من صنعاء إلى غزة… القوات المسلحة اليمنية تصوغ توازنًا جديدًا

البحر الأحمر.. ورقة ضغط جديدة في معادلات الحرب والسلام

تشهد المنطقة العربية منذ اندلاع الحرب على غزة تحولات ميدانية وسياسية متسارعة، أفرزت خريطة جديدة من التوازنات والاصطفافات، لم يعد الصراع مقتصرًا على حدود فلسطين المحتلة، بل تمدد ليشمل محاور بحرية واستراتيجية حيوية، من أبرزها البحر الأحمر الذي تحوّل إلى ساحة ضغط إقليمي.

في هذا السياق، برزت تحركات أنصارالله اليمنية كلاعب مؤثر في المعادلة الإقليمية، من خلال عملياتها ضد الأهداف المرتبطة بالكيان الصهيوني وحلفائه، وهو ما أضاف بُعدًا جديدًا للمواجهة بين محور المقاومة والمحور الغربي.

هذا الدور، كما يشير قياديون في الحركة مثل محمد البخیتی ومحمد الفرح، لم يكن مجرد دعم رمزي لغزة، بل جزء من استراتيجية ضغط شاملة تهدف إلى تعزيز الموقف التفاوضي للفصائل الفلسطينية وإعادة رسم قواعد الاشتباك في المنطقة، فكيف أصبحت تحركات البحر الأحمر عاملاً رئيسيًا في إعادة توازن القوى في الشرق الأوسط؟

البحر الأحمر… من ممر تجاري إلى ساحة نفوذ سياسي

كان البحر الأحمر لعقود مجرد ممر تجاري دولي، لكنه اليوم تحوّل إلى محور جيوسياسي بالغ الأهمية. السيطرة على خطوط الملاحة في هذا الممر تمثل ورقة قوة لأي طرف يمتلك القدرة على التأثير فيه، من هنا، جاءت تحركات أنصارالله في هذا البحر كرسالة مزدوجة: دعم لغزة من جهة، وتأكيد على أن أمن الملاحة الإقليمية لن يبقى بمعزل عن الصراع العربي–الصهيوني من جهة أخرى.

العمليات التي تبناها الجيش اليمني ضد السفن المرتبطة بالكيان الصهيوني أو حلفائه حملت بعدًا استراتيجيًا يتجاوز الردع العسكري، إذ فرضت واقعًا جديدًا في ميزان القوى الإقليمي، هذا الواقع أجبر القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا، على إدخال اليمن في معادلات الأمن البحري، بعدما كان يُنظر إليه كدولة محاصرة خارج النظام الإقليمي، بذلك، استطاعت صنعاء أن تنقل الصراع من نطاق جغرافي ضيق إلى مساحة أوسع، تجعل من البحر الأحمر منصة تأثير سياسي تمارس من خلالها ضغوطًا على القوى الداعمة للكيان الصهيوني، في وقتٍ تسعى فيه المقاومة الفلسطينية لتثبيت شروطها في المفاوضات.

أنصارالله كعامل ضغط في مفاوضات غزة

تؤكد تصريحات محمد البخیتی أن العمليات التي نفذتها القوات اليمنية ليست تحركات معزولة، بل تأتي ضمن استراتيجية متكاملة لدعم المقاومة الفلسطينية سياسيًا وميدانيًا. فهذه العمليات، كما يرى مراقبون، منحت حماس ورقة ضغط تفاوضية جديدة، خاصة في ظل محاولات واشنطن وتل أبيب فرض شروط أحادية على وقف إطلاق النار.

التحركات اليمنية أربكت حسابات العدو الصهيوني، إذ وسعت نطاق التهديد من غزة إلى البحر الأحمر، ما جعل الكيان يعيش حالة استنزاف متعددة الجبهات، ومع تزايد التكلفة الأمنية والاقتصادية، باتت تل أبيب أكثر ميلاً إلى إعادة النظر في شروطها التفاوضية، من الناحية السياسية، أسهمت هذه التحركات في تعزيز موقع محور المقاومة كمجموعة فاعلة لا يمكن تجاوزها في أي تسوية مقبلة، ومن الناحية الرمزية، أظهرت وحدة الموقف العربي–الإسلامي المناهض للعدوان على غزة، لذا، يمكن القول إن أنصارالله لم يكن مجرد داعم معنوي، بل فاعلا استراتيجيا ساهم في تعديل مسار التفاوض من خلال أدوات ميدانية ملموسة.

البعد الإقليمي والدولي للتحركات اليمنية

لم تقتصر انعكاسات تحركات أنصارالله على الساحة الفلسطينية فحسب، بل امتدت إلى الإقليم برمته، فالمجتمع الدولي، ولا سيما القوى البحرية الكبرى، وجد نفسه أمام تحدٍّ جديد في تأمين خطوط التجارة العالمية عبر البحر الأحمر، هذا التحدي دفع دولًا كأمريكا وبريطانيا إلى تشكيل تحالفات بحرية، إلا أن تلك التحالفات واجهت صعوبات ميدانية في مواجهة القدرات اليمنية المتنامية.

تحول البحر الأحمر إلى بؤرة اشتباك غير مباشر بين محور المقاومة والمحور الغربي، أعاد إلى الأذهان معادلات الحرب الباردة، ولكن بوجهٍ شرق أوسطي، في المقابل، أدركت القوى الإقليمية أن استقرار الملاحة مرتبط بمدى التزامها بوقف العدوان على غزة وإنهاء المأساة الإنسانية هناك.

هذه التطورات جعلت من الأزمة اليمنية عنصرًا فاعلًا في هندسة الأمن الإقليمي، لا مجرد قضية داخلية محصورة بحدود اليمن، كما ساهمت في إعادة الاعتبار للبعد الجغرافي والسيادي لليمن، الذي أصبح اليوم نقطة توازن استراتيجية في معادلة الشرق الأوسط الجديد.

بين السياسة والميدان… توازن جديد في المنطقة

تشير المعطيات إلى أن التحركات اليمنية فرضت توازنًا جديدًا بين العمل السياسي والميداني في إدارة الصراع، فبينما تسعى الأطراف الدولية إلى وقف إطلاق النار عبر المفاوضات، جاءت تحركات أنصارالله لتذكّر بأن القرارات السياسية لا تنفصل عن الحقائق الميدانية.

من جهة أخرى، ساعد هذا التوازن على تعزيز خطاب المقاومة الذي يرى أن الأمن لا يتحقق إلا بتوازن الردع، فالمبادرات السياسية لم تعد تُقاس فقط بلغة البيانات، بل بمدى قدرتها على التأثير في مسار الأحداث، ومع استمرار المفاوضات، يبدو أن أنصارالله نجحت في تحويل معادلة “التهديد” إلى “نفوذ تفاوضي”، لتصبح طرفًا يُحسب له حساب في أي تسوية قادمة، هذا التحول يضع اليمن في موقع جديد، تتقاطع فيه الجغرافيا بالسياسة، والإرادة الشعبية بالقرار الإقليمي.

في الختام ، من الواضح أن تحركات أنصارالله في البحر الأحمر تجاوزت البعد العسكري إلى إعادة صياغة المشهد السياسي الإقليمي، فبفضل هذه التحركات، لم تعد غزة وحدها تتحمل عبء المواجهة، بل باتت هناك جبهات دعم متكاملة تسهم في خلق توازن جديد في معادلات الحرب والسلام.

لقد أثبتت الأحداث أن ميدان البحر الأحمر يمكن أن يتحول إلى أداة ضغط سياسية فعالة، تعيد الاعتبار للقضايا العربية وتفرض حضورها على طاولات التفاوض الدولية، وبينما تتواصل الجهود للوصول إلى تسوية دائمة، يبدو أن أنصارالله، من خلال تحركاتها الاستراتيجية، رسخت معادلة جديدة في الشرق الأوسط مفادها أن القوة الميدانية أصبحت جزءًا لا يتجزأ من الدبلوماسية الحديثة.

الوقت التحليلي

قد يعجبك ايضا