غامرهم رُعبًا في الملاجئ

محمد صالح حاتم

ليست كُـلّ معركةٍ تُروى، فبعضُ المعارك تُكتَبُ بدماءِ قادتها قبل أن تُكتَبَ بحبرِ التاريخ.. هناك معاركُ تتوهّجُ فيها البطولة حتى يصيرَ القائدُ شهيدًا، وتتحوَّلُ الشهادةُ إلى ختم القيادة الحقيقي.

هكذا كان القائد الجهادي الكبير، الفريق الركن محمد عبدالكريم الغُمَاري –رئيس هيئة الأركان العامة– واحدًا من أُولئك القادة الذين لا يكتفون بإصدار الأوامر من خلف المكاتب، بل يصنعون الميدان بصلابتهم وإيمانهم.

لقد حقّق الغماري ما لم يحقّقه أيُّ رئيس أركان عربي أَو مسلم؛ إذ نجح في استهدافِ عمق الكيان الصهيوني بأكثر من (205) عملية نوعيّة، فدوّى صوتُه وصدى صواريخه في أُمِّ الرشراش، والقدس، والنقب، ويافا، وجعل العدوّ يعيش رعبًا دائمًا في حفر الملاجئ والتحصينات تحت الأرض من قدرات اليمن المتنامية.

وهو القائد الوحيد الذي استطاع أن يوقف البوارج وحاملات الطائرات الأمريكية في البحر الأحمر وباب المندب، ويُرغمها على الانسحاب، حتى اضطرّ ترامب إلى طلب وقف استهداف السفن الأمريكية، بعد أن أدرك أنّ في البحر الأحمر قائدًا لا يُخضعه التهديد ولا تُرعبه الجيوش.

وفي عهده، كانت غزة في قلب العقيدة القتالية للجيش اليمني، فساندها الجيش اليمني بقيادة الغُمَاري بأكثرَ من (1835) عملية إسناد، ما بين صواريخ باليستية ومجنّحة وفرط صوتية، وطائرات مسيّرة وزوارق حربية، لتتحول اليمن إلى عمقٍ استراتيجي للمقاومة، وتثبت أن معركة الأُمَّــة واحدة، مهما ابتعدت الجغرافيا.

لكنّ الأعظم من ذلك، أن الغماري لم يكن خريجًا من كلية ساندهيرست الملكية البريطانية، ولا من الأكاديمية العسكرية الفرنسية “سان سير”، ولا من أكاديمية ويست بوينت الأمريكية، ولا من أكاديمية فرونزي الروسية، بل تخرّج من كلية المسيرة القرآنية، من مدرسة القرآن والإيمان، من مدرسة القيادة الربانية التي تصنع رجالًا يواجهون العدوّ بإيمانٍ قبل السلاح.

في عهده، تحوّلت اليمن من بلدٍ محاصَرٍ إلى قوةٍ عسكريةٍ إقليمية تمتلكُ منظوماتٍ صاروخيةً متطورةً وطائراتٍ مسيّرةً تضاهي ما تمتلكُه كُبرى الدول.

استطاع الغماري أن يهزم جيوشَ تحالف العدوان، وأن يفرضَ معادلاتِ الردع في البحر والجو والبر، لتصبح كلمةُ اليمن مسموعةً في سماء الصراع العالمي.

ولأكثر من عشر سنوات، ظلّ العدوّ يبحثُ عن هذا القائد الذي أربك حساباتِه، ووضع اسمَه في مقدّمة قوائم الاستهداف، لكنه ظلّ عصيًّا على الرادار والاغتيال، حتى نال ما تمناه، وسقط شهيدًا في ميدان الشرف، بعد أن كتب بدمه فصلًا من فصول ملحمة الصمود اليمني.

إنّ المعركة التي يسقط فيها قادتُها العظماء لا تُهزم؛ لأَنَّها تُنجب ألف قائدٍ من دمائهم، وتزرعُ في الأُمَّــة جذوةَ العزّة التي لا تنطفئ.

وحين يسقط القائدُ شهيدًا، لا تُطوَى رايتُه، بل تُرفَعُ عاليًا فوق جبين الوطن.

لقد رحل الغماري جسدًا، لكنه بقي روحَ الانتصار، ورمزَ القيادة التي جمعت بين الإيمان والذكاء العسكري، والإرادَة التي صنعت المستحيل من بين الركام والحصار.

وهكذا، ختم الغماري رحلته كما عاشها: قائدًا في الميدان، وشهيدًا في سبيل الله، وبطلًا في ضمير الأُمَّــة.

سلامٌ على القائد الذي هزم الأساطيل، وأربك العروش، وانتصر للكرامة من قلب صنعاء إلى عمق فلسطين.

قد يعجبك ايضا