حماس ترد على مبادرة ترامب: موافقة مشروطة تحفظ الثوابت وتمنع الوصاية الأجنبية
تقرير ـ جميل الحاج
«نعم للاتفاق.. لا للاستسلام أبداً»
قبل يومٍ واحدٍ فقط من انتهاء المهلة التي حددها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لحركة حماس للرد على مبادرته ذات البنود العشرين، كشفت قيادة المقاومة الفلسطينية، عبر الوسيط القطري، عن موقفها النهائي من الخطة الأمريكية المقترحة لوقف الحرب في غزة.
موقفٌ وُصف بأنه مزيج من الحذر الدبلوماسي والصلابة المبدئية، تحت شعار: «نعم للاتفاق، لا للاستسلام أبداً».
موقف مدروس: القبول بشروط تحفظ الكرامة
أوضحت قيادة حماس في بيان رسمي أن الحركة وافقت من حيث المبدأ على الإطار العام للمبادرة الأمريكية، لكنها أكدت أن “بعض القضايا لا تزال بحاجة إلى مداولات إضافية ومشاورات معمقة”.
وفي تصريحات متلفزة لقناة الجزيرة، قال موسى أبو مرزوق، عضو المكتب السياسي لحماس:
“تصدّر أولوياتنا وقف نزيف الدماء، ومن هذا المنطلق تعاملنا بإيجابية مع المبادرة، لكن التنفيذ يحتاج لتفاصيل واضحة وضمانات حقيقية.”
وأضاف أبو مرزوق أن المفاوضات المقبلة ستشمل كل القضايا الحساسة، بما فيها ملف السلاح والمقاومة، مشيراً إلى أن حماس “لن تضع سلاحها إلا في عهدة حكومة فلسطينية وطنية، لا تحت أي إشراف أجنبي”.
ووصف القيادي في الحركة بعض البنود بأنها “مجافية للواقع”، مثل شرط تسليم الأسرى والجثامين خلال 72 ساعة، قائلاً إن “هذا طرح تنظيري لا يراعي الظروف الميدانية ولا الواقع الأمني.”
حماس: إدارة غزة شأن وطني لا يُفوَّض للغرباء
وفيما يتعلق بمستقبل الحكم في غزة، شدّد أبو مرزوق على أن الحركة اتفقت وطنياً على تسليم الإدارة لشخصيات تكنوقراط مستقلة، على أن تبقى السلطة الفلسطينية المرجعية العليا.
وقال: “رسم خارطة المستقبل الفلسطيني قضية وطنية لا تنفرد حماس باتخاذ القرار بشأنها.”
ويستند هذا الموقف إلى اتفاق القاهرة الموقع بين حركتي حماس وفتح في نوفمبر 2023، والذي نص على تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم جميع القوى السياسية.
القيادي البارز في حماس أسامة حمدان، أكد بدوره في حديث لقناة العربي أن الحركة “على أهبة الاستعداد لبدء مفاوضات تبادل الأسرى فوراً”، لكنه شدد بلهجة قاطعة:
“لن نقبل تحت أي ظرف أن يتولى طرف غير فلسطيني إدارة غزة.”
وأوضح أن “عملية التبادل المعقدة لا يمكن إنجازها خلال 72 ساعة، وأن المفاوضات تحتاج إلى تفاهمات أمنية دقيقة تراعي الحقائق الميدانية.”
أما طاهر النونو، المستشار الإعلامي لرئيس مكتب حماس، فقال: “نحن مستعدون للتفاوض الفوري حول تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار وانسحاب جيش الاحتلال من غزة، دون أي شروط مسبقة تمسّ حقوق شعبنا.”
ترحيب دولي بالموقف الفلسطيني
رد حماس المتوازن أثار ترحيباً دولياً واسعاً، إذ وصفه قادة العالم بأنه “خطوة تاريخية نحو إنهاء صراع دام عامين”.. في واشنطن، نشر ترامب تغريدة على منصة “تروث سوشال” قال فيها: “يبدو أن حماس مستعدة لسلام دائم. على إسرائيل وقف القصف فوراً حتى نتمكن من إتمام صفقة الأسرى.”
وأعلن البيت الأبيض أن ترامب “سيرد على موافقة حماس قريباً بعد دراسة الملاحظات المقدمة”.
أما في أوروبا، فقد أشاد كير ستارمر، رئيس وزراء بريطانيا، بموقف الحركة واصفاً إياه بـ“الجرأة السياسية التي تفتح الباب أمام شرق أوسط جديد”.
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون: “ينبغي تنفيذ التزامات حماس دون تأخير، فهذه فرصة سانحة لتحقيق تقدم حقيقي نحو السلام.”
كما أعلن المستشار الألماني فريدريش ميرتس أن “هذه أثمن فرصة للسلام في غزة المنكوبة”، بينما دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى “وقف فوري للعدوان الصهيوني، واعتبار موقف حماس خطوة بناءة ومحورية نحو سلام مستدام.”
وتوالت المواقف المرحبة من أستراليا، إيطاليا، أيرلندا، والنمسا، إضافة إلى بيانات دعم من وزارتي الخارجية المصرية والقطرية اللتين أكدتا استعدادهما لرعاية أي محادثات مباشرة بين الأطراف المعنية.
أما الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش فقد وصف الخطوة بأنها “فرصة ثمينة لإنهاء الحرب المستعرة في غزة، وإعادة الأمل إلى شعب أنهكه الحصار والدمار.”
تحليل الموقف: نعم للسلام.. لا للانكسار
أكدت حماس في بيانها أن “تعريف الإرهاب الوارد في الخطة الأمريكية لا يمكن أن يُسحب على حركات التحرر الوطني”، في إشارة إلى رفضها المساس بشرعية المقاومة المسلحة ضد الاحتلال.
كما شددت على أن السلاح سيبقى في عهدة الحكومة الفلسطينية، لأنه “سياج الحماية الأخير أمام مخططات الاحتلال.”
يأتي هذا الموقف في لحظة إنسانية مأساوية يعيشها القطاع المحاصر، حيث تجاوزت الكارثة حدود الحرب إلى مجاعة وأوبئة ونزوح واسع.
غير أن حماس، رغم ضغوط واشنطن وتل أبيب، رفضت الرضوخ لشروط الإملاء، وأكدت أن أي اتفاق لا يحفظ كرامة الفلسطينيين لن يكتب له البقاء.
من وجهة نظر المراقبين، فإن الحركة نجحت في تحويل خطة ترامب من وثيقة استسلام إلى أرضية تفاوض، أعادت صياغتها بما يتسق مع المصلحة الوطنية.
فرفضها تسليم الأسرى بشكل عاجل مثلاً، لم يكن مناورة، بل إدراكاً عميقاً بأن فقدان هذه الورقة سيمنح نتنياهو اليد الطولى في فرض الشروط.
الكرة في ملعب واشنطن وتل أبيب
الأنظار الآن تتجه إلى البيت الأبيض، لمعرفة ما إذا كان ترامب سيقبل التعديلات الفلسطينية أم يصرّ على الشروط الأحادية.
ففي حال أبدت واشنطن مرونة، يمكن أن تنفتح نافذة جديدة لمسار سياسي غير مسبوق، لكن إذا تمسكت إسرائيل بخطابها المتشدد، فإن دوامة الحرب ستستعر من جديد.
ورغم إعلان نتنياهو دعمه الكامل لخطة ترامب، إلا أن أوساطاً سياسية إسرائيلية حذّرت من أن “أي قبول بشروط حماس سيهدد تماسك الحكومة اليمينية المتطرفة”.
ونقل موقع “أكسيوس” عن مسؤول صهيوني قوله إن نتنياهو “صُدم من تغريدة ترامب”، واعتبر أن “رد حماس لا يعني القبول الكامل، بل مناورة سياسية ذكية.”
حماس في موقع المبادرة
رغم كل الضغوط، تبدو حماس اليوم أكثر تماسكاً واستعداداً لكل السيناريوهات.
فمن جهة، أبدت انفتاحاً دبلوماسياً محسوباً، ومن جهة أخرى، حافظت على عقيدتها المقاومة.
العمليات التي نفذتها الحركة خلال الأيام الأخيرة، وعرض مشاهد الأسرى الإسرائيليين، جاءت رسالة مزدوجة: “نحن مستعدون للتفاوض، لكننا جاهزون أيضاً للقتال.”
ورغم مساعي بعض الأطراف لإقصاء حماس عن إدارة غزة، تؤكد المعطيات أن الحركة ما زالت صاحبة الحاضنة الشعبية الأقوى، وأن أي ترتيبات سياسية دونها ستظل ناقصة وغير قابلة للحياة.
بين الواقعية والمبدئية
بهذا الرد المدروس، تمكنت حماس من تثبيت معادلة جديدة في الصراع:
الانفتاح على الحلول السياسية دون التخلي عن الثوابت.
قبول وقف الحرب دون التفريط بحق المقاومة.
حماية غزة من الوصاية الأجنبية تحت ستار “السلام”.
فهي، ببساطة، تقول للعالم: “نعم للاتفاق الذي يصون الدم الفلسطيني، ولا للاستسلام الذي يهدر كرامة المقاومة.”
وهكذا، نجحت الحركة في قلب الطاولة على واشنطن وتل أبيب، لتتحول من طرفٍ مُستهدف إلى فاعلٍ رئيسي في صياغة مستقبل المنطقة، وليبقى السؤال مفتوحاً:
هل يملك ترامب ونتنياهو الشجاعة لتقبل “سلامٍ بشروط الكرامة”؟ أم أن مسلسل الدم سيُستأنف من جديد؟