الإيمان والمسؤولية: مفتاح الحياة للأُمَّـة

بشير ربيع الصانع
الأُمَّــة ودفقة الحياة في شرايينها، هي ذلك النبع الصافي الذي يروي الروح العطشى، ويصقل وجدان الإنسان ليصبح عضوًا فاعلًا لا متفرجًا خاملًا في هذا الكون.

هي القوة الكامنة التي تجعلك تستيقظ كُـلّ صباح وأنت تحمل على كتفيك أكثر من حقيبتك الشخصية: تحمل ثقل المسؤولية تجاه دينك وأمتك ومجتمعك.

​هذه التربية هي بناء داخلي عميق، يُعيد تشكيل وعيك الفردي لتعرف أنت من أنت، ولماذا وُجدت هنا، متى استقرت هذه الحقيقة في قلبك، تشعر أن حياتك لها معنى يتجاوز حدودك الضيقة، وتتحول من مُجَـرّد مستهلك إلى مستخلف مسؤول.​

​ثمرة هذا الإيمان الصادق هي شعورك الوجداني بالمسؤولية؛ شعور يحرقك ألمًا على آلام الآخرين، ويملأك فرحًا لإنجازاتهم. إنه إدراك أن مساحة واجبك تمتد لتشمل الأُمَّــة بأسرها. عندما ترى الظلم في أي بقعة من الأرض، لا تقول “ما لي وله؟”، بل يصرخ قلبك: “هذا تقصير مني!”. هذا الشعور هو محرك العمل الجاد، ودافع للتضحية في سبيل الله ونصرة القضايا العادلة. إن خذلانك لأمتك في قضاياها الكبرى، كما نرى اليوم في صمت بعضنا عن جراح إخوتنا في غزة، هو في حقيقته خيانة لرسالتك الإنسانية والإيمانية.

​إن الأُمَّــة التي تفقد هذه الروح الإيمانية تصبح كجسم بلا روح؛ تتخبط في مسيرها وتفقد تأثيرها، لأن التربية الإيمانية تمنح الأفراد القدرة على العمل الجماعي المتناغم، لأنهم جميعًا يتشاركون نفس الغاية السامية، وتدرك الأُمَّــة أن قوتها الحقيقية تكمن في وحدتها لا تفرقها.

​في المقابل، ما أشد مرارة النظرة الفردية! ذلك التفكير الضيق، المتمركز حول “أنا” ومكاسبي الخَاصَّة. هذا الإنسان يصبح عبئًا ثقيلًا على نفسه وعلى من حوله. إن انغلاقه يعزز العزلة، ويُكرس الأنانية التي هي أكبر ثغرة في جدار الأُمَّــة. هذه الثغرة هي ما يتسلل منها الظالمون والمستبدون ليهيمنوا ويسيطروا على مقدراتنا. ألا نرى حولنا كيف أن تفكك الصفوف يُقوي شوكة العدو؟

​ولكن، متى استقر الإيمان في قلبك، تحولت هذه المرارة إلى إرادَة قوية للمقاومة. المؤمن المستشعر لمسؤوليته لا يرى الوقوف في وجه الظلم والاستبداد عملًا اختياريًّا، بل جزءًا من صميم دينه؛ فواجب تغيير المنكر ليس تفضلًا، بل هو عهد بينك وبين خالقك. إنه لا يعزل نفسه عن قضايا أمته الحية، بل يعتبر أن كُـلّ كلمة حق يتفوه بها، وكل جهد يبذله في سبيل الإصلاح، هو قذيفة تصيب الباطل في مقتل. الإيمان هو الذي يضيء له الطريق ليرى المخاطر المحيطة، ويُدرك واجبه المقدس في مواجهتها.

​إن هذه التربية هي نداءٌ موجهٌ إليك وإليّ وإلى كُـلّ فرد. كُـلّ أسرة، كُـلّ معلم في مدرسة، كُـلّ إمام في مسجد، كُـلّ وسيلة إعلامية، يجب أن تكون مؤسّسة للبناء الوجداني. عندما يتحول هذا الوعي الإيماني ليصبح محور حياة المجتمع، عندها فقط تتحول الأُمَّــة بأكملها إلى قوة مؤثرة حقيقية، تعمل لتحقيق أهدافها في بناء عالم تسوده القيم والمبادئ السامية.

​فلنتذكر دائمًا: الإيمان والمسؤولية هما المفتاح لبناء أُمَّـة لا يمكن إخضاعها. إنها التربية التي تجعلنا ندرك قيمة وجودنا، ونعمل بقلب واحد كحركة جماعية تخدم الحق وتنصر المظلومين. أما الانكفاء على الذات، فهو العلة التي تثقلنا وتمنعنا من التحليق. لنعمل جميعًا على أن نغرس هذه القيم في أعماق نفوسنا ونفوس أجيالنا، لنكون حقًا أُمَّـة لها أثرها ووزنها في ميزان الحياة.

 

قد يعجبك ايضا