ثقافة قرآنية :صحيفة الحقيقة العدد “345”: دروس من هدي القرآن للشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي رضوان الله عليه

 

كلمات من نور

عندما يرشدنا الله أن نسير على هذه الطريق، عندما يهدينا إلى هذا النّهج هو يقول لنا: بأنه سيكون معنا أنه سيقف معنا، وعندما يحصل لدينا إيمان بأنه سيقف معنا فلنعلم من هو الذي سيقف معنا، هو من له ما في السماوات وما في الأرض وإليه ترجع الأمور.

الله تعالى يخلق للسائرين على هديه متغيرات تجعلهم قادرين على قهر عدوهم

{تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ} (البقرة: من الآية252) {تِلْكَ} إشارة إلى هذه الآيات، وكلمة {آيَاتُ} تعني أعلام أعلام من الهدى، أعلام من البينات، أعلام إلى الحقائق. {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ} حق لا ريب فيه، حق لا شك فيه، حق لا يتخلف.

{تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعَالَمِينَ} (آل عمران:108) كل هذه التأكيدات من عند الله سبحانه وتعالى بشكل رهيب، بشكل يخلق في نفس الإنسان شعوراً بالحياء, بالخجل أمام الله سبحانه وتعالى، تكشف عن رحمته العظيمة بعباده، إنه يرشدنا؛ لأنه لا يريد لنا أن نُظلم.

ثم عندما يرشدنا أن نسير على هذه الطريق، عندما يهدينا إلى هذا النّهج هو يقول لنا: بأنه سيكون معنا أنه سيقف معنا، وعندما يحصل لدينا إيمان بأنه سيقف معنا فلنعلم من هو الذي سيقف معنا، هو من له ما في السماوات وما في الأرض وإليه ترجع الأمور. هو من يمكن أن يهيئ، هو من يمكن أن يخلق المتغيرات، هو من يمكن أن يهيئ الظروف، هو من يمكن أن يُعَبِّدَ الطريق، هو من يهيئ في واقع الحياة المتغيرات التي تجعلكم قادرين على أن تصبحوا – وأنتم تسيرون في هذا الطريق – أن تصبحوا أمة قادرة على مواجهة أعدائكم، على ضرب أعدائكم، على قهرهم؛ ولهذا جاء بعدها: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} (آل عمران:109) أي ثقوا بأني عندما أهديكم أن تسيروا على هذا الطريق أني بيدي ما في السماوات وما في الأرض، سأستطيع أن أجعل من يؤيدكم من خلقي، ألم يجعل الله الملائكة تؤيد المسلمين في بداية تحركهم مع الرسول (صلي الله عليه وعلى آله وسلم)؟.

{وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (الفتح: من الآية7) هو من كل من في السماوات والأرض خاضع له يستطيع أن يهيئ يستطيع أن يفتح الفُرَج، أن يفتح الثغرات في ذلك الجدار الذي تراه أمامك جداراً أصماً، تراه جداراً من الصلب، هو من يستطيع أن يفتح في هذا الجدار أمامك فترى كيف يمكن أن يضرب هذا الجدار، كيف يمكن أن يدمر ذلك الجدار، الذي ترى نفسك مهزوماً أمامه، ترى نفسك ضعيفاً أمامه، تراه من المستحيل أن تتجاوزه، من المستحيل أن تعلوه، من المستحيل أن تهدمه، {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ}.

نحن قلنا أكثر من مرة كيف بإمكان الإنسان – إذا تأمل في واقع الحياة – أن يرى ما يهيئ الله أمام عباده، أمامهم يهيئ الكثير من الفرص؛ لترى وتثق بأنه ليس هناك من يمكن أن يغلق الأجواء أمامك كاملة، ليس هناك من يمكن أن يحيطك بسور من الحديد بسور فيقفل ويحصرك في موقعك، ترى كل شيء مستحيلاً أمامك، إن الله يهيئ، إن الله يسخر، إن الله يخلق المتغيرات، الأمور بيده، له ما في السماوات وما في الأرض. أليس هذا مما يعزز الثقة في نفوس من يسيرون على هديه؟.

وإنه لا يعطي تلك التهيئة ولا يهيئ ذلك إلا لمن هم جديرون بها، ولمن تكون حجة عليهم تلك التهيئة تلك الانفراجات تلك الفرص إذا ما قصروا وفرطوا وتوانوا في استغلالها والتحرك لاستغلالها.

{وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} (آل عمران:109) صدق الله العظيم.

كن مستقيماً، واثقاً من طريقتك متجاوزاً للساخرين وفئة المقترحات

أما الفئة الأخرى فهي فئة مقترحات، وهي غير مؤمنة بالموضوع، ولا هي متجهة فيه، تعطيك أولويات، فالإنسان إذا لم يكن فاهماً يكون عنده [والله يمكن أنه صدق ربما أننا لو عملنا كذا لساروا معنا]، قد يسير معك مؤقتا ولا تدري وجلس، ويكون تحولك إلى اعتبار أولويته له أثر سلبي في مجالات أخرى.

لاحظ هنا كيف الرسول (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) في مرحلة دعوته حتى نعرف أساليب الدعوة كيف هي، وفي الواقع معناها أساليب إقامة القسط؛ لأنه قد أصبح معنى الدعوة، يعني: الوعاظ هكذا لمجرد الوعظ، أساليب كيف يكون الناس أمة قائمة بالقسط، شهداء لله، هذا الشيء المهم، الإنسان بحاجة إلى أن يكون لديه رؤية متكاملة بالنسبة للإنسان أمامه، القرآن الكريم شخَّص المجتمعات، وشخص الإنسان أمامك بحيث تعرف أن هذه النوعية قد تكون كذا، من أجل لا تحبط أنت، تستمر في عملك، لا تكون أنت ترى هذا النوع وكأنه يمثل البشرية جميعاً، أترك هذا النوع لوحده يمكن تتجاوزه، ثم يهمش تماماً. وهذا الذي حصل في صدر الإسلام، ألم يتهمش كل أصحاب المقترحات هذه؟ {لوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ} (الأنعام: من الآية8)، لولا كذا .. هؤلاء تهمشوا هناك، يوجد بشر كثير سيستجيبون، وهؤلاء ينتهون في الأخير، الآخرين انتهوا على جنب.

{وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ} (الأنعام: من الآية10)، لا يكون عندك أنك أمام أول إشكالية تحصل أمام رسول، من قبلك حصل لرسل استهزؤوا بهم، واستهزؤوا بآياتهم، وسخروا منهم، أي: فمعناه واصل، لا تبالي، هذه قضية غير جديدة، فلا ترجع على نفسك وتقول [لماذا إما أنا] أو [ما هو السبب؟] لا، واصل في عملك وأنت ستعرف من خلال عملك؛ لأنه يقدم في نفس الوقت كيف تكون مسيرة الإنسان بشكل صحيح، كيف تكون أساليبه صحيحة، لكن هناك فئات لا ينفع معها أي أسلوب تختاره مهما كان، لو اقترحت أن ينزل كتاباً من السماء في قرطاس ويلمسونه لن ينفع فيهم!. الإنسان يجمع بين القضيتين، يعرف كيف هي الأساليب الصحيحة، وفي نفس الوقت يعرف الناس أن فيهم من لا ينفع معهم أي أسلوب؛ لتستمر، لا يحدث لك إحباط، ولا يأس.

 

{وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} (الأنعام:10) وهنا يعطي الناس أملاً {فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} (الأنعام:5)، وهنا أيضاً: {فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}، تكون عارفاً بأن مصير الساخرين هؤلاء في الأخير أن يحيق بهم أمر الله. خلاصتها ماذا؟ خلاصتها أن تبقى أنت مستقيماً، وواثقاً من نفسك، وواثقاً من طريقتك، ومواصلاً لعملك، لا إحباط، ولا يأس، ولا تراجع، ولا ارتباك بين محاولة أقلمة وضعك وعملك استجابة لمقترحات من جانب الآخرين، مقترحات أولويات من جانب هؤلاء الرافضين والساخرين.

{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} (الأنعام:11)، هذه واحدة من آيات النظر، أليست واحدة من آيات النظر؟ النظر في القرآن يجب أن تعرف متى يقدم، وفي أي موضوع يقدم، وإلى أي شيء يلفت نظرك، وليس أن نأخذ منها: [فدل على وجوب النظر] والنظر ماذا؟ في الأخير يشغِّلونه في غير موضعه، يجعلونك تنظر نظر قَلَبْ، وتضيع وقتك في قضية لا حاجة إليها، قضية محسومة أساساً.

{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ}، سترون آثارهم، آثار المكذبين. {قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} (الأنعام:12)، عندما يقول لهم: {قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} هم في نفس الوقت في آيات أخرى يقولون: هي لله، لكن هنا يقول: أنت قل لله، ولو قبل ما يقولون، ولو سيقولونها، قل أنت.

قد يعجبك ايضا