القول السديد :صحيفة الحقيقة العدد”338″:دروس من خطابات ومحاضرات السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي يحفظه الله

 

القول السديد

تسبب ابتعاد الأمة مع امتداد الزمن عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في موقع القيادة والقدوة وعن القرآن الكريم في موقع المنهج والإتباع والاهتداء في كثيرٍ من الأسس والمبادئ والأخلاق والمسؤوليات والتعليمات المهمة تسبب في خسائر كبيرة وأدى إلى تراجع خطير في الوعي والفهم

رسالة القرآن أوسع وأهدى مصدر للهداية والمعرفة

رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله بما منحه الله تعالى من الكمال الإنساني والأخلاقي وبما حمله من المبادئ والقيم وبما علمه من الهدى وبما حظي به من اتصال مباشر عبر الوحي لتعليمات الله قد حاز مرتبة القيادة والقدوة للناس كافة وللأمم والأجيال منذ عصره إلى القيامة قاطبة ومنحه الله تعالى وأرفق معه أعظم وأوسع وأهدى مصدر للهداية والمعرفة ذلكم هو القرآن الكريم المعجزة الخالدة الذي قال الله جل شأنه فيه معبرا عن سعة معارفه وواسع هديه (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّه) وقال معبرا عن عظمته وإعجازه: (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) وحفظه الله تعالى للأجيال المتعاقبة فلم يتمكن الضالون المضلون من تحريف نصه ولا من إضاعته قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) وبذلك أتم الله النعمة وأكمل الحجة على عباده فإلى جانب التسخير المادي والنعم العظيمة والتمكين الكبير الذي بلغ فيه المجتمع البشري تقدما متصاعدا ومتسارعا وإلى جانب واقع الحياة الذي اتسع كثيرا وإلى جانب التحديات والمخاطر الأكبر كان هدى الله متمثلا في كتابه ورسوله أوسع وأعظم وكفيلا بتحقيق الرشد اللازم والهداية الكافية للسير بالإنسان بشكل صحيح ولإدارة المجتمع الإنساني بشكلٍ سليم ولبناء الحياة بشكلٍ أفضل وبما يجنب البشر الكثير والكثير من المشاكل والأزمات وبما يدفع عنهم الكثير من المخاطر.

 

النقلة بالواقع العربي من ظلام الكفر إلى نور الإسلام كانت كبيرة

 وقد أثبتت التجربة العملية في حركة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالقرآن الكريم وبعثتهِ بالرسالة مصداقية ذلك فقد تحرك في أوساط المجتمع الجاهلي في البيئة العربية التي كانت تُعاني من الجهل والتخلف والأمية والعصبية العمياء وتعيش حالةً مأساوية من الفوضى والانفلات والضياع فتحرك صلوات الله عليه وعلى آله بالرسالة الإلهية وفق الطريقة التي رسمها الله له وكانت أول نواةٍ ومجموعةً انظوت تحت راية الإسلام مكونةً من ثلاثة أشخاص رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وزوجته الصديقة السابقة خديجة بنت خويلد وعلي ابن أبي طالب وواصل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حركتهُ بالرسالة مواجهًا كل التحديات ومتصدياً لكل الصعوبات برعاية الله ونصره ووفق تعليماتهِ وتوجيهاته فاتسعت تلك الدائرة حتى عم نور الإسلام في الجزيرة العربية وأما تأثيرهُ فامتد إلى كافة أنحاء المعمورة بمستوياتً مختلفة وكانت النقلة بالواقع العربي نقلة كبيرة من حالة الأمية والجهلِ والخرافة والكفر والفجور والفسقِ والظلم إلى نور الإسلام وهدايته والاعتصام بحبل الله تعالى وتغيير الواقع إلى واقع يسودهُ الحق والخيرُ والنور والعدل ومكارم الأخلاق كما قال الله تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ * وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).

 

ابتعاد الأمة عن الرسول القائد والقدوة وعن القرآن المنهج والاهتداء سبب في تراجع الوعي

 تسبب ابتعاد الأمة مع امتداد الزمن عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في موقع القيادة والقدوة وعن القرآن الكريم في موقع المنهج والإتباع والاهتداء في كثيرٍ من الأسس والمبادئ والأخلاق والمسؤوليات والتعليمات المهمة تسبب في خسائر كبيرة وأدى إلى تراجع خطير في الوعي والفهم والمعرفة الصحيحة وفي زكاء النفوس ومكارم الأخلاق، وبالتالي في واقع حياة الأمة، فاتجهت الأمة في مسيرتها عبر الزمن وللأسف الشديد نحو الانحدار أكثر وأكثر يقودها في ذلك ويسير بها إلى هوة المهالك سلاطين الجور وعلماء السواء الذين كانوا يحاربون بشدة أخيار الأمة وصالحيها والساعين إلى إصلاح واقعها عبر الأجيال، وتعيش الأمة اليوم محنة الانقسام الذي جعلها أمام مفترق الطرق أما طريق النفاق الذي يسعى دعاتهُ لأن يبقى الإسلام مجرد حالة شكلية وطقوساً باردة بين ما يكون أهلهُ جنداً مجندين وخدماً مطيعين لطاغوت العصر المستكبر المتمثل بأمريكا وإسرائيل، وتتحول الأمة المسلمة بكل طاقاتها وإمكاناتها وثرواتها واهتماماتها إلى رصيد إضافي يعزز من سيطرة أمريكا ومن نفوذها وهيمنتها على المستوى العالمي ويتحالف مع إسرائيل تحت الراية الأمريكية ضد كل صوت حر وضد كل حركة تسعى للاستقلال وتعمل من أجل حرية وكرامة الأمة، وهذا يمثل انحرافا كبيرا وخطيرا حذر منه القرآن الكريم ونهى الله تعالى عنه أشد النهي قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) وقال تعالى: (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ) وقال تعالى: (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا * إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا) وإما طريق الحرية والاستقلال والكرامة على أساس من هويتنا الإيمانية وانتمائنا للإسلام هذا الطريق الذي فيه خير الدنيا والآخرة وأساس هذا الطريق هو بالاقتداء برسول الله صلى الله وسلم عليه وعلى آله والتمسك بالقرآن بشكل صادق وأول شاهد على المصداقية في ذلك هو التحرر من التبعية لأعداء الإسلام ومن يواليهم يقول الله سبحانه وتعالى: (اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ) فبالاستقلال الفكري والثقافي تتحقق الحرية وننال الاستقلال التام عندما ننطلق في مسيرة حياتنا وفي مواقفنا على هذا الأساس ولو واجهتنا صعوبات في هذا الطريق وكلفنا ذلك التضحيات فالكلفة في ذلك أقل وأيسر من كلفة التبعية للأعداء والاستسلام بما لذلك من تبعات المذلة والقهر والخزي والاستعباد والظلم في الدنيا وجهنم في الآخرة.

إن الله معنا.. قاعدة الانطلاق لتبليغ رسالة الله

وكانت اللحظة الخطرة والحسَّاسة عندما وصلوا إلى قرب الغار، وكانت من أخطر اللحظات على حياة النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- وقد ذكر الله ذلك في القرآن الكريم عندما قال -جلَّ شأنه-: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[التوبة: الآية40]، في تلك اللحظة لم يكن بجانبه جيشٌ يقف لحمايته، ولا حتى حراسة قوية. شخص واحد فقط يقف بجانبه، شعر بالحَزَن والقلق الشديد في تلك اللحظة الحساسة والخطرة، والنبي -صلوات الله عليه وعلى آله- كان يطمئنه بهذه العبارة المهمة: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}، وهذه العبارة- بنفسها- تقدِّم لنا صورةً مهمة عن رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- فيما كان عليه من الثقة بالله -جلَّ شأنه- الثقة العظيمة بالله -سبحانه وتعالى- وهو في أخطر لحظة، في لحظة خطرة، وهو المستهدف، في تلك اللحظة هو المستهدف، والتركيز عليه، والهدف هو قتله، وفي تلك اللحظة الحسَّاسة والخطرة جدًّا كان على هذا القدر من الثقة بالله -سبحانه وتعالى- والاطمئنان التام، {إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}، كان يشعر بأنه مع الله والله معه، كان يشعر بهذه المعية، وماذا تعنيه هذه المعية: أنه في موقع الحماية الإلهية، النصر من الله -سبحانه وتعالى- التأييد من الله -سبحانه وتعالى- الحفظ من الله -سبحانه وتعالى- {إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} وهذه هي كانت القاعدة الأساسية التي انطلق منها من أول يومٍ في حركته بالرسالة الإلهية.

 

قد يعجبك ايضا