بروز نقاط ضُعف السعودية وتعمق أزماتها. وهذا الصمود اليمني هو روح ثورة 21 أيلول الشعبية المجيدة.

 

 يلعب النضال اليمني المواجه للعدوان دوراً محورياً في تحطيم نقاط القوة السعودية، بما فيها تلك النقاط التي تكتسبها من طبيعتها الجغرافية الثابتة. فتطور السلاح اليمني من حيث المدى ومن حيث كمية ما ينتج، يوسع بنك أهداف القوات اليمنية، مما يجعل السعودية الواسعة في مساحتها وسعه بنيتها التحتية مهددة مثلها مثل الإمارات. كما يلعب سلوك محمد بن سلمان الأهوج دوراً في إضعاف المملكة وفي بروز تناقضات جديدة ونقاط ضعف جديدة في المجتمع السعودي والأسرة الحاكمة وفي الوسط الدولي.

رغم تفوق نقاط ضعف السعودية على نقاط قوتها، إلا أنها مازالت تحتفظ بنقاط قوة كفيلة باستمرار تأثيرها التخريبي في الواقع اليمني الراهن، وكفيلة بصياغة تسوية في صالحها، وهي نقاط قوة موضوعية لا ذاتية سعودية، تكتسبها المملكة عبر إمساكها ورقة “الشرعية” والضُعف الاقتصادي اليمني وضعف التماسك الاجتماعي وضعف الوحدة السياسية، وظهور أشكال حكم أقاليم حكماً ذاتياً عسكرياً في البلاد، وغيرها من القضايا الداخلية اليمنية.

 يستنتج من ذلك أن تفوق السعودية على اليمن حاليا ومستقبلاً ليس أساسه قوة السعودية، إنما ظروف الوهن اليمنية، فإذا ما تعافى الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي اليمني كما تعافى وتصلب الواقع العسكري التقني والجهادي، فسوف تنتزع اليمن نديتها في العلاقة مع السعودية كأمر واقع، مما يدفع إلى اتفاقيات عادلة وفق معادلة الردع، ما لم تنجز تسوية تنتقص من مكتسبات الردع مكتسبات ثورة أيلول 2014. وواقع المرتزقة ودول العدوان اليوم هو أضعف مِن أن يجعلهم قادرين على فرض تسوية تنتقص من هذه المكتسبات، إلا إن استطاعوا إنجازها بالحيلة وبالاستغلال الأكمل والأعمق لنقاط ضَعف جانب القوى الوطنية اليمنية وأنصار الله.

 

أولاً: نقاط القوة السعودية:

 مساحتها الجغرافية الواسعة وانتشار بنيتها التحتية وكبرها يجعلها ذات قدرة أكبر على الصمود، مقارنة بالإمارات.

 سيطرة أُسرة سلمان عبد العزيز على المفاصل العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية للدولة يكسب سلطتهم وتوجهاتهم (السلمانية) قوة داخل الأسرة (السعودية).

 احتفاظها بورقة “الشرعية” المعترف بها من قبل مجتمع النفاق الدولي، متمثلة في هادي وحكومته، والتي تعطيها مقدرة على التنصل من المسؤوليات بتحميلها هادي وحكومته.

 الخطوات التي يقوم بها ابن سلمان، مثل تعزيز الحريات الاجتماعية والنسوية وطرح رؤية تنويع قطاعات الإنتاج وغيرها، توسع دائرة المساندين له في أوساط المدنيين العلمانيين الشباب ورجال الأعمال والمستثمرين.

 القدرة المالية الكبيرة للسعودية تجعلها ذات قدرة متجددة في تجنيد المرتزقة من مختلف الجنسيات وشراء المواقف والتأثير على الواقع اليمني اجتماعياً وأمنياً.

 التطبيع مع “إسرائيل” يقوي موقف ابن سلمان السياسي لدى اللوبيات الصهيونية في أمريكا وفرنسا وبريطانيا وغيرها. ومع وجود حالة مع الوهن والتشتت الرسمي العربي وانشغال الجماهير العربية بالمعيشة فإن التطبيع لا يُعد نقطة ضعف، وخاصة في الوضع الراهن.

 ضعف الوحدة الوطنية اليمنية، يعطي السعودية كثيراً من المنافذ للتدخلات العدوانية عبر مختلف التشكيلات والتنظيمات الاجتماعية: قبائل، أحزاب، أكاديميين، منظمات مجتمع مدني… الخ.

 التواجد العسكري السعودي في المحافظات الجنوبية.

 على عكس الإمارات التي فقدت جزءاً من حلفائها اليمنيين، فإن السعودية لم تفقد أياً من حلفائها اليمنيين من العملاء والخونة، باستثناء جناح صغير من الإخوان (تيار توكل). ورغم عدوانية تدخلاتها إلا أن فيها شيئاً من العقلانية على عكس السفه الإماراتي.

 فارق السعر في صرف العملة اليمنية والسعودية يجعل المملكة قادرة على توظيف مرتزقة، حتى لو كانت تعاني من أزمات مالية، ويجعل لها منافذ لاختراق المجتمع، ويثبت ذلك تنوع محافظات أسرى عملية “نصر من الله” من صعدة الى تعز… الخ.

 استمرار تدفق السلع السعودية إلى اليمن يعوض خسارتها الاقتصادية التي تنفقها على المرتزقة، وفي الوقت نفسه ينشئ شريحة جديدة من البرجوازية -غير الإنتاجية الوطنية- وكلاء الاحتكارات الأجنبية موالية للنظام السعودي ومصالحها مرتبطة بانتصار السعودية وبقاء هيمنتها على اليمن، وهذه الشريحة ليست بعيدة عن المسار السياسي العسكري المعادي.

 ما أوجدته السعودية و”الشرعية” من سُلطات محلية أقرب إلى الأقاليم في مأرب ووادي حضرموت والجوف، وهي مناطق قريبة من الحدود السعودية، تجعل من القوى الاجتماعية المسيطرة في هذه المناطق تدافع عن الهيمنة السعودية على اليمن دفاعاً عن بقاء سيطرتها، فهي كقوى اجتماعية حاكمة بفضل الدعم السعودي ليس لها مصالح من أي تسوية سياسية.

 

ثانياً: نقاط الضعف السعودية:

 بُنية عملية إنتاج وتصفية وتوزيع النفط كلها مكشوفة على سطح الأرض وفي مساحة كبيرة يتعذر حمايتها.

 خلافات سياسية متفاوتة مع أكثر دول الإقليم: العراق، إيران، اليمن، سلطنة عُمان، الكويت، قطر، تركيا، سوريا.

 تطور الأسلحة اليمنية من حيث المدى والكمية يجعل السعودية تفقد نقطة قوتها المتمثلة باتساع الجغرافيا.

 عملية “نصر من الله”، وضرب أرامكو قبلها، كل هذا يُعزز الطابع الدولي للحرب ويجعل من السعودية طرفاً رئيسياً لا طرفاً ثالثاً مناصراً للحكومة “الشرعية”.

 ضعف الاقتدار الدبلوماسي في حشد التأييد والغطاء الدولي المساند لمواقف السعودية، وقد تجلى هذا الأمر بشكل واضح بعد ضرب أرامكو، الذي لا يقارن بما كانت تحشده السعودية من مواقف ومجاملات سابقاً.

 الانشغال الأمريكي الراهن بالاستحقاقات الدستورية ووضع ترامب الآن يجعل من أمريكا أقل اهتماماً بالمصير السعودي. ونقطة الضعف هذه مؤقتة.

 اهتزاز صورة السعودية في المجتمع اليمني عما كانت عليه سابقاً، حيث تعجز السعودية راهناً عن حشد مرتزقة يمنيين إلى جبهة الحدود بالقدرة السابقة ذاتها، خاصة بعد عملية “نصر من الله”.

 خفوت هالة القداسة السعودية لدى وسائل الاعلام العالمية التي كانت لا تقترب من نقد الأسرة الحاكمة، وآخر هذه التقارير قامت به قناة “بي بي سي” البريطانية ضد ابن سلمان بالتزامن مع جريمة مقتل خاشقجي.

 جرائم الحرب ضد المدنيين في اليمن تفقد السعودية التعاطف الدولي مع انتقال أصوات دولية عديدة إلى نقد السعودية، ويرتبط بهذا التغيير عجز السعودية عن استيراد الأسلحة بالسهولة ذاتها وانعدام القيود كما كانت عليه سابقاً في بداية العدوان. فالمملكة تفقد سمعتها الدولية السياسية والأخلاقية.

 انتقال أضرار الحرب إلى المجتمع السعودي ذاته في الجوانب المالية والاقتصادية، وفي تراجع الامتيازات التي كان يحصل عليها المواطن وانتقاله إلى دافع ضرائب في ظل عدم استقرار أسعار السلع التي ترتفع بشكل بطيء ومتدرج.

 انهيار آلية انتقال السُلطة داخل الأسرة المالكة، وفقدان سلطة أسرة سلمان لدعم الأسرة السعودية -كما كانت عليه السُلطات سابقاً- نتيجة التعسفات التي يقوم بها ضد بني عمومته.

 قانون جاستا الأمريكي على خلفية أحداث 11 سبتمبر يُمكن تفعيله في أي وقت.

 تخلي السعودية عن القيم الدينية الوهابية سوف يُنتج ردة فعل من الوهابيين والإخوان ومن المتدينين المُعتدلين، حيث إن ما يفعله ابن سلمان في صعيد هدم الدين الوهابي يتم بشكل أهوج دون أن يبنى على أي تراكم أو انفتاح مدروس.

 تحديات المنطقة الشرقية. وتعود جذور التمييز ضد الشيعة في المناطق الشرقية إلى 1913 عندما استولى عليها ابن سعود وأخضعها بالقوة العسكرية واعتبر أهلها مواطنين من الدرجة الثانية.

 إضافة إلى المنطقة الشرقية يعاني أبناء المناطق الجنوبية (جيزان ونجران وعسير) من سياسة تمييز، ويتعرض أتباع الإسماعيلية للتمييز.

 العلاقة مع “إسرائيل” بما ينعكس عليها في المجتمع من حالة رفض للتطبيع من شرائح معينة تأخذ طابع نزعة قومية وإسلامية، إلا أنها صغيرة.

 الانقسامات وغياب الوحدة بين دول مجلس التعاون الخليجي، وضعف المواقف الموحدة بين الأنظمة الحاكمة في الخليج، وضعف تأثير مجلس التعاون.

قد يعجبك ايضا