صحيفة الحقيقة العدد”336″:القول السديد:دروس من خطابات ومحاضرات السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي يحفظه الله

 

القول السديد
الإنسان المؤمن يعترف بالفضل لله عليه؛ وبالتالي مهما حصل عليه من نعم، مهما منحه الله من مواهب، وقدرات، وطاقات، وإبداعات، أو إمكانات مكَّنه بها؛ إنما يزداد انشداداً إلى الله، إحساساً في وجدانه ومشاعره بالفضل من الله عليه وبالنعمة عليه، يزداد محبةً لله، يزداد توجهاً نحو الله، اعترافاً بالجميل لصاحب الجميل وهو الله -سبحانه وتعالى-
السيد / عبدالملك بدر الدين الحوثي

منشأُ التكبر وعلاجُه

التكبر هو يتولد- في كثيرٍ من الحالات، أو في كل حالاته- عن العجب والغرور، الإنسان الذي يعجب بنفسه: إما لوهمٍ، يتوهم نفسه أنه صاحب كمالٍ معين، يعتبر نفسه أنه صاحب كمالٍ معين؛ وبالتالي يصاب بالعجب يعجب بنفسه ويغتر بنفسه، وينظر إلى نفسه بأنه أصبح إما ذكياً، أو عالماً، أو أنه أصبح فاهماً، ويحمل معارف، ويحمل علوماً… أو أي صفات أخرى أعجب بنفسه لأجلها، أي صفات أخرى، تختلف الحالة بحسب فئات الناس ومشاربهم وتوجهاتهم في الحياة، البعض قد يكون مغروراً ومعجباً بنفسه فيما يتعلق بالذكاء والفهم والتفكير والمعرفة، البعض |لا| قد يكون معجباً بنفسه فيما يتعلق بالشجاعة… يعني صفات نفسية معنوية، فالبعض بصفات معنوية ونفسية معينة يعجب بنفسه، والبعض قد يكون سبب العجب بنفسه الواقع الذي يعيشه أنه ثري، أنه يمتلك أموالاً طائلة، سلطة، أو أن له وجاهة، أو أنه يجمع بين الأمرين: ثروة ووجاهة في المجتمع، وقابلية وتأثير في المجتمع، البعض قد يكون لموقع ديني، عالم ديني، شخصية دينية، إمام مسجد، خطيب جامع، ويرى لنفسه الاحترام من الآخرين، التقدير من الآخرين ويشار إليه بالبنان، فيشعر بالعجب تجاه نفسه، ويرتاح لنفسه كثيراً، ويعتبر نفسه إنساناً مهماً وعظيماً، وينشأ عن هذا حالة نفسية سلبية جدًّا، البعض قد يكون لموقعه مثلاً كقائد أمني، أو قائد عسكري… أو أي موقع من مواقع المسؤولية، عادةً ما يكون هؤلاء الناس من لهم مكانة وأهمية في المجتمع، ونفوذ وتأثير في المجتمع، أو قابلية بين أوساط الناس، أو احترام ومكانة، هم الأقرب إلى أن يصابوا بحالة العجب، الأكثر من غيرهم، والأقرب من غيرهم عرضةً لهذا الداء الخطير جدًّا، لهذا المرض الخبيث، ولهذه الحالة السيئة جدًّا.
فالإنسان المؤمن هو يعترف بالنعمة لله، بالفضل لله عليه؛ وبالتالي مهما حصل عليه من نعم، مهما منحه الله من مواهب، وقدرات، وطاقات، وإبداعات، أو إمكانات مكَّنه بها؛ إنما هو يزداد انشداداً إلى الله، إحساساً في وجدانه ومشاعره بالفضل من الله عليه وبالنعمة عليه، يزداد محبةً لله، يزداد توجهاً نحو الله، اعترافاً بالجميل لصاحب الجميل وهو الله -سبحانه وتعالى- لا يتجه إلى نفسه لتعظم نفسه عنده، وأنه وكأنه هو المصدر الأساس لتلك المواهب، أو لتلك القدرات، أو لتلك الطاقات، أو لتلك الإمكانات التي حصل عليها، لا يحصل هذا أبداً، الإنسان المعجب بنفسه هو ناكرٌ للجميل، هو كافرٌ بالنعمة، هو جاحدٌ للفضل من ذي الفضل وهو الله -سبحانه وتعالى- ولهذا نسي الله، غفل عن الله، تنكَّر لمن أسدى إليه تلك النعم، ومنَّ عليه بها، ونظر وكأنها من ذاته، وكأن المصدر هو هو، وليس الله -سبحانه وتعالى-؛ فعظمت نفسه وكبرت نفسه، وهذه حالة سلبية جدًّا.

النموذجُ الخير لأصحاب الإمكاناتِ الكبيرة

النماذج التي قدَّمها لنا القرآن الكريم على مستوى الإمكانات، عندما قدم لنا نموذجاً عظيماً هو نبي الله سليمان -عليه السلام- نبي الله سليمان -عليه السلام- مكَّنه الله تمكيناً كبيراً، وملَّكه ملكاً عظيماً، ومنحه قدرات وإمكانات عجيبة جدًّا، ملكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعده، وتلك القدرات العجيبة التي سُخِّرت له، لدرجة أنَّ الله سخَّر له الرياح، سخَّر له من يمتلكون مواهب وقدرات عجيبة جدًّا، كانوا وزراء في دولته وأعواناً له، من بينهم ما حكاه القرآن الكريم عمَّن عنده علمٌ من الكتاب، وهو من رجال دولته ومن أعوانه، في قصة عرش بلقيس عندما قال نبي الله سليمان -عليه السلام- للملأ حوله: {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} [النمل: 38-39]، العفريت الذي من الجن قدَّم عرضاً وهو أنه مستعدٌ أن يبادر هو فيأتي بعرش ملكة سبأ، وخلال فترة وجيزة: قبل نهاية الدوام ، (قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ): قبل أن ينتهي الدوام الذي يجلس فيه نبي الله سليمان -عليه السلام- في مقر العمل، وقد يكون هذا خلال ساعات مثلاً والله أعلم، أما الذي عنده علمٌ من الكتاب فاستعد أن يأتي به خلال لحظات، قال: {قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ}، الطرف هو هذا (طرف العين)، وارتداده في حركة رمش العين، خلال لحظات، {فلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ} خلال لحظات أتى بالعرش من مأرب في سبأ إلى فلسطين خلال لحظات، يعني: قطع مسافة قد تكون- والله أعلم- ألفي كيلو متر، أو ما يقارب ذلك، أو أقل من ذلك، أو أكثر من ذلك، لا نعرف بالدقة، لكن مسافة بعيدة جدًّا وخلال لحظات أتى بعرشها {فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ} قدرات عجيبة، إمكانات عجيبة، أصبحت في إطار نبي الله سليمان وتحت أمره وقدرته وسيطرته وتوجيهاته، قدرات خارقة جدًّا وعجيبة، إلى اليوم لم يحصل عليها البشر ولم يصل إلى مستواها البشر، فماذا كانت مشاعره عندما رأى نفسه أصبح يمتلك قدرات كهذه، إمكانات كهذه، وأصبح مسيطراً على جن وإنس وطير وحيوانات، ويمتلك ملكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعده، والرياح مسخرةٌ لنقله مع جنوده {رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ} [ص : من الآية36]: حيث يريد؟في ظل هذا الجو من الإمكانات الهائلة، والقدرات الكبيرة، والتمكين العظيم، والتسخير العجيب، كيف كانت مشاعر نبي الله سليمان -عليه السلام- هل امتلئ بالغرور والعجب والتكبر أم كيف؟ يحكي القرآن الكريم لنا في تلك اللحظة التي بلغت فيها قدراته وإمكاناته التي مكَّنه الله بها الذروة، المستوى الخارق: {قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} [النمل: من الآية40]، لاحظوا كيف كان منشداً إلى الله، لم يقل: [أصبحت عظيماً، أصبحت مهماً، أصبحت أمتلك إمكانات وقدرات عظيمة، أصبحت مسيطراً على الجن والإنس والطير]، ثم ينسى الله ويتعاظم نفسه، ثم يتصرف في واقع الحياة في قراراته وأعماله وتصرفاته من هذا المنطلق، كيف يعمل اليوم الزعماء المتكبرون المتغطرسون أليست تعاني منهم البشرية من طغيانهم، وعنجهيتهم وكبرهم، والبشرية ضحية لكبرهم وطغيانهم؟

النموذجُ السيءُ لرجال المال والأعمال

النموذج المختلف الآخر: قارون، قارون بما مكَّنه الله من إمكانات كبيرة، وصلت إمكاناته المادية إلى مستوى عجيب، {وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ} [القصص: من الآية76]، الْعُصْبَةِ: الجماعة من الناس، أُولِي الْقُوَّةِ: الأقوياء، يعني: لو اجتمع مجموعة من الناس من أقويائهم لشق عليهم وصعب عليهم حمل مفاتيح كنوزه من كثرة المفاتيح، ترى كم كانت هذه الكنوز، إذا كانت مفاتيحه لهذه الكثرة وبهذا الثقل، لأثقلت مجموعة من الناس من أولي القوة! قارون اغتر بهذه النعمة، بهذه الإمكانات، ونظر نظرةً مختلفة، لم يعتبر ذلك نعمةً من الله عليه، لم يعتبر الفضل عليه فيما عنده لله -سبحانه وتعالى- بل اعتبر ذلك فضلاً لنفسه فأعجب بنفسه واغتر بنفسه؛ وبالتالي تكبر، وعندما نصحه قومه: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ} [القصص: من الآية77]، في الأخير ماذا قال لهم تجاه نصائحهم كلها؟ {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} أنا ذكي، وأنا شاطر، وأنا عبقري، وعندي معرفة، استطعت من خلالها أن أكتسب هذه الثروة الهائلة، فحالة العجب حالة سلبية جدًّا يتولد عنها الكبر، ويتنكر الإنسان فيها لله ولفضله عليه، ويتجه بدلاً من أن يكون منشداً إلى الله، منشداً إلى ذاته، معجباً بنفسه، مغروراً بنفسه، وهذه حالة سلبية جدًّا وخطيرة للغاية، وتسبب مقتاً من الله، يكون الإنسان ممقوتاً عند الله، ومكروهاً عند الله -سبحانه وتعالى-.

قد يعجبك ايضا