المشروع التوسعي لـ”إسرائيل الكبرى”: هل بدأ التنفيذ الفعلي على الأراضي العربية؟
يُمكن تصوير ما يقوم به العدو الإسرائيلي حالياً بأنه عدوان متعدد الجبهات ضمن استراتيجية واحدة، فالأحداث المتسارعة التي تشهدها المنطقة، بدءًا من حرب الإبادة التي يشنها العدو الإسرائيلي على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، مرورًا بتوسيع جبهات القتال لتشمل لبنان وسوريا، وصولًا إلى الضربات في العمق الإيراني، لا يمكن قراءتها كسلسلة من التحركات العسكرية المعزولة، بل هي فصول مترابطة ضمن مشروع استيطاني توسعي، تجد جذورها في عقيدة “إسرائيل الكبرى” وفي قلب هذا العدوان، تبرز “الصهيونية الدينية” كقوة دافعة داخل كيان العدو، حيث تدفع باتجاه حرب شاملة، وتدعو صراحةً إلى تهجير الفلسطينيين، وضم الضفة الغربية بالكامل، وإعادة بناء المغتصبات في غزة وجنوب لبنان، وإحياء المشروع الأيديولوجي الذي يرسم حدود الكيان إلى ما هو أبعد من فلسطين التاريخية.
وقد أعطى رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، بُعدًا واضحًا لهذه النوايا حينما وصف نفسه بأنه في “مهمة تاريخية وروحية”، مؤكدًا ارتباطه العميق برؤية “إسرائيل الكبرى” التي لا تقتصر على الأراضي الفلسطينية فحسب، بل تمتد لتشمل أجزاء من الأردن ومصر، هذا التصريح ليس زلة لسان، بل هو تعبير عن عقيدة متجذرة تنتظر اللحظة المناسبة للترجمة على الأرض.
الجذور الأيديولوجية: من “الوعد الإلهي” المزعوم إلى سياسة الأمر الواقع
تستند أطروحة “إسرائيل الكبرى” إلى تفسيرات تلمودية تزعم وجود “وعد إلهي” يمنح اليهود أرضًا تمتد من النيل إلى الفرات، وهي السردية التي شكلت الأساس الأيديولوجي للحركة الصهيونية لتبرير احتلال فلسطين، وهي ذاتها التي تتبناها اليوم التيارات الأكثر تطرفًا في حكومة العدو.
وقد جسّد ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لكيان العدو، هذا الفكر بوضوح حينما أعلن أن “للشعب اليهودي خريطة أخرى يجب على شباب اليهود أن يحققوها، وهي خريطة التوراة”. هذا الخطاب لم يغب يومًا عن سياسات العدو، بل يعود للظهور بقوة مع كل مرحلة من مراحل العدوان، من حرب عام 1967 التي شَرَعت الأبواب للاستيطان في الضفة الغربية وغزة والجولان وسيناء، إلى غزو لبنان عام 1982، وصولًا إلى حرب الإبادة الحالية على غزة.
“حلم صهيون”، خريطة “إسرائيل الكبرى” – جامعة كورنل
الجبهة الفلسطينية: ابتلاع الضفة ومخططات احتلال غزة
تتزامن تصريحات المجرم نتنياهو التوسعية مع إجراءات فعلية على الأرض، فبعد أقل من شهر على إقرار “الكنيست” مشروع قانون يمهد لفرض سيادة العدو على الضفة الغربية، تستعد حكومته لإعادة احتلال قطاع غزة بالكامل.
غزة: في 8 أغسطس 2025، أقرت حكومة العدو المصغرة خطة نتنياهو لاحتلال مدينة غزة ومخيمات الوسط، بما يعني السيطرة الكاملة على القطاع، هذا القرار يعكس إصرار المستوى السياسي اليميني الصهيوني على تحقيق أهداف عقائدية، تتمثل في إعادة الاستيطان إلى غزة، وحدد ما يُسمى رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير، الثلاثاء، مراحل خطة احتلال مدينة غزة، رغم استمرار مفاوضات وقف إطلاق النار غير المباشرة بين حركة المقاومة الإسلامية و”تل أبيب”، وقال موقع “والا” الإخباري الإسرائيلي، إن “زامير سيقدم اليوم لوزير الدفاع يسرائيل كاتس، مراحل خطة احتلال مدينة غزة”.
وتشمل تلك المراحل، وفق الموقع ما قال إنها استنتاجات وإدخال مبادئ أساسية في الخطط، لجعل احتلال المدينة أكثر فاعلية. كما تشمل تعزيز قوات “الجيش” الإسرائيلي في شمال قطاع غزة، وذلك تمهيدًا لاحتلال مدينة غزة، في إطار تكثيف الضغط العسكري على حماس وانتزاع مناطق تسيطر عليها وفق المصدر ذاته.
الضفة الغربية:
بالتوازي، يقود ما يُسمى وزير المالية في “حكومة” العدو بتسلئيل سموتريتش مخططًا لابتلاع الضفة الغربية، حيث صرح بضرورة أن يتعرض العرب لـ”نكبة جديدة”، وأعطى الضوء الأخضر لتنفيذ خطة “E1” الاستيطانية. تهدف هذه الخطة إلى بناء حوالي 3400 وحدة استيطانية لعزل القدس عن محيطها الفلسطيني، وتقسيم الضفة إلى شطرين، ما يقضي فعليًا على أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية.
وتؤكد أرقام هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية حجم الهجمة الاستيطانية؛ فمنذ 7 أكتوبر 2023، صادرت سلطات العدو أكثر من 52 ألف دونم من أراضي الضفة، ترافق ذلك مع استشهاد حوالي ألف فلسطيني وإصابة ما يقارب 7 آلاف برصاص جيش العدو ومغتصبيه.
في سياق متصل اعتبر بوعاز بيسموت رئيس ما تسمى لجنة الخارجية والأمن في الكنيست الإسرائيلي عضو حزب الليكود أن فرض السيادة على الضفة الغربية أهم من التطبيع، وقال بيسموت -خلال جولة قام بها الاثنين في الضفة- “إن هذه الحرب يجب أن تنتهي بالنصر”، مضيفا أن فرض السيادة يمثل انتصارا لـ”إسرائيل”، وأضاف أن قرار فرض “السيادة الإسرائيلية” على الضفة سينفذ قريبا، مشددا على ضرورة تطبيق “السيادة الإسرائيلية” على المنطقة.
وقبل أيام، أعلن ما يسمى وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش عن مشروع لربط مغتصبة “معاليه أدوميم” بمدينة القدس المحتلة بعد أكثر من 20 عاما من التأجيل، مؤكدا أن الخطة تحظى بدعم رئيس حكومة الكيان بنيامين نتنياهو.
وقال سموتريتش في مؤتمر صحفي إن “الدولة الفلسطينية تشكل خطرا على إسرائيل الدولة اليهودية الوحيدة في العالم”، مضيفا أن “الضفة الغربية جزء من إسرائيل بوعد إلهي”.
وأضاف أن “الحكومة” الإسرائيلية ستصادر آلاف الدونمات وتستثمر المليارات بهدف إدخال مليون مغتصب إلى الضفة الغربية.
الجبهة اللبنانية: تثبيت الاحتلال تمهيدًا للاستيطان
على الرغم من اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في 27 نوفمبر 2024، والذي انتهكته سلطة العدو آلاف المرات، لم ينسحب جيش العدو بالكامل من جنوب لبنان، وبدلًا من ذلك، ثبّت سيطرته على خمس تلال استراتيجية تطل على مغتصباته في شمال فلسطين المحتلة، وهي: تلة الحمامص، تلة العويضة، تلة العزية، جبل بلاط، وتلة اللبونة.
هذا التمركز العسكري أكثر من مجرد إجراء أمني، فهو يخدم أهدافًا توسعية أعمق، حيث كشفت حركات استيطانية للمغتصبين اليهود، مثل “أوري تسافون” وتعني (هيا إلى الشمال) عن خرائط تضم 300 مغتصبة مزعومة في جنوب لبنان، مع استبدال أسماء عبرية توراتية بالأسماء العربية، وهو أسلوب اتبعته الحركة الصهيونية لطمس الهوية الفلسطينية بعد نكبة 1948، وتعمل هذه الحركات -بدعم من شخصيات نافذة في حكومة العدو مثل “وزير الجيش” يسرائيل كاتس- على تسويق روايات تاريخية مزورة تدّعي وجود “تراث يهودي” في جنوب لبنان لتبرير احتلاله واغتصابه.
الجبهة السورية: استغلال الفوضى لفرض واقع جديد
بعد سقوط بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، سارعت قوات العدو الإسرائيلي إلى استغلال الفراغ الأمني لتوسيع احتلالها في سوريا وفي انتهاك صريح لاتفاقية فك الاشتباك الموقعة عام 1974، توغلت قوات العدو في المنطقة العازلة، لتضيف مساحة 235 كيلومترًا مربعًا إلى منطقة الجولان السوري المحتل.
ولم تكتف بذلك، بل شرعت في بناء واقع عسكري دائم، حيث أنشأت منذ ديسمبر/كانون الأول 2024 ما لا يقل عن 9 قواعد عسكرية، سبع منها داخل المنطقة العازلة واثنتان خارجها، وتشير تصريحات مسؤولي العدو -ومنهم “وزير الدفاع” يسرائيل كاتس- إلى نية البقاء طويل الأمد، وفرض “منطقة أمنية” في جنوب سوريا.
إلى جانب التوسع العسكري المباشر، تعمل سلطة العدو على تأجيج النزاعات الداخلية في سوريا، بفعل حماقات سلطات الجماعات التكفيرية التي ما برحت ترتكبها وتمنح العدو الإسرائيلي مبررات وذرائع للتواجد والتوسع في العمق السوري وأكثر، ففي منتصف يوليو 2025، شهدت محافظة السويداء تصعيدًا بين مجموعات درزية محلية ومسلحين من العشائر، بالتزامن مع كشف مصادر أمريكية وإسرائيلية عن جهود لفتح ممر إنساني مباشر بين كيان العدو والسويداء “للطائفة الدرزية” فقط، وبحسب تحليل مركز “جسور” للدراسات، يهدف العدو من خلال هذه السياسة إلى:
ترسيخ نفوذه عبر إنشاء أجنحة محلية موالية له.
تحريض المكونات السورية ضد بعضها لضمان استمرار النزاعات الداخلية.
تدويل ملف حماية الأقليات كذريعة للتدخل، تمهيدًا لتقسيم سوريا.
مشروع احتلالي متجدد
ما يجري اليوم في غزة ولبنان وسوريا ليس مجرد ردود أفعال، بل هو تطبيق عملي لمشروع احتلالي متجدد، من خريطة التوراة في خطاب بن غوريون إلى “المهمة التاريخية” في تصريحات نتنياهو، يتجسد الحلم التوسعي في سياسات ميدانية تهدف إلى تغيير الجغرافيا، والسيطرة على الموارد، وتفكيك المجتمعات المحيطة، لفرض هيمنة العدو الإسرائيلي على المنطقة، وتكريس استباحته الشاملة للدول ومقدراتها وشعوبها ومواردها وثرواتها.
موقع أنصارالله