تصعيد «غير مسبوق»: عدوان صهيوني على إيران … والمنطقة «على شفا انفجار»

في تطور هو الأخطر منذ سنوات، وفي سياق المواجهة المفتوحة بين إسرائيل وإيران، نفّذت تل أبيب فجر الجمعة سلسلة من الضربات الجوية الواسعة داخل العمق الإيراني، استهدفت منشآت نووية ومواقع عسكرية وشخصيات رفيعة في القيادة الإيرانية.

وبينما تبنّت إسرائيل العملية بالكامل، حاولت الولايات المتحدة النأي بنفسها عنها، رغم المؤشرات التي تُظهر تواطؤاً غير مباشر من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وفي المقابل، يبدو أن إيران تستعدّ لردّ محسوب قد يتطور إلى مواجهة طويلة.

الدور الإسرائيلي: استهداف واسع للمنشآت النووية والقيادات العسكرية

فجراً، عند الساعة 03:30 بتوقيت طهران، دوّت سلسلة انفجارات في العاصمة الإيرانية ومحيطها، بالتزامن مع تفعيل صفارات الإنذار في إسرائيل. وأكدت سلطات الاحتلال الإسرائيلي أنها نفّذت عملية تحت اسم «الأسد الصاعد»، استهدفت فيها «عشرات الأهداف المرتبطة بالبنية التحتية النووية والعسكرية الإيرانية».

ومن أبرز الأهداف التي طالتها الغارات، منشأة «نطنز» لتخصيب اليورانيوم، أحد أبرز مواقع البرنامج النووي الإيراني، ومواقع عسكرية في العاصمة ومحيطها.

كما أسفر العدوان عن اغتيال عدد من أبرز القادة العسكريين والعلماء النوويين، بينهم: حسين سلامي (قائد الحرس الثوري)، غلام علي رشيد (قائد مقر خاتم الأنبياء)، محمد باقري (رئيس الأركان).

إضافة إلى استشهاد 6 علماء نوويين هم: عبد الحميد مينوشهر، وأحمد رضا ذو الفقاري، وأمير حسين فقهي، ومطلبي زاده، ومحمد مهدي طهرانجي، وفريدون عباسي.

وفي تبريرها للعملية، قال رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن «إيران باتت على بُعد أشهر من تصنيع سلاح نووي»، وأضاف: «لن ننتظر حتى يُصبح الخطر وجودياً». كما شكر الرئيس ترامب على «موقفه الحازم» تجاه التهديد الإيراني.

الدور الأميركي: تواطؤ غير مباشر وخيارات محسوبة

رغم إعلان واشنطن عدم مشاركتها في العملية، فإن الوقائع تشير إلى تورط سياسي غير مباشر لإدارة ترامب، وذلك عبر مستويات عدة، أولها المعرفة المسبقة والسماح الضمني بالإقدام على العدوان، إذ إنّ الهجوم أعقب خمس جولات تفاوضية أميركية إيرانية لم تصل إلى نتائج، وتزامن مع إجلاء رعايا أميركيين من مناطق التوتر، ما يرجّح معرفة مسبقة وربما موافقة ضمنية على الضربة.

وفي المستوى الثاني، برز استخدام إسرائيل كورقة ضغط تفاوضي، فقد لوّح ترامب في وقت سابق بالتصعيد الإسرائيلي كبديل في حال فشل المفاوضات. والضربة الإسرائيلية جاءت تجسيداً لهذه «العصا التفاوضية»، لتفرض شروطاً جديدة على طاولة الحوار.

أما ثالثاً، فيأتي التنسيق «غير المعلن» لتحقيق أهداف مشتركة، فرغم محاولة الإدارة الأميركية التنصل من المسؤولية، فإن الضربة خدمت هدفاً أميركياً واضحاً وهو إيقاف البرنامج النووي الإيراني «من دون تورط مباشر».

ورابعاً، من الواضح أنّ المفاوضات جاءت كغطاء للتصعيد، إذ قدمت إدارة ترامب عروضاً تفاوضية غير واقعية، جعلت الفشل حتمياً، ما وفّر غطاءً ديبلوماسياً لتبرير الحل العسكري.

وما يثبت التواطؤ الأميركي «الخفي» في العدوان على إيران هو رهان واشنطن على نتائج الضربة، إذ تأمل الأخيرة أنّ تشكّل العملية ضربة معنوية ومادية تدفع طهران للعودة إلى المفاوضات بشروط أكثر مرونة.

كما إنّ الولايات المتحدة تتجاهل التداعيات الإقليمية للعدوان، إذ إنّ إدارة ترامب لا تُولي أهمية كافية لمخاطر انزلاق المنطقة إلى حرب شاملة، وهو احتمال واقعي في ظل التصعيد.

الرد الإيراني: ضربة «محسوبة» واستعداد لحرب استنزاف

في طهران، لا يُنظر إلى الضربة الإسرائيلية على أنها نهاية المعركة، بل بداية فصل جديد. ومع سقوط قادة كبار جراء العدوان، يزداد الضغط الشعبي والعسكري للرد، لكن الإستراتيجية الإيرانية تبدو معقّدة ومتدرجة، قد تبدأ بضربة عسكرية محدودة كـ«رد فوري»، فمن المرجّح أن تنفّذ إيران رداً عسكرياً مباشراً يستهدف منشآت أو مصالح إسرائيلية، في محاولة لردع التصعيد ومنع تكرار الضربات.

ومن ثم ستستعد إيران لحرب طويلة الأمد، وفي حال تكررت الهجمات الإسرائيلية، قد تدخل إيران في صراع مفتوح يستنزف إسرائيل على أكثر من جبهة.

وفي ظل التطورات التي قد تطرأ على المشهد، تشير المعطيات إلى أن إيران لن تتراجع عن تخصيب اليورانيوم، وتعتبر أن التراجع يُشبه السيناريو العراقي أو الليبي، وهو «ما ترفضه بشدة».

وقد تلجأ إيران إلى التصعيد التدريجي المشروط، وفي المرحلة الأولى، قد تكتفي إيران برد محدود، لكنها ستكون مستعدة لتوسيع ردها إذا استمرت الضربات، بما في ذلك استهداف مصالح أميركية في المنطقة.

وعلى المدى الطويل، قد تعيد طهران النظر في طبيعة الردع الإستراتيجي، وربما تسلك نهج كوريا الشمالية في بناء «مظلة نووية» كاملة للردع.

في الخلاصة، لا يمكن اعتبار الضربات الإسرائيلية الأخيرة «معزولة» عن السياق الأميركي، إذ شكلت امتداداً لخطة ضغط متكاملة وضعت فيها واشنطن إسرائيل في موقع المهاجم بالنيابة. ومع ذلك، فإن هذا النهج يحمل مخاطر كبيرة، خاصة إذا ما قوبل برد إيراني واسع. يمكن القول إنّ المنطقة اليوم على حافة تصعيد إقليمي قد يمتد ليطال مصالح دولية، مع غياب أي أفق حقيقي للحل السياسي.

الأخبار

قد يعجبك ايضا